الناقد الكبير محمد الروبي يكتب: مرة أخرى.. «استفت قلبك».. ولكن! / صفاء البيلي ـ مصر

محمد الروبي

ناقد مسرحي مصري

ـ

(نعيد نشر مقالة الناقد المسرحي ورئيس تحرير جريدة مسرحنا المصرية والتي تستكمل سلسة المقالات التي بدأها عن الإبداع وسرقة الأفكار ووو إلخ.. وذلك لأهمية الموضوع المطروح)

نص المقال:

قمة فرح أى مبدع أن يرى جمهورا يتسابق من أجل مشاهدة عمله، فهو ما يعنى أن الجمهور يثق به ويطمئن إلى أنه سيعطيه ما يحتاجه الآن.
احتياجات الجمهور ليست واحدة، وليست ثابتة، فهو يحتاج الكوميديا والميلودراما والتراجيديا، لكن وعلى الرغم من قدم الإبداع وتعدد الدراسات البحثية التى أجريت على الجمهور، ماذا يريد؟ وما نوعية النجم الذى يختاره الآن؟ إلا أن أحدا لا يستطيع أن يؤكد بيقين إجابة واحدة، ومن ثم يخرج بقانون ثابت لهذه المعادلة، فقط هو الحدس، ومن قبله الصدق، بمعنى أن على المبدع أن يصنع ذاته، وأن يقدم ما يؤمن به،ثم يترك النتيجة تأتى كيفما تكون، ومنها سيتعلم ويتعلم ويتعلم. وسيبنى علاقته الخاصة مع الجمهور، التى ليست بالضرورة أن تكون مطابقة تماما لعلاقته مع مخرج آخر.
وسأعطيك مثالا على ذلك.. انزل الشارع، أو على الأقل ابحث بين أفراد عائلتك مختلفى التوجهات ودرجات العلم، واسألهم عن رأيهم فى يوسف شاهين (مثلا).. ستفاجأ بأن الجميع يحبه، ولكن بدرجات، وأن الجميع يؤكد أنه مخرج كبير، لكن بعضهم لا يفضل طريقته فى السرد السينمائى، وأن الجميع سيصنفه كواحد من أفضل مخرجى السينما العربية، لكن البعض سيشفع إجابته تلك بـ“ولكنى لا أفهمه دائما”.. وهكذا.. لكن سيبقى أن الجميع متفق على أنه مخرج عظيم.
الإبداع، كما الحياة، ينطبق عليه القانون العظيم “استفت قلبك”.. فالإبداع بوابته الأولى هى القلب، بعدها يأتى العقل.. أو لا يأتى. ولعلك كثيرا ما سمعت أحدهم، أو ربما تكون أنت نفسك يقول: “لا أدرى ولكننى لم أحبه”، وهنا تحديدا تظهر وظيفة الناقد الأولى.. فهو القادر على أن يبرر لماذا لم تحب هذا العمل أو العكس؟!
فالنقد ليس وظيفته أن يحيل المكروه إلى محبوب، ولا أن يسقيك غصبا دواء مرا بادعاء أنك قاصر على الفهم، ولا تدرى المفيد لك. عمل الناقد كما أراه، هو تفسير أسباب الحب والكره. فليس من الطبيعى أبدا أن يجمع بشر على كره عمل ما ويأتى الناقد ليقول لهم: “عفوا.. إنكم أغبياء”.. ذلك لأن الفن – كل الفن – يبدأ من القلب، فهو كالحب يبدأ دون أسباب، أو للدقة لا يبدأ بالأسباب، هو يحدث أولا ثم بعدها تكتشف الأسباب. أو سيكشفها لك آخر، نسميه هنا الناقد.
لكن انتبه.. ليس ذلك كل شىء. هناك أمر آخر يجب الالتفات إليه وهو “تراث المشاهدة” أو سمه “خبرة التلقى” أو “إطارك المرجعى” أو.. سمه ما شئت.
فالتذوق كما الشتلة، تنمو بالرعاية، بالاهتمام، بالتدرج. وهو ما سيفسر لك لماذا أجمع الناس على يوسف شاهين (مثلا) مخرجا عظيما، لكن لم يحبه ويستوعبه كل الناس.. إنها وببساطة “خبرة التلقى” أو “الإطار المرجعى للمتلقى”.. إذن سنضيف هنا قانونا آخر إلى قانون “استفت قلبك” ولنسمه “ارع قلبك”، ليكون صالحا وقادرا على الفتوى.
الآن لديك معادلة للحكم على الإبداع، أحد طرفيها هو “استفت قلبك”.. والآخر “ارع قلبك”.. فاذهب وأنت مطمئن وشاهد ما شئت من إبداع.. وتذكر دوما أن تاريخ الإبداع ومشاهدته قد علمنا أن بعض ما كرهته قلوب الناس قديما بات محبوبا، والعكس صحيح.

موقع: المسرح نيوز

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *