(( ثلاثية الاستفهام … قراءة عرض سينما..)بقلم / نورس عادل

 

 

(( ثلاثية الاستفهام … قراءة عرض سينما..))

بقلم / نورس عادل

 

لماذا؟؟

صار لزاما علينا أن نعيد تغذية قراءاتنا البعيدة لتلك المقابلة المفاهيمية التي تتوسط الفارق الجمالي ما بين تعالق مفهومي الخلاف والاختلاف، في ضل غياب الاحتراز الأخلاقي المفترض للمفهوم الأول.. وفي ظل سيادة وهيمنة إشكالية المفهوم الثاني وتساوقه ثقافياً، وهذا المركب بتداخلاته وتقاطعاته هو الذي صار ينتج ما يمكن أن نسميه تلقياً أو تأويلاً لخطاب العرض المسرحي وبحسب متبنيه.

وإما الهم المفترض على القراءة النقدية في عملياتها الاشتغالية لتفكيك بنيات المنجز وإخضاع عناصره وعلاقاته للتحليل وصولاً نحو نتائج ما تحقق في هذه المعالجة أو تلك الرؤية الإخراجية ، فرصد المختلف هو ما يحتم إبرازه ومن ثم تتأتى إشكالية ثنائيتي الإخفاق/ الإبداع..بوصفها المعيار الذي كان ومازال وسيبقى خاضعا لجزئية انتسابها لفرضيات النسبية باءزاء مستويات الوعي وحساسية القراءة وعلائقية الزمن.

على ما تقدم يؤسس خطاب العرض في سينما،( تأليف وإخراج:كاظم النصار سينوغرافيا:د.جبار جودي، دراماتورج:د.سعد عزيز، تمثيل:اياد الطائي،باسل شبيب،علاوي حسين،زيدون داخل،ازهار العسلي) ..لسمات المختلف مع ابرز طروحات(ياوس/ايزر) وإسهاماتهم المفاهيمية والجمالية على مستوى المتقدم في عمليات مشاركة إنتاج المعنى بدأ من محاولات الانفلات لما يُسربه(فولدر)العمل وتخارجه عن وصفه بطاقة تعريفية بعنوانات صناع العرض وحسب..نحو فضاءات تصديرية لسياقات المعنى المبكر ورغبة صناع العرض في تهيئة مزاج المتلقي وتوجيهه نحو الشروع بتأسيسات أولية من شأنها أن تلتقي والفرضية المنتظرة داخل الحيز ألاشتغالي لخطاب العرض، على أن تعزز سلطة المخرج هذا المعطى كلماته الافتتاحية التي تسهم على الأغلب بعمليات الإحاطة بمظلة التوقعات وردم فجوة الانتظار وتقليص مديات ذلك الأفق الذي يجتلب المتلقي نحو لذته الأولى..وهو ما ساد في مدونة خطاب العرض الذي نحن بصدده وما يمكن تلمسه في عروض مسرحية عدة، تعاضداً مع نسق الحقبة المعززة لسلطة المخرج وتمركزاته في الهيمنة والتفرد..حتى ما بعد أمد المثاقفة المبرمة إجرائياً مع الفاعل الدراماتورج لا بفرضية وظائفه المتعددة ،وإنما بحسب المستويات التي تسفر عنها توجهات المخرج وقناعاته.

فيما تضع الفرضية المختلفة تقابلاتها نحو ضرورات الإتاحة لفاعلية هذا الدور والأخذ بالمقترحات التي من شأنها الإسهام في توضيب مجريات الخطاب ، انطلاقاً من محايدات الإسهاب الدلالي أو حتى محايثة الارتباطات الجمالية لتراتبية المفهوم الذي تركن إليه فلسفة العرض .

فيما تنسحب هذه المنطلقات أعلاه نحو افتتاح خطاب العرض لمدونة سردياته باستدعاء مجريات الحدث على طريقة المباشرة في رصد مفردات الهم ويومياته الراهنة وما يعكسه ذلك الشاغل من إسقاطات تتعارض والقدرة الإنسانية لاستيعاب مردوداتها أو حتى لمجرد إخضاعها للمنطق، مما دفع صانع العرض إلى محاولة إيجاد صيغ للعبث بها؟؟..وهو الاشتغال الذي يختلف تمام الاختلاف عن توظيف أسلوب العبث(بحسب كلمة المخرج أو ما أراد له) وبالتالي إزاحة المتراكم نحو ارتباك المشهد الحياتي على خشبة العرض أيضا بإزاء محاولة قراءة ما يحدث..ألان وهنا؟؟

فموت اللغة وتشظي أنظمتها وتعطيل وظائفها في نصوص مسرح العبث لم تجد لها مقومات عبر الملفوظ النصي لخطاب العرض الذي نحن بصدده والذي جاء بلغة تداولية مباشرة منطقية ووظيفية، فهي لغة جاورت المألوف والسائد على الأقل في مدونات مواقع التواصل الاجتماعي..ويبقى الاختلاف قائما باءزاء المقارنة في مديات فاعليتها بوصفها لغة تمتلك مستويين الأول حيوي وآني وتداولي والثاني متدني على صعيد الذائقة الجمالية المعتادة التي حاول النص المسرحي العراقي تأصيلها لعقود سابقة.

ويبقى المختلف ضمناً ذلك النسق التصاعدي المريب في تعضيد معطيات آزمة النص المسرحي العراقي وفقدانه لقدرة اخذه البادرة في تصديره لمشروع يتناسب وحجم مستجدات الكارثة المستدامة إنسانياً.. من ناحية، ويتلائم وجماليات ذلك القبح المحتم ،الناتج عن خراب الحروب ومفاهيم الموت والشذوذ الفكري العابر لمتواليات أطر ما بعد.. بعد الحداثة من ناحيةٍ أخرى؟؟

وهو ما توافر لدى صانع العرض عبر اصطفافه مع فرضيات إقصاء المؤلف وتهميش فاعليته في خيار الاشتغال على صناعة الملفوظ الطارئ على ذائقة المسرح الجاد ولغته الدرامية، وهو ما تحقق مثلا على لسان شخصية(ابو السايبة): ” إلي يمعمع اخابر عليه الشرطة” وهي جملة بعيدا حتى عن أخلاقيات المسرح لم تستطع أن تجد لنفسها مبررا دراميا، ناهيك عن مجاورتها للإيماءة الصادرة عن الشخصية..باتجاه المتلقي مما أسهم بشكل ملحوظ بتوسيع رقعة النكوص في المتشكل النصي وبنياته المضمنة لمتن العرض.

متى؟؟

تكون الشخصيات عبثية عندما تخضع ولو نسبيا للمقومات والخصائص التي أفرزتها فلسفة العبث بمخرجاتها الشكلية والمضامينية ، بدأ من احتدام كيميائية الجسد وتواصلا مع فيزياء اعتلالاتها وانعكاس كثافتها في متشكلات المكان..الخ، وهو ما جاء(مختلف) في تحليل ابعاد شخصيات سينما التي جرى استحضارها من حيثيات الواقع الحياتي الآني..كما هي دون إضافة او إسقاط، وبالتالي لم تستطع إلا أن تحقق صفاتها الايقونية في الذاكرة الحاضرة دون عناءات الاستحضار او الاستشراف ، بدأ بشخصية مدعي الشعر والثقافة الذي اقترن اضطهاده بلون وشاحه اليساري، مرورا عند شخصية القائد العسكري المتوافق مع طبيعته المتصورة ، وكذلك شخصية الاعلامية المرتكزة على جمال هيئتها وجنسها دون الموهبة، وذلك التسطيح ينطبق على شخصية سائق السايبة الذي لم يجد وظيفة بعد تخرجه فضاع بين الشوارع والتعب والفكاهة.

فيما تستدعي شخصية(حفار القبور) التوقف عندها بوصفها مثلت مرتكزا رئيسا لمسارات حركية لم تستنفذ ،إلا إنها حاورت عمليات تخارج البؤر المشهدية عن نمطيتها بتحفيزها لدلالات فنتازيه عبر مشاهد الرقص تارة، واشتغالها في مغايرة الوظيفة العلامية لرمزية بعض عناصر المؤثث السينوغرافي، تارة أخرى ولا سيما ذلك التوليد الجمالي في تحول وظيفة( أداة الحفر/أداة الحكم/الصولجان)؟؟

إلا إن إيضاح المختلف مع ما سبق يستدعي رصد لحظة ترك تلك الأداة العلامية(اداة الحفر) التي كان يمكن استثمارها في مقترحات وظيفية وجمالية عدة ولكل الشخصيات بدل تركها تموت رميا على خشبة العرض دون مبرر درامي لوجودها.

كيف؟؟

نحقق فضاء سينوغرافيا يساند بعلاماته واشتغالاته المقترب المعادل لفرضية العرض وإحالاته بما يمتثل لتمركزات منظومة المؤثر الصوتي مثلاً..وهو ما جاء محققا لغايته المفاهيمية والجمالية مع ذلك المؤثر الصوتي المصاحب لمشاهد الفواصل الإعلانية الراقصة بملامستها لزمن الاغتراب وتدعيم فعل انتفاء الفهم وشرود اللحظة، وفي المقابل لم تتحقق تلك الصيغ مع مقطع الأغنية التي سجل استحضارها استدعاءات كلائشية لعروض سابقة، إضافة إلى المؤثث الديكوري لشواهد القبور التي دلت في احد اوجهها الجمالية على زُحمة المكان واستنفاره للقادم من الموت، إلا ان المختلف عليه يبقي على رصد حالة عدمية الوظيفة لتلك الشواهد فيما بعد فهي لم تقدم باستثناء ما ذكر أعلاه سوى إرباك الخطاب البصري وتضييق الفضاء المكاني الخاص بالمسارات الحركية للشخصيات دون إبراز قيم تحولية لتلك الكتل الميتة وتعارضها مع تحولات البيئة المشهدية وافتراضاتها الدراماتيكية لفاعلية الحياة فيها طيلة زمن العرض الذي شابته هو الآخر مسارات افقية كثيرا ما تخارجت عن دائرة الزمن الدرامي لاسلوب وفلسفة العبث، مما حتم ترهلات عدة في ثنائية الوقع والايقاع للحدث الدرامي مخلخلا بالنتيجة لافرازات الضوء لمنظومته العلامية في خلق المعادل البصري لحالة التوتر المفترضة باءزاء مفاهيم الرفض والصدمة والموت..ونكران الأخير.. من قبل شخصيات لم تكن لتستوعب بعد أسباب موتها؟؟

1

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *