خواريز أميركية مسرح وثائقي يرصد تحولات المدينة/ناهد خزام

العمل يُظهر المرونة التي تتعامل بها المجتمعات مع التغيرات، والتكيف مع ظروف الحرمان والقهر، والقدرة على إيجاد سبل مختلفة للبقاء.

استضاف مسرح دار الأوبرا المصرية في القاهرة منذ فترة العرض المسرحي “خواريز.. ميثولوجيا وثائقية”، والذي تقدمه فرقة مسرح ميتو الأميركية ضمن إطار مهرجان المسرح التجريبي المعاصر. يمثل العرض حالة استثنائية بين العروض المشاركة في المهرجان ليس فقط لطبيعته التي تجنح إلى توثيق الحدث عبر شهادات معاصريه، ولكن أيضاً لكون فريق العمل المسرحي يمثل جزءاً من ذلك الجهد التوثيقي على أرض الواقع، إذ قام الممثلون أنفسهم بجمع هذه الوثائق وتسجيلها وترتيبها زمنياً عبر ثلاث سنوات من البحث والتقصي قاموا خلالها بالاستماع إلى العشرات من الأشخاص والشهود وعايشوا بعض هذه الأحداث والوقـائع التي يـدور حـولها العرض.

تعرض المسرحية جانباً من التحول الذي لحق بإحدى المدن المكسيكية عبر عقود تحوّلت فيها تلك المدينة الحدودية، وهي مدينة “سيوداد خواريز” الواقعة في شمال المكسيك من معقل للجريمة المنظمة والتهريب إلى أحد أكثر المناطق الصناعية نمواً في محيطها. خلال العرض الذي دام ما يقرب من التسعين دقيقة يتم سرد العديد من الشهادات الشخصية المدعومة بالصور الفوتوغرافية والكتابات المنزوعة من الصحف، وكذلك الأخبار الإذاعية واللقطات الخبرية المسجلة، والتي تُعرض في خلفية المسرح عبر وسائط سمعية وبصرية مختلفة.

قاد فريق البحث المخرج الأميركي روبين بوليندو مؤسس فرقة مسرح ميتو، والذي نشأ في مدينة خواريز قبل انتقاله إلى الولايات المتحدة. وبحسب تعريف فريق العمل فإن العرض المسرحي “يرسم خريطة فنية وشعورية لتلك المدينة لنقل صورة مطابقة للأصل لنبض الحياة في هذه المدينة، وتعتمد على الاستثمار العميق في أصالة الأداء التمثيلي” .

يضع العرض المسرحي فريق العمل في موقع الشهود على تاريخ مشحون بالأمل والخوف والصراع من أجل البقاء، مستفيداً من الجمع بين البحث الصحفي الاستقصائي والفن القصصي، فخلال سياق المسرحية يتم عرض مقابلات مع سكان المدينة، تشمل هذه المقابلات فئات متنوعة من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة، من سياسيين وأصحاب محال وأشخاص عاديين. أجريت هذه المقابلات من قبل ممثلي العمل أنفسهم الذين قاموا بتجسيد الشخصيات، ما مكّن الممثلين من خلال قيامهم بمهمة الباحثين من ملامسة واقع المدينة والاقتراب من سكانها، الأمر الذي أضفى على العرض لمسة تعبيرية حقيقية وصادقة.

يقول مخرج العمل روبين بولندو “إن هذا النهج يدمج بين الأعمال التاريخية والعاطفية من خلال نوع جديد من المشاركة للممثل في العمل، فهو لا يؤدي الأدوار بصدقية الممثل فحسب بل يقوم أيضاً بدور الباحث ليعكس من خلال أدائه في العرض أرشيفاً واقعياً عن هذه المدينة”.

ويضيف بولندو “أحسست أنه قد أصبح من الضروري أن أبدأ رحلة بحث وتحرّ للتعمق في هذا الوضع وتقديمه للجمهور، لا كخبر تقليدي بل كقصة كفاح وأمل يعيشها هذا المجتمع، وبدلاً من تقديم هذا العمل كمسرحية أو قصة من عالم الخيال قمنا بتجربة واقع المدينة، وأجرينا مقابلات مع السكان من مختلف الفئات على مدى السنوات الثلاث الماضية”.

العمل ينقسم إلى ثلاثة فصول وهي (الذاكرة والعنف والتغيير)، ويعالج الموضوع بطريقة مختلفة عن الطريقة التقليدية المباشرة التي تستخدم عادة في الأعمال الوثائقية المسرحية، فيأخذ الحضور في رحلة فنية فريدة تغمرها المشاعر الإنسانية الصادقة

ينقسم العمل إلى ثلاثة فصول وهي “الذاكرة والعنف والتغيير”، ويعالج الموضوع بطريقة مختلفة عن الطريقة التقليدية المباشرة التي تستخدم عادة في الأعمال الوثائقية المسرحية، فيأخذ الحضور في رحلة فنية فريدة تغمرها المشاعر الإنسانية الصادقة. وبدلاً من اتّباع أسلوب المونولوج يقدّم العرض كعمل تشكيلي فني يجمع بين الرؤية البصرية والسمعية والحكي، ويدمج بين مجموعة من الوسائط الفنية المختلفة، منتقلاً بنا إلى قلب مدينة خواريز لنعايش تفاصيلها ونتفاعل مع سكانها.

يظهر العمل المرونة التي تتعامل بها المجتمعات مع التغيرات، والتكيف مع ظروف الحرمان والقهر، والقدرة على إيجاد سبل مختلفة للبقاء. فالمدينة الحدودية الواقعة في شمال المكسيك هي نموذج لأيّ مدينة أخرى في العالم تمرّ بمراحل التغير والنضال بصرف النظر عن الحدود الجغرافية والثقافية. ويؤخذ على العرض ذلك الاستخدام المفرط للإضاءة والتوظيف الزائد للشاشات ووسائط العرض البصري، أما التوظيف الصوتي لموسيقى البوب فهو يعد أحد الجوانب الإيجابية في العرض، والذي تمّ تطويعه بحرفية شديدة ساهمت في تجاوب الجمهور وإضفاء نوع من الإبهار المتواصل خلال مدة العرض.

تأسست فرقة مسرح ميتو عام 1997 في نيويورك، ويعني اسمها باللغة الأسبانية “لي ولك”، وتعتمد الفرقة منذ نشأتها على البحث والتجريب في أساليب العرض وفنون الأداء المسرحي الجديدة والمختلفة، وتستثمر في تنمية المواهب الفنية وتطوير القدرات الأدائية والفنية لأعضائها. واكتسبت سمعتها في الولايات المتحدة لكونها واحدة من الفرق المغامرة في التجريب المسرحي.

تضم الفرقة عدداً من الفنانين المميزين وأصحاب الرؤية من جميع أنحاء العالم وقدمت عروضها في العديد من البلدان العربية من بينها اليمن والأردن والسودان والإمارات، كما أقامت الفرقة ورشة لتدريس منهجها في مصر.

ويمثل عرض خواريز أحدث عروض فرقة ميتو وهو من إخراج روبين بوليندو، وشارك فيه بالبحث والتمثيل كل من جوليانا لوجود ودينيس بوتكاس وأيسان سيليك وآدم كوكران ورايان كونارو وناثان إيلام ومايكل ليتيج وجاستين نستور، ووضع موسيقى العرض آدم كوكران.

المصدر/ العرب

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *