جماليات المكان في عروض المسرح البيئي – بشار الاعرجي

 

جماليات المكان في عروض المسرح البيئي

نتيجتا لما يشغله المكان من اهمية في العرض المسرحي ليس على المستوى الجغرافي فحسب بل على المستوى الفكري الذي يطرح العرض كذلك , فلكل عرض مسرحي صبغته الجمالية الخاصة به سواء المكانية او الية الاشتغال على هذا المكان , لذا يلعب المكان دورا جماليا ووظيفيا في العرض المسرحي حيث يشتمل على الحيز الذي توظف فيه كل جزئيات العرض فيكون مكانا ممسرحا يعكس افكار العرض وكذلك مكانا جغرافيا يقدم فيه العرض نفسه , ويكون المكان المسرحي على انواع منه مسرح العلبة التقليدي ومسرح الشارع والمسرح البيئي وغيرها من التجارب الحديثة التي تبتكر اماكن غير تقليدية وغير مدشنة مسرحيا لتكون نقطة انطلاق جديدة لفكر مسرحي في تجدد دائم , وفي معظم هذه التجارب المسرحية الحديثة التي يشكل المكان جزئا رئيسا في العرض المسرحي , وكذلك تغيرت العلاقة بين المؤدي والمتفرج في هذه العروض اذ اصبح المتفرج عنصر فعال في العرض المسرحي ولم يعد دوره يقاصر على مشاهدة الاحداث بل اصبح جزء لا يتجزأ من اللعبة المسرحية , ومن هذه التجارب الحديثة هو المسرح البيئي الذي دعا الى التمرد والخروج عن ما هو مألوف من حيث الاشتغال المكاني والفكري في العرض من خلال تطويع المكان وجعله بيئة مناسبة للعرض المسرحي وهذا المكان اتسم بجمالية لها خصوصيتها ميزته عن بقية المسارح , ومنها جعل بيئة المتفرج والمؤدي بيئة واحدة تشكل في النهاية بيئة العرض التي يسهم في بنائها الاثنان معا , فهو مكان من البيئة المعاشة تتم مسرحته وتوظيفه في العرض المسرحي , ونجد ملامح المسرح البيئي في تجارب وتنظيرات مسرحية عديدة , ومنها تنظيرات  المخرج المسرحي الفرنسي ( انتونان ارتو ) في دعوته الى اعادة تشكيل البناية المسرحية ومغادرة مسرح العلبة نحو اماكن لا حواجز فيها تفصل بين جهة التلقي وجهة العرض فيقول : سنلغي خشبة المسرح والصالة , وسنبدلها بمكان واحد بلا حواجز من اي نوع , يصبح فيه مسرح الاحداث ذاته , ونعيد الاتصال المباشر بين المتفرج والعرض نظرا لان المتفرج الذي وضع وسط الاحداث , محاطا ومتأثرا بها (1) اما المخرج بيتر بروك فقد ذهب ابعد من ذلك , اذ عمل على عرض بعض مسرحياته في الاماكن التي نشأة فيها وحاول تجسيدها في بيئتها الطبيعية فرحل الى الشرق والى افريقيا باحثا عن المسرح في تجارب متعددة مثل ( مؤتمر الطيور , والايكز , والمهابهارتا ) وغيرها من التجارب التي تؤصل للطقس وتؤسس لعودة المسرح الى طبيعته الاحتفالية كفعل ديني مقدس قادرا على منح الانسان شعورا بالعمق الروحي , فجماليات المكان في المسرح البيئي عند بروك تكمن في انه  الرقعة التي تقع فيها المجابهة الحياتية , اذ اجتماع مجموعة كبيرة من الناس في مكان واحد قوة كبيرة وهي القوة التي في الحياة اليومية لكل فرد والتي يمكن فرزها واستيعابها بوضوح (2) . اما المخرج الالماني (بيتر شومان ) صاحب مسرح ( الخبز والدمى ) فكان في عروضه جزء من المسرح البيئي اذ  كان  يقدم للمتفرجين خبزا قبل بداية العرض لتحقيق نوع من الطقوسية , وقد رفض شومان العمل في المباني المسرحية التقليدية وذلك بسبب تقاليده التي تزعجنا والناس فيه مخدرون يجلسون على المقاعد نفسها , وبالطريقة نفسها وهذا ما يحدد استجابتهم وتلقيهم (3) . اما المنظر الفعلي للمسرح البيئي هو المخرج والباحث الامريكي (ريتشارد شيشنر ) فقدد عمل شيشنر اضافة لبحثه عن الطقوسية وتوريط الجمهور في العرض المسرحي على جعل المتفرج هو من يختار المشهد الذي يراه مناسبا له من خلال وجود عدة مشاهد تعرض في كل جزء متاح من الصالة وهو ما ارغم المتفرجين على تغيير اوضاعهم حتى يتمكنوا من الرؤية وان يقوموا بعمل مونتاج متزامن , وهو ما فرض عليهم ان يكونوا انتقائيين ويشكل كل منهم ما يراه من روابط منطقية (4) اذ ان عروض شيشنر تمنح الحرية كاملة للمتفرجين لكي يتصرفوا حسب اهوائهم وبمقدور اي منهم ان يغير مقعده ي الصالة وينتقل الى اي جزء برغب في المشاهدة منه حتى يتمكن من الرؤية بشكل افضل . ومن القواعد او الاسس التي وضعها شيشنر للمسرح البيئي هي : (5)

  1. من الضروري ان نقبل تعريفا للمسرح لا يقوم على التمييز بين الفن والحياة .
  2. يستخدم المكان كله للعرض ويستخدم المكان كله للمتفرجين .
  3. البؤرة مرنة ومتنوعة … في المسرح البيئي يمكن ان تكون البؤرة واحدة كما في المسرح التقليدي او ان تكون هناك بؤر متعددة .
  4. يمكن ان بقع الحدث المسرحي اما في مكان كتحول ( مصنوع ) بالكامل او في مكان موجود بالفعل .
  5. لا يتم التعتيم على عنصر بعينه لصالح عناصر اخرى , فالممثل لا يزيد اهمية على غيره من العناصر المسموعة او المرئية وقد يعامل الممثلون احيانا باعتبارهم مجرد كتل .
  6. لا يحتاج النص احيانا ان يكون هو البداية ولا الهدف من العرض المسرحي وقد لا يكون هناك نص على الاطلاق .

 

  1. كريم رشيد , جماليات المكان في العرض المسرحي المعاصر , ( بغداد : دار ومكتبة عدنان ,2013)
  2. بيتر بروك , الشيطان هو الضجر , تر: محمد سيف , ( الشارقة : دار الشؤون الثقافية , 2006)
  3. محمود ابو دومة , تحولات المشهد المسرحي الممثل والمخرج , ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب , 2009)
  4. كريستوفر اينز , المسرح الطليعي , تر: سامح فكري , ( القاهرة : اكاديمية الفنون – مركز اللغات والترجمة , 1994)
  5. ثيودور شانك , ما وراء الحدود المسرح الامريكي البديل , ج1, تر: سامي خشبة , ( القاهرة : مهرجان القاهرة التجريبي , 2008)

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *