بيتر فايس والمسرح التسجيلي الوثائقي

 
وضاء قحطان حميد – مجلة الفنون المسرحية 

بيتر فايس هو كاتب مسرحي ورسام الماني , ولد في برلين عام 1916 توفي في السويد عام 
1982 , هاجرت عائلته عام 1939 من سويسرا الى السويد , ومنذ عام 1945 اصبح فايس
مواطناً سويدياً .
يعد بيتر فايس هو مؤسس المسرح التسجيلي في العالم بأسره حيث طبق أفكاره ونظرياته على
مسرحه التسجيلي الوثائقي الذي يعتمد على تقارير حقيقية والوثائق الصحفية التي تخاطب الطبقة العاملة , ويجد ( سمير عبد الرحيم الجلبي ) في كتابه معجم المصلحات المسرحية “
ان المسرح الوثائقي ( التسجيلي ) هو تقديم مسرحية تتناول شريحة مقتطعة من التاريخ من 
خلال رؤية عصرية باستعمال الحيل الدرامية , ويستفيد المسرح التسجيلي من المزج بين  العناصر الدرامية والملحمية معززة بالوثائق ” (1) .
ومن أهم المسرحيات التي كتبها بيتر فايس هي مسرحية ( البرج ) التي نشرت عام 1962
وبطلها لاعب سيرك وهو يتخيل نفسه كذلك وقد حبس في برج ويحاول أن يحرر نفسه من 
العادات والتقاليد العائلية . ومن مسرحياته الوثائقية والتي حازت على شهرة عالمية هي مسرحية ( مارا صاد ) والتي تتحدث عن الثورة الفرنسية وما أصابها من اخفاقات وقدمت
في برلين في مسرح ( شيللر ) عام 1964 , ومن مسرحياته الوثائقية ( التحري ) , ومسرحية
( أنشودة أنجولا ) التي يتحدث فيها عن مساوئ الاستعمار الفرنسي  في افريقيا , ومن أنجح مسرحياته  هي ( تخليص السيد مونكينبوت من الامه ) . ان ” المسرح التسجيلي هو مسرح تقريري , فالسجلات والمحاضر والرسائل والبيانات الاحصائية ونشرات البورصات والتقارير السنوية للبنوك والبيانات الحكومية الرسمية والخطب والمقابلات والريبورتاجات الصحفية 
والاذاعية والصور والافلام وشواهد العصر الحاضر هي التي تكون أساس العرض ” (2) .
اذ يعتمد المسرح التسجيلي على تقارير حقيقية  التي تعالج موضوعات سياسية واجتماعية
ويستخدم المجموعات وليس الافراد في استحضار الاجواء والتقارير الحقيقية  البعيدة  عن الميتافيزيقيا او ما وراء الطبيعة أو الخيال . 
 
ويقول : محمد عبد المنعم  في مقال منشور عبر الانترنت ان ” العروض التسجيلية تعود للوراء
فتتناول الظاهرة التأريخية بكونها حدث يتكرر في الماضِ وما زال فاعل في الحاضر لذا تتناول هذه العروض الظاهرة التاريخية التي تتكرر عبر العصور كالحروب والثورات والاستعمار ثم
تعيد تصويرها بهدف مناقشتها وتحريضاَ على مناهضتها ورفضها ومن ثم تغييرها  وان هذه 
العروض لا تتوقف عند البطل الفرد بل تتجاوزه الى الشكل الجماعي اذ تحل الجماعة محل الفرد ؛ فلم يعد الفرد في مقدرته المحدودة ان يقوم بما تستطيع به الجماعة ؛ لذلك هذه العروض
هي تخاطب الضمير الجمعي وتشتبك مع الارادة الجماعية الواعية الذين يمثلون مختلف فئات الشعب ” (3) .
وتتفق عروض المسرح التسجيلي مع عدة روافد فنية عندما تجسد فوق خشبة المسرح مثل مسرح بريشت الملحمي , والارتودية ومسرح القسوة والجروتوفسكية المسرح الفقير , والمسرح الشعبي والمسرح الاحتفالي والكوميديا المرتجلة كوميديا ديلارتي . ” أو من الناحية
الفلسفية فقد أصر كتاب المسرح التسجيلي على الجمع في وقت واحد بين قضية الانسان 
كونه كائناً اجتماعياً  يحدد مصيره التأريخ ومتطلبات النظام  وبين قضية الانسان كفرد محاولين الغوص في أعماق وجوده الفردي والتوسيع من نطاق حريته الفردية بتعبير آخر فان كتاب المسرح التسجيلي حاولوا الجمع بين العنصر الدرامي والملحمي في وقتٍ واحد لخلق رؤية
أكثر شمولاً للإنسان ووفقوا في ذلك الى حدٍ بعيد  ” (4) .
تحليل مسرحية مارا صاد 1964
ان ( جان مارا ) هو أحد وجوه الثورة الفرنسية ويعمل كصحفي , حيث كان شخصية عنيفة
وله الكثير من الاعداء أصيب بمرض عضال , فأودع ( جان ) في مصحة للأمراض العقلية
ويقتل ( جان ) صديقته ( شارلوت كورداي ) بسبب جرائم ( جان ) بحق فرنسا وقتل الابرياء
, وبسبب الحرب الاهلية  التي أشعل فتيلها , ان مسرحية بيتر فايس أعطت درساً حول كيفية
التعامل مع مفهوم المساواة والعدالة والحرية الفردية . اما ( دي صاد ) فهو محرض على الثورة الاجتماعية لغايات سياسية ويدعو الى الشغب وخلق الفوضى ويمارس الاضطهاد الفكري
والجسدي ضد المرضى , ان شخصية ( شارلوت ) تحب النوم كثيراً حيث أدت الدور ( نادية فايس ) ابنة بيتر فايس اما شخصية ( دوبيرت ) الذي يمارس الاندفاع الحسي نحو ( شارلوت )
 ويمنعه ( صاد ) , ان اغتيال الاخير بطعنة ( شارلوت ) ل ( مارا ) بالسكين وقد امتلئ البانيو
بالدماء وساد العنف والفوضى والصراخ والضرب والعراك بين عامة نزلاء المشفى .
 
ان( مارا ) هي مادة تحريضية للغرب المتحضر , والمسرح التسجيلي امتداد للمسرح الملحمي من خلال استخدام التقنيات من صور فوتوغرافية ووقائع تاريخية ومساحة الاحداث قريبة من مسرح بريشت الملحمي وهذا هو مسرح بيتر فايس , وفي المشهد شخصية ( صاد ) تتحكم في
“شخصية ( مارا ) وتفجر التناقض بين مفهومي الثورة والحرية , ان الشخصيتان تنتميان الى التأريخ الا ان سر وجودهما التأريخي من نسج مخيلة وابتكار بيتر فايس . 
في المشفى نجد الخارجين على القانون والمتهمين سياسياً والمعتوهين من الناحية السايكولوجية
والبايولوجية ؛ ف ( مارا ) أحد وجوه الثورة و ( دي صاد ) يمثل الطبيعة البشرية الضعيفة  ونجد شخصيات متنوعي الطباع هم وقود الثورة ما بين انتهازي ومتحرر ومصاب بعقدة الانطواء وداء العظمة والغرور مثل نموذج مدير المشفى ” (5) .
ان مسرحية ( اغتيال مارا ) مسرح تجريبي ومسرح معاصر ومتطور  بحيث يخاطب المتلقي 
بكل الوسائل المثيرة والارتجال لتجاوز مشكلات المسرح .
وعلى الرغم من اعتماد فايس على وقائع تأريخية ومواد وثائقية الا انه لم يكتب مسرحية تأريخية عن الثورة الفرنسية بل لجأ الى اسلوب المسرح داخل مسرح ليقدم وجهة نظره في
مسرحية حياة ( مارا ) ومقتله الذي كان يرى فيه مفكراً وسياسياً وثورياً سبق وقته وعصره
وجيله .ويتمحور الصراع الفكري بين الافكار الثورية المرتبطة بمصالح الشعب والمتمثلة 
بشخصية ( مارا ) وبين أقصى درجات التطرف في شخصية ( صاد ) وتنتهي المسرحية دون أن يحسم المؤلف من موقفه لمصلحة أحد الطرفين أين يقف ومع من . والمسرحية أخرجها 
( بيتر بروك )المخرج  الانكليزي المعروف صاحب كتاب المساحة الفارغة ؛ لمصلحة فرقة 
شكسبير الملكية  وعرضت في لندن ونيويورك وحققت نجاحاً مذهلاً على صعيد  المضمون
والشكل الفني الطليعي وصوَرَ  (بروك ) العرض سينمائياً فأنتشر عالمياً وكان مؤثراً على بداية المسرح التسجيلي  أو الوثائقي . 
كان لمسرح بيتر فايس أثره البالغ  في تبلور المسرح السياسي في البلدان العربية وحركات التحرر في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين وغدا بماركسيته عنصر جذب عند الكثير من المسرحيين واليساريين العرب .
 
 
قائمة المصادر 
 1- سمير عبد الرحيم الجلبي , معجم المصطلحات المسرحية , ط1, بغداد , 1993, ص71 _ ص72 .
2- بيتر فايس , مقدمة : مسرحية  : أنشودة أنجولا , ترجمة : د. يسري خميس , الكويت وزارة الارشاد والانباء , 1970 , ص 19 .
3- محمد عبد المنعم ومقالة في الادب والفن في الفرق بين المسرح التسجيلي والمسرح
   السياسي في 25/ 11 / 2010, الحوار المتمدن .
 4- د . يسري خميس , مصدر سابق , ص 13 .
5-  راجع : بيتر فايس , مسرحية  : اغتيال جان بول مارا , ترجمة : د . يسري خميس 
, القاهرة : المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر , 1967, ص 50_ص65.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *