تراجيديا الحياة في غزّة تساهم في تنشيط المسرح الفلسطينيّ

هدى بارود

شهد المسرح الفلسطينيّ نشاطاً ملحوظاً بعد عرض مجموعة من المسرحيّات المحليّة مطلع العام الحالي، كان آخرها عمل مسرحيّ بعنوان “آخر العنقود”، تحدّث عن شاب انحرف سلوكه نتيجة البطالة والفقر في غزّة ورفض والده رغم ذلك التخلّي عنه. كان الإقبال على المسرحيّة، الّتي كان عرضها الأخير في 22 تمّوز/يوليو في مسرح مؤسسة سعيد المسحال للثقافة والفنون وسطَ مدينة غزة أكثر من جيّد.

 ازدهرت حركة المسرح في قطاع غزّة خلال الأشهر الماضية وتشكّلت فرق مسرحيّة عدّة ونشطت أخرى قديمة لتقديم مسرحيّات كوميديّة وتراجيديّة وسط إقبال جيّد من قبل المواطنين.

وكانَ العرض الأول للمسرحية في 7حزيران/ يونيو، وفق ما صرّح به مخرج العمل علي أبو ياسين لـ”المونيتور”، إذ قال: “كان هناك إقبال على مسرحيّة آخر العنقود، رغم أنّها بتذكرة مدفوعة تبلغ عشرين شيقل أي ما يعادل خمسة دولارات، وهو ما لم يتعوّد عليه الجمهور في غزّة”.

وكانَ المسرح يعاني حالة من الركود مع بداية أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007 التي انعكست سلبا على كل مفاصل الحياة في قطاع غزة ووصل الأمر إلى انقطاع العروض المسرحية بشكل كامل. فمع بداية أحداث الانقسام الفلسطيني عزفَ الناس عن الاهتمام بالمسرح باحثين عن الأمان وتوفير الطعام والشراب، وقالَ أبو ياسين إنه وبعدَ مرور تسع سنوات من الانقسام عادَ سكان قطاع غزة لحضور العروض المسرحية التي وجدوا فيها تجسيدا لهمومهم الاجتماعية والسياسية اليومية بطريقة كوميدية.

إذ عزا أبو ياسين عودة النشاط المسرحيّ إلى النصوص المميّزة التي تحدثت عن مشاكل البطالة وتأثير الانقسام الفلسطيني على سكان المنزل الواحد، والّتي قدّمها ممثّلون محترفون على خشبة المسرح، والإخراج الجيّد، ناهيك عن الاهتمام غير المسبوق بالموسيقى التصويريّة والأغاني الّتي ترافق العمل كذلك، وقال: “المسرح الفلسطينيّ لم ينقطع بالمطلق، وإنّما كانت هناك حال من المدّ والجزر، وظهر الاهتمام الجليّ من الجمهور بسبب نشاط الفرق المسرحيّة العاملة على مستوى قطاع غزّة في عرض الأعمال المسرحيّة بشكل تتابعيّ”. وأشار إلى أنّ نجاح المسرح يعتمد على حضور الجمهور.

وقدّمت مؤسسة “عشتار” للانتاج والتدريب المسرحي والتي يوجد مقرها الرئيسي في مدينة رام الله في الضفة الغربية ويديرها علي أبو ياسين في غزّة مسرحيّات عدّة ناقشت الواقعين الإجتماعيّ والسياسيّ في غزّة، كمسرحيّتي: “روميو وجوليت” والتي عرضت في الرابع عشر من إبريل لهذا العام و”آخر العنقود” والتي عرضت في السابع من يونيو لهذا العام.

وقال أبو ياسين: “ينشط العمل المسرحيّ في المجتمعات المستقرّة سياسيّاً أكثر، إلاّ أنّ قطاع غزّة حقّق التناقض، إذ نجح الموهوبون فيه بتقديم العديد من الإنجازات الفنيّة على مستوى الرواية والقصيدة والمسرح، رغم استمرار الحصار الإسرائيليّ والفقر المدقع والبطالة، متجاوزين شرط الاستقرار والرفاهية، مؤكّدين للعالم أنّ المعاناة وقود للإبداع”.

وأشار إلى أنّ ممثّلي المسرح في غزّة يعيشون الفقر المدقع، إذ لا يتجاوز أجرهم عن كلّ عمل مسرحيّ مدفوع التذكرة 200 دولار، عن عدد عروض مسرحيّة للعمل الواحد يتجاوز العشرة، مؤكّداً افتقار قطاع غزّة إلى المسارح والمكتبات وحاجته إلى معهد عالٍ للفنون المسرحيّة، وقال: “لا يتلقّ المسرح الفلسطينيّ في غزّة اليوم أيّ دعم ماديّ من الحكومة الفلسطينيّة، وكلّ ما يحقّقه من نجاحات يعود إلى المبادرات الشخصيّة والدعم المتواضع من الان جي أوز”.

وفي هذا السياق، قال الممثّل والمخرج أكرم عبيد، الّذي بدأ العمل المسرحيّ في عام 1985، وهو في السابعة عشرة من العمر، لـ”المونيتور”إن عقبة التّمويل لاحقت المسرح الفلسطينيّ منذ بدايته، إذ كان وما زال يعتمد على جهود ذاتيّة من الفرق المسرحيّة النشطة، وقال: “كنّا كممثّلين من غزّة نبحث عن المخرجين الدارسين في هذا المجال من العائدين إلى القطاع بعد تولّي السلطة الفلسطينيّة إدارة قطاع غزّة والضفّة في عام 1994 للتدرّب على يدهم، ومن أمثال المخرجين خليل طافش وحسين الأسمر”.

وعزاَ مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (وفا) في مقال منشور على موقعه الالكتروني أسباب اقتصار العروض المسرحية منذ بداية المسرح في غزة في ثمانينيات القرن الماضي على الهواة فقط إلى عدم وجود دارسين أكاديميين لفنون المسرح وغياب المعاهد الفنية وعدم زيارة فرق مسرحية من خارج القطاع للفرق المسرحية المحلية، لكن وبعد وصول السلطة الفلسطينية إلى غزة في العام 1994 قدّمت عن طريق وزارة الثقافة دعم مالي وذللت العقبات اللوجستية والمالية أمام المسرحيين، وسهلت عليهم السفر للخارج للتعلم.

لكن وبعدَ مرور 31 عاما على عمله في المسرح والتلفزيون، أكدَ عبيد أن المسرح الفلسطيني بحاجة اليوم إلى تمويل ودعم مادي، إذ لا تزال العروض المسرحية تقدم بجهود ذاتية من المخرجين وطاقم التمثيل، مشيرا إلى أن التطور الذي لوحظ على المسرح، هو وجود ممثلين ذوي خبرة ودارسين للمجال، ناهيك عن تقديم نصوص مسرحية جيدة، مما ساعدَ في عودة الروح للعمل المسرحي في العاميين الماضيين.

وأكّد عبيد أنّ غياب الإنتاج التلفزيونيّ بعد استيلاء “حماس” على مبنى التلفزيون الرسميّ، إثر الانقسام الفلسطينيّ في عام 2007 جعل الجيل الأوّل للتمثيل في غزّة يتّجه مرّة أخرى إلى المسرح، ناهيك عن قدرة المسرح على توجيه الرسائل السياسيّة والاجتماعية اليومية الّتي تشغل بال الجهور أكثر من التلفزيون.

وعن أبرز العقبات الّتي تواجه المسرح الناشط في قطاع غزّة أخيراً، قال أكرم عبيد: “إنّ غياب التّمويل والدّعم الماديّ جعل حركة المسرح تتراجع في السنوات الماضية، ناهيك عن انعدام فرص السفر للممثّلين والفرق المسرحيّة للمشاركة في مهرجانات عربيّة ودوليّة بسبب إغلاق معبر رفح”.

وكانت ذروة العمل المسرحي في فلسطين بعدَ تولي السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة عام 1994، إذ تمكن عبيد وزملائه من الممثلين من تقديم الكثير من المسرحيات على رأسها مسرحية إبريق الزيت، والتي عرضت في الملتقي العلمي لعروض المسرح العربي في القاهرة عام 1994.

وفي هذا الإطار، قال المدير العام لقسم الإبداع والفنون في وزارة الثقافة الفلسطينيّة بغزّة عاطف عسقول لـ”المونيتور”: إنّ موازنة وزارته صفريّة تقريباً. ولذا، تعجز عن دعم الأعمال المسرحيّة الفلسطينيّة في غزّة، فهي بالكاد تقدّم بعض الدعم إلى الفرق المسرحيّة في المناسبات الوطنيّة كإحياء ذكرى النكبة الفلسطينيّة بعروض مسرحيّة تتماشى مع المناسبة.

أضاف: “تذلّل وزارة الثقافة الصعوبات أمام الفرق المسرحيّة العاملة في قطاع غزّة، كمنح تراخيص للأعمال المسرحيّة وتكريم الممثّلين وحلّ المشكلات اللوجستيّة الّتي يشكو منها العاملون في المسرح بغزّة”.

وأكّد أنّ غياب المدارس الفنيّة المتخصّصة والمعاهد الّتي تتخصّص في تنمية مواهب الممثّلين المسرحيّين وقدراتهم جعل بعض الأعمال المسرحيّة لا يرقى إلى المستوى المطلوب من الآداء، مشيراً إلى أنّ قلّة عدد المخرجين المحترفين وكاتبي السيناريو المتخصّصين بالعمل المسرحيّ جعلت الأعمال المسرحيّة قليلة كمّاً في غزّة.

واحتفى عاطف عسقول بردود الأفعال الإيجابيّة من الجمهور في غزّة على العروض المسرحيّة الّتي نفّذتها فرق مسرحيّة ناشطة كـ”فريق بيادر”، وكان آخرها مسرحيّة “آخر العنقود”، مشيراً إلى أنّ جمهور المسرح في غزّة يبحث عمّن يناقش قضاياه الإجتماعيّة والسياسيّة بقالب الكوميديا أو التراجيديا.

وفي هذا الإطار، قالت لينا الطويل لـ “المونيتور”، وهي إحدى الّلواتي حرصن على حضور العروض المسرحيّة الفلسطينيّة المقامة على أرض غزّة، وكانت آخرها مسرحيّة “آخر العنقود”: “كان العرض جميلاً جدّاً بكلّ ما فيه، بدءاً من الفكرة وأداء الممثّلين وانتهاء بتفاعل الجمهور”.

أضافت: “من الجميل أن تعالج القضايا الإجتماعيّة في غزّة بطرق كوميديّة قريبة من القلب”.

وأشارت إلى أنّها حضرت العرض المسرحيّ في يومه الثالث والذي عُرضَ لمرة واحدة ذلك اليوم، وكان المكان ممتلئاً بالحضور، واستمرَ العمل ساعتين من الزمن، وكان سعر التذكرة عشرين شيقل، ممّا يؤكّد حاجة سكّان قطاع غزّة إلى المسرح للتّخفيف عنهم من وطأة مشاكلهم السياسيّة والإجتماعيّة.

وفي ظلّ حاجة المواطنين في غزّة إلى من يسخر من الوضعين السياسيّ والإجتماعيّ اللّذين يعيشونهما من دون ابتذال أو تزييف، بات وجود المسرح ضرورة لا بدّ منها.

———————————————————-

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – نبض فلسطين

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *