صبحي شفيق يضعنا على أعتاب المسرح الفرعوني الكوريجرافي الأوبرالي

في “مدخل إلى المسرح الفرعوني الكوريجرافي الأوبرالي”، يعرض مؤلف الكتاب د. صبحي شفيق، ما يعتبره محاولة من جانبه لتصحيح المفاهيم حول المسرح الفرعوني القديم، بما في ذلك ما يتعلق بالفروق بين المشاهد الجنائزية عند المصريين القدامى والممارسات الاحتفالية التي كان يقوم بها المصريون في الأعياد الرسمية لمصر الفرعونية القديمة، أو الأعياد الشعبية التي كان يحتفل بها المصريون على اختلاف الفترات التاريخية في مصر الفرعونية.

ويؤكد المؤلف أنه لفهم المسرح الفرعوني فإنه يجب أولا التحرر من الفكرة السائدة لدى المهتمين بهذا الموضوع عن المسرح الفرعوني، من أن المسرح عند المصريين القدماء يمكن أن يشبه المسرح التقليدي الذي تبلور في القرن السابع عشر ولا حتى المسرح الإغريقي الذي تبلورت ملامحه قبل ذلك.

• مسرح ديني

ويوضح المؤلف فكرته بأن بداية الخيط الذي يمكن أن يقود إلى صورة واضحة عن ما يمكن اعتباره مسرحا لدى المصريين القدامى، هو ما ورد في كتابات لهيرودوت تشير إلى أن المصريين القدامى كان لديهم ما يمكن وصفه بـ “مسرح طقوس أو مسرح ديني”، لكن تقاليد المعابد الفرعونية القديمة حتمت على من يشاهد عروض مثل هذا المسرح ألا يفصح عن تفاصيل هذه العروض أو يكشف عنها.

ويبدي المؤلف استغرابه من أن ما يعتبره سياجا من الصمت قد ضرب على الشهادات التي كتبها هيرودوت حول ما يمكن اعتباره “مسرحا فرعونيا” حتى لو كان هذا المسرح مجرد مسرح ديني أو مسرح للطقوس الجنائزية.

• فراعنة وإغريق

كما يشير المؤلف في الوقت نفسه أيضا إلى أن فيلسوف الإغريق أفلاطون قدم هو الآخر شهادات عينية تتضمن إشارات يمكن تتبعها وجود مسرح فرعوني قديم عندما كتب أفلاطون: “لقد سبق المصريون الشعوب إلى إقامة الأعياد العامة والمواكب العظيمة، وعنهم تعلم اليونانيون، ودليلي على ذلك أنها تقام عند المصريين منذ زمن بعيد، بينما لم يحتفل بها اليونانيون إلا منذ وقت قريب، والمصريون لا يحتفلون مرة واحدة في السنة بعيد شعبي عام، ولكن أعيادهم العامة كثيرة، أهمها ذلك الذي يتحمسون جدا لإقامته في مدينة بوباسطيس لارتيس ويليه عيد الآلهة إيزيس”.

حيث يخلص المؤلف من وراء ذلك إلى أن مصر الفرعونية كان بها عدة مدن تُقام فيها الاحتفالات بالأعياد الشعبية، وأنه يمكن تتبع ما تبقى من آثار هذه المدن والمواقع التي كانت تُقام فيها الاحتفالات، والبحث فيما تبقى من أطلال لها أو حتى إطار كامل لمعرفة المزيد عما إذا كان لدى المصريين القدامى نشاط مسرحي، أو ما يشبه النصوص الدرامية ضمن الاحتفالات الدينية بالأعياد الشعبية التي كانوا يقومون بها.

• أقنعة وإكسسوار

ومن خلال مقاربات تاريخية وعلمية مختلفة يخلص المؤلف إلى أن المعبد كان هو مؤسسة الدولة المصرية الفرعونية، وأن كل ما في المعبد يمكن اعتباره في هذا السياق مفردات عروض مسرحية، حيث أشار المؤلف إلى أن المعابد الفرعونية القديمة كانت تحتوي على مخازن للملابس والأقنعة وللحلي وسائر قطع الإكسسوار، بل إن المؤلف يشير إلى أن ما كان تتضمنه مخازن المعابد من ملابس وحلي وإكسسوار هي لغة رمزية يفهمها كهنة المعابد الفرعونية، ومفردات هذه اللغة الألوان والخطوط، وليس هذا فحسب، بل إن من يقوم بدور المشاهد في العروض التي كان يتم عرضها في هذا السياق، والذي كان عليه أن يفك رموز هذه اللغة، هو المسؤول في حقيقة الأمر عن القيام بدور “المونتير” خلال العرض المسرحي.

ومن خلال عرض لمفردات المشهد المسرحي التقليدي، يقدم المؤلف وصفا للإكسسوار الذي كان يستخدمه المصريون القدامى في عروضهم الجنائزية أو احتفالاتهم بالأعياد، ويعتبر المؤلف أن الإكسسوار كان موجودا بشكل واضح فيما يعتبره المسرح الفرعوني القديم.

ويشير المؤلف في هذا الصدد إلى ما ذكره البروفيسور ألكسندر موريه في كتابه بعنوان “الغوامض أو الأسرار المصرية”، عندما تحدث عن بعض الإجراءات التي كان يقوم بها كبير الكهنة المصريين ضمن الطقوس الفرعونية التقليدية بقوله: “إنه يعد بنفسه الإكسسوار اللائق به، ومن بينه الزروق المحمول وتعلوه مقصورة صنعت من خشب الجميز والأكاسيا ورصعت بالذهب والفضة والزمرد والإليكتروم، ثم يضع على جسد التمثال ملابسه وعلى رأسه تيجانه وصولجانه، وهي وظيفته التي يمارسها كرئيس عروض تراجيديا أوزير”.

أما عن الأقنعة والتي يعتبرها المؤلف واحدة من أدوات المسرح الفرعوني القديم، فيشير المؤلف إلى ما تحتويه المتاحف من أقنعة فرعونية مختلفة من بينها القناع الفرعوني الكامل، والأقنعة التي كان يرتديها الشبان الذين يقع على كاهلهم حراسة شخص آخر يحمل قناعا، وترجع هذه الأقنعة إلى فترات الأسر الفرعونية القديمة من الأسرة الثانية عشر إلى الأسرة السادسة عشر.

• دراما فرعونية

وبخلاف ما سبق، فإن المؤلف يخلص إلى أن الدراما الفرعونية قد سبقت الدراما الإغريقية بآلاف السنين، ويقول المؤلف في هذا الصدد: إنه بالنظر إلى وجود أقنعة مختلفة الأشكال والاستخدامات في نقوش على جدران المعابد الفرعونية القديمة، فإنه يمكن التأكيد على أن المصريين القدامى سبقوا الإغريق في معرفة المسرح وأداء النصوص المسرحية.

ويعتبر المؤلف أن الدليل على ذلك هو أن المسرح الإغريقي كان قائما بالكامل على استخدام الأقنعة، ويشير في هذا الصدد أيضا إلى أن المقابر الفرعونية توجد بها رسوم متعددة لأقنعة مختلفة الأشكال، من بينها رسم جداري على إحدى المقابر الفرعونية القديمة يظهر ساحرا قد ارتدى قناعا، وأخذ يمارس طقوسا أمام عدد من المشاهدين.

ويرتبط بمثل هذا المشهد ما يشير إليه المؤلف من أن الأدب المصري الفرعوني القديم كان يتضمن العديد من النصوص القصصية التي كانت ترينا دور الساحر في حياة المصريين، بل إن الفرعون المصري القديم نفسه لم يكن يستطيع النوم في بعض الحالات إلا عندما يقوم الساحر بتفسير بعض الغموض الذي يعتري مشاكل قد تصادف الفرعون خلال تسييره لشؤون الحكم في البلاد.

يذكر أن كتاب “مدخل إلى المسرح الفرعوني الكوريجرافي الأوبرالي” للدكتور صبحي شفيق، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ويقع في نحو176 صفحة من القطع الكبير. (خدمة وكالة الصحافة العربية)

 

محمد مختار

http://www.middle-east-online.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *