رقص – “ملامح الغياب” عرض “صولو” لغيدا حشيشو في “دوار الشمس”: الجسد الراقص وإيقاع الدف يلتقيان في أداء ثنائي

P07-06-N25776-640_659722_large

لا شك أن للكلمة سبيلها إلى المستمع، يتلقّاها بمجرّد أن يسنّ لها السمع، ما يولّد بينه وبين الممثل تواطؤا واضحا من البداية حتى النهاية، بعكس الرقص المكتوب وشما تجريديا على الجسد يخرج من قمقم الكوريغرافيا، مكسوا بالطقوس التي تنبّه العين وتغويها ليتماهى وراءها جوهر الدراما التي سنّت عليها الكوريغرافيا ومعانيها .

في مسرح “دوار الشمس” اختزل الجسد “الصولو” فضاءه، مكتفيا ببقعة ضوء يقول عليها ما يودّ تعبيره في “ملامح الغياب”، هذا العنوان الذي شارك في إنجازه كلارا صفير للدراما وغيدا حشيشو للرقص وفوزي حلبي للإيقاع على الدف تارة والمزهر آخر. العنوان بان لي عند قراءته في بهو المسرح وعدا بدراما راقصة تراهن على معايير ماهرة يثبت فيها الجسد قدرته، من خلال الحركة التجريدية، على رسم سمفونية الغياب وما تمنحه في كل حركة من بلاغة للتعبير عن عنوان يحسن أن نتخيّله في قصيدة أكثر منها في لوحات راقصة.
اللوحة الأولى كانت افتتاحية لشبه سمفونية تصويرية، ربّيت فورا عليها مخيّلتي، إلى أن وجدت عدم تواصل لها مع باقي العرض. الجسد الواقف جامدا يكاد يتماهى في الظل، ظلّ الراقصة المرتسم كالغياب على الستارة. العلاقة بين الانسان وظلّه لها معان ميتافيزيقية، لم تكمّل الدراما المكتوبة لهذا العرض مسارها، ربما لافتقار المخيّلة الكوريغرافية، العنصر القادر أن يطرح بمادة الرقص، اللامرئي. فهل ثمة ما هو أكثر من الرقص المعاصر تجريدا؟
غيدا حشيشو، ويحلو هنا الكلام عن صبيّة ساحرة، جعلت من طواعية كل عضل من عضلات جسدها إحترافا مشغولا لعمل كوريغرافي، يوسّع لها دائرة الفضاء الذي التمّت في حزمته الضوئية، ويجعل من أدائها المنفرد لوحات مضيئة لفصول سمفونية بدأت إفتتاحيتها من حيث الظل والغياب. الصمت، أي صمت الجسد، الجامد بلا حركة حتى الملل أحيانا، كنت أنتظر منه إنفجارا، لهبا، لا ما يشبه التمارين الرياضية التي لم تبث فيَّ لحظة واحدة من الاندهاش. لقد كنت من خلال العنوان، أنتظر قصيدة مكتوبة لجسد معاصر، تبرز في كل حركة من حركاته، لغة الجسد، لغزه، وفكرة وجودية. كان لا بد للحضور أن يذهب برؤاه أبعد من الظاهر المرئي لسفر في داخل أسرار الجسد، لنراه يرقص محاطا بصحراء الوجود الذي يزنّره.
دخول الدف والمزهر إلى الحلبة، منح هذا العرض معنى جوهريا، قرأناه في تلك الثنائية بين غيدا حشيشو وفوزي حلبي، بين الراقصة وناقر الإيقاع على الدف تارة وتارة على المزهر. اللوحات التي ولدت من هاتين المادتين قد تكون ملمحا للزمن، وعقارب الثواني تهيّج الحركة الراقصة على إيقاعها. فوزي الحلبي كان قابعا في عتمة المسرح، يتلقفه ضوء هزيل لتأكيد هذه التوأمة حيث يتحوّل الجسد آية موسيقية بين أصابع الدف.

 

مي منسى

http://newspaper.annahar.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *