خفايا مسرح البولشوي”.. كتاب يتناول تاريخ المسرح العريق

يعتبر مسرح البولشوي (باللغة الروسية المسرح الكبير) من أروع المسارح في العالم ،وهو رمز تاريخي من رموز الثقافة و الفن بمدينة موسكو عاصمة روسيا، ويقع بالقرب من الكرملين مقر الحكومة الروسية وتقدم عليه العروض المسرحية والأوبرا والرقص. عن هذا المسرح العريق صدر مؤخرا كتاب بعنوان (أسرار البولشوي ) يتناول فيه مؤلفه سايمون موريسون وهو مؤرخ موسيقي معروف تاريخ هذا المسرح العريق من ايام القياصرة إلى يومنا هذا. يتحدث فيه عن الصراعات والمؤامرات والجرائم والعقوبات والجوائزوالميداليات في زمن القياصرة وزمن السلطة السوفيتية. مستندا إلى بحوث واسعة النطاق في المكتبات والمحفوظات والارشيف، ومستندا حتى على الاحاديث التي كانت تدور على موائد المطابخ الروسية، ياخذنا كتاب السيد موريسون في جولة تاريخية في كواليس واحدة من أكثر مؤسسات الباليه روعة في العالم، ويبدأ رحلته من عام 1776، عندما تم بناء مسرح البولشوي الذي أسسه ميخائيل مادوكس، وهو مغامر انكليزي  سافر الى  روسيا، ويتنهي بنا المطاف الى حادث الهجوم الذي تعرض له  سيرجي فيلين ، المدير الفني لفرقة مسرح البولشوي، في عام 2013.
ان قصة مسرح كبير مثل البولشوي يمكن أن تكون مفيدة فقط في حال القيام بالمزج ما بين منظورين: الأول منظور واسع  للعاملين في مسرح البولشوي، وحياتهم وأدوارهم. والثاني منظور  واسع  لتقييم الدور الذي  لعبه البولشوي على مدى تاريخه الطويل في فن  الباليه الذي يعتبر عنصرا مهما من عناصر الثقافة الروسية. وتمنحنا النظرة المتفحصة لهذا الكتاب  “معلومات ثرية بشكل لا يصدق، وتجعل المرء يتلهف على قراءته.”
يتوقع المرء من  كتاب يحمل عنوانا مثل “أسرار الباليه الروسي” ان يحتوي على  أسماء الأسر والألقاب الشهيرة التي جعلت الباليه، كما يقول السيد موريسون، أستاذ الموسيقى في جامعة برينستون، “ابو الفنون  الروسية” ،ولكن الكتاب بسبب تركيزه فقط على  مسرح  البولشوي، اغفل ذكر معظم تلك الأسماء والألقاب
فن الباليه الروسي هو قصة اثنين من المسارح: البولشوي في موسكو وماريانسكي (كان يعرف باسم كيروف في الفترة ما بين عامي  1935-1992) في سانت بطرسبرغ، عاصمة الامبراطورية الروسية . و مسرح ماريانسكي هذا، وليس البولشوي، هو ما تعتبره غالبية مشاهير الباليه الروسي مسرحهم الأم
،امثال  النجوم الأسطوريين (نيجينسكاي وبافلوفا) اضافة إلى الراقصين المشهورين و الذين انشقوا عن النظام في ايام الاتحاد السوفييتي الاخيرة امثال  (رودولف نورييف، ناتاليا ماكاروفا، ميخائيل باريشنيكوف).وتعتبر الراقصة مايا بليستسكايا، التي افرد لها المؤلف فصلا كاملا في الكتاب، استثناءً مهماً فقد امضت حياتها المهنية بكاملها تدرب في موسكو وترقص في البولشوي.
كان البولشوي مهدا  للعديد من راقصي وراقصات الباليه المشهورين. وكان باليه “بحيرة البجع” هو الباليه الكلاسيكي الوحيد  الذي نشأ عليه المسرح في موسكو. وعلى الرغم من قيام الثورة  في عام 1917 وفقدان سانت بطرسبورغ مكانتها كعاصمة روسيا القيصرية  ، فإن مسرح ماريانسكي لم ينسحب من  سباق المنافسة مع مسرح البولشوي ، ولا حتى عندما اصبحت موسكو عاصمة الاتحاد السوفياتي، ووجد مسرح البولشوي نفسه المكان المفضل لدى النظام السوفيتي لتقديم  العروض المسرحية ورقصات الباليه .
وكما يحدث في كثير من الأحيان مع احداث  الماضي الروسي التي لا يمكن التنبؤ بها ، فإن مسرح البولشوي اصبح  بأثر رجعي يمثل كامل عالم الباليه الروسي، في الماضي والحاضر. وأصبح تاريخه  استعارة مختلطة من نوع ما: قصة الباليه الروسي المتداخل بعمق في  مؤسسة الدولة السوفيتية.
يمثل ارشيف المسرح كنزاً للمؤرخين، ولكن ماذا يمكن لمؤرخ في رقص الباليه – الفن الذي تنتقل فيه برشاقة من رقصة إلى رقصة – ان يفعله مع  فواتير الغاز والكهرباء، وطلبات الاجازة للعاملين، وتقارير الخسائر الناجمة عن الحرائق ورفض نصوص أغاني الأوبرا؟ وهناك الكثير من ذلك، مما يحتويه كتاب السيد موريسون. ولكن ما الذي سينفع المؤلف الذي قال ذات مرة أن التاريخ يجب أن يكون تاريخ الإنجازات؟ لكن السيد موريسون يركز في كتابه على  قصة  باليه “بحيرة البجع” التي كانت تعرض في المسرح ويقدم معالجة شاملة ومدروسة لها.

المصدر/ المدى

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *