عرض الحريق يُعيد الملك لير للوجود ويؤلف بين دولتي المغرب والعراق في اتحاد فني ممتع / عزيز ريان نفس شكسيبري بدم (عراقي)عربي:

 

شاركت فرقة “جسور 18” بشراكة مع(دوز تمسرح) عرضها الحريق في فعاليات مهرجان فنون مشهدية بطنجة دورة 12 وذلك بقاعة متحف القصبة.

يُفتتح العرض بحريق بخلفية الخشبة عبر شاشة عرض،وشخصيتان يشاهدان المشهد. يبدأ الممثل الأول في الصياح:” يا رياح زمجري..اعصفي…احرقي…هدمي…وحطمي…لست الإنسان العاق.”فنعرف أننا أمام شخصيتين مختلفتين:” الملك والبهلول”. نتعرف على تفاصيل الحريق الذي شب بالمملكة على إثر صراعات قاتلة على الحكم. البهلول الذي يحمل فكرا عاليا غير الذي نعرفه على أمثالها في المسرحيات التقليدية. بعد محرقة السلطة والعرش يظل الإنسان تائها بين العواطف والتحجر.

قاسم محمد العراقي الذي خلف نصوصا مميزة قبل رحيله المؤلم. الكاتب المسرحي الراحل الذي درس على أيادي عمالقة الفن بالعراق وقام بالتمثيل في بعض الأدوار. له الكثير من الأعمال والدراسات التي تشكل نبشا في الكتابة العربية.

بالحريق اقتبس قاسم شخصية الملك لير وبهلوله لكن بشكل معاصر وبحسب ما يعرفه عالمنا العربي من منظور سياسي وفكري متشعب على مستوى الخلافة والحكم وصراعات السلطة المعهودة. بهلول هذا ينبه الملك لهفواته وهو يحاول اختيار من يخلفه من بناته ويستغني عن الأحق والأعقل بل ويسبب لها الألم. هي ذي اختيارات الحكام في خلافتهم وفي الرؤية للمستقبل الذي يرحلون فيه عن هذه الحياة.

شخصية “بهلول”  هو عبارة عن مستشار للملك وليس مهرجا أو مضحكا له فقط كما تعودناه في النصوص القديمة. هكذا نتابع استرجاعات أو إعادة تمثيل لوقائع مرة . فنعرف تعنت الملك وذكاء البهلول. هكذا بلغة فصحى يسيرة للممثلان اللذان أبانا على قدرات مختلفة في الأداء والتحكم في اللغة. مع وضوح في الصوت ووصولها للمتلقي مع تغير في الإيقاعات الركحية وملأ لفراغات الصمت بالعرض. مما خلف انسجاما وجدانيا ملحوظا بين ممثلين من دولتين مختلفين: المغرب والعراق وتقديم عصارة عربية تخدم العرض وتسنده. وإن سقطا في بعض التكرار الأدائي الذي لم يؤثر بشكل كبير في العرض. برغم طول العرض فالمخرج حاول الاستعانة بتصور مسرحي إخراجي سلس يعتمد على رؤية معاصرة تعتمد على البساطة والعمق. باعتبار موضوع العرض الذي يعتمد على الصراعات والمشاعر النفسية المختلفة والمتصاعدة.

الإخراج بين البصري والسردي:

محمد سيف: الممثل والمخرج(في آن) تسلح بآليات ميزونسية متنوعة لنقل النص من جانبه السردي إلى جانبه البصري والمرئي. فارتكز على طرق تنسج ترابطات عاطفية مع المتفرج وهاربا نحو قراءة متجددة وعميقة لدلالات النص مع استعمال أساليب فرجوية وركحية ومشهدية لشد الجمهور. مبتعدا قدر الإمكان عن الأسلوب التقليدي المتعارف دون الرضوخ للنص المسرحي وفك ركوزه وإعادة فهمها وتركيبها. كما وظف تقنية خيال الظل واستغلها بشكل فني ذكي عند نهاية العرض وخروج بهلول وبقاء ظله في الخيال كإشارة لبقاء السؤال البشري بشكل أزلي مهما عرفنا من مآسي وآلام وحروب ومسخ للإنسان.

فالسينوغرافيا  توزعت على شكل  صناديق مجرورة بحبل (4 صناديق مختلفة الحجم).طبعا الصناديق المقسمة إشارة رمزية مبدعة لهاجس التقسيم الذي يلاحق الدول العربية والتي تقسم غالبا لإمارات(صناديق) صغيرة لتحقيق لذة الحكم القاتلة.الحبال التي تحركها تظهر عدم استقلالية الدول العربية في تحركها ب(حبال) خفية لدول ولسياسات عالمية. فالملك لير دخل بداية وهو يجر هذه الحبال بشكل مرهق فالحكم وتسيير دول ليس بالأمر الهين. طبعا إضافة إلى الإشارة إلى التشتت والتنوع الطائفي والسياسي في عالمنا بشكل متناحر. الحبال من جهة أخرى وسيلة لقاء واتحاد لهذا التشتت والدول المختلفة والتي يسري بينها حبل سري كأنه المشيمة علينا أن نتنبه له لكي نتحد.

استعمال وسائل بصرية مصاحبة خففت من طول العرض وظهور دائم للممثلين. فلا بأس من انفتاح المسرح على أنماط تعبيرية جمالية لتطعيم لغة مسرحية سردية ودرامية للنص المسرحي وجعله شكل فرجوي وفني ينافس الأشكال الفرجوية المعاصرة. مع لباس أبيض بسيط يظهر فقر الحالة بعض سقوط المملكة. الربط بين حقبة قديمة عبر فيديو عرض على الشاشة خلق تشويشا لدى المتفرج إذ أحس أن الترابط قد لا يكون كليا بين ما يراه عبر الشاشة وبين ما يراه أمامه فوق الركح.

الموسيقى المصاحبة عكست الأجواء الملكية والراقية التي تعتمد على أنواع فنية وموسيقية بعينها.

عموما وظف العرض كل الآليات الجمالية المتاحة له،لكي ينقل لنا طاقة فكرية وحبكة درامية دفينة اعتمدها ممثلان لهما أداء سلس ومرن فوق ركح الخشبة.

 

ورقة تقنية للعرض:

اسم العرض: الحريق

سنة الانتاج:2016

المؤلف: قاسم محمد

تشخيص: عبد الجبار خمران،محمد يسف

إخراج: محمد يسف

فيديو: رومان مواسار

موسيقى: زكرياء حدوشي

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *