تقرير اليوم الخامس لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح

 

دعوة زوجية و خوش بوش كوميديا كاشفة، في اليوم الخامس من مهرجان فلسطين الوطني للمسرح

 

إعلام الهيئة العربية للمسرح. يوسف الشايب رام الله.

 

ظللت الكوميديا عرضي اليوم الخامس لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح، الذي تنظمه وزارة الثقافة الفلسطينية والهيئة العربية للمسرح، على خشبتي المسرح البلدي بدار بلدية رام الله، ومسرح قصر رام الله الثقافي، حيث تناول الأول العلاقات الزوجية، فيما اقتحم الثاني عوالم المقيمين في مستشفى للأمراض النفسية والعقلية، حيث امتزج حضور الجمهور الذي ملأ صالتي العرضين، احتراماً للعرضين، بموجات من التصفيق و الضحك و الإعجاب.

دعوة زوجية، إدخال الجمهور طرفاً في مشاكل الزوجين.

العرض الأول كان بعنوان “دعوة زوجية” لمركز القلعة لفنون المسرح من الناصرة، من إعداد وإخراج وسينوغرافيا وسيم خير، وتمثيل محمود مرّة، وأميمة سرحان، وتميز كلاهما بأداء لافت، كان تلقائياً وعميقاً في الوقت ذاته، فيما كان لمساحات صوت سرحان الشاسعة إضافة إيجابية للعمل، الذي تحدث عن المشاكل الزوجية التي هي جزء أساسي لضمان استمرار العلاقة بين طرفي العلاقة المعقدة، ومنها: مشاكل نسائية، ورجالية، وعائلية، وبديلة، وغيرها.

والمسرحية التي مست الكثير من جمهور الدورة الأولى للمهرجان، وخاصة الأزواج منهم، اعتمدت شيئاً من تقنيات المسرح التفاعلي، عبر الخطاب المباشر مع المتلقي، في عديد الأحيان، لإدخاله في تفاصيل العمل منذ التأهيل والترحيب، وانتهاء بمحاولة نصب محاكمة جماهيرية تنصف الزوج أم الزوجة، وهو بهذا يأتي على تخوم مسرح المضطهدين، ولا ينسل تحت عباءاته.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن من أهم أسس هذا المسرح الرغبة بالخروج من المسرح في قالبه التقليدي وعلى مستويات عدة، فإن العمل الذي يتواصل لخمس وخمسين دقيقة، نجح في ذلك باقتدار، واستطاع باقتدار أيضاً تحقيق المتعة، لكنه لم يقحم نفسه في دائرة الارتجال، لذا بقي في منطقة وسط.

خوش بوش، المجانين يقولون كل شيء

لكن العمل الثاني “خوش بوش” لفرقة مسرح عكا، “تجريبي” بامتياز، حيث قدم أفكاراً جريئة تختلف عن الأنماط التقليدية المتعارف عليها في العروض المسرحية، ولم  يقتصر على تناول اقكار معينة، بل تعمق في انعكاسات قضايا سياسية و فكرية و حتى دينية، عبر اقتحام عالم “المجانين” في مستشفى للأمراض النفسية والعقلية، حيث تقدم ميسرة مصري معد ومخرج العمل عبر نزلاء المستشفى صوراً من الحياة والصراعات الاجتماعية والسيكولوجية عن الحب، والأمل، والتيه، ببعد فلسفي وتنظيري ذاب في كوميديا راقية، جسدها على الخشبة كل من: كامل روبي، وإيهاب خاسكية، وعلي علي، وفؤاد عابد، ورامي زيدان، وعلي أسدي، وصفاء حتحوت.

لم يغب التفاعل بمفهومه الواسع عن الانطلاقة المغايرة لمسرحية “خوش بوش”، حيث تجول اثنان من الممثلين بلباسهما (البيجامة) ما بين الجمهور الذي ينتظر الدخول إلى صالة العرض، هناك في باحة قصر رام الله الثقافي، ومارسا دورهما كأعضاء في جمعية المختلين عقلياً، فأخذا يمازحان هذا، ويجذبان شعر ذاك، ويجلسان بجوار تلك، يطلب منها أحدهما أن توقع له ورقة تخوله الخروج من المستشفى، وهي التي بقي يحلم بها حتى نهاية المطاف، قبل أن يتجه العرض، قبيل انطلاقه الفعلي على خشبة المسرح، باتجاه حالة تفاعلية أخرى تجسد بالتعريف بشخصيات المسرحية عبر فيديو مبتكر عرض في شاشة ثبتت في باحة القصر أيضاً، فانطلق الجمهور إلى العرض باندفاع وحافزية وتوقعات كثيرة، و لم يخيب فريق العمل ظنهم فيها.

تحتمل تأويلات عنوان المسرحية بداية “خوش بوش” معان  و تأويلات عديدة، وكل هذه التأويلات وجدت نفسها في المسرحية التي راوحت في إطار كوميدي ساخر جلله السواد ما بين إبداعات حركة الممثلين على المسرح، وما رافقها من غناء حي، ورقصات، وموسيقى، لتشكل تكويناً مسرحياً مغايراً بلا شك.

وعلاوة على ما تضمنته مسرحية “خوش بوش” من مشاهد بل لوحات كوميدية، كانت تلك الأغنيات أو المشاهد الغنائية التي ركبت بعض كلماتها بشكل ساخر على أغنيات شهيرة كـ”ع الندّا” للشحرورة صباح، قدمت بطريقة جميلة وساحرة، أضافت لأداء الممثلين الذي من الصعب التصديق بأنهم مجموعة من الهواة، ذلك الأداء الذي قدم بصورة عفوية بعيدة عن الاستسهلال، والاستهتار بالمتلقي، وهو ما جعل العمل راقياً رغم بساطة الفكرة والنص، ليقتحم الممثلون كما الجمهور أسوار المستشفى في إحالة رمزية إلى أسوار عكا التي قدمت منها الفرقة إلى رام الله للمشاركة في منافسات العروض المسرحية للمهرجان الذي جمع الكل الفلسطيني في دورته الأولى، ما بين الضفة الغربية بما فيها القدس العاصمة، والداخل الفلسطيني، وقطاع غزة الذي حال الاحتلال دون مشاركته بعرض “الحرب والسلام” لفرقة “مسرح للجميع”، في تعسف عنصري بسياسة استصدار التصاريح التي بات يتعاطى الاحتلال معها كسياسة عقاب جماعية تسعى لعزل المثقف والمبدع الفلسطيني عن عمقه العربي.

ونسخة “خوش بوش” للعام 2018 فيها تجديد عن النسخة الأولى للعمل الذي حمل الاسم ذاته، وكانت انطلاقته في العام 2012، ففي السابق كان العمل يقوم على مجموعة “اسكتشات” مسرحية، وبينهما روابط كانت بمثابة جسور للعبور من لوحة إلى أخرى، أو مشهد لآخر، لكن ما باتت عليه المسرحية وفق رؤية المخرج ميسرة مصري شكلت “نقلة نوعية” بالنسبة للمسرحية نفسها، والعاملين فيها، وقدمت شكلاً مغايراً في المسرح الفلسطيني لربما.

وكان واضحاً أن ثمة مساحة للارتجال في العمل داخل تكوينات “خوش بوش” الجديدة، أتاحتها طبيعة الشخصيات التي هي “مختلة عقلياً” داخل “مستشفى للمجانين”، ولكن دون استهتار، وهي لعبة صعبة أجادها الممثلون المحترفون الذين انطلقوا سوياً كهواة في العام 1995 من داخل مخزن في أحد أزقة عكا، قبل أن ينطلقوا إلى الحارات، ومن ثم هواة على خشبة المسرح، إلى أن قدموا عملاً أبهر جمهور مهرجان فلسطين الوطني للمسرح بدورته الأولى، لهذه المجموعة التي تفرقت وأعادت لم شملها في العام 2010.

وأختم هنا بظهور الممثلين بـ”البيجامات”، وفي هذا الظهور تأويلات عدة من بينها دخولهم في حالة تأهب دائم للنوم، أو ربما للاستيقاظ، أو أنه مجرد لباس موحد بعيداً عن التأويلات، ليخرج هذا العمل المحمل برسائل مهمة، وقضايا شائكة، ورؤى، وأفكار، حملها معه الجمهور، بعد أن عثر عليها حيث كان تتخفى في منطقة ما وراء الكوميديا.

 

 

 

 

شاهد أيضاً

وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف

        وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *