“الملك لير” بالكيمونو والقناع تكيّف مع تقاليد مسرح “نو” في “مهرجان البستان” هي أسطورة العازف الذي أعاد بموسيقاه اللحمة بين لير وبناته

في الختام، كان البعض يحاول إيجاد إضاءات للمعاني الغامضة، الكامنة وراء الحركة الصامتة – المعبّرة، في هذا العرض التقليدي لمسرح “نو” الياباني، الذي قدم لـ”مهرجان البستان” حدثا فريدا، “الملك لير”، في دراما يابانية، معصرنة، استأذنت شكسبير، لتجعل من الموسيقى عنصرا وفاقيا بين المتنازعين على السلطة.

أمام الإبهام الذي لفّ بعض التفاصيل، تذكّرت ريمون جبارة حين كان يسأله من لم يفهم مغزى مسرحية من مسرحياته، فيجيب: “لست مضطرا لأن تفهم. تكيّف مع الجو”. على هذا النسق من التمعن في ثقافة هذا الفن الدرامي المتجذر في الفن الياباني، قدّمت آن ماري سلامة الساحرة فحوى الموضوع قبل أن تجسدّ شخصية غونيريل، إبنة الملك لير، بثوبها الأحمر الشفّاف الكاشف عن محاسنها. بظرافة أعادت إلى الحياة عازف بيانو متوفى، وهب حياته راوياً قصة الملك لير، بالموسيقى، ومن خلال موسيقاه شاء علاجا يعيد اللحمة بين الملك لير وبناته.
الحدث جاء به إلى “البستان” ناوهيكو أوميواكا الواسع الشهرة في مسرح الـ”نو”، والحائز جوائز دولية عديدة منها جائزة مهرجان المسرح في قرطاج، وجائزة الدول الأولمبية في مانيلا. أستاذ في جامعة شيزواكا للفنون والثقافة، ينتمي إلى سلالة عمرها ستمئة عام من فن الـ”نو”، يعود الفضل إلى مونورا أوميكاوا صائن هذا الفن الميدييفالي من الانطفاء. في قصة الملك لير، دخلت حفنة من موسيقى غربية متنوّعة، ربطت علاقة فنّية بين قارتين. فصداقة ناوهيكو أوميواكا الوطيدة مع عازف البيانو الفرنسي إيريك فرّان- نكاووا، البارع في أدائه الموسيقات على أنواعها، الكلاسيكية كما الجاز، حاكت من جديد هذه الأسطورة الظريفة، بمشاركة إبنة ناوهيكو، ثريا، التي تأسّست في مسرح “نو” الوطني منذ الثالثة من العمر، وابنه الممثل ناوتومو ومنتج افلام سينمائية، والممثلة اللبنانية آن ماري سلامة. فلا شك أن علاقة هذه العائلة بلبنان تعود إلى مادلين جليل اللبنانية، زوجة ناوهيكو. ومن محاضراته العديدة في جامعات العالم، قدّم خبرته المسرحية، العام 2009 في الجامعة اللبنانية- الأميركية في بيروت.
ينتفض عازف البيانو من الموت، مقنّعاً بشبحه ويقوم إلى البيانو ليحلّ بموسيقاه أزمة الخلافة بين الملك لير وبناته الثلاث. المقطوعات المختارة تنوّعت حسب ما تمليه الحوارات الصامتة، القائمة على الحركات التعبيرية. من جورج غرشوين يعزف “أحبك بورغي”، تكون غونيريل تصرخ “أحبك والدي”، طمعا بحصتها من الملك. شقيقتها كورديليا بفستانها الأبيض ترمز إلى البراءة، لا تراوغ، بل كالنسيم تعبر أمام الملك والدها على نغم “أوندين” لرافيل من تحفته “غاسبار والليل”. الشخصية الثالثة هي تارة ريغان الأخت الثالثة، وتارة الخادم، بلباس الكيمونو التقليدي إسوة بالملك. حين يدرك الملك تعالي كورديليا عن حصتها لصالح أطماع ريغن وغونيريل، يسلّم الملك لكورديليا. مع ريغان تحصل مبارزة كوريغرافية على نسق الـ”نو” على نغم سوناتا للألبان بيرغ. التاج على رأسها تموت كورديليا ويتلطّخ فستانها البيض بالدم، فيما العازف مستمر في رسم قدر هذه المسرحية بالموسيقى. على نغم أداجيو لباخ تقع كورديليا ميتة. الملك لير يحمل ابنته راثيا على موسيقى “رثاء” لفاغنر.
حين فرغت الحلبة من قصة الملك لير لم يتوقّف نكاووا عن العزف بل استمرّ في أداء رسالته، بعزفه “رابسودي إن بلو” لغرشوين، حتى إذا أقفل أخيرا غطاء البيانو، عاد إلى كفنه بقناع الشبح الذي به خرج من قبره.

 

 

مي منسى

http://newspaper.annahar.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *