توظيف أساليب الإلقاء للممثل في العرض المسرحي المعاصر

توظيف أساليب الإلقاء للممثل في العرض المسرحي المعاصر

محمد كاظم الشمري           زيد ثامر عبد الكاظم

جامـعة بابـل/ كلية الفنون الجميلة

     الفصل الأول

 الإطار المنهجي

أولاً: مشكلة البحث 

      إن قواعد الإلقاء والإلقاء المسرحي منها ما هو عام لفن الكلام وفن المسرح في أية لغة من اللغات, ومنها ما هو خاص بكل لغة من اللغات , ذلك إن أصول التخاطب بين الناس وأصول التحاور على المسرح واحدة من حيث قواعد وأنظمة الصوت والإلقاء , لكن لكل لغة تراكيبها , فالإلقاء المسرحي جزء من بناء الدراما فالكاتب يكتب نصه المسرحي واضعاً في ذهنه أن كلامه المكتوب في نص سوف يلقيه (الممثل) على خشبة المسرح, ثم يفسر المخرج بأساليبه والممثل العرض المسرحي (بإلقاء الحوار) وإذن فان قواعد الإلقاء المسرحي يجب أن تربط بالفعل الدرامي عبر رسم الشخصيات وصوغ العرض المسرحي . وانطلاقاً مما تقدم فان الحاجة قائمة إلى دراسة المشكلة التي تكمن في التساؤل الآتي: 

كيف وظفت أساليب إلقاء الممثل في العرض المسرحي العراقي المعاصر ؟ً

  ثانياً: أهمية البحث والحاجة أليه

   يهتم البحث الحالي بـ:

أ- معرفة أسلوب الإلقاء الذي يتحدث به الناس سواء أكانوا ممثلين أم ملقيين. 

ب- معرفة سمات أداء الممثل من حيث الإلقاء والألفاظ ومخارج الحروف بما يخدم المجتمع.

جـ- يقدم منجزا معرفيا يفيد الدارسين والمختصين في المسرح والأدب.

د- يخدم طلبة كليات ومعاهد الفنون الجميلة في العراق ، فضلا عن نقاد المسرح والمهتمين بالفن المسرحي.

ثالثًا: هدف البحث 

يهدف البحث الآتي إلى تعرف:أساليب الإلقاء لدى الممثل وكيفية توظيفها في العرض المسرحي. 

رابعاً: حدود البحث:

1) مكانياً: بابل/ النشاط المدرسي.(2) زمانياً: 2008.(3) موضوعياً: دراسة أساليب الإلقاء للممثل وتوظيفها في العرض المسرحي المعاصر.

خامساً: تحديد المصطلحات 

– الأسلوب لغة:(Style): يعرفه (ابن منظور): “ما يقال للسطر من النخيل، وكل طريق ممتد فهو أسلوب ، فالأسلوب الطريق أو الوجه أو المذهب، يقال: انتم في أسلوب سوء أو تجمع أساليب. والأسلوب الطريق تأخذ فيه والأسلوب الفن، يقال: أخذ فلان من أساليب القول أو في أفانين منه” . 

– اصطلاحا: ويعرفه (الشايب) على أنه: “معان مرتبة قبل أن يكون ألفاظا منسقة وهو يتكون في العقل قبل أن ينطق به اللسان أو يحرى به القلم” .

    ويعرف أيضا: “هو الصورة اللفظية التي يعبر بها عن المعاني أو نظم الكلام وتأليفه لأداء الأفكار وعرض الخيال،أو هو العبارات اللفظية المنسقة لأداء المعاني” .

– الإلقاء:(Didacticism):يعرفاه (ماري الياس وحنان القصاب) على أنه: “كلمة مأخوذة من اللاتينية وتعني الكلام، وتستعمل للدلالة على فن اللفظ أو طريقة الكلام أو طريقة إلقاء الشعر أو النثر” .

    يعرفه (كحيلة) بـ: “التفوه بالكلمات ، وهو يقوم بإبراز المعنى من خلال إلقاء طبيعي يشبه العادي، ويختلف باختلاف مدارس الأداء والتمثيل” .

    أما الإلقاء في المسرح: “هو فن لفظ النص المسرحي ، ومقوماته مهارة نطق مخارج الحروف وحسن استخدام نبرة الصوت ونغمته وشدته وسرعة الكلام وإيقاعه. وتتفاوت طبيعة الإلقاء في المسرح ما بين إبراز قيمة الصوت كعنصر سمعي في لفظ اقرب إلى الترتيل وهذا هو التنغيم ، وبين إبراز المعنى من خلال إلقاء طبيعي يشبه لهجة الحديث العادي ، وذلك تبعا لاختلاف مدارس التمثيل” .

  أسلوب الإلقاء المسرحي إجرائيا: هو كل ما يلفظه أو يتكلم به أو ينطق به الممثل المسرحي من معاني وألفاظ ممكن أن تبرز صوته ونبرته وشدته وسرعة كلامه وإيقاعه ، وفق أساليب خاصة ومنوعة يضعها المخرج لتدريب ممثله.       

الفصل الثاني

 الإطار النظري

المبحث الأول: أساليب الإلقاء المسرحي       

   يعتبر فن الإلقاء عاملا مهماً على خشبة المسرح وهو جزء لا يتجزأ من فن التمثيل بل هو احد أدواته الفنية, فالهدف الرئيسي الذي يصبوا إليه الممثل من خلال وسائله الفنية وخاصةً الإلقاء هو أن يوّلد القناعة لدى الجمهور بأبعاد الشخصية التي يجسدها وبالأقوال والمشاعر التي تقدمها تلك الشخصية فـ”ليست مهمة الفنان أن يعرض مجرد الحياة الخارجية للشخصية التي يؤديها بل لابد أن يتلائم بين سجاياه الإنسانية وبين حياة هذا الشخص الآخر, وان يصب فيها كلها من روحه هو نفسه , إن الهدف الأساسي الذي يهدف إليه فننا هو خلق الحياة الداخلية للروح الإنسانية, ثم التعبير عنها بصورة فنية ” .  ويأتي تعبير الممثل بالإضافة إلى حركاته وإيماءاته (إلقائه) فإن فهم الكلام قبل إلقائه أمراً لابد منه لأن العملية تتم ضمن إطار الفن الدرامي فلا مناص للممثل من الإيمان بالكلام الذي سيلقيه على مسامع المتفرجين والذي يتضمن جملة من الأفكار والمشاعر ليس إيمانا مجرداً بل إيمانا صادقاً فيما يلقيه من حوار بعد التعرف على أبعاد الشخصية الطبيعية والنفسية والاجتماعية وصفاتها بالسلوك والتصرفات وطريقة الكلام, فعلى الممثل أن يتعرف على العناصر التي تجذب السامع وتثيره من اجل إبراز القيم الدرامية المختلفة . كلنا يستطيع أن ينقل أفكاره وأفكار غيره إلى السامعين أو المشاهدين بوسائل متعددة , أما عن طريق الخطابة أو الإنشاد والغناء أو الإشارة , ولكن ليس باستطاعة كل منا أن يتقن فن الإلقاء, بحيث يصل إلى هدفه من نقل أفكاره أو أفكار غيره بشكل واضح ومحدد, ومن ثم التأثير على السامعين أو المشاهدين بحيث يتفاعلون مع هذه الأفكار, فالإلقاء يعتبر الوسيلة الوحيدة والفعالة في مخاطبة الجماهير كونه يجسد الأفكار والأحاسيس والأهداف بشكل معين, ولفن الإلقاء أربعة أساليب هي(أسلوب الإلقاء الخطابي, أسلوب الإلقاء الشعري,أسلوب الإلقاء القصصي, أسلوب الإلقاء التمثيلي).

 

    أسلوب الإلقاء الخطابي:

    كان الإلقاء في هذا الأسلوب عن طريق الخطابة وهو الشائع في بادئ الأمر حيث كان للخطابة أصولها وقواعدها التي يجب على الخطيب أن يراعيها أثناء إلقائه لخطبته , ولذلك اشتهر العرب أيام الجاهلية بالخطابة, حيث كان أكثر شعرهم يلقى على مسامع الناس بشكل خطابة وسط الأسواق ثم امتدت عبر العصور الإسلامية متأثرة في تلك الفترة بالأحوال السياسية التي كانت تسود المجتمع . فقد كانت الحاجة إلى الخطابة قائمة خصوصاً في الحياة الاجتماعية كفض للنزاعات التي كانت تحدث بين القبائل آنذاك بالإضافة إلى نشر الأفكار وتحريض الناس على أمراً معيناً , فالدين الإسلامي اعتمد على الأسلوب الخطابي في نشر تعاليمه حتى وصل إلى باقي المجتمعات التي تفتقر إلى الكتابة وأصولها, وبمرور الزمن أصبحت الخطابة الأسلوب الأمثل لمخاطبة الناس في جميع الفترات , فالخطيب كثيراً ما كان يعول عليه الناس لتشجيعهم وشد أزرهم في كثير من الأمور الحياتية لان الخطيب يعرف أكثر من غيره كيف يتمكن من إثارة الحماس في نفوس المجتمع . وللإلقاء الخطابي أنواع عديدة نذكر منها الأهم وهو الإلقاء الخطابي الديني والإلقاء الخطابي السياسي, ويختلف أسلوب إلقائهما تبعاً للمادة الملقاة , ويتحدد أسلوب الإلقاء الخطابي بنقاط ثلاثة وهي: 

1) أن يتلائم الأسلوب مع الفكرة العامة للخطبة, فإذا كانت حماسية احتجنا إلى صوت قوي , وتسارع في الأداء, وإذا كانت دينية احتجنا إلى صوت دافئ وسرعة بطيئة. 

2) إن يتلائم الأسلوب مع السامعين من حيث ثقافتهم وتقبلهم للموضوع المطروح في الخطبة , فالأسلوب الذي نتعامل به مع عامة الناس,غير ذلك الذي نتعامل به مع طبقة مثقفة منهم. حيث أن في هذه الحالة لا نحتاج إلى تبسيط الأسلوب وإلى إيراد تفاصيل لا ضرورة لها. 

3) ملائمة الأسلوب للخطيب نفسه: فيعرف الخطيب قدرته في التعبير, ومدى قوة صوته, وتمكنه من موضوعه الذي يعالجه, وثقته بنفسه وإيمانه بما يقوله في الخطبة , فضلاً عن قدرته في مجابهة المواقف الطارئة, وقدرته اللغوية من حيث سلامة اللفظ وضبط أواخر الكلمات ضبطاً صحيحاً .  

    ويعتمد الأسلوب الخطابي بالدرجة الأولى على إيصال المشاعر أكثر من اعتماده على نقل المعاني, الأمر الذي يلزم الخطيب بدراسة العوامل النفسية التي تحرك نفوس الجمهور وطباعه , وكلما كان شعور الجمهور موحداً, سيطرت عليه روح الجماعة.  

أسلوب الإلقاء الشعري: إن المعرفة اللغوية تشمل معرفة تامة بقواعد اللغة وفنون نطق الحروف بصورتها السليمة, وتشمل كذلك معرفة كيفية تقطيع الكلام وفق العلامات الترقيمية المختلفة, وإدراك معنى كل علامة من هذه العلامات, بالإضافة إلى ما يقتضيه الإلقاء من تقطيع أن الإلقاء الشعري له خصوصية قد تتميز عن سابقتها وهو أن يوّلد القناعة لدى المتلقي من خلال التعبير عن الكلمات بوساطة الإلقاء الصحيح الموحي بالأفكار والأقوال والمشاعر التي تتضمنها القصيدة وبذلك سوف يصل بإلقائه إلى مرحلة التعبير الفني المبدع, فان معرفة الملقي وإلمامه بأصول وقواعد الإلقاء الشعري سوف يقوده إلى النجاح في مهمته الفنية, لذلك على الشاعر ضرورة الالتزام بان يكون لفضه رشيقاً عذباً وفخماً سهلاً وان يكون المعنى ظاهراً مكشوفاً وقريباً لان الرشاقة والعذوبة في اللفظ تعني الخفة والسهولة في ولوج الإسماع وحسن التقبل بحيث لا تخدش إذن السامع بل يترك فيها حالة من النشوة النفسية توّلها موسيقية الحروف المكونة لتلك اللفظة , فالشعر الموزون والمقفى يثير المشاعر والانفعالات الإنسانية بالصورة الخيالية التي يقدمها الشاعر , وهو بهذا إنما يخاطب العاطفة أكثر الأحيان , فالشرطان اللذان يجب توفرهما في الشعر هما الوزن والقافية والاتصال بالشعور .     

إن حُسن الإلقاء الشعري إنما مصدره تفاعل الملقي مع ما في الشعر من صورة بلاغية وخيالية, فالشاعر عندما يلقي إنما يلجا إلى صدق الشعور في إبراز الانفعالات ويستعين بتجاربه الحيوية القريبة الشبيهة بمعاني الشعر الذي يلقيه وهو ما يسميه ستانسلافسكي بالذاكرة الانفعالية . إن جمال الشعر يعتمد على جرس الكلمات وهو الخاصية الصوتية التي تعطي للكلمات دلالة معينة , فعلينا مراعاة القواعد الضرورية عند إلقائنا الشعر حتى نصل إلى ما نصبوا إليه من إيصاله إلى المتلقين حيث توصيل المعاني إليهم , والتأثير عليهم بشكل واضح, ومن هذه القواعد:     

1) توفيرا لسيطرة التامة على التنفس بأخذ الشهيق الكافي والاقتصاد بإخراج الزفير.  

2) توفير قوة الصوت الكافية.. ويعتمد هذا على سعة المكان وعدد السامعين.

3) الوضوح التام في النطق .. والتركيز على الكلمات المهمة. 

4) إن لا نقف عن الإلقاء عند نهاية كل شعر وإنما عند تمام المعنى .

أسلوب الإلقاء القصصي:

     يعتمد هذا الأسلوب على التأني في اللفظ في النطق , والتقرب إلى قلوب السامعين , وقد يختلف هذا الأسلوب تماماً عن الأساليب الباقية , وقد يكون عنصري الزمان والمكان في هذا الأسلوب مهمين جداً فضلا عن الفئة من الناس اللذين توجه إليهم القصة , فعندما توجه القصة إلى الأطفال عليك أن تكون أكثر لطافة وتأني في إلقائك محاولاً الوصول إلى ذهنية الطفل واستيعابه, أما إذا كانت القصة تلقي على جمع من الناس ينبغي الالتجاء إلى دفع الصوت بقوة لكي يصل إلى أسماعهم, وإذا كانت القصة تلقي بأجهزة الصوت كالمايكروفون مثلاً فعلى الملقي أن يقسم طاقة الصوت لديه حتى يصبح الصوت واضحاً للجميع وبدون تضخيم . وعلينا أن نميز بين السرد والحوار , فإلقاء الحوار يتطلب منا أن نلجأ إلى الأسلوب التمثيلي عن طريق تمثيل الشخصية في إلقائها لقصتها, أي التلوين من حيث الصوت وأسلوب الإلقاء . ذلك إن كل شخصية خصائصها المميزة عن غيرها من الشخصيات, ولا تخلو أي قصة من عنصر المفاجئة إذ يقتضي التأكيد والتمهيد للمفاجئة بطريقة الإلقاء والاهتمام بالوقوف والتركيز الذي يساعد الملقي على إظهار الذروة , ولكي ننجح في ذلك علينا أن نعبر بصدق في أصوات الشخصيات الموجودة في القصة , أي أن يأخذ أسلوب الإلقاء طابع التقمص والتقرب من الشخصيات الموجودة في الرواية أو القصة , أيّ كان تلك الشخصيات , فهذا عنصر مهم في تشويق السامع في أسلوب الإلقاء القصصي, لاسيما إذا كان السامع من الأطفال . 

أسلوب الإلقاء التمثيلي: إن الإلقاء التمثيلي “فن من الفنون , وان لكل فن مؤهلاته وأصوله والفن التمثيلي يعتمد أولاً على الموهبة التي لابد من توافرها في الشخص لكي يكون فنانا وثانياً يعتمد على الإبداع والمقصود هنا بالإبداع هي التلقائية في تنفيذ العمل الفني, فالإلقاء لا يعتبر فنناً إذا لم يوضع في موضع خاص أي عندما يكون هناك من يتلقى ذلك العمل ويستجيب له” . إن لغة المسرح مثلها مثل اللغة في بقية الفنون, فإذا رجعت إلى كتاب (أرسطو) فن الشعر لوجدته يتناول بتحديد الخصائص اللغوية لفن المأساة وبدقة متناهية كما ويتناول أساليب الصياغة والأوزان الشعرية التي تنصب جماليات التراجيديا في قوالبها, وتنبع خصوصية لغة المسرح من طبيعة فن المسرح ومن أسلوبه في التواصل مع المتلقين فالمسرح ليس فناً مقروءاً أو مسموعاً, بل فن مرئي أيضا ويخاطب في لحظة واحدة جمعاً كبيرا من الناس بمختلف الأذواق والثقافات والانتماءات, ولأن المسرح تمثيل للحياة الواقعية فهو بالتأكيد ليس مثلها ولكنه يجب أن يقنعنا بأنه يكثفها ويلخصها , وإذن , فأن اللغة التي تتكلمها الشخصيات على المسرح هي بالتأكيد غير لغة الواقع, ولأنها غير لغة الواقع وجب على الممثل أن يلقيها بتهذيب وان تكون الكلمة الملقاة على مسامع الناس تتصف بالجمال, وان تكون موزونة مترابطة مع بعضها البعض تنمي ثقافات السامع وتزيده من خبرته في الحياة .  

      عندما بدأ التمثيل عند الإغريق كان الحوار المنشد عبارة عن شعر, أي أن الإلقاء المنشود كان منغماً حيث ظهر لنا من خلال الاحتفالات التي كانت تقام تكريما للإله (ديونيزيوس) اله الخصب والخمر والنماء، وفي هذه الاحتفالات كان اليونانيون القدماء ” يجتمعون لكي يحتفلوا بعيد قطف العنب ويطوفوا بشوارع المدن وإنحاء الريف وهم يمرحون ويرقصون ويرتجلون الأناشيد ويتغنون للإله” . حيث كان الشاعر الأول آنذاك (ثيسبيس): “يعرض إشعاره على عربة في الطرقات وبذلك أصبح رمزا للممثلين الجوالين” . وكانت أول خطوة نحو الإنشاد الجماعي أي (الكورس), وتطور الفن التمثيلي عند الإغريق شيئاً فشيئاً على يد شعراء الإغريق (اسخيلوس, سوفوكليس, يوربيدس) حتى تخلص الإلقاء من النشيد رويداً رويدا غير انه اتخذ أسلوباً آخر أشبه ما يكون مسرحا غنائيا في لغة فخمه يطلق عليها (كلاسي) أي النطق بالفخم والجرس الرنان, أما في عهد الرومان فقد كانت الفخامة واضحة في كل مجالات الفنون فالمباني شاهقة مرتفعة والأعمدة والتماثيل الكبيرة كل ذلك كان فيه مبالغة , ولا يمكن أن يكون كلام الناس وأصواتهم وإلقائهم إلا تماشياً مع هذا الجو ومرتفعاً له , وفي العصور الوسطى عصر الكنيسة كلنا نعلم أن الفن التمثيلي نشأ من الوسط الديني وكل كلام أو حوار يتناول المواضيع الدينية لابد أن تتصف بالفخامة والتلوين في الصوت والإلقاء , لذلك أن رجال الدين على مر العصور يعتمدون في إلقائهم لخطبهم ومواعظهم على التلوين والترتيل والتفخيم في الصوت لكي يكون معبراً  . أما العرب فقد استخدموا الإلقاء التمثيلي منذ أقدم العصور كما كان يفعل الحكواتي في تقليد الأصوات والحركات البهلوانية, ولا ننسى أن أسلوب إلقاء الحكواتي كان أسلوباً قصصياً ولكنه ممتزج بالأسلوب التمثيلي , من خلال تقمصه للشخصيات التي يقلدها بصوته , ويمكن القول أن الإلقاء التمثيلي عند العرب أول الأمر يعتمد على تقمص شخصيات مختلفة عن طريق الصوت وطريقة الكلام, وقد ظهر هذا النوع في مجالات عديدة مثل (خيال الظل, صندوق الدنيا, والقرة قوز) . 

     ما يزال الإلقاء المسرحي في كثير من النشاطات الدولية والمحلية , يحظي بأقلّ من العناية اللازمة له , كونه متروك على عاتق وطبيعة الشخص الموهوب , مع شيء من التدريب والتوجيه في التمارين المسرحية, فإذا به يظهر اضعف أركان المثيل, وكثيراً ما يخضع لغايات غير فنية , أي أن توظيفه بدون جدوى وفي غير محله , ففي الكثير من العروض المسرحية نجد تفاوتاً واضحاً بين الممثلين في صحة الإلقاء وإتقانه ومشاركته في الصياغة النهائية للمسرحية, وكثير من الممثلين يعتبرون الفعل المسرحي أهم من النطق بالكلمات أي إتقان الصوت وإلقائه , فالحوار وما يتبعه من صوت وإلقاء , واحداً من ابرز تقنيات الممثل أو تقنيات العرض المسرحي, فالممثل يقرأ النص على خشبة المسرح قراءة فنية إلقائية, وهذه القراءة الفنية هي التي توصل المعاني والأحاسيس . إن طريقة تلفظ الممثل للكلمات والجمل , ذات أهمية كبيرة في توجيه المعنى , فدور الكلمة على خشبة المسرح تستثير في الممثل مختلف المشاعر والرغبات والأفكار والصور الداخلية البصرية والسمعية وغيرها . هذه الصورة , يجب أن تتولد عند الممثل وتصل إلى الجمهور. إن معرفة الممثل فن الإلقاء على نحو عام وإلمامه بأصول وقواعد إلقائه يقوده إلى النجاح في مهمته الفنية فيما لو اسند إليه دور في مسرحية ما يتضمن أداء خطبة معينة , حيث أن فن الإلقاء لا يمت إلى فن التمثيل فحسب بل يشمل اغلب الأنواع الأدبية في حالة الأداء.. أو التجسيد الدراماتيكي من تمثيل . ويوصي (الكسندر دين) الممثل على تهيئة أعضائه الصوتية لأداء مهمتها , ويأتي في مقدمة ذلك التنفس , ثم الأعضاء الأخرى ابتداءاً من الحنجرة واللسان وعضلات الفكين والشفتين وكل ماله علاقة بعملية الإنتاج الصوتي لذلك, لابد من التمرين المستمر, ويضيف قائلاً: “يجب أن يتمرن الممثل على السيطرة على صوته بحيث يصبح استعماله الطرق الصحيحة تلقائياً وبلا توجس . والممثل الذي يتوجس خيفة من طبيعة صوته , سيمنع الصوت من العمل بحرية لينقل المشاعر بأمانة ويعبر عن الأفكار المطلوبة, وعلى هذا لا يقتصر العمل على تهيئة الصوت وجعله صالحاً معداً إعداداً فنياً , بل لابد من ممارسة التمارين التي تجعل الصوت مرناً ومسترخياً ومطواعاً وعند ذلك يصبح ممثلاً ذات صوت مهيأ ومتجاوب ومستعد لنقل أدق المشاعر” . وكلما كان كلام في المسرحية كان لابد من الإلقاء , والكلام في المسرحية الذي يلقيه الممثلون يتخذ أشكالاً متنوعة وهي (الكلام المنفرد, المناجاة, التجنيب أو الجانبية والحوار) فالكلام المنفرد هو مخاطبة الشخصية لنفسها لتنقل إلى الجمهور انفعالات ومشاعر من أعماق نفسها وليست من مادة دورها, أما المناجاة فهي كلمة طويلة يلقيها الممثل بمفرده على خشبة المسرح, ولا يشترط أن كلام تنطق به إحدى الشخصيات المسرحية في ظل شخصيات أخرى موجودة في العمل المسرحي , ويكون النطق بصوت مسموع ليس للشخصيات المسرحية بل للجمهور وللشخصية الناطقة بالفعل, أما الحوار فهو الكلام الغالب في نص المسرحية والذي يكاد يستغرق زمن العرض, إذ انه الحديث المتبادل بين الشخصيات والذي يشترك مع التعبير الجماعي في تكوين الأداء التمثيلي الموّلد للصراع والمطور للحدث وهو المحرك الدافع له .  

المبحث الثاني

الصوت والإلقاء للممثل في التجارب الإخراجية

    مما لا ريب فيه أن الممثل واحدا من العناصر المهمة والأساس في تشكيل صورة العرض المسرحي، ومن غيره لا يمكن للعملية الإخراجية أن تكتمل ، إذ إن فن الممثل يقوم على مبدأ المحاكاة أو تمثيل الآخرين، وذلك من خلال معايشتهم اجتماعيا ونفسيا وجسميا وصوتيا أيضا ، فضلا عن معايشة الممثل للشخصية المراد تأديتها، ولكل شخصية في دور صوت خاص بها، وصورة أو هيئة تخصه هو دون غيره، وكل صوت قادر على أن يعبر باللغة التي تناسب الشخصية وانفعالاتها التي يمليها الموقف الاجتماعي والنفسي والطبيعة الانفعالية وتفاعلها جميعا وفقا لإيقاع عام.    

    وتعد اللغة من المصادر التي يعتمدها الممثل في حواره، إذ إنها تتألف من “مجموعة من الإشارات التي تؤسس الجانب العلامتي للغة، وبدون تلك الإشارات تفقد اللغة كيانها العام وعدها الدلالي الخاص. فالإشارة كيان نفسي ولا وجود لها في ذهن الإنسان، وهي عبارة عن اتحاد عنصرين لا فاصل بينهما ، الدال والمدلول، فالدال هو الصورة الصوتية التي تنطبع مباشرة في ذهن السامع ، وهو بعبارة أخرى الإدراك النفسي للكلمة الصوتية، أما المدلول فهو الفكرة التي تقترن بالدال” . 

    ولكي تنمو الصورة الصوتية وفكرتها في إتقان فن الإلقاء والتدرب عليه ، عن طريق التحسس والتأثير والتأثر ما بين الملقي والسامع ، فضلا عن ذلك سوف تنمو ملكة التذوق بحب، يصبح الممثل قادرا على التمييز بين النصوص الأدبية والتعرف على خصائص كل منها، ومن ثم إصدار الأحكام عليها ومقارنتها مع غيرها من النصوص الأخرى. وحتى تنمو أيضا قدرة الإنسان على التأثير على الغير، والإحساس بالتجربة الشعورية كان لا مناص له أولا من أن يكثر من قراءة النصوص الأدبية على اختلاف أنواعها ، وأن يتفهم ثانيا ويستوعب مضمون ما يقرأ، وأن يتذوق ثالثا ما في هذه النصوص من جمال أدبي وتعبيري ، وما فيه من صور وخيال وألفاظ موحية بالمعنى، ورابعا أن يكون لديه القدرة على التمييز بين نص أدبي وبين غيره من النصوص الأخرى باستكماله عناصر الفن الأدبي من تجربة شعورية . وبهذا سوف نتطرق في هذا البحث إلى بعض المناهج الإخراجية ونظرياتها لدى المخرجين عن صوت الممثل وطريقة إلقائه.

 يختص منطق الإلقاء عند (ستانسلافسكي) بعدة قوانين وهي: 

أ‌) تحديد المعنى بشكل دقيق وواضح للمحتوى اللغوي ، ومثل هذا الإلقاء يسمى أيضا بـ(الإلقاء السليم أوالفكري).

ب‌) خطاب الأفكار فيه يحدد الفعل اللغوي بتأثيره وبشكلٍ واعٍ على عقل المشارك.

ت‌) ليس مهما في الإلقاء المنطقي معرفة السرية الكامنة تحت النص أو الكلمات ، وإنما معرفة نسق الوقع الموسيقي ، من اجل أن يصبح الصوت مادة دراسية بقية ، تفتقر إلى المحسنات وجرس اللغة ، على الرغم من اقترابه فيزيائيا لا موسيقيا.

ولكي تفهم طروحات المخرج (ستانسلافسكي) حول قوانين (الإلقاء المنطقي) ينبغي معرفة المبادئ الأهم في منظومته وهي: 

1) إن الشكل المسرحي يلقن من قبل المضمون الداخلي للإلقاء. 

2) العلاقة العضوية بين الجسد والروح ، والعثور على الشكل الخارجي الصادق ، يؤثر على معايشة الممثل.

3) من خلال تعبيرية النبرات إلى الرسم البارز لدور الممثل من الداخل ، وتوصله إلى انفعالية الحدث، وكذلك توصل إلى الطبائع من خلال الرسم الفونتكي وتعبيرية النبرات،أو اطراد الرذم وتونات العرض المسرحي.

    على الممثل في العرض المسرحي الواقعي أن يطوع ويلون أدائه وإلقائه وفقا لأساليب الأداء ، من اجل أحداث الأثر المطلوب على المتلقي، فضلا عن تكيف قدرته على التحوير والتوفيق والاختيار ، فعملية الإلقاء لا تأتي عبثا،بل تأتي وفق آلية معدة مسبقا، وفقا لقدرات الممثل نفسه، وبقصد تحقيق فهمه للدور أيضا ، وكذلك ضمان التأثير في المتلقي، وكفالة الجرس العذب الجميل للكلمات المسرحية. وعليه أيضا في ضوء ذلك كله أن يعي دائما بما يلقيه من اجل إيقاظ ملكاته وقدراته بصورة مستمرة ، ومن اجل استذكار العمليات المخزونة في الذاكرة الانفعالية، بكفاءة عالية عن طريق التعبير والاحتفاظ والتوازن عاطفيا وانفعاليا .  

ثانيا: فيسفولد مايرهولد (1874-1940)

يؤكد (مايرهولد) على قواعد الإلقاء لديه وهي:  

1) الكلمات توقع على البارد ، بعيدا عن اهتزازات أو تقمصات، وبعيدا أيضا عن أي توتر أو إيقاعات حزينة.

2) يجب أن يكون الصوت مسنودا من الحجاب الحاجز ، كما يجب إلا ينتهي الصوت بتطويلات كذلك التي يحدثها الملقي السيئ.

3) التأكيد على الارتعاشات الروحية التي تحدث في المسرح القديم، وهذه الارتعاشات يجب أن تنعكس في كل جزء من أجزاء الجسم (العين ، الشفاه ، والصوت أيضا ، وفي طريقة إلقاء الحروف).

4) ترتبط الارتعاشات الروحية ارتباطا وثيقا بالشكل الخارجي لأداء الممثل.

5) اللحظة التراجيدية تؤدى بابتسامة، أي الخروج من التقمص اللاتقمص. 

    استطاع (مايرهولد) أن يؤسس أسلوبا جديدا في الأداء الصوتي والحركي، عرف بأسلوب (البيوميكانيك) من اجل دمج كل خبرته المسرحية في انتقاء وابتكار تمارين خاصة للممثل، وهذا الأسلوب الجديد في أداء الممثل يعمل على خلق جمالية النتاج الفني من جهة ، وبين آلية الأداء التي صيغت شعريا وخطبت بالخلود من جهة أخرى، أنه أسلوب يختلف عن الأداء التمثيلي وفقا للطبقة المقصودة كما كان سابقا، والعمل في المستقبل لأوضاع الإنتاج ، أي أن الكلمات يجب أن تعبر عن روح العصر الحالي ، فمبادئ (البيوميكانيك) تفسر في روح الإنتاجية في عشرينات القرن العشرين، مستمدة من العلوم الأساسية. فممثل المستقبل عند (مايرهولد) “إن كل الحالات النفسية تتحدد عبر عمليات فيزولوجية معينة وعند التوصل لمعرفة طبيعة الحالة الجسمانية يتمكن الممثل من بلوغ ذلك الوضع الذي يمكنه من الإحساس بالإثارة ، ومن ثم نقلها إلى المشاهدين لحثهم على المساهمة في الأداء التمثيلي بتفاعلهم معه” .  

  يفهم أن أسلوب (مايرهولد) الجديد جاء ليوصل ما بين أسلوب المعايشة (الاندماج) بالأسلوب الراديكالي ، أي أنه محاولة ومزاوجة ما بين العاطفة والانفعال من جهة ، والأداء السردي التعليمي المعرفي من جهة أخرى ، مما خلق نوعا جديدا من الأداء يطلق عليه بالأسلوب الشرطي أو التعبيري وأحيانا بالتركيبي.  

ثالثا: برتولد بريخت (1898-1956)

يكاد يختلف أسلوب المعايشة (الاندماج) الذي جاء به (ستانسلافسكي)،عن الأداء الراديكالي الذي أكد عليه (بريخت) من خلال الفصل بين أداء الممثل والدور ، خارقا بذلك مبدأ الإيهام ، ومن ثم عزل الممثل عن الشخصية التي يجسدها، وهذا العزل ليس شيئا كافيا ، بل يضاف له أسلوب السرد كطريقة أخرى في الإلقاء، ثم تعاد عملية الاتصال بين الممثل والدور. وعملية الاختلاف بين الأدائيين ليس مشكلة بحد ذاته، بقدر ما توجه الممثل في المسرح الملحمي مخاطبة عقل المتلقي، من اجل الهدف المعرفي التعليمي. وبهذا أصبح هناك طريقتين في الإلقاء، الأولى تخاطب العاطفة والانفعال وهذا ما تبناه أصحاب المدرسة الواقعية، والثانية تخاطب المتلقي بصورة سردية وهذا ما تبناه أصحاب المدرسة الملحمية .  

يتعين على الممثل في المسرح الملحمي، أن يتعلم النطق الصحيح والإلقاء الصحيح الذين يتمتعان بأهمية استثنائية لأغلب الممثلين ، وعليه أن يراعي:  

1) أن يتحدث بصورة مسموعة وواضحة. فالمسألة هنا لا تتعلق بالتلفظ للحروف الصائتة والصامتة فحسب ، بل تتعلق أيضا وبصورة خاصة كذلك بالفهم الصحيح لما يقال.

2) إذا كان الممثل الذي يتقن النطق لم يتعلم في الوقت نفسه أن يوصل إلى المشاهد معنى ردوده خلال الحوار، فإن تلفظه سيكون ميكانيكيا.

3) سيفقد الممثل إلقائه الجيد معناه ، إذا لم يجيد إتقان النطق مع معناه ، وعدا ذلك فإن وضوح النطق كشيء قائم بذاته له وجوه متعددة ودرجات متعددة أيضا، أي أنه يختلف باختلاف طبقات المجتمع.

يفهم أن على الممثل عندما يريد تجسيد شخصية معينة سواء أكانت (فلاح، مهندس، معلم) أو ما شابه، عليه أن يفهم ويتعلم طريقة الإلقاء على خشبة المسرح ، من اجل أن يسعى دائما وأبدا إلى التلاعب بمخارج النطق والألفاظ من اجل أن يوصل إلى الناس لغة مفهومة وواضحة ويسيرة ، لأنه يعرف بأن المجتمع الذي يحيطه هو مجتمع واحد. 

رابعا: جيرزي كروتوفسكي (1933-      )   

 إن عملية نقل الصوت لا تعتمد فقط على قوة الإيصال ونقله إلى المتلقي ، بل عليه-أي الممثل- أن يجسم صوته لكي يتفق آليته وفق معطياته الخاصة به، وحتى يخرج الصوت أيضا على شكل ترسيمات وتقاسيم لا يستطيع المتلقي ايتانها ومحاكاتها ، لذا على الممثل أن يتقن شرطين أساسين لنقل الصوت وهما: 

1) عمود الهواء الناقل للصوت يجب أن ينطلق بقوة وبدون مجابهة صعوبات (أي عوائق نفسية).

2) يجب تضخيم الصوت بوساطة جهاز تضخيم الصوت الفسيولوجي، وهذا كله يرتبط ارتباطا وثيقا بالنفس الصحيح. 

  يقول (كروتوفسكي) بأنه علينا “أن يولي قوة نقل الصوت عناية خاصة بحيث لا يسمع المشاهد صوت الممثل بوضوح وحسب، بل أيضا لينفذ إليه وكأنه صوت مجسم. كما يجب أن يكون المشاهد محاطا بصوت الممثل وكأنه يأتي من كل صوت ، وليس فقط من النقطة التي يقف عليها الممثل” . 

يصنف (كروتوفسكي) الصوت إلى طريقتين، “احدهما ملائمة للممثل، والأخرى ملائمة للمغني أو الملقي ، وهذا يعني أن مهام كلا الاثنين تختلف ، فكثير من مغني الأوبرا يعجزون عن إلقاء خطبة طويلة من غير أن يجهدوا صوتهم ، ولذلك يتعرضون لخطر (البحة) لأن صوتهم مصنف للغناء لا للإلقاء (في المسرح)” . بمعنى أن الممثل يعرف كيف يتحكم بصوته، أي لا يصغي إلى صوته من داخله بل من الخارج، لا يصغي إلى الصدى بصورة سلبية (الرنين) يتعمد التأثير فيه عن طريق الاقتراب والابتعاد عن حائط المسرح ورفع الصدى أو خفضه وفق ما يريد وتبديل أجهزة تضخيم الصوت وطبقاته.

يؤكد (كروتوفسكي) بأنه: “لا يوجد فرق أساسي بين الإلقاء في الشعر والنثر المسرحيين ، ففي كلا الحالتين يشتمل الإلقاء على الإيقاع والتعبير والنبرة المنطقية” . ويفهم أن عملية التفسير والاختلاف لا تتم وفق بنائية النص شعرا أم نثرا ، وإنما وفق آليات الإلقاء نفسها عن طريق تفسير الإيقاع وأنواعه، وأيضا عن طريق التعبيرات الصوتية والنبرات المنطقية التي يرددها الممثل أثناء أدائه ، وصولا إلى جاهزية تراتبية تكاد تتفق وأسلوبه المناط به وفقا للمخرج ووفقا لإمكانياته هو. 

خامسا: لي ستراسبيرج

على الممثل أن يوازي بين جهدين عضليين ، الأول حركي والثاني صوتي ، وهذا يتطلب كثيرا من الإدراك والوعي من اجل الوصول إلى التركيز، لهذا يقول (ستراسبيرج) “على الممثل أن يكرر حركته ، وأثناء حركة الممثل عليه أن يصدر أصواتً، ولا أعني هنا الأصوات مقاطع والحان الأغنية ، وإنما أعني كل ما يمكن أن يصدره الممثل من أصواتً ، ويجب أن تساوي هذه الأصوات الجهد الذي تبذله العضلات ، فقد اكتشفت أن النغمة والأصوات ترتبطان بجهد العضلات المبذول ، ولا يجب أن تؤدى بشكل منفصل عن هذا الجهد” . وعليه أن يكون الممثل له القدرة من الوعي والتركيز والانتباه في كل حركة يؤديها أو صوت ينطقه ، من اجل الوصول إلى فهم معنى النظرية أو المنهج الذي تعلمه. 

يرى (ستراسبيرج) في الممثل: “لا يمكن تمثيل المشاعر بل يجب على الممثل أن يسترجع مشاعر حقيقية يوظفها في أدائه ، يجب عليه أن يبحث في أعماقه عن الذاكرة التي ستشير فيه الشعور المناسب للدور أو الحالة التي يؤديها ، وحالما تبدأ مشاعره بالتدفق، فإن عملية التمثيل لا تعد كونها تشكيلا لهذا التيار من المشاعر الحقيقية ، بمعنى أن المقصود هو الذاكرة الشعورية وليس الذاكرة الذهنية” .

تعد مشكلة التعبير لدى الممثل وكيفية وصولها إلى المتلقيين مشكلة قائمة بحد ذاتها ، لهذا جاء (ستراسبيرج) بمجموعة من الأساليب الفنية ليسوقها تحت مسمى عرف بـ(التدريب على اختلاف الانفعالات) وفقا لطريقة تتلخص في أن يجعل الممثل على وعي بعجزه عن التعبير الصحيح ، على الرغم من قدرته الفائقة على الخيال والتعبير العاطفي ، وأهم مظاهر هذا العجز عن التعبير:  

1) التعبير بالكليشيهات أو الانفعالات المحفوظة المتكررة والجاهزة.

2) عجزه في إيجاد الوسائل التي يعبر بها عن الاستجابات الصوتية والحركية.

3) التعبير العفوي الناتج عن توتر عصبي.

4) إجبار الممثل نفسه على الإحساس.

وحتى يتخلص الممثل من هذا العجز بكل مظاهره الأربعة ، جاء المخرج بتدريبات شد الانتباه المثيرة والتي عرفت بـ(الرقصة والأغنية)، إذ يقوم الممثل بالغناء مع الاحتفاظ باللحن ، ثم يبتعد عن البنية الأساس للأغنية ، ثم نطق كل مقطع على حدة ومنفصلا عنها تماما ، وبعد ذلك يوازن ذلك بحركات إيقاعية من دون تخطيط أو تنظيم مسبق، وصولا إلى أن يعد الممثل نفسه كآلة موسيقية مدربة وطيعة ولينة . 

 المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري:

1- إن من الأمور التي يتحلى بها الممثل، الإيمان والصدق لفهم الكلام وأبعاد الشخصية (الطبيعية-النفسية-الاجتماعية) وصفاتها من خلال السلوك والتصرفات وطريقة الكلام عن طريق التعرف على جذب وإثارة انتباه المتلقي من اجل إبراز القيم الدرامية.

2- يشكل الإلقاء احد الوسائل الأساسية والفعالة في مخاطبة الجماهير عن طريق الخطابة ، الإنشاد ، الغناء والإشارة.

3- يتحدد أسلوب الإلقاء الخطابي عن طريق الملائمة مع الفكرة العامة للمادة الملقاة ، الملائمة مع المتلقي والملائمة مع الملقي عبر أسلوب قوي ومتسلسل وفخم.

4- يختص أسلوب الإلقاء الشعري بتوليد القناعة التامة لدى المتلقي من خلال التعبير عن الكلمات ، بوساطة الإلقاء الصحيح الموحي بالأفكار والأقوال والمشاعر التي تتضمنها القصيدة.

5- يمتاز أسلوب الإلقاء القصصي بالسرد والحوار ، معتمدا في ذلك على عنصري الزمان والمكان ، والمهم أن يلجأ القاص إلى إلقاء الحوار الذي يقود إلى الأسلوب التمثيلي عن طريق تمثيل الشخصية في إلقائها لقصتها وعن طريق التكوين (الصوت-الأسلوب) أيضا.  

6- يتسم أسلوب الإلقاء التمثيلي بالتفخيم والجرس الرنان ، عن طريق حوار الممثل المسرحي ، معتمدا في ذلك على صوته وإلقائه ، ويشتمل في ذلك (الألفاظ-الجمل-الكلمات) من اجل تجسيد الشخصية بصورة كاملة.

7- يختص منطق الإلقاء في مسرح (ستانسلافسكي) على معنى الإلقاء، خطاب الأفكار ومعرفة نسق الوقع الموسيقي بغية أن يصبح  الصوت مادة درامية.

8- يؤكد (مايرهولد) في مسرحه على قواعد الإلقاء المسرحي عن طريق الكلمات، الصوت،الارتعاشات الروحية التي توحي إلى المسرح القديم واللحظة التراجيدية للتحول من التقمص إلى اللاتقمص. 

9- يفصل (بريخت) في مسرحه بين أداء الممثل والدور من اجل خرق مبدأ الإيهام، من اجل عزل الممثل عن الشخصية التي يجسدها ، فضلا عن أسلوب السرد كطريقة أخرى في الإلقاء، معتمدا على النطق الصحيح والإلقاء الصحيح.

10- يتحتم على الممثل في مسرح (كروتوفسكي) إلى تجسيم الصوت، فضلا عن قوة الإيصال ونقل الصوت من اجل أن يتفق مع آليته وفق معطياته الخاصة به، وإتيان القوة والتفخيم في سبيل ذلك. 

11- يجب على الممثل في مسرح (لي ستراسبيرغ) أن يوازن بين جهدين عضليين (الحركي-الصوتي) عن طريق الإدراك والوعي بغية الوصول إلى التركيز. 

الفصل الثالث

 إجراءات البحث 

أولا: مجتمع البحث

يضم مجتمع البحث (عينة البحث) التي أخرجها المخرج العراقي (محمد حسين حبيب).

ثانيا: عينة البحث:شملت عينة البحث مسرحية (هملت)، وقد اختار الباحثان المسرحية بشكل قصدي للأسباب الآتية:

1- تحقيق هدف البحث.

2- لأن النص معتمد ومشهور لأحد الكتاب المعروفين.

3- كونها شاركت بأكثر من مهرجان مسرحي محلي.

ثالثا: منهج البحث:استخدم الباحثان المنهج الوصفي التحليلي طريقة لاستخراج نتائج البحث.

رابعا: أداة البحث:سعى الباحثان إلى بناء أداة البحث لتحقيق هدفهما، لغرض الكشف عن أساليب الإلقاء للممثل في العرض المسرحي العراقي المعاصر، وقد قام الباحثان ببناء أداته وهي الاستبيان المغلق.

إجراءات بناء الأداة:استخدم الاستبيان المغلق كونه أداة تسمح للمستجيبين بالإجابة الحرة الكاملة ، ولتحقيق بناء أداة البحث أتبع ما يلي: 

1- جمع الفقرات وصياغتها:

أ- ما أسفر عنه الإطار النظري.

ب- الاطلاع على الكتب الفنية ذات العلاقة المباشرة بموضوع البحث.

جـ- إجراء المقابلات مع الأساتذة المختصين وذوي الخبرة، إذ تمت محاورتهم في موضوع البحث الحالي وتسجيل الملاحظات التي في ضوئها تم اعتماد بناء فقرات الأداة بصيغتها الاولية*. 

2- الاستمارة بصيغتها الأولية:بعد جمع معلومات الاستبيان المغلق وما حصل الباحثان عليه من مؤشرات الإطار النظري والكتب الفنية، قام الباحثان ببناء استمارة الاستبيان المغلق بصورته الأولية وقد اشتملت على (11) فقرة.

3- صدق الأداة:للتأكد من الاستبيان المغلق يصلح لقياس ما وضع لأجله ، فقد عرض الباحثان الاستبيان على لجنة من الخبراء* المختصين بمجال التربية المسرحية والتمثيل والإخراج والتقنيات المسرحية ، وقد قام الباحثان بتقويمها من قبلهم وتم حذف فقرة واحدة ، ومن ثم تم بناء الاستبيان المغلق من اجل عرضه على الممثلين.  

    وقد اعتمد الباحثان الصدق الظاهري لصلاحية فقرات الاستبيان، إذ إن احد الشروط التي يجب توافرها في أداة البحث هو الصدق ، إذ تعد الأداة صادقة إذا كانت بمقدورها أن تقيس فعلا الشيء الذي وضعت من أجله.

4- ميزان التقدير:وقدتم وضع تقدير ثلاثي للاستبيان على النحو التالي (كثيرا-أحيانا-نادرا) وقد أعطيت (3) درجات لـ(كثيرا) ودرجتان لـ(أحيانا) ودرجة لـ(نادرا)، ولذلك سيكون المتوسط الحسابي هو(2) ومتوسط حد المشكلة هو (5/2).

5- تطبيق الأداة:تم تطبيق الأداة بصورتها النهائية على مجموعة من الممثلين في العرض المسرحي وكان عددهم (9).

وقد طلب الباحثان وضع علامة (  ) أمام إحدى البدائل في ميزان التقدير.

6- الوسائل الإحصائية:

أ- النسبة المئوية لحساب تكرار الفقرات.

                               ت1×2+ت2×1+ت3×1                  

ب- استخدام معادلة فيشر (                             )

                                       ت ك

خامسا: ثبات الأداة: ولتحقيق الموضوعية في عملية التحليل ، سعى الباحثان للتأكد من ثبات الأداة وضعت الطريقتين الآتيتين:

أ- الإتقان مع ملاحظ خارجي (أحمد محسن كامل) والباحثان على النتائج التي تم التواصل إليها.

ب- إتقان الباحثان مع نفسهما عبر الزمن (لمدة أسبوعين).

سادسا: تحليا العينة

مسرحية: هاملت

تأليف: وليم جون شكسبير (1600-1601) 

إخراج: محمد حسين حبيب

مكان العرض: النشاط المدرسي/بابل

الزمن: 2008

    لطالما شكلت مسرحية (هاملت) على مستوى النص صراعا تراجيديا ، برز من خلاله خصائص العقدة المزدوجة والمركبة في بنية المسرحية ، إذ إن جميع القصص والعلاقات بين مختلف الشخصيات سواء أكان نفسيا أم اجتماعيا أم سياسيا قد نسجت نسجا محكما ، وتكافلت تكافلا منطقيا وسببيا ، فتارة هناك صراع (هاملت) و(كلوديوس) أو صراع (فورتنبراس) وحكومة (كلوديوس) وصراع (هاملت) و(اوفيليا)، فضلا عن صراع (هملت) بأمه، فتردد (هملت) في الانتقام وادعاؤه للجنون هو أساس الصراع التراجيدي ، مما خلق أزمة ميتافيزيقية أخلاقية تصادف زواج أمه المفاجئ من قاتل أبيه المغتصب لعرشه. 

     لقد رام المخرج (محمد حسين حبيب) في عرض مسرحية (هاملت) أن يمزج ما بين واقعية (هاملت) النصية وتجريبية (هاملت) كعرض، إذ ذهب إلى الخلط بين المستويين، فالمستوى الأول هو الصورة المسرحية والمستوى الثاني هو مستوى صوت إلقاء الممثلين ، فالصورة المسرحية لم تبق على حالها وفق تقنيات كلاسيكيات عصر النهضة ، بل صاغها بتقنية حديثة ألا وهي تقنية (الداتو شو) في مشهد موت (اوفيليا) ، ومستوى صوت إلقاء الممثلين وما يربطه مع حركة الممثلين وجهدهم العضلي.

     إذ اتسم أسلوب إلقاء الممثلين على خشبة المسرح على نحو مشاهد وشخصيات عدة ، فالمشهد الاستهلالي الذي ابتدأت به المسرحية، اتخذ أسلوب الإلقاء التقديمي، إذ لم يعهده النص القديم، بل أنتجه المخرج بأٍسلوبه الذي اعتمده في العرض ، فعزل الممثل عن الشخصية جاء وفقا لأداءً راديكاليا ، وشخصية (المهرج) قد شكلت عزلا عن بقية الشخصيات ، لكن هذا العزل ليس كافيا بمعنى أنه ليس متصلا، بل يأتي عن طريق صورة السرد في أغلب الأحوال، ثم يعود الاتصال بين الممثل والدور ، فخاطب ذلك المشهد/المشهد الاستهلالي عقلية المتلقي متوسلا هدفا معرفيا ، ومعطي لقناعة كافية ما لذلك المتلقي ، فطبيعة الإلقاء قد مهدت منذ اللحظات الأولى إلى تحول الأسلوب من السردي إلى التمثيلي أو من التقديمي إلى التمثيلي ، وطبيعة الإلقاء والمهارة الصوتية واختيار الطبقة الصوتية، وكذلك إيمان الممثل بما يلقيه هي عوامل أساسية تساعد على القبض على قناعة الممثل. فأسلوب السرد استخدم كأحد طرائق الإلقاء المسري في شخصية (المهرج) والتي أدها مجموعة من الممثلين، عن طريق الصوت والإيقاع ، من خلال صراع هذه الشخصية مع الممثل (ثائر جبارة) والذي جسد شخصية (هوارشيو)، وهذا الصراع قد شكل دلالة ومعنى محدد وفق قناعة المتلقي وحضور الممثل/صوته، مما جاء الأداء جيدا وفق تصاعده صوتيا وعلى طبقات عدة، ووفقا للنبرة والتنغيم والكلمات والجمل الموحاة. 

     أما شخصية (الشبح) التي أدها الممثل (غالب العميدي) فقد أعطت صفة التفخيم من خلال حواراتها التي جسدها عن طريق صوته، إلقائه، ألفاظه ، جمله وكلماته بغية خلق حالة من الخيال والشاعرية، إذ لطالما كان لظهور الأشباح في عصر النهضة له واقعه الشرير والواقعي على فعل البشر وتحريك دوافعهم وخلجاتهم، فكان صوت الممثل مستجيبا لكل المتغيرات التي شكلتها الشخصية ، عن طريق اتحاد الطبقة الصوتية مع فخامة الصوت مما ساعد على تحديد نوعية الصوت وطبقته، ومما أعطت أيضا للصوت حلاوة وجمالية ووضوحا ، فكان الممثل (العميدي) ممثلا ناجحا، اثبت وجوده عند لحظة الأداء بحثا عن إمكانيته الحرفية والذاتية الواعية كممثل منفرد دون أن يفرض نفسه على الشخصية أو يلوي عنقها ، فراح يقوم بإعادة بعض صياغات الجمل والكلمات وتعديلها طبقا للتنويعات التي تصدر من الشخصية في أثناء عملية التمثيل وعلاقتها بالمتلقي،لذلك فالممثل كان واعيا تماما بأسلوب التحرك على منصة المسرح وعبورها وكذلك علاقتها مع شخصية(هاملت) التي جسدها الممثل (ميثم الشاكري)،وهو واعي أيضا بأن التقمص الكامل للشخصية من شأنه تشويه التصميم العام الذي وضعه الممثل لنفسه أو وضعه المخرج للعرض، فعملية التوازن أو التعادل أو التفاعل أو الامتزاج بين فن التمثيل الواعي والتشخيص التلقائي للدور الذي يؤديه مهما جدا لكسر أفق التوقع.

     اتبعت بقية الشخصيات المسرحية والمتمثلة بشخصية (هاملت) و(اوفيليا) و(بولونيوس) و(هوراشيو) و(أم هملت)و(بولونيوس)والبقية أسلوب الإلقاء التمثيلي،إذ ذهبوا إلى التركيز على الاستجابة الداخلية التلقائية عند الممثل،فقد مالوا إلى الإيمان لضرورة هضم الممثل لأفكار وانفعالات الشخصية التي يؤدوها على الأقل، وهذا الهضم هو التمهيد الطبيعي التقائي للأداء الصوتي والبدني المناسبين للموقف ، دون التخطيط الحرفي والمسموح له،فليس هناك قوالب جاهزة للأداء،بل اعتمدوا الممثلين على خبرتها وممارستهم إلى حد ما سواء أكان ذلك على مستوى الصوت أو الجسد،بغية الجمع بين قوة الإيصال والتفخيم من خلال الاعتماد على الجهدين عن طريق الإدراك والوعي من اجل الوصول إلى التركيز ، فجاءت انفعالات الشخصيات وجهدها الحركي متوازن،وفقا لاستخدامهم الفعل الداخلي المحرك الأساس للشخصيات، وهذا ما أكد عليه المخرج، إذ ساعد الممثلين وأرشدهم في تكوين تصور عام للشخصيات التي أدوها،وفي إثارة قدرتهم على الخيال والتصور حتى يكيف الممثلون من صوتهم وجسدهم لمفهوم الشخصية،وفي استعداء خبراتهم وتجاربهم ودراستهم أيضا،وفي التطابق بين الممثل والمتلقي أصبحت في هذه المسرحية على نفس مستوى الأهمية مع الصوت، بل في صراعات مختلفة ومواقف درامية عدة، مما أصبحت الأداة الرئيسة للتعبير،لاسيما عندما تصبح اللغة المنطوقة والمعاني التقريرية المباشرة متلاقية.  

    ولكن على الرغم من إمكانية الممثلين وخبراتهم في التحكم في الصوت وعملية التوازن مع الجهد العضلي،إلا إن أساليب النطق والأداء الصوتي جاء على نحو مختلف وغير متوازٍ،إلا إن هذا الاختلاف لا يقود إلى تعبيرات كيفية مختلفة ، فهم لم يختلفوا في كيفية التنفس الذي ساعدهم في أداء تجسيدهم للشخصية، لهذا جاء أداء الشخصيات وحواراتهم في عملية الشهيق والزفير على نحو متقن وعالي في تنوع الصوت وطبقاته، فأتى الأداء الصوتي الكفء معتمدا على المخزون المناسب وكافي في الشهيق ، لهذا مهد الأداء إلى طريقة نطق الألفاظ الواضحة والمخارج الصحيحة،فضلا عن ذلك امتدت الكلمات لتشمل المعنى الذي تهدف إلى توصيله،وكذلك قاد جمال الأداء الصوتي إلى تحديد ومزج الأفكار والانفعالات التي أثرتها الشخصيات، على مستوى العلاقات والصراعات غير المتكافئة وعلى مستوى فقرات الحوار أو المشهد الصوري أيضا، فأحيانا جاءت الألفاظ على نحو جملة واحدة،قد ساعدت على تحريك الفعل الداخلي،أكثر من تكرار ألفاظ متعددة،لهذا كل كلمة أو لفظ جاء موحيا في سياق العرض،وكذلك المعاني والأحاسيس التي أثارتها الشخصيات،فمثلا شخصية(حفار القبور)والتي أداها الممثل (حسن الغبيني)وعلى الرغم من قصر المشهد الحواري والصوري إلا إن ألفاظ الحوار كان لها الوقع القوي والمحرك الأول لانفعال شخصية(هاملت) نحو التغيير،فأسلوب الممثل في الأداء أو الإلقاء لعب دورا حيويا في تعميق الأبعاد المحددة والانفعالية للكلمات التي نطق بها،إذ ذهبت شخصية(حفار القبور)باتجاه ترميم السياق الإيقاعي للعرض،مما ساهمت على لملمت المعاني والانفعالات أيضا،مما بدت في نظر المتلقي ميتافيزيقية،لاسيما إذ كانت الوحدة الفكرية والانفعالية جزءا من الجمل.  

     إن حيوية العرض تعتمد على مبدأ الصراعات بين الشخصيات/الممثلون،إذ إن مشاهد المبارزة أتت لتعمل على خلق موازنة وتفاعل ما بين الجهدين الصوتي والحركي بما فيها العضلي،فالممثل امتلك الاستجابة اللفظية والحركية على حد سواء من حيث الأخذ والعطاء،فقد امتلكت الصراعات الحيوية التي أضفت على العرض المسرحي، بل أضفت للمسرحية ككل، لأن الشخصيات في علاقتها مع الشخصيات الأخرى، أخذت وأضافت منها وطورت الموقف الانفعالي والدرامي،مما لم يشعر المتلقي بآية رتابة أو ملل أو تكرار،كما أنها خلقت لديه قناعة كاملة وإيمانا وصدقا في التمثيل،فإيحاء الممثلون جاء على قيمة عالية،والممثل المتمكن في أدائه الصوتي والحركي يستطيع بسهولة وسلاسة أن يصل إلى أفضل تجسيد للشخصية التي يؤديها،وهكذا أتى انتقال الشخصية من مجرد كيان صوتي (متحدث) ومتحاور في العرض إلى إنسان حي يتحرك ويتفاعل مع الآخرين على المنصة، وفقا لمنظور فكري وانفعالي معين امتلك الحرية والإبداع،فكان صوت الممثل مطابقا في حواره مع الشخصية المؤداة وسن الشخصية وكذلك مكانتها الاجتماعية والوظيفة التي تشغلها، والحالة الصحية سواء أكانت سوية أو مريضة،فضلا عن مستواها الاقتصادي وعن الملامح المميزة للأداء الحركي والصوتي، والتفاعل ما بين ما شعرت به في مواقف معينة وحركتها وسكونها، وصوتها وصمتها.

     إذن جميع الدوافع والانفعالات جاءت ومثلت المحرك الأول والأساس لتجسيد معظم الشخصيات، والشخصيات ليست مجرد كيان فيزيقي ملموس ومرئي،بل هي استجابات متصلة ومتتابعة لحالات وجدانية تمر بها،والممثل بدوره يتخذ من الحالات الوجدانية التي أداها بين الحين والآخر ينطلق منها لأداء شخصيته، مما استطاع أن يتخيل ويتصور ويتقمص حالات وجدانية متكررة ومتعددة،وفق أفضلية نفسية وجدانية وشعورية،مما أصبح الصوت والجسد بالنسبة للممثل في حالة صفاء وتركيز ويقظة، تحققت لهما الحرية الكاملة في التعبير والتخلص من الجهد العضلي بقدر الإمكان،فنما الشعور الداخلي وعبر عن نفسه بالصوت والجسد معا وإيقاعاته وألفاظه،وبكلمات خارجة من بين الشفتين بكل ما يعتمل داخل الشخصية من انفعالات وأفكار، فكان الشعور الداخلي متوحدا مع الحركة الخارجية وممتزجا معا،فكانت الشخصيات تلقائية وطبيعية ومقنعة أيضا. 

                                            الفصل الرابع

– النتائج:

1- اتخذت شخصية (المهرج) أداءً راديكاليا في آلية الصوت عن طريق أسلوب الإلقاء التقديمي.

2- جاءت طبيعة المشهد الاستهلالي بصورة قصدية لمخاطبة عقل المتلقي معرفيا من اجل توليد القناعة لديه.

3- ارتسمت آلية التحول في المشهد الاستهلالي شكلا منطقيا من الأسلوب التقديمي إلى الأسلوب التمثيلي في عملية الإلقاء.

4- خلقت عملية صراع شخصيات (المهرج) مع شخصية (هوارشيو) علاقة دلالية صوتية، لتحويل طريقة الإلقاء المسرحي السردي.

5- أعطت شخصية (الشبح) صفة التفخيم من خلال حواراتها المجسدة صوتيا وإلقاءً وألفاظا وجملاً على حد سواء.

6- استخدمت شخصيات (هملت), (اوفيليا)، (بولونيوس)، (كلوديوس)،(ليرتيس) و(أم هملت) أسلوبا واحدا ألا وهو الأسلوب التمثيلي في طريقة الإلقاء ، ليست بصورة قوالب جاهزة ، بل اعتمدوا الخبرة والمهارة في ذلك.

7- خلق المخرج نوعا من التوازن بين حركة الجسد كأداة للتعبير والتواصل بين الممثل والمتلقي وبين صوت الممثل وفقا لصراعات مختلفة ومواقف درامية عدة، بمعنى توازنا صوتيا وعضليا.

8- اختلاف إمكانية الممثلين في عملية التنفس (الشهيق/الزفير) ، ساهمت في عملية تحريك الفعل الداخلي للشخصيات،ولاسيما شخصية (حفار القبور).

9- تنوعت وخلقت مشاهد المبارزة توازنا ما بين الجهد الصوتي/الحركي أو الصوتي/العضلي، لأن كل شخصية أخذت وأعطت من الأخرى ، مما ساعدت على تطوير الموقف الدرامي الانفعالي. 

10- تطابق الشخصيات ما بين حواراتها وصوتها من جهة ومع مكانتها الاجتماعية والاقتصادية والحالة النفسية والوظيفة التي تشغلها من جهة أخرى.  

– الاستنتاجات:    

1- تنوع أساليب الإلقاء على نحو قصدي من قبل المخرج ما بين التقديمي والتمثيلي.

2- استخدمت اغلب شخصيات العرض أسلوب الإلقاء التمثيلي، لكونه الأسلوب المناسب مع الطريقة الكلاسيكية التي كانت معتمدة في عصر النهضة آنذاك.

3- هناك توازن في كل المواقف والصراعات الدرامية والانفعالية، على نحو المستوى الصوتي والحركي.

4- جاءت عملية اتحاد طبقة الصوت مع التفخيم وتنوع مستوى الصوت على مستوى الخبرة والممارسة وليس على مستوى التمرين فحسب.

5- مزج الشخصية بالممثل عن طريق الحوار والصوت ، خلق المعطى الدلالي الصوتي بالنسبة للشخصية الدرامية والشخصية المسرحية.

– المصادر والمراجع:

– المعاجم:

1- أبن منظور، لسان العرب ، ج1،ج2، (بيروت: دار لسان العرب، ب.ت).

2- الجاحظ،أبو عثمان عمرو بن بحر , البيان والتبيين , تحقيق: عبد السلام محمد هارون،(القاهرة: مطبعة لجنة التأليف والنشر, 1948).

3- الشايب،احمد،دراسة بلاغية تحليلية لأصول الأساليب الأدبية،ط5،(القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، ب.ت).

4- كحيلة،محمود محمد، معجم مصطلحات المسرح والدراما ، ط1، (الجيزة:هلا للنشر والتوزيع ، 2008).

5- الياس، ماري وحنان قصاب حسن، المعجم المسرحي، ط2 ، (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون ، 2006).

– الكتب:

6- أردش ،سعد،المخرج في المسرح المعاصر،(الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، 1979).

7- الاعسم ، باسم ، مقاربات في الخطاب المسرحي ، ط1، (دمشق: دار الينابيع،2010).

8- أمين ، احمد, النقد الأدبي ,ج1, (بيروت: دار الكتاب العربي , 1967).

9- بريخت، برتولد، نظرية المسرح الملحمي،تر: جميل نصيف التكريتي،(بغداد: دار الحرية للطباعة، 1973).

10- بلبل ، فرحان, أصول الإلقاء والإلقاء المسرحي،(القاهرة: مكتبة مدبولي , 1996).

11- الجاف,فاضل،فيزياء الجسد (مايرهولد ومسرح الحركة والإيقاع)،ط1،(الشارقة:دار الثقافة والإعلام، 2006).

12- دين،الكسندر,العناصر الأساسية لإخراج المسرحية,تر: سامي عبد الحميد،(بغداد: دار الحرية للطباعة,1972).

13- ستانسلافسكي، كونستانتين, إعداد الممثل, تر: محمد زكي العشماوي ومحمود مرسي احمد (القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر,1973).

14- ستراسبيرج ، طريقة لي ستراسبيرج في تدريب الممثل، ط2، تر: احمد سخسوخ ،(القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،2002).

15- سرحان، سمير، دراسات في الأدب المسرحي ، (القاهرة: دار غريب للطباعة ،ب ت).

16- سعد، فاروق, فن الإلقاء العربي الخطابي والتمثيلي، (بيروت: دار الكتب اللبناني,1987).

17- السيد، خالد ربيع، إيليا كازان ولي ستراسبيرج (طريقة الأداء)،(بلا نشر، 2008).

18- عبد الحميد ، سامي وبدري حسون فريد , طرق تدريس الإلقاء،(بغداد: دار المعرفة,1980).

19- عدس ، محمد عبد الرحيم , فن الإلقاء ، (الأردن: دار الفكر,2007).

20- عسر ، عبد الوارث, فن الإلقاء,(مصر: الهيئة العامة للكتاب,1993).

21- قاجة ، جمعة،المدارس المسرحية وطرق إخراجها منذ الإغريق وحتى العصر الحالي ، ط، (دمشق: نور للطباعة والنشر والدراسات ، 2006).1

22- كرستي،ج.ف،تربية الممثل في مدرسة ستان،ط1،تر:عقيل مهدي يوسف،(بيروت: دار الكتاب الجديد،2002).

23- كروتوفسكي،جيرزي،نحو مسرح فقير،تر: كمال قاسم نادر،(بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 1986).

24- كونسل، كولين، علامات الأداء المسرحي، تر: أمين حسين الرباط، م: عبد الحميد إبراهيم حسين، (القاهرة:وزارة الثقافة- مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، ب.ت).

25- مصطفى، مشهور،إعداد الممثل أم إعداد المتفرج، ط1، (بيروت: دار الفارابي، 2006).

26- معلا، نديم، لغة العرض المسرحي، ط1، (دمشق: دار المدى للثقافة والنشر، 2004).

– المجلات:

27- سرحان، سمير، البداية الحقيقية،مجلة المسرح،(القاهرة: العدد الخامس عشر ، 1965).

جامعة بابل

كلية الفنون الجميلة

قسم الفنون المسرحية

الأستاذ الدكتور…………………………………………………..المحترم

يقوم الباحثان بإجراء دراسة تحت عنوان (توظيف أساليب الإلقاء للممثل في العرض المسرحي المعاصر) ، وتهدف الدراسة إلى تعرف (أساليب الإلقاء لدى الممثل وكيفية توظيفها في العرض المسرحي) ونظرا لما يتوسمه البحث فيكم من خبرة ودراية في هذا المجال ، فقد توجها إلى استشارتكم في أداة بحثهما وفقراتها بصيغتها الأولية التي يروما بناؤها للحصول على موضوعيتها وصدقها وثباتها من خلال ملاحظاتكم وآرائكم السديدة ، شاكرين تعاونكم وتواضعكم العلمي في مساعدة الباحثان ، وتقبلوا فائق الشكر والتقدير.

مشكلة البحث:

تكمن في كيفية توظيف أساليب إلقاء الممثل في العرض المسرحي العراقي المعاصر ؟

أسلوب الإلقاء المسرحي إجرائيا:

هو كل ما يلفظه أو يتكلم به أو ينطق به الممثل المسرحي من معاني وألفاظ ممكن أن تبرز صوته ونبرته وشدته وسرعة كلامه وإيقاعه ، وفق أساليب خاصة ومنوعة يضعها المخرج لتدريب ممثله.

الباحثان

استمارة ملاحظة بصيغتها الأولية

ت الفقرات تصلح لا تصلح الملاحظات

1- يعد الإيمان والصدق من العناصر الأساسية لفهم كلام الممثل وطريقته وأبعاده الشخصية ، من اجل التعرف على عناصر جذب انتباه المتلقي ومن ثم إبراز القيم الدرامية.

2- يتحدد أسلوب الإلقاء الخطابي بطريقة ملائمته مع الفكرة العامة للمادة الملقاة ، وكذلك الملائمة مع الملقي والمتلقي.

3- يختص أسلوب الإلقاء الشعري بتوليد القناعة لدى المتلقي من خلال التعبير عن الكلمات بوساطة الإلقاء الصحيح الموحي بالأفكار والأقوال والمشاعر التي تتضمنها القصيدة.

4- يمتاز أسلوب الإلقاء القصصي بالسرد والحوار ، معتمدا على عنصري الزمان والمكان.

5- يتسم أسلوب الإلقاء التمثيلي بالتفخيم والجرس الرنان عن طريق حوار الممثل (صوته-إلقائه-ألفاظه-جمله-كلماته).

6- يقود إلقاء الحوار القصصي إلى الأسلوب التقديمي عن طريق تجسيد الشخصية في إلقائها لقصتها عن طريق التكوين (الصوت-الأسلوب).

7- يختص منطق الإلقاء التمثيلي على معنى الإلقاء وخطاب الأفكار ومعرفة نسق الوقع الموسيقي.

8- يتم الفصل بين أداء الممثل والدور من اجل خرق مبدأ الإيهام، ومن اجل عزل الممثل عن الشخصية التي يجسدها.

9- يعد أسلوب السرد كإحدى طرق الإلقاء المسرحي من خلال النطق الصحيح والإلقاء الصحيح.

10- يجمع الممثل المسرحي بين قوة الإيصال والتفخيم من اجل أن يتفق ذلك مع آلية العمل وفقا لمعطياته الخاصة.

11- يتم الجمع بين الجهدين الحركي والصوتي للممثل المسرحي عن طريق الإدراك والوعي بغية الوصول إلى التركيز.

جامعة بابل

كلية الفنون الجميلة

قسم الفنون المسرحية

يود الباحثان التعرف على (أساليب الإلقاء لدى الممثل وكيفية توظيفه في العرض المسرحي العراقي المعاصر).

لذا راجيان من الممثل الإجابة على احد الاختيارات بوضع علامة (     ) في الحقل الذي يراه مناسبا.

مع وافر الشكر والتقدير.

مشكلة البحث:

تكمن في كيفية توظيف أساليب إلقاء الممثل في العرض المسرحي العراقي المعاصر ؟

أسلوب الإلقاء المسرحي إجرائيا:

هو كل ما يلفظه أو يتكلم به أو ينطق به الممثل المسرحي من معاني وألفاظ ممكن أن تبرز صوته ونبرته وشدته وسرعة كلامه وإيقاعه ، وفق أساليب خاصة ومنوعة يضعها المخرج لتدريب ممثله.

الباحثان

استبيان مغلق

ت الفقرات كثيرا أحيانا نادرا

1هل يعد الإيمان والصدق من العناصر الأساسية لفهم معنى كلام الممثل وأسلوبه في الإلقاء.

2هل يختص الأسلوب الشعري بتوليد القناعة لدى المتلقي للتعبير عن الكلمات بوساطة الإلقاء الصحيح الموحي بالأفكار والأقوال والمشاعر التي تتضمنها القصيدة الملقاة.

3هل يتضمن أسلوب الإلقاء المسرحي والقصصي السرد والحوار.

4هل يعتمد أسلوب الإلقاء المسرحي القصصي على عنصري الزمان والمكان.

5هل يقود إلقاء الحوار القصصي إلى الأسلوب ألتقديمي عن طريق تجسيد الشخصية في إلقائها لقصتها عن طريق التكوين (الصوت-الأسلوب).

6هل يتسم الأسلوب التمثيلي بالتفخيم والجرس الرنان عن طريق حوار الممثل (صوته-إلقائه-ألفاظه-جمله-كلماته).

7هل يختص المنطق التمثيلي على معنى وخطاب الأفكار ومعرفة نسق الوقع الموسيقي.

8هل يعد أسلوب السرد احد طرائق الإلقاء المسرحي عبر النطق الصحيح والإلقاء الصحيح.

9هل يحتاج الممثل المسرحي إلى القوة والإيصال والتفخيم في إلقائه ، لكي ينسجم مع آلية العمل لمعطياته الخاصة.

10هل يحتاج الممثل المسرحي للجهدين الصوتي والحركي من اجل أن يدرك ويعي كل حواراته حتى يصل إلى إلقائه الصحيح.

————————————————————————–

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – مجلة جامعة بابل للعلوم الأنسانية

شاهد أيضاً

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية حـسن خـيون

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية  حـسن خـيون  المقدمة  في قراءة للتاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *