رامز عماد يكتب : بعثة إلى المحيط الهادئ .. رحلة من خلال نظرة طفولية

في البدءحاول الإنسان الأول سد احتياجاته الأساسية من خلال استخدام كل ما هو متاح حوله من مواد طبيعية محيطة، وذلك حتى اكتشف النار؛ ليتحول بعد هذا الإكتشاف منشخص متعايش مع البيئة ومحافظاً عليها إلى شخص مستهلك ومدمر لها بكافة الطرق، وذلك فى تطور مستمر وضخم حتى وصلنا إلى اكبر معدلات التلوث الناتج عن النفايات البشرية، وهذا ما تعانى منه كافة الدول الصناعية فى يومنا هذا .

فواحدة من أهم تلك الدول الصناعية التى تعانى من التلوث البيئى الناتج عن النفايات البشرية الصلبة هى دولة “البرازيل” والتى تمتلك واحدة من أكبر الجزر الموجودة فى المحيط الهادئ والتى تحتوى على كم هائل النفايات البشرية الصلبة، وذلك ما دفع فرقة “سيا تراكس” المسرحية إلى تقديم عرض مسرحي قادر على استهداف أكبر قدر ممكن من المتلقيين سواء الأطفال أو الكبار وهو عرض “بعثةإلىالمحيطالهادئ” وذلك ليقدم ضمن فعاليات “مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى” فى دروته الخامسة والعشرين .

فمن خلال حبكة بسيطة وصامتة تدور من منظور طفل يتحدث عما قالته معلمته فى المدرسة عن “جزيرة النفايات” التى تقع فى المحيط الهادئ، نبدأ فى الدخول إلى عالمه الخاص الذى يحتوى على تخيل عام لتلك الجزيرة؛والتى تحتوى على كم هائل من أكياس القمامة الملونة التى تكون كافة عناصرها من حيوانات وأشجار وأنهار وطيور، وذلك بمساعدة عاملين نظافة يحاولوا الحد من ذلك التلوث البيئى الشديد .

ففى واحدة من نظريات تلقى عروض تحريك الدمى يقول المُنظرون: “بأن متلقي العروض الخاصة بتحريك الدمى -مهما كانت فئته العمرية- يمر بمرحلتين أساسيتين من التلقى وهما: المرحلة الأولى والتى تُدعى مرحلة “النظرة الطفولية” والتى يتعايش من خلالها المتلقي مع المحتوى المقدم أمامه من خلال اعتبار الدمية كائن حقيقي قادر على التحرك بدون مساعدة طرف خارجى، وفى تلك المرحلة يتم من خلالها بث الرسائل الضمينة التى يُريد المبدع تقديمها من خلال عمله الإبداعى والتى فى الأغلب تكون رسائل مقدمة إلى المتلقى ذات الفئة العمرية الصغيرة، أما عن المرحلة الثانية والتى تُدعى مرحلة “النظرة الناقدة” يبدأ المتلقى فى التركيز على آليات تحريك الدمية نفسها والتى سواء كانت دُمى تُحرك من الأعلى مثل “دُمى الماريونيت” أو دمي تُحرك من الأسفل مثل “الدُمى القفازية” ، وذلك ما عمل عليه المخرج “هينريك سيتشن” والمؤلفان “جابريل سيتشن وروجيرو إيكواس” من خلال عرضهم هذا، فمن خلال مجموعة من الأكياس “السوداء والزرقاء والبنية والخضراء” استطاع صناع العمل فى تقديم حبكة درامية بسيطة يندمج معها المتلقى وذلك مهما كانت فئته العمرية  وذلك عن طريق تكوين مجموعة من المجسمات التى يُحركها “عمال القمامة” فى محاولة منهم لإنقاذ البيئة التى يتم تدميرها بشكل تدريجى، وذلك بمساعدة مجموعة من عناصر السينوجرافيا مثل عربة جمع القمامة وبعض اللوحات التى تحض على تدمير البيئة، وذلك بالإضافة إلى عناصر أخرى مثل الموسيقى والإيقاعات المصاحبة والإضاءة التى تؤكد على دلالات الدمي .

فواحدة من أهم الإيجابيات التى استطاع أن يحققها العرض هى أنه كان قادر على استهداف أكبر قدر ممكن من الفئات العمرية الخاصة بالمتلقيين وذلك من خلال تقديم مسرح صامت لا يعوقه الحاجز اللغوى، وذلك بالإضافة إلى تقديم مسرح دمى معتاد لكن من خلال أدوات غير معتادة، وهى أدوات تدعوا إلى الهدف الذى يُقام بسببه العرض، وهو الدعوة إلى إعادة تدوير المخلفات وذلك لإنتاج أقل قدر ممكن من النفايات الضارة على البيئة، وذلك بالإضافة إلى إرساء مجموعة من الرسايل الضمنية الأخرى مثل أحترام الدور الفعال الذى يقوم عمال النظافة بتقديمه .

وذلك بالإضافة إلى أن العرض قد حاول تكسير مجموعة من المفاهيم الخاصة بالفوضى والقبح وذلك من خلال خلق مجموعة شديدة التنوع من الحلول البصرية من خلال أكياس القمامة التى يعتبرها الجميع مصدر شديد القبح، وذلك جعلنا نسافر إلى “بعثة إلى المحيط الهادئ” لكنها بعثة فى غاية التنوع البصرى .

الجدير بالذكر بأن فرقة “سيا تراكس” المسرحية هى فرقة مسرحية رائدة فى تقديم عروض مسرح الطفل فى البرازيل وخارجها حيث، حيث تم تأسيسها عام 1990 وذلك لتقدم مجموعة من العروض الناجحة مثل “الحديقة السحرية” و”المعسكر” و”المدينة الزرقاء”

____________________________

المصدر : موقع الخشبة خاص

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *