النقاش و القباني و صنّوع من مؤسسي المسرح العربي

تعد مسرحية ” البخيل ” لموليير التي قدمها مارون النقاش عام 1847 في منزله و هو التاجر اللبناني العاشق للأدب و الموسيقى بداية لعمر المسرح العربي المتأثر بالنمط الغربي .. فقد استطاع أن يشاهد عروض الفرق المسرحية الايطالية و الفرنسية الزائرة للقاهرة و أن يعجب بها مما حدا به للتفكير بإنشاء مسرح عربي و قد تعامل النقاش مع هذه الفكرة بكل صدق و أمانة و إخلاص و لم يكتف بما شاهده من عروض هذه الفرق و إنما قام برحلات خاصة إلى كل من إيطاليا و فرنسا و لم يحصر اهتمامه بدراسة بناء المسرح و ديكوراته و لا بمعرفة أصول الكتابة المسرحية بل كان يفكر بانتقاء مسرح يحبه الناس لهذا اختار تقليد المسرح الموسيقي المجدي و قدم ” البخيل ” بلون الكوميديا الموسيقية   و لم تكن  مسألة نقل المسرح الأوروبي كما هو مطروحة في ذاك الوقت لأن لا مارون النقاش ” في لبنان ولا ” أبو خليل القباني في دمشق” و لا أتباعهما درسوا فن المسرح في الغرب .. لقد كان هم الرواد الأوائل تقريب هذا الفن من الجمهور بما يتلاءم مع البيئة المحلية و بما يعالج نوعية مشاكل هؤلاء الناس .

إن معرفة مؤسسي المسرح للغات الأجنبية الايطالية و الفرنسية و التركية كانت النافذة التي تعرفوا من خلالها إلى المسرح و الأدب المسرحي الأوروبي الذي أخضعوا نصوصه إلى عملية تبديل و تعديل تطلبته البيئة المحلية بما يتناسب مع السائد فيها من معايير جمالية و لم تكن عملية التعديل تنحصر في تغيير أسماء الشخصيات و أماكن وقوع الأحداث و إنما تم التدخل في صلب النصوص  التي ضمنوها الأشعار و الأقوال المأثورة و الأمثال و الأغاني

و قد كان النقاش في تجربته المسرحية التي لم تدم طويلاً ” 1847- 1855 ” يسعى إلى توصيل العرض المسرحي بدروسه و نصائحه و إمتاعه للمشاهد كما كان يعتني بالوسائل الفنية الأخرى التي تساعد في نجاح المسرحية فالنص الجيد أساسي في أي عمل مسرحي يتبعه عناصر أخرى أساسية أيضا في نجاح أي عرض مسرحي يقول :” إن طلاوة الرواية ”  ورونقها و بديع جمالها يتعلق ثلثه بحسن التأليف و ثلثه ببراعة المشخصين و الثلث الأخير بالمحل اللائق و الطواقم و الكسومة الملائمة ” و مما يبعث على احترام تجربة النقاش أنه كان يبحث دون ملل أو كلل و كان يأخذ بملاحظات الأصدقاء و المشاهدين و يعمل بها .. لأن الفن الذي يعمل  عليه فن جديد لهذا فهو بحاجة إلى معرفة ردة فعل المشاهد الذي يرى و يتفاعل .. يضاف إلى ذلك أن الممثلين الذين كانوا يعملون معه من الهواة و هؤلاء قد يقعون في الخطأ لأنهم ما زالوا مبتدئين في هذا الفن .

و هكذا نجد أن مارون النقاش العاشق للفن المسرحي كان لديه رغبة كبيرة في جعل هذا الفن الذي عرفه في الغرب قريباً إلى نفس المشاهد العربي و موائماً لظروفه و حاجاته أي أنه حاول تقريبه إلى البيئة المحلية لتلائم ذوق الجمهور المشاهد و تسليه و تقدم له الفائدة المرجوة .

أما أبو خليل القباني ” 1833 – 1903 ” لم يكتف بتغيير الأسماء الأجنبية إلى عربية بل أدخل في نصوصه الأغاني و الأشعار و الأمثال و الأقوال المأثورة و غيرَّ بنية الأعمال المسرحية  و الشخصيات النموذجية .. و راح أيضاً يستمد موضوعات عروضه من الأدب الشعبي و التاريخ العربي الذي كان على دراية كبيرة بهما و مما لا شك فيه أن معرفة القباني بالموسيقا و الأصوات و الرقص ساعدته في وضع أساس المسرح الغنائي خصوصاً أنه كان يكتب الأغاني و الأشعار بنفسه .. كما أن معرفة القباني بالحكواتية الشعبية الذين كانوا يقصون الحكايات على رواد المقاهي جعله يتأثر بهذا الفن كثيراً متخذاً المسرح أداته في القص .

و الرائد الثالث في فن المسرح هو يعقوب صنوع المسمى ” أبو نظارة ” 1829 – 1912 ” الذي تعرف إلى المسرح الأوروبي عن طريق المشاركة في عمل عدد من الفرق الفرنسية و الايطالية التي كانت تقدم في مصر عروضها و مسرحيات صنوع كانت  تعالج الأحوال الاجتماعية و السياسية و تنتقد مظاهر التخلف و قد استطاع أن يصل إلى معظم فئات الشعب باستخدامه الدعابة الشعبية و الأغاني الشائعة و هكذا نجد أن عروض رواد المسرح العربي لم تكن نسخاً أو نقلاً  مباشراً عن الأصول الغربية كما يعتقد بعض الباحثين و إنما كانت ضرورة تاريخية أملتها العلاقات ما بين المنطقة و الغرب في مرحلة النهضة العربية .. لقد خضعت عناصر هذا الفن المأخوذة عن الغرب إلى عملية تمحيص و إعادة صياغة و تغيير بما يتلاءم مع ظروف البيئة المحلية و بما يرضى ذوق الجمهور العام لهذا استحوذت على اهتمامه إذ كان يّدخر ثمن التذاكر من أجل حضور المسرحيات التي يتم عرضها في الصالات و دور العرض المخصصة لهذا الغرض.

 

http://ouruba.alwehda.gov.sy/

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *