جدل ثنائية الحياة والموت في المسرح العراقي المعاصر – العراق

سعد عزيز عبدالصاحب
قدم المسرح العراقي خلال الفترة من 2000 – 2013 مجموعة من العروض المسرحية شكلت ظاهرة فنية لا يمكن تجاوزها او التغاضي عنها في سيادة اشكال معينة على الصعيدين الفكري والجمالي تنفتح على ثنائية الحياة والموت، الحضور والغياب بفعل الضاغط السياسي والاجتماعي في بلادنا… اذ توافرت مجموعة العروض الانفة الذكر على اشتراطات خاصة مشتركة فيما بينها وخصوصا على الصعيد الاخراجي وفي ابتناءها لمواضعات مضامينية وشكلية عبرت عن التصاق مخرجي هذه العروض بالهم اليومي والوقائعي، على الرغم من نكوص بعضها نحو المواضعات الكلاسيكية او المالوفة والمباشرة، وفي المسرح خاصة بدت العملية المتغايرة اكثر تعقيدا وتركيبا بسبب سعة عناصر العرض المسرحي الفنية، وتماسها الحي والمباشر مع المتلقي، حيث انفتحت هذه العروض نحو عوالم غرائبية جديدة ومبتكرة سادت فيها الشخصيات (الغروتسكية) المشوهة والساخرة في نفس الوقت وحضرت الفضاءات الاغترابية والخانقة لتعبر عن مكنون الشخصية الدرامية وما تعانيه من كبوتات ومسكوتات لجأت بها الى عوالم قصية ومجهولة لتبث نجواها وشكواها مما يحصل على الارض، وغلبت الاشكال السينوغرافية التجريدية المجسمة والمنفتحة على الوسائط الفنية الاخرى كالسينما والفن التشكيلي بفواعل (الدوتاشو) و (اللوحات المرسومة) والهياكل المؤسلبة التي ادت وظائفها الجمالية على الرغم من الفقر الانتاجي في بعض العروض.
ومن هذه المسرحيات :
– مسرحية (في قلب الحدث) تاليف واخراج مهند هادي – 2010
– مسرحية (مكبث) تاليف وليم شكسبير اخراج صلاح القصب – 2000
– مسرحية (تداعيات ميت) تاليف واخراج عكاب حمدي – 2013
–    مسرحية (عربانة) تاليف حامد المالكي واخراج عماد محمد – 2013
– مسرحية (امرأة من هذا الزمان) تاليف حامد المالكي واخراج غانم حميد-2013
– مسرحية (فوك) تاليف واخراج عواطف نعيم – 2000
– مسرحية (حكاية مقهى) اعداد واخراج تحرير الاسدي – 2013
وعلينا ان نشير هنا الى الفرق بين عروض ما قبل 2003 وما بعدها والتي ناقشت ثنائية الحياة والموت في خطاب العرض المسرحي العراقي .. فالاولى انفتحت على العوالم والفضاءات الاخرى القصية (العالم الاخر)(عالم البرزخ)(الفردوس) (اليوتوبيا) كان لاسباب ايديولوجية (سياسية) وليست لغايات جمالية فقط فهناك يكون البوح والمكاشفة والبث بدلالة مكان غير واقعي ولا يشير الى اي علامة مكانية محددة سوى الملتبس والموارب والعام فيكون البوح مشروعا من وجهة نظر اعين الرقيب اما بعد عام 2003 فحرية الخطاب متاحة نسبيا في البوح والتصريح لذلك  جاء انتقال المخرجين والمؤلفين الى العوالم السماوية لغايات جمالية ولعكس ضرورات واقعية ملحة بسبب الضغط الاجتماعي وما يمور في الشارع العراقي من موضوعات وثيمات جديدة ومنها (الارهاب) و (القتل على الهوية) و (الاغتيال السياسي) وما الى ذلك وشيوع ظاهرة الموت بشكلها الواضح والمكشوف .. بعد ان كان الموت يتم في فترة ما قبل 2003 في الاقبية المظلمة ..
الفرقة القومية للتمثيل
مسرحية (فوك) 
تاليف واخراج : عواطف نعيم
سينوغرافيا : سنان العزاوي
مدير المسرح : حسن خيون
تمثيل : 
عزيز خيون
عبد الصاحب نعمة 
سنان العزاوي
وتم اختيار هذه  العينة من مجتمع البحث اعلاه وتم تحليلها بطريقة المنهج الوصفي التحليلي.
• قدمت المسرحية على خشبة مسرح الرشيد بغداد عام 2000 ضمن نشاطات لجنة المسرح العراقي وتقديم الفرقة القومية للتمثيل.
النص الدرامي
يسرد نص مسرحية(فوك) لمؤلفته (عواطف نعيم) بحوارية وشخوص (تعبيرية)حياة شخصية (هو) الذي يجد نفسه منقذفا في مكان مجهول مجردا من الملابس الا من (وزرة) بيضاء تغطي نصفه الاسفل، لتخرج عليه شخصيتين(الاول والثاني) بملابس عصرية بمثابة شبحين تستجوبانه لنتعرف بعد حين من خلالهما انه تعرض لحادث سير مروري بعد خروجه من البار ليلا … وانه الان ميت وفي العالم الاخر … تستمر الشخصيتين في استجوابهما ويستمر هو في سرده لحياته حلوها ومرها … بطريقة (تسجيلية) وحوارات ذاتية لا تخلو من (شعرية) وبلهجة شعبية تتخللها عبارات واشعار من الفلكلور المحلي … يتعاطف الملاكان (الاول والثاني) مع (هو) ويخبرانه ان الطريق امامه مفتوح وسالك للعودة الى الحياة:
الاول : اتحرك .. ليش كعدت ؟
        منحناك فرصة ما تنمنح الا كل الف سنة ..
       لمخلوق واحد من بني البشر
(يرفض (هو) هذه الفرصة ويعبر عن احتجاجه وبقائه في العالم الجديد):
هو : شسوي بيها !!
      شراح اكدر اصلح من موازيني
     اذا هي الموازين كلها مختلة
الثاني : قصدك
هو : صلحوا الموازين ! هناك ..
    غيروها يلة تمنحوني هذه الفرصة السعيدة 
     ما اريد  اشطب ايام ما بيها غير الخسارات والحسرة 
     لو تبقوني بعالم المساواة العظيمةهذا ….
    كلنا سواسية امام دود الارض
    من صاحب الكرسي الى صاحب التخته….
   غيروا .. غيروا موازين العالم الجوه حتى ينتظم ميزاني ..
يبقى (هو) على المسرح ويخرج الشبحان مذهولين من رفضه هذه الفرصة المثالية.. النص يحمل الكثير من القيم الدرامية التي تؤسس لفرضية الحياة والموت، الحضور والغياب، الوجود والعدم .. بوصفها مفردات عضوية داخل هذا النص التعبيري الذي يحفر شخصياته (هو) و (الاول) و (الثاني) بتوصيفات عمومية، والحوار يتراوح بين (المنولوجات) الاسترجاعية الذاتية وبين الحوار التلغرافي السريع والمتقطع:
الاول : يعني كنت … نموذج للشاب الجامعي … الملتزم.
هو : وداعتك .. لزكه .. بالدوام .. والالتزام والدراسة ..
الاول : جميل .. رائع ..
الثاني : من طلب العلا .. سهر الليالي
يكون التركيز في مسرحية (فوك) على فكرة الحضور والغياب / الحياة والموت ونقل الحدث من الواقع (العالم الارضي) الى (العالم العلوي) وهنا تدخل شخصية (هو) في ملابسات الواقع / الوهم هل هي فعلا شخصية تمتلك حضورها الفيزيقي (الجسدي) ام هي عبارة عن وهم كحال بقية الارواح؟ .. ويرى الباحث ان عبور المؤلفة من الواقع الى الوهم هو تعابر فكري بسبب الضاغط السياسي في تلك الفترة، فنقل الاحداث الى العالم الاخر كان بسبب الضاغط الايديولوجي (السياسي) وليس سببا فنيا فقط .. لان مقولات الاحتجاج والرفض التي كانت سائدة على لسان شخصية (هو) من غير الممكن قولها على الارض (الواقع) وانما كان لايجاد صيغة ايهامية في المكان والبيئة الدرامية غاية (براغماتية) لاخراج المسرحية خارج اعين الرقيب .. في تلك الفترة الضاغطة والكابتة للحريات من حياة العراق.
———————————————–
المصدر : مجلة الفنون المسرحية

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *