عبد الجبار خمران : جوائز مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر

 

الجوائز دائما محفزة خاصة في مجال الابداع لكنها ليست ذات خواص مادية بالأساس (أو فحسب)، فالجانب المعنوي والرمزي اهم طبعا.. وذلك شأن الجوائز المحترمة والتي تجزي الاسماء التي تستحق وتكرس الفرق التي تبتكر وتصنع النماذج التي تبدع فنيا وفكريا.. ونماذج الجوائز الرصينة وذات المصداقية عديدة ويعرفها كل المسرحيين.

وعندما لا يعتمد مهرجان مسرحي ما مبدأ المسابقة والتنافس وبالتالي إلغاء الجوائز.. فهذا اختيار يحترم ولكن لا يمكن ان يعتبر الاختيار الأمثل، طبعا، فإدارة اي مهرجان حرة في تحديد تصوراتها والاختيارات الخاصة بها، المهم في الامر هو تحقيق الاهداف التي يتوخاها كل مهرجان من اختياراته وتصوراته وفلسفته العامة في البرمجة والتأطير.

ومع ذلك سيبقى ان التمكن من المشاركة في فعاليات هذا المهرجان او ذاك هو نفسه بمثابة “جائزة” فهناك لجان ومعايير فنية وقيم جمالية يجب توفرها في العرض المرشح وعلى اللجن اعتمادها. خاصة اذا ما كانت سمعة المهرجان الفنية والفكرية من مستوى رفيع وتتبع ادارته اعتماد لجنة أو لجان من ذوي الاختصاص في مختلف المجالات المرتبطة بصناعة الفرجة المسرحية ومن اهل الخبرة الذين يتمتعون بالمصداقية ويتكئون في اختياراتهم – كما هو معهود في اللجن المحترمة – على معايير جمالية وفكرية رفيعة وصارمة.

ويبقى اختيار اي لجنة رهين بذوق وخبرة وتخصص أعضائها ولا ضير في ذلك طبعا اذا ما توفر الميل إلى المصداقية في التقييم والموضوعية في الاختيار، وكم من لجن نجحت في الإشارة بسبابة الجمال والموضوعية الى تحف فنية.
وبالحديث عن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي فعودته وتكريس فعالياته الفنية والفكرية هو من أفضل الجوائز التي يمكن ان تقدمها مصر للمسرحيين في العالم العربي خاصة و في العالم بشكل عام. وهي الجائزة التي انتبه اليها المسرحيون ومعهم المشرفون والمنظمون للمهرجان في مرحلته الثانية بعد توقف دام خمس سنوات. وذلك من خلال التنظيم المحكم والإصغاء الرفيع لكل ما يقال ويُتداول حول انشطة المهرجان، ومن خلال خلق النقاشات سواء منها المبرمجة أو الهامشية والتي يدور معظمها حول مضمون الندوات والعروض والوُرش وفعاليات المهرجان ككل.

ومن جوائز المهرجان أيضا ما حققه في دورتيه الاخيرتين بالفعل، والمتمثل في خلق ذلك اللقاء المهم بين المسرحيين والباحثين والنقاد وتداول مختلف المهتمين بالشأن المسرحي في العالم العربي وخارجه مواضيع تهم الفرجة والفكر المسرحيين والورش..الخ. ثم الحضور الملفت لذلك الجمهور المتعطش للمسرح ولثقافة الفرجة من مختلف الاعمار وخاصة الشباب.
لمسنا حقا خلال الدورتين السالفتين ان هناك سعي جاد، من طرف ادارة المهرجان والساهرين على التنظيم في مختلف اللجان، باتجاه خلق حالة مسرحية حقيقية. هناك مجهود كبير يُبذل، وطاقة حيوية ونابضة بالشباب يشرف عليها مسرحيون ومثقفون من طراز خاص يعملون على تنفيذ التصورات والبرامج بكثير من الاحترافية والحب. حب ان يعود للمهرجان اشعاعه وبريقه وان يساهم في ان تلعب مصر دورها التنويري والتثقيفي وأن تساهم المناشط المسرحية في ان تنفض بعضا مما قد يشوب هذا الدور من تشويش الجماعات الظلامية ودعاة الاحتفال بالموت بدل الفن والحب والحياة. وتحقيق هذا الهدف واحد من جوائز المهرجان والفعل المسرحي والثقافي عامة والذي نتمنى لمصر الفوز بها دوما وأبدا.

ومن الملاحظات التي يمكن طرحها :

– يستحسن ابعاد مواعيد العروض في اليوم الواحد بالقدر الكافي وبناء على مدة كل عرض، إذا ما ارادت ادارة المسرح ان يحضر الضيوف اكبر عدد ممكن من العروض. وربما يستحسن ان تدرج العروض الطويلة زمنيا في آخر اليوم إن امكن. وحتى لا يؤثر تأخر الضيوف في بعض الاحيان في الوصول الى المسارح على موعد انطلاق العروض.

– برنامج الندوات والمحاور الفكرية وتوزيعه على ايام المهرجان كان موفقا جدا.

– النشرة اليومية واكبت المهرجان وفعالياته بشكل احترافي وناجع. فبالاضافة الى ما تحققه بخصوص الجانب التوثيقي ساهمت النشرة في فتح النقاش وتداول الافكار بشكل موفق وفي ان يلتقط المهرجانيون ما قد لا ينتبهون اليه في خضم الايقاع السريع للعروض والندوات. لدرجة انها صارت ورشة تطبيقة لنقاش العروض ومنصة نظرية لمحاورة الضيوف من المسرحيين والاداريين والمسؤولين.

– اللجان التنظيمية كانت في منتهى الانضباط بالبرنامج وعمل اعضاؤها باحترافية جلية للجميع. ويستحقون التهنئة والتقدير.

– العروض المصرية فتحت لضيوف المهرجان وللجمهور المتتبع نوافذ فنية مهمة للإطلاع على تجارب شبابية لها اهميتها حتما. ولربما على أعضاء لجنة العروض المصرية ان يرتكنوا – من خلال ما نعرفه عنهم من خبرة واحترافية- الى فتح المجال امام عروض احترافية حتى يكون المهرجان صوتا لمختلف الحساسيات المسرحية المصرية.

عبد الجبار خمران / المغرب
(الفوانيس المسرحية)

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *