سرداب العالم السفلي مسرحية :فلانه / د. عقيل مهدي يوسف

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

تاليف: هوشنك وزيري، اخراج : حاتم عوده

  • الاسم / الهوية

حين تجرد الشخصية من اسمها تصبح بلا هوية وهذا ما يتعارض مع منطق الاشياء ، وحين تملي الثقافة الجامدة ، هيمنتها على تكوين علاقة مشوهه بين الرجل والمرأة في صراع  وجودي ، يصبح الخلاص من هذه الدائرة الجهنمية المقفلة متعلقا بحتمية الإطاحة بأحد الطرفين للخروج من هذه الوضعية المأساوية المدمرة هو الحل المنشود ،

  • مقترح المكان بين الخشبة والجمهور

اقترح المخرج ( حاتم عودة ) علاقة عضوية مابين الباث (الفنان) والمتلقي (المتفرج) في تحوير معمارية (المنتدى) البيت الى ما يشبه خشبة المسرح، كما يفعل عادة الكثير من المخرجين في هذا الفضاء لخلق ضرب من المتعة السمعية والبصرية من خلال تداخل هندسي بين (غرفة) او سرداب ومكونات البيت الثابتة ، ومن خيارات المخرج في هذا الاتجاه الجديد وضعه لستارة مسرحية تقليدية ، تفصل بين الجمهور والخشبة  تنفتحها الام  ( تقوم بالدور الممثلة بشرى اسماعيل ) تدريجيا لنراها  تتلصص من داخل قوقعتها الى الشارع العام وهي ترقب صالة المتفرجين المتقلصة المساحة وكأنهم يعانون من وطأة العزلة والاختناق مثلها هي  وابنتها ( تقوم بالدور الممثلة الاء نجم ) واخريات يكشف عنهن العرض بالتناوب اللاتي ينتابهن قلق لا يرحم ، من وطأة هذا التهميش لكينونة المراة بطريقة قهرية وانتباذهن في سرداب و معتقل تحكمه ثقافة رجولية متهافتة ومتسلطة  .

 

 

 

  • البنية الاحادية في النص – تكاثر الشخصيات في الاخراج

 

يشعر المتفرج في تلقيه للعرض وكأن النص الدرامي قد تم محوه ، وتغييبه بشكل من الاشكال واستبداله بمقترح  (سكربت) للفرجة المستحدثة التي امتصته وجعلته اثرا في حركة العرض وخطته الاخراجية التطبيقية التي تتصدرها حركة ثلاث ممثلات ورجلان ولكل منهم خطابه الفردي ، المنعزل عن سواه حتى على مستوى الاتصال الدرامي ، وتنامي الحدث . وغاب الحوار (الديالوج) او كاد ليبقى البوح او (المونولوج) هو المتسيد في ترسيم البعد المنطوق في اداء الممثل ، الذي يستبطن طيف شخصية مفترضة ، مدانة يقوم بمحاورتها غيابيا ، وبلا حضورها المادي المرئي والمسموع . وينجز الامر من (وجهة نظر) امراة مسلوبة الارادة مذلة ومهانة، وهي تدور حول محورها الذاتي وما كابدته من عذابات ، اما طرف الصراع الاخر فقد ذاب في هذه الذات الاحادية الانثوية ، التي باتت طيفا في تعويض الصراع الدرامي ، بغياب ابعاده  المجسمة ، لأنها هي التي تسأل وهي التي تجيب مستحضرة الزمن الماضي بصوت اني ، تتمثله بصوت مسموع ، عن زوج يشكو من عطالة (بيولوجية) لكره هذا الزوج العنين ، الذي يقيم علاقات نسوية كثيرة كما يخبرنا سرد الزوجة …هذه البنية الاحادية للنص ، تؤكد على (مونودرامية) مصممة منذ تأسيسه ، رغم تكاثر الشخصيات الرجولية ، والنسوية التي اضافها المخرج  ولم تجر فيها التحولات ، ولا البنى المركبة في النص وباتت خطوط التماس ما بين الشخصيات محرمة ومقطوعة لتبقى جمرات الاتصال ، متقدة في اهاب امراة تتبادل ادوارها الام وابنتها مع الزوج والاب ، في صراع (الجندر) الانثوي مع الذكوري بطريقة صارخة .

 

  • الرغبة / عدم الرغبة – في تغيير المصير

قد تبدو الشخصيات المحيطة بالام وابنتها اشبه بهياكل تؤدي وظائف ميكانيكية في وضعياتها وحركاتها الاب يجلس على كرسيه يحاول طيلة العرض ايقاد سيجارته من جداحة عاطلة ,  رجل ينقر على الدف وفتاة تتارجح كالبندول طوال زمن العرض ، واقفة في الخلفية  ( المعطلة )  ، بهذا التشكيل يهدف العرض الى تقديم (كائنات) بلا اسماء وبلا هويات ، وتبقى كنيتها متوزعة بين فلانة وفلان يلفها العدم والتلاشي في غياهب التهميش والاقصاء ، الممثلون جامدون يتحركون بالقدرة لافتقارهم الى الحافز والدافع مستكينون ممتثلون للقدر الضاغط على حيواتهم ، ولا يمتلكون الرغبة لتغيير مصائرهم فالزمان  تراتبي مستعاد من الماضي يرتكس الحاضر فيه و (المكان) كناية عن اللاشعور المفعم بهواجس جنسية مقموعة وكبت يوحي بانحطاط غريزي يصدر خطاباته من موقع سفلي الكل يقف امام (مايكرفون) شاخص لكن بخرس، وينفرد كرسي الاب مع المايكرفون كأي دكتاتور منزلي يذيق الزوجة والابنة الامرين ويسند لهن القيام بطقوس تبرر خواء عقله وروحه ببدائل عقيمة ايضا وغير مجدية في اصلاح هذا الخراب الماثل . ينعزل الاب منكسرا في قبضة عمره الادرد ممارسا العنف المعنوي والمادي ، والام والبنت يمارسن عنفا لا شعوريا ومتشظيا (segmentary) ينبع من قوانين ذكورية متوارثة جائرة ، ومن تفاوت اجتماعي وثقافي لذا يقمن بأفعال استحواذية خارجية قشرية على امل ان يهربن من ظلمة عالمهن المختطف من قبل فحولة عمياء ، وبتراسل ببغاوي المصدر تلقفوها محنطة من ودائع الاسلاف العتيقة ، فجرى تكرارها بوصفها (تابو) لاينبغي المروق عليه فهو منخرط في نسيج عبودية وانماط ثقافة رثة محورها الغريزة الحيوانية ، والثأر من (عدم اشتغالها) كما تكرر ذلك الشخصيات مرارا ، فالرجل هو الرجل حتى ان فقد فحولته وليأتي الطوفان من بعده ، وزع العرض مشاهده على شكل (كانتونات) اعتقال صغيرة لاعتقال المراة وكأنها الشر بعينه بعد ان استلبت انسانيتها منها ، وبطريقة منحرفة .

 

يظهر العرض تفوق وعي المراة الزوجة (الابنة) في احساسها بهذا التناقض القيمي في منظومة الثقافة الفوقية للرجل يثبت ذلك المخرج في كلمته (عشرون سنة يعيش معها ذابل كغصن شجرة معطوب ) هذا الزوج الذابل الغصن ،العنين ، يقيم الحد والقصاص بالحكم على نفسه ، ويرمي اشلاء فحولته على ارض سردابه المعتم ، وحين تراه زوجته شانقا نفسه لا تهمها هذه الحادثة ، بل يصدمها ان فوتت على نفسها فرصة قتله بيديها ، وتندم لانها لم تجرم بحقه منذ زمن بعيد بعد ان جعلها هلاما ، ورغوة تطفو في مجرى طوفان الحياة الرجالي الجارف .

  • الاداء الفني – شكل العرض

برزت في العرض التشكيلات الضوئية (علي السوداني) الخاصة بتحول الشخصيات من مكان الى اخر ، وفي حركية فرش السجادات للصلاة وطويها مرة بعد اخرى ، وتكديس اعدادها المتناثرة في زاوية من زوايا المسرح ، وبالتالي تعدد صور التنظيم الضوئي في خطوطه وعتماته وظلاله والوانه ويبرز (الزي) السجن الذي يمثله في شد وثاق المراة في رمزية وتعبيرية صريحة او موحية ، الامر الذي ينشط المتعة الحسية للمشاهد ، بعد ان حبس المتفرج نفسه ايضا في سرداب منبجس تحت حزام البيت العاطل عن الفعل ، والمنفرطة حبكته المعمارية الى شظايا من ذكريات وهمسات وبكائيات خرساء او متلجلجة ناطقة ، لنسوة يضعن اقنعة متماثلة ومأزومة ، يجدن انفسهن ضمن رهط من المعسرين foggers  وليس من الموسرين facilitators في دائرة جهنمية مدفونة في سرداب . الممثلات (بشرى اسماعيل ) بينت لنا مقدار الاذى الذي تتحمله الام بتعبيرات صادقة ومؤثرة ، (الاء نجم) اقتحمت خلوة المتفرج لتهز بعضا من قناعاته ، وهي تمثل برهافة ودقة ، و أنوثة مجروحة لزوجة مهضومة الحقوق ، و أحسنت (نريمان القيسي) في تقديم ما أراده منها المخرج ، ولم يكن (باسل شبيب) و(عمر ضياء الدين) سوى رهان على جدية التجربة والاقتناع بجدواها ، سواء في ديكور (محمد النقاش) او مؤثرات الصوت (مهدي عباس) والاضاءة المرسومة بدقة فائقة وجذابة  ( علي السوداني  )

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *