الممثل المبدع فنان متجدد – العراق

د. راسل كاظم 

الممثل إنسان فاعل، مكان عمله خشبة المسرح وينقسم عمله إلى قسمين : الأول فترة تحضيرية يدرس فيها الدور ويتدرب عليه، والثاني فترة العرض وفيها يعرض أمام الجمهور ما استعد له. ونحن نحكم على الممثل إن كان مبدعا أو ممثل (صنعه) ليس بالاعتماد على ما يستطيع أن يكتبه أو يتحدث به عن التمثيل، ولكن بالاعتماد على قدرته على أداء عمله بنجاح أثناء مرحلتي الإعداد والعرض وعندما يقف الممثل على الخشبة محاطا بالديكور وبفيض من الضوء ويتحرك ويتكلم في إطار وهم مصطنع هو إنسان غير عادي، بل هو مزيج من المكونات البدنية والنفسية المكثفة، ويتوقف حظه في الحياة على قدرته على تشكيل كلّ فني من عناصر مختلفة كثيرة. وهو يعبر عن هذا المزيج البدني النفسي المكثف من خلال أفعاله على الخشبة، وبعض هذه الأفعال شديد الشبه بمثيلاته في الحياة، في حين أن بعضها الآخر مقيد بضوابط الخشبة وأصول الحرفة. ويؤدي الممثل عمله في ظروف شديدة التوتر، والخطأ الذي يرتكبه في هذه الظروف يبدو اكبر مما هو في الحقيقة. وفي ذهنه كمية كبيرة من الأفكار والخبرات التي يتصل

بعضها ببعض في شبكة منظمة تسيطر عليها آليات فيزيولوجية، ولذلك فهو قد يؤدي كل لحظة في العمل الدرامي بالسهولة والتلقائية والكثافة التي يتطلبها فنه ومن اجل أن يحقق التجسيد الكامل للدور الذي يؤديه في إطار الخبرة المكثفة لا بد أن يفهم بيئته ويتفاعل معها تفاعلا حساسا وعميقا، ولا بد أن يكون قادرا على اصطفاء المفيد واطراح غير المفيد، ولا بد أن يكون قادرا على تشكيل خبرة درامية، وأخيرا لا بد أن يكون قادرا على أداء دوره بشكل منسجم مع الأدوار الأخرى في العمل المسرحي الذي يعمل فيه. والممثل إنسان بوجوه كثيرة، وهو فرد لا بد أن يظهر وكأنه أفراد كثيرون. فهو يتمتع بجسم لدن ومتيقظ، وبعقل ذكي سريع الاستجابة. ويجب أن يستفيد بفضل حساسيته التي تزداد رهافة بازدياد التوتر من رسائل تحذيرية وتشجيعية يتلقاها مما يدور حوله. وهذا كله بالغ الصعوبة، ولكن الممثل المبدع يجعله يبدو وكأنه سهل. الاختلاف بين الممثل المبدع وممثل الصنعه لايكمن فى الطاقة التعبيرية عند كل منهما،بل ايضا فى درجة الحساسية تجاه الشخصية خاصة، والتمثيل عامة، كذلك القدرة على الابتكار، الاعتماد على المخيلة وتوظيفها بشكل دائم, السعى المستمر لتطوير الادوات والامكانيات. وهنا يتكشف مدى اهمية الخيال الى جانب الفهم العميق لمستويات الشخصية فالممثل لايحاول توصيل الطبيعة المادية للشخصية فقط انما الطبيعة الروحية ايضا. انه لا يسطح الشخصية بل يعمقها ويؤكد على تعددية ابعادها… ومن هنا ينبع التنوع المدهش والصدق فى تجسيد الشخصيات. الممثل المبدع يشعر برغبة فى تحقيق اتصال مباشر وحقيقى مع الجمهور، وهذا الاتصال يتأسس فى المقام الاول على قدرة الممثل على ادهاش ومفاجأة الجمهور وهذه الخاصية لاتتحقق إلا اذا استطاع الممثل ان يدهش ويفاجئ نفسه اولا. الممثل المبدع لايحجم عن الادوار الصعبة والمركبة والعنيفة، حتى وان اقتضت جهدا وعناية ووقتا، انه يوجد لنفسه لغة خاصة به, تتشكل مفرداتها من الحركة والايماءة والنبرة وهو لايعتمد فقط على التقنية، التى هى معرفة مكتسبة من الخبرة ولكن بدرجة اكبر على الحدس والغريزة الارتجال عنصر ضروري لكنه تلقائى ومدروس فى أن. أما ممثل الصنعه فإنه حبيس تخوم رؤية ومخيلة المؤلف او المخرج فهو خادم مطيع للدور وينفذ الاوامر وبالنسبة للعمل ككل يمكن اعتباره قطعة ديكور يحركهما صانع العمل وفق مشيئته او تصوراته, ان وجوده كممثل تفرضه شروط ومعايير ليست فنية غالبا، وانما انتاجية.. أى تجارية.. كأن يكون نجما محبوبا جماهيرا لوسامته وجاذبيته. وممثل الصنعه عندما يتم ترشيحه لدور ما، فإنه يقبله كما هو، ويؤديه كما هو، انه لايحلل ولايفسر بالتالي هو لايساهم فى تحديد الشخصية ونموها. انها تظل ناقصة النمو وخاوية وهذا يرجع الى عدم امتلاكه القدرة على سبر اعماق الشخصية ومحدودية الادوات التى يستخدمها فى بناء الشخصية، انفعالاته ومشاعره غير منسقة،اعماقه محجبة، عواطفه وافكاره مطموسة, ذاته لاتمتزج بالشخصية ولايقوم بتحويل نفسه من الداخل. ممثل الصنعه ينظر الى التمثيل كحرفة لا كفن ينجز دوره دون ان يعبأ بمحتوى العمل, يهتم بصورته ومظهره اكثر من اهتمامه بقيمة العمل

بعض الممثلين يتوقفون عن الاصغاء الى بعضهم البعض انهم يؤدون بآلية لايتفاعلون بل يلقون حواراتهم المكتوبة فقط, وجه ممثل الصنعه ثابت ومتكرر لايختلف ولايتحول اما جسده المفترض ان يكون شبيها بآلة موسيقية، فهو معطل ولايجيد العزف عليه, لاتعنيه الدوافع والمحركات لانه لايلج الشخصية، يؤديها ولايعيشها، لايكشف الحياة الداخلية للشخصية بل يطفو على السطح… انه اذن اقل اهتماما بالنواحى السيكولوجية واكثر تركيزا على المظاهر الخارجية والاستجابات المباشرة وكلما كان الدور نمطيا واحادى البعد، ازداد اقترابا منه وقبولا له. تقنياته واضحة ومكشوفة يلجأ الى المبالغة فى الانفعال والاصطناع فى اظهار ردود افعاله, ليس بسبب وعيه الفقير بماهية ومعنى التمثيل فحسب, وانما ايضا لانه لايؤسس علاقة خاصة وحميمة بالدور وبالاشياء التى تتصل بالدور،انه يزيف الانفعالات والمشاعر معتمدا بشكل اساسى على المحاكاة وعندما يحاكى المشاعر والعواطف فإنه يخفق ويصبح تمثيله فاضحا.
———————————————-
المصدر : مجلة الفنون المسرحية

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *