عبدالحسين عبدالرضا.. الشاهد على العصر- عبد الستار ناجي

عبدالستار ناجي

نعت الكويت يوم الجمعة الحادي عشر من أغسطس الماضي، النجم القدير عبدالحسين عبدالرضا، الذي وافته المنية في العاصمة البريطانية، اثر غيبوبة نتيجة جلطة حادة.
والراحل من مواليد 15 يوليو 1939 ولد في دروازة عبدالرزاق بفريج العوازم في منطقة شرق في الكويت.
وقد نعاه سمو الأمير الوالد الشيخ صباح الأحمد – حفظه الله – بقوله: ان الكويت فقدت علما في مجال الفن المسرحي الكويتي والخليجي والدولي.
ان المتابع الراصد لمسيرة الراحل الكبير عبدالحسين عبدالرضا، يعي جيدا، باننا امام فنان استطاع عبر مسيرته ونتاجاته ان يكون شاهدا على العصر، وعلى مسيرة نصف قرن من مسيرة الكويت وانجازاتها والمتغيرات والتطور الذي مرت به، منذ فجر الاستقلال المجيد وتأسيس الكويت الحديثة، حتى المرحلة الراهنة من تاريخها.
لقد عاش عبدالحسين عبدالرضا مرحلة الريادة والتأسيس للحركة المسرحية والفنية على حد سواء، فكانت اعماله تذهب في اتجاهات فنية عدة، حيث المسرح بكل تجلياته والتلفزيون عبر كم من الشخصيات والمسلسلات وهكذا الامر مع الاذاعة وبرامجها ومسلسلاتها وايضا الاوبريتات الغنائية ومجموعة الثنائيات الفنية التي قدمها والتي شكلت روافد لمسيرته الفنية.
ولو عدنا الى الوراء، لوجدناه حاضرا في العمل المؤسسي لفرقة المسرح العربي من خلال مسرحية صقر قريش التي اخرجها الراحل زكي طليمات، ويومها جسد بوعدنان شخصية المنجم كبديل للفنان عدنان حسين، من هناك انطلقت المسيرة صوب النجومية، وكان معه في تلك التجربة عدد من الاسماء ومنهم خالد النفيسي وسعد الفرج وغانم الصالح.
وتأتي الاعمال، التي اكدت عمق اختياراته، من خلال مسرحية اغنم زمانك وهي من تأليفه، وفي ذلك العمل، وعبر شخصية بوخالد رصد المتغيرات الاجتماعية اثر النقلة الاقتصادية.
ثم جاءت شخصية ابوماري في مسرحية الكويت سنة 2000 تأليف سعد الفرج، وهنا ايضا تحليل للحالة الاقتصادية والاجتماعية، وما ستؤول اليه لاحقا في العام 2000، علما بان العمل من انتاج عام 1966، وفي النص والعرض قراءة ذكية وعميقة للاحداث.
وتمضي المسيرة، عبر عدد من الاعمال، ودائما الاشتغال على المنظور الاجتماعي، والمتغيرات وايضا طبيعة العلاقات الاجتماعية، وهذا ما نلمسه في مسرحيات 24 ساعة وحط حيلهم بينهم ومن سبق لبق والليلة يصل محقان والقاضي راضي وحط الطير طار الطير ومطلوب زوج حالا وعالم نساء ورجل و30 يوم حب وهالو دوللي .. وهنا نحن نتحدث عن الفترة الزمنية من عام 1967 وحتى 1973، حيث الاشتغال دائما على الجانب الاجتماعي، عبر نتاجات مقتبسة ومعدة تخدم الظرف الانساني وتعبر عن الحالة الاجتماعية والمتغيرات التي راحت تعيشها الكويت.
ومع تجربته في بني صامت 1075، يأتي دور الشاهد، من منظور سياسي، واقتصادي، وهو عبر شخصية حسين بن صامت يذهب الى مضامين جديدة، عبر حكاية اسرة متوسطة يحرك الطموح المادي احد ابنائها وآثار وتبعيات ذلك التحرك اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.
ليعود بعدها الشاهد الى النتاجات ذات البعد الاجتماعي كما في مسرحيات ضحية بيت العز وعلى هامان يا فرعون وعزوبي السالمية.
ولكنه في عام 1981 ومن خلال مسرحية باي باي لندن تأليف نبيل بدران واخراج المنصف السويسي، يذهب الى بعد سياسي عربي شمولي مقرون بالنقد والتحليل، من خلال حكاية الممارسات لبعض المرضى الخليجيين في العاصمة البريطانية، في شخصية شارد بن جمعة يشتغل على مجموعة من المحاور، اولها شخصية الخليجي الذي ذهب للعلاج في لندن ليجد نفسه امام عاصفة من المتغيرات الاجتماعية لتعصف به، وهو يقدم نقدا عميقا لتلك الحالة، ويتجاوزها، الى ما هو أبعد من كل ذلك بكثير، ونعتقد شخصيا بان باي باي لندن هي قمة سنان اعماله وتجربته ومسيرته، وتمثل نقلة حقيقية في مشواره ونتاجاته، وبصمة ساهمت في انتشار اسم المسرح في الكويت ونجومه، وقبل كل هذا وذاك مناخ الحريات، والسقف العالي للتعبير، الذي يؤمنه الدستور والبرلمان.
وتذهب بوصلة الشاهد من المنظور السياسي العربي، الى الاقتصادي الكويتي – الخليجي، حيث يقدم مسرحية فرسان المناخ 1983 عبر مجموعة من الشخصيات ومنها منصور بوحظين وبوراشد وصاحب شداد ومناخ وبوعدنان في كل من تلك الشخصيات نحن امام رصد وتحليل مقرون بالشفافية العالية لازمة سوق المناخ، وهي الازمة الاقتصادية الاهم في تاريخ الكويت والمنطقة، مقدرة ذكية على استدعاء ذلك الحدث الاقتصادي، وظروفه وشخوصه، عبر قراءة مسرحية عالية الجودة، قام عبدالحسين نفسه بكتابة النص، لانه كان قريبا وملاصقا للحالة، بل لربما اكتوى بنارها التي اصابت شريحة كبيرة من أهل الكويت والمقيمين على حد سواء.
في فرسان المناخ تتحقق معادلة شاهد العصر الاقتصادي بأسلوب فني رفيع المستوى، كما تحققت المعادلة السياسية في اعمال مثل بني صامت وباي باي لندن ولاحقا باي باي عرب.
ثم تأتي مسرحية هذا سيفوه 1987، وهذه المسرحية منعت من العرض، وسببت ضجة كبيرة بالشارع الكويتي، وتتعرض المسرحية للكويت في مرحلة ما قبل النفط وبالذات الخمسينيات من القرن الماضي وعلاقة بعض التجار مع المبعوث البريطاني، ونشير هنا الى ان العرض ونجومه تعرضوا للمحاكمة، بل ان الراحل عبدالحسين عبدالرضا قد صدر بحقه حكم لمدة ثلاثة اشهر مع ايقاف التنفيذ وغرامة مالية 500 دينار وبراءة زملائه خالد النفيسي وسعد الفرج، وهذه الحادثة شكلت نكسة للمسرح السياسي الجاد.
وقد يتساءل البعض عن حيثيات الحكم ضد عبدالحسين عبدالرضا، والتي كما اشار اليها في حديث تلفزيوني تعود الى انه تقمص شخصية دور الشاب الشقي المستهتر والذي يتعرض لرجل الدين وغيره، وبالتالي فان الحكم الذي صدر بحقه صدر بحق الشخصية السلبية التي جسدها النجم الراحل.
وحينما يأتي الحدث الاهم في تاريخ الكويت، وهو الحدث المجلجل، حيث الغزو العراقي الصدامي الغاشم، وفور التحرير العظيم شرع الفنان عبدالحسين عبدالرضا بمسرحية سيف العرب والمسرحية من تأليفه، واخراج رقية الكوت في اول تجاربها الاخراجية، والعمل يرصد الممارسات العدوانية ابان الاحتلال الغاشم، وقدم بوعدنان خلال العرض شخصية بوخالد وصدام حسين في قراءة ذكية للاحداث وايضا الممارسات التي قام بها طاغية بغداد، معه في الفريق كان عدد بارز من النجوم، ومنهم حياة الفهد، ومريم الصالح وخالد العبيد وعبدالامام عبدالله وأحمد جوهر وطارق العلي.
ذات النهج، يمكن ان نلمسه في عدد من تجاربه الدرامية التلفزيونية، ولعل مسلسل درب الزلق 1977، خير شاهد على الاشتغال الذكي على عين الشاهد الراصد لقضايا الانسان والمجتمع، فهو عبر شخصية حسين بن عاقول الذي يريد ان يصبح تاجرا ثريا بأساليبه وطرقه المشروعة تارة وغير المشروعة تارات اخرى، عبر تحليل ذكي وشديد الشفافية لتلك المحلة واحداثياتها ومتغيراتها الاجتماعية والاقتصادية.
في عدد من اعماله مثل العتاوية وزمان الاسكافي وديوان السبيل والحيالة يذهب للبعد السياسي بطريقة رمزية ذكية وثرية بالاحداث والنقد.
وحينما نصل الى أبوالملايين والعافور وسيلفي 3 فانه يظل ذلك الشاهد على العصر، من هذه الزاوية او تلك.
لهذا فاننا امام نجم غير تقليدي، وفنان كان يعي ما يقدم وماذا يختار، عبر اختيارات ونتاجات ستظل حاضرة كلما تم استدعاء مرحلة او قضية او أزمة.
لاننا امام فنان عاش الفن وحوله الى قضية تعكس الظروف التي يعيشها الانسان والمجتمع.
ويبقى ان نقول.. عبدالحسين عبدالرضا شاهد على عصره.

 

http://www.annaharkw.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *