عرض معاصر مستوحى من منظومة الطيور

 

إضاءات خافتة بيضاء آتية من بعيد، تتأرجح على سبعة أجساد ممشوقة. تطير الأجساد بخفة في الفضاء محلقة كالطيور تتقاذفها تموجات ملونة لتتشكل بفعل المؤثرات الخاصة، ويتحول الجسد طاقة أثيرية تموج فيها الألوان وتتلاشى قبل أن تعاود التَشَكّل. تعلو أصوات الطيور متلاحقة وكأنها تطلق صرخة تحذير فتندفع في رحلتها الأبدية ليتساقط بعضها في تشكيلات جسدية رشيقة، ثم تنهض بخفة في رحلة لانهائية يبحث فيها الجميع عن قيم إنسانية اختفت أو تطايرت بفعل الزمن، القسوة، التكنولوجيا أو الغفلة.

خمسون دقيقة هي مدة العرض، ظلت فيها الأجساد السبعة ما بين التساقط والتطاير تبحث عن تلك القيم التي تتضمن في محتواها علاقة الإنسان بالحياة، وبحثه الدائم عن ماهية وجوده في عرض الإنتاج المشترك بين مصر وسويسرا «متطاير» الذي قدمته مجموعة Lies (أكاذيب)، وهي مجموعة من المسرحيين يطوّرون منحى جمالياً جديداً في الراقص المعاص، وعرض «متطاير» يعد إحدى تجاربهم التي تمزج بين لغة الجسد وتقنيات المسرح.

يقول أحمد سمير أحد أعضاء فريق المطورين: «متطاير هو مشروع مسرح جسدي مستوحى من مقامات الطيور، وهي منظومة من القصائد القروسطية كتبها الشاعر الفارسي فريد الدين العطار. العرض المسرحي يقدم مقتطفات قليلة ذات مغزى من منظومة الطيور، تلك القصة التي تحكي رحلة الطير في إشارة صوفية واضحة وفي إطار شعري آسر».

فكرة العرض مأخوذة عن رواية «منطق الطير» لفريد الدين العطار، الشاعر الفارسي المتصوف، وفيها تقرر مجموعة من الطيور القيام برحلة طويلة تعبر خلالها مجموعة من الوديان المختلفة، وخلال الرحلة تسقط طيور كثيرة بسبب مشكلات عدة، إما التعب أو الغرور أو حب الشهوات، كشكل رمزي لعلاقة الإنسان بالإيمان ومدى التصاقه بقيمه الأخلاقية، لكن بنظرتين: شرقية متمثلة في الصوفية، وغربية متمثلة في الرقص المعاصر. ويوضح سمير أن العرض بدأ بعد ورشة رقص معاصر مع المخرج والمدرب السويسري ماركو كانتلو، فتم اقتراح «منطق الطير» كرواية يمكن تجسيدها مسرحياً، لافتاً إلى أن الإبداع تمثل في الإنسجام الجميل بين العديد من التقاليد الثقافية.

استطاع العرض التأسيس لمشروع فني يتفاعل مع الضوء بأسلوب حديث، ظهرت من خلاله مقدرة المخرج على أن يجعل جسد الراقص دائم التحول، بحيث تنعدم المسافة بينه وبين الأشكال والمساحات المحيطة به ليندمج معها ويشكّل مادة واحدة يعيد تشكيلها. واحتضن العرض عدداً من اللوحات الضوئية التي حاكت كل منها هاجساً إنسانيّاً مختلفاً، غطى جوانب الإنسان بمختلف همومه وهواجسه وحالاته وتناقضاته ولحظاته التي تتغير خلال رحلة بحثه الدائم عن القيم الإنسانية الروحية، في إطار فني مشبع بالدلالات التي تمضي إلى بصر المشاهد وبصيرته معاً.

تقدّم العرض فرقة «لينجا» للرقص المعاصر التي أسسها كاتا رينزا جدانياك وماركو كانتالوبو، وهو مخرج الفرقة ومصمم رقصاتها.

والفرقة منذ تأسيسها عام ١٩٩٢ في لوزان السويسرية، تدمج الرقص بالسياسة والقضايا الاجتماعية. ويعمل الفريق على تطوير برامج تعليمية تدعم البراعة الفنية. وتعاونت الفرقة مع أوبرا أنقرة، ومسرح مانهايم الوطني، والفرقة البرتغالية للباليه. كما قدمت أكثر من 40 عرضاً خاصاً بها. وفي العام ٢٠١٢ تفاعلت مع المشهد المصري بالتعاون مع مؤسسة بروهيلفتسيا وفرقة دريفت والمؤسسة الدولية للإبداع والتدريب ( act – I)، ونتج عن هذا التعاون مجموعة «أكاذيب».

قدم العرض خلود محمد عبدالحميد وأحمد سمير متولي وباسم رضا القرموط وعصام علي عمر وآية نصر مصطفى ومحمد أحمد مكي ومحمد أمين صالح، والدراماتورج منحة البطراوي، والإضاءة والتقنيات التفاعلية من ابتكار إبراهيم الفرن، ومراجعة النص العربي لمدحت عيسى.

 

الإسكندرية – سامر سليمان

http://www.alhayat.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *