‘شامان’ .. استحضار الذات المنقذة – بقلم: د. محمد حسين حبيب

المغايرة المسرحية لعبة محفوفة بالخطورة .. فإما ان تغاير .. واما لا .

هكذا جنح عرض “شامان” تأليف واخراج سعيد سليمان إلى مغايرته المسرحية عبر مجموع الأداءات المسرحية: “مدونة السرد النصية وفرضية المكان والملحقات المقترحة الى جانب الأداء الشامل للممثل/المؤدي” صانعا لنا جوا دراميا مغايرا ليرحل بنا الى ذلك الزمن المفترض هو الآخر كانت الحميمية المسرحية التفاعلية مفتاحا له، وبذلك تحولت الخطورة هنا الى صناعة درامية مدركة للعبتها وواعية لأدواتها ومستلهمة الأسطورة والسحر والرمز لتسقطه على (الآن) اليومية وبجدارة.

اصطبغ العرض بملامح الصوفية تلك التي أطلقها عرض “رسالة الطير” من إعداد وإخراج قاسم محمد في ثمانينيات القرن الماضي والمعد أصلا عن مدونة “فريد الدين العطار” ابتداءً من حواريته الشعرية ومناجاته القدسية ورحلة البحث عن المنقذ المخلص. فكان عرض “شامان” عبارة عن رحلة يوتوباوية متحققة تسعى الى الحياة والعيش بعدالة ربانية حالمة .. “سأعيش .. سأصبح لنفسي شامان .. ماذا تريد أيها الغريب؟” وغيرها من الملفوظات الحوارية التي تبدو غامضة في الوهلة الأولى لكنها تسبر غور أعماق اللحظة المنتظرة والوصول اليها طيلة زمن العرض.

المكان تحيطه صور ورموز أسطورية والحال نفسه مع أرضية المكان والملحقات الاكسسوارية والازياء المتحولة والأقنعة المختلفة والأدوات الموسيقية والمنصة المركزية وثلاثة سلالم وأناشيد منغمة. كل ذلك انبعث الينا في جوع إيقاعي منضبط قائم على النبض الإيقاعي لروح المخرج ورؤيته وإيمانه وإيمان ممثليه، لا الى شيء آخر. ولذا كانت التحولات الانشادية والغنائية عبر مناجاتها الروحية متوافقة مع شكل وفضاء العرض.

كان الممثل/المؤدي هنا فنانا شاملا، فهو يلقي ويغني وينشد ويعزف ويمتلك جسدا راقصا اكروباتيكيا ليبث لنا علاماته الدالة بجدارة وإحساس عال يتواشج والشكل الدرامي الطقسي الاحتفالي للعرض بشموليته.

“سأعيش رغم الداء والأعداء”. ولكن أي نوع من العيش ذلك الذي سعى اليه العرض؟ وأي أسئلة تلك التي أطلقها نحو الذات؟ ربما نكون في منطقة الغموض للوهلة الأولى، لكن العرض كان بارعا في كشف المسكوت عنه وإخفاء المعرف به والبديهي. ومن هنا جاءت المغايرة بمجمل أدواتها لتصنع لنا سيناريو إخراجي خاص بها، لنصل نحن إلى تلقي من نوع خاص أيضا ومختلف لكنه ليس سهلا أو كما هو في العروض التقليدية الأخرى.

ترى ما الذي يحتاجه الإنسان لتكون حياته سعيدة؟ وما هي السعادة أصلا؟ كثيرا ما ذهب الخطاب الفلسفي الى تحديد مفاهيم للحياة وإلى السعادة، لكن العرض أوجز ذلك بالسهل الممتنع عبر احتياجات آدمية مشروعة لكي نصبح جميعنا “شامان”. ولكي نغوص جميعنا نحو ذواتنا لنقبض على لحظة الخلاص لأنها هي الملاذ الآمن والمنتظر، ولا شيء سواها. إنه النحت داخل الروح. ومن هنا جاءت خطورة المغايرة، فحلقت دراميا كما ينبغي، وكما ينبغي لها أن تكون في أحلامنا وفي واقعنا المرير.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *