ستانسلافسكي وبرشت

كما هو متداول ومعروف، فإن نظريتي ستانسلافسكي وبرشت تتعارضان وتتقابلان، فمنهج الأول «أرسطي» في طبيعة العلاقة بين الممثل والحكاية، بينما يتأسس منهج الثاني في لا ارسطويته.. وحسب برشت فإن ستانسلافسكي تعامل مع فن المسرح من موقع الممثل ودوره التاريخي، بينما تعامل المخرج برشت مع فن المسرح من موقع الكاتب ودوره التاريخي.

ستانسلافسكي ينشئ سيكولوجية الممثل وبرشت ينشئ سيطرة الممثل على الحكاية ومغزاها.

أين يكمن إذن التقابل في المنهجين الفاعلين في الحركة المسرحية في العالم؟
وجّه برشت، في البداية، نقده لستانسلافسكي من وجه نظر ماركسية، وأثار تلك الأسئلة المتعلقة بعلاقة الفنان بمادته الإبداعية، لكنه بدأ في الخمسينات يقوّم بشكل ايجابي بعض عناصر منهج ستانسلافسكي، ومبادئه في المسرح ووجد أنه بتبنيه «التماهي» الأرسطي سعى ليتعايش الممثل مع الشخصية من اجل واقعية العرض المسرحي، كما وجد، أيضاً، أن الهدف الأسمى الذي وضعه للمسرحية، أخضع كل شيء فيه للفكرة، على هذا تمنى لو أن ستانسلافسكي أعطى أهمية اقل للتماهي في منهجه المسرحي. هل على المتفرج نسيان نفسه في المسرح؟ كأن ستانسلافسكي يجاوب: نعم. هل على المتفرج، حينما يجلس في المسرح، أن لا ينسى طوال العرض انه في مسرح؟ يجاوب فاختانغوف: نعم. السؤال الآخر المهم أيضاً: هل على الممثل أن ينسى انه يمثل على خشبة مسرح؟ أو: هل يؤدي الممثل دوره كما لو أنه هو الشخصية نفسها؟
وجد فاختانغوف تلميذ المعلم ستانسلافسكي جدلية أخرى للممثل: أنا ولست أنا! أما برشت فجعل ممثله، لا يختفي في الشخصية المسرحية، بل يعرضها علينا ويرينا كيف يتخيلها خصوصاً أنه، عبر الحكاية، يعرف أكثر منها.
هدف التمثيل في المسرح الملحمي سرد حكاية، وكل عناصر العمل، تتبع هذه الغاية. لا بد لنا أن نتذكر بوضوح أن ستانسلافسكي مخرج أصلاً، انصب اهتمامه على تمارين التفاصيل التمثيلية، أكثر مما كان يفعل الكاتب برشت. كما أن ستانسلافسكي بدأ في تطوير طريقته بالتعاون مع تشيخوف، بينما أسس برشت طريقته، عندما أدرك أن على المسرح عرض العالم كشيء قابل للتغيير. يقول ستانسلافسكي، ماذا عليّ كشخصية درامية أو كممثل أن أفعل في مسرح معاصر؟ إن هدف هذه الـ«ماذا» يتم تحديدها دائماً، انطلاقا من مثاليات الكاتب والممثل وبدرجة مماثلة من مثاليات العصر، الذي يعيش وينتج فيه كل من الكاتب والممثل. يعترف برشت في كتاب «ستانسلافسكي وبرشت» للباحثة الروسية تمارا سورينا ومن ترجمة ضيف الله مراد، الصادر عن المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق،1994 أن تعاليم ستانسلافسكي حول اعداد الممثل وبناء شخصيته واعداد دوره، تشكل ظاهرة تقدمية لأنها تشكل منهجا متكاملاً.
أخيراً: بوسعنا أن نعود ونقول مع برشت: إننا بسبب جهلنا بطبيعة المجتمع الانساني، فإننا مازلنا نواجه الآن بالتدمير الكامل لكوكبنا الذي جعلناه بشق الأنفس صالحاً للعيش فيه.

————————————————————————————-
المصدر :مجلة الفنون المسرحية – د. قيس الزبيدي  -المدى – ملحق منارات

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *