المـــســــرح الجــزائــــــري بيـــن الأمــس واليـــوم

المـــســــرح الجــزائــــــري بيـــن الأمــس واليـــوم

 جميـــل حمـــداوي 

  

الطبعة الأولى سنة 2006م

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

الإهـــــــــداء 

أهدي هذا العمل المتواضع إلى الأشقاء الجزائريين من أجل بناء صرح مغاربي عتيد، أساسه المحبة المتبادلة، والتعاون المشترك المثمر، والتمسك بالأخوة الإسلامية الحقيقية.

الفــــهـــرس

الإهــــــداء

المقدمـــة………………………………………………………………….5

الفصل الأول:  المسرح الجزائري بين الماضي والحاضر………………8

الفصل الثاني:  القديس أغسطين ونظرية الإشباع……………………..24

الفصل الثالث: تطور المسرح الجزائري الحديث والمعاصر………….37

الفصل الرابع: مسرح البحر والفضاء المفتوح………………………….54

فصل الخامس: عبد القادر علولة ومسرح القوال………………………64

الخاتمــــة………………………………………………………………..79

ثبت المصادر والمراجع…………………………………………………81

الفهــــرس

المقدمــــــة

ظل المسرح الجزائري، لمدة طويلة،  عالة على المسرح الغربي، ولاسيما الفرنسي منه، نظرية، واقتباسا، وترجمة، واستنباتا، وإعدادا، وتأليفا، وتأثيثا، وتشخيصا، وإخراجا، ورصدا. بعد أن تعرف هذا المسرح التليد- قبل ذلك- إلى المسرح الأمازيغي من جهة أولى، ومسرح الكاراكوز إبان الحكم العثماني من جهة ثانية. بيد أن هذا المسرح العربي الفطري الأصيل القائم على الكراكوز والراوي والمقلداتي والمداح والمهرج لم يستمر في تقديم عروضه بسبب منع المستعمر له منذ سنة 1843م، وتعويضه بالبناية الإيطالية المغلقة منذ الخمسينيات من القرن التاسع عشر الميلادي[1]. وبالتالي، فقد قدم المسرح الوطني الجزائري، منذ نشأته
وتأسيسه وتطوره، معظم ريبرتواره الدرامي المتنوع، من حيث القضايا والأشكال والتجارب، داخل البنايات المسرحية المغلقة التي أوجدها المستعمر الفرنسي. لذا، ولدت الفرجة المسرحية الجزائرية مخنوقة بفعل ضيق البناية الإيطالية بجدرانها الأربعة، وكواليسها الخلفية، وآفاقها الهندسية المحدودة، وما وضعته من فواصل وحواجز حقيقية أو وهمية  بين الممثل والجمهور. لذا، جاء التفكير ، إبان مرحلة التجريب والتأصيل، في ضرورة التحرر من هذه البناية المسرحية المغلقة، بالانتقال بالفرجة المسرحية إلى فضاءات شعبية عامة ، أو تجريب أشكال فضائية جديدة، كالفضاء الدائري الذي يتشخص في مسرح الحلقة على سبيل الخصوص.

وإذا تأملنا المسرح الجزائري كما وكيفا، فلابد أن يلاحظ الدارس تأرجح المسرح الجزائري بين التغريب والتأصيل، والمزاوجة بين الفصحى والعامية المحلية، مع الانفتاح على اللغات الأجنبية الأخرى. أضف إلى ذلك استفادة هذا المسرح من مختلف الاتجاهات والتيارات المسرحية العالمية المعروفة تأسيسا وتثبيتا وتجريبا. لكن ما يميز هذا المسرح ارتباطه بالمنهج البريختي على مستوى الإخراج، والانطلاق من الرؤية التراثية والاحتفالية، والاعتماد على تقنيات التدريب لدى ستانسلافسكي، والاستفادة من المسرح الفقير لدى غروتوفسكي، والميل نحو المسرح الجدلي الثوري والملحمي، والاشتغال على الذاكرة التاريخية، والتناصية، والثورية ، والنضالية، والتحررية…

ومن جهة أخرى، يلاحظ  هيمنة الاقتباس والإعداد والترجمة والاستنبات على حساب التأليف المسرحي. ناهيك عن قلة النصوص المسرحية المطبوعة في الجزائر مقارنة بالمغرب، وتونس، وليبيا. والدليل على ذلك أنه لم يطبع من النصوص في الجزائر سوى أربع عشرة مسرحية من سنة 1960 إلى سنة 2003م. في حين، بلغ عدد المسرحيات المغربية المطبوعة منذ سنة 1933 إلى نهاية 2003م مائة وإحدى وستين مسرحية. وفي تونس، وصل العدد إلى ثلاث وخمسين إلى غاية 2003م. وهو العدد نفسه المطبوع في ليبيا[2]. ويعد عبد القادر علولة، ومراد سنوسي، وأحسن ثليلاني، وعز الدين ميهوبي أكثر المبدعين الجزائريين إنتاجا في مجال المسرح[3].

أما النقد المسرحي الجزائري، فمازال إنتاجه ضئيلا مقارنة بالمغرب وتونس. ومن أهم كتبه المنشورة (ملامح عن المسرح الجزائري) لمخلوف بوكروح (1982م)، و(شروق المسرح الجزائري) لعلالو (1982م)، و(المسرح الجزائري : نشأته وتطوره) لأحمد بيوض(1989م)، و(دراسات في المسرح الجزائري) للرشيد بوشعير(1994م)، و(المسرح من الكواليس) لأحمد حمروش(1996م)، و(هوادج التراث ) لعبيدو باشا (1999م)،و(النص المسرحي في الأدب الجزائري) لعز الدين جلاوجي (2000م)، و(المسرح تاريخا ونضالا- المسرح الجزائري في عهديه الاحتلالي والاستقلالي-) لمحمد الطاهر فضلاء (2000م)، و(أربعون عاما على خشبة مسرح الهواة في الجزائر) لحفناوي بعلي (2002م)، و(المسرح والجمهور) لمخلوف بوكروح (2002م)،  و(الظواهر المسرحية في الجزائر) لإدريس قرقورة (2005م)، و(من ذاكرة المسرح الجزائري) لحسين نذير(2005م)،و(مسرح الفرجة والنضال في الجزائر) لأحمد منور (2005م)، و(المسرح في الجزائر) لصالح لمباركية (2005م)،  و(المسار المسرحي الجزائري إلى سنة 2000م) لنور الدين عمرون (2006م)، و( النص المسرحي في الأدب الجزائري) لعز الدين جلاوجي(2007م)، و(المسرح الجزائري والثورة التحريرية) لأحسن ثليلاني(2007م) ، و(التراث في المسرح الجزائري) لإدريس قرقورة(2009م)، و(بريخت والمسرح الجزائري) للشريف الأدرع(2010م)، و(ملامح المسرح الجزائري) لجروة علاوة وهبي(2014م)، و(المسرح الجزائري بين الماضي والحاضر) لبوعلام رمضاني (د.ت)، و(المسرح الجزائري) لهنري كربا(د.ت)…

إذاً، كيف تطور المسرح في الجزائر؟ وما بداياته الأولى؟ وما تاريخ المسرح الجزائري في العصر الحديث؟ وما أهم التجارب المسرحية المتميزة فنيا وجماليا ودراميا؟ هذا ما سوف نتناوله في الفصول التالية من كتابنا هذا.

الفصل الأول:

المسرح الجزائري بين الماضي والحاضر

لقد ارتبط المسرح الجزائري القديم بالمسرح الأمازيغي منذ المرحلة اللاتينية، وهيمنة  الرومان سياسيا وعسكريا وثقافيا على نوميديا. ونعني بالمسرح الجزائري القديم  ذلك المسرح الذي أنتجه الإنسان الأمازيغي النوميدي، منذ تواجده فوق أرض تامازغا (شمال أفريقيا) أو خارجها. ولايمكن الحديث عن المسرح الأمازيغي إلا إذا أنتجه أو ساهم فيه المبدع الأمازيغي ذاتا ولغة وهوية وموضوعا وقضية. ومن ثم، لا يمكن اعتبار المسرح  إرثا أو إنتاجا أمازيغيا إلا إذا كانت الذات الأمازيغية حاضرة على مستوى الإبداع والإنتاج،  أو كانت اللغة الأمازيغية حاضرة على مستوى الكتابة والتشكيل والتوصيل ، أو كانت الأمازيغية موضوعا وقضية محورية للفرجة المسرحية.

وعليه، فلقد مر المسرح الأمازيغي الجزائري أو النوميدي  بمراحل أساسية هي:

u مرحلة التأثر بالمسرح اليوناني والروماني  إبان المرحلة اللاتينية؛

v مرحلة الركود والتوقف النسبي إبان الفتوح الإسلامية؛

w مرحلة تغريب المسرح الجزائري إبان التواجد الاستعماري؛

x مرحلة النشأة والتأسيس؛

y مرحلة التجريب والتأصيل.

 سنحاول في هذه الدراسة رصد ماضي المسرح الجزائري وحاضره في ضوء رؤية تاريخية استقرائية،  تعتمد على التصنيف والتحقيب والتوثيق والاستنتاج المنطقي والتفسير الحجاجي.

المبحث الأول: مرحلة التأثر بالمسرح اليوناني واللاتيني

عرف الأمازيغيون النوميديون – أخص ساكني الجزائر-  في أثناء الفترة اللاتينية  تمدنا واسعا وازدهارا حضاريا كبيرا في ظل القرطاجنيين والرومان. كما تأثروا بالثقافة الفينيقية والثقافة المصرية الفرعونية على حد سواء.

وإذا استقرينا البنية التحتية لمنطقة نوميديا، فقد بنيت مدن كثيرة تحوي مجموعة من المسارح ذات مدرجات دائرية أو نصف دائرية ، مثل: مسرح تيبازة، ومسرح جميلة، ومسرح تبسة، ومسرح تيمكاد، ومسرح شرشال، ومسرح سكيكدة، ومسرح مداوروش، ومسرح دكة… وقد تحدث المستمزغ الفرنسي شارل أندري جوليان، في كتابه ( تاريخ أفريقيا الشمالية)، عن علو كعب مدنية نوميديا في عهد الإمبراطورية الرومانية. وفي الوقت نفسه، تحدث عن كثرة المسارح الفنية التي كانت من مظاهر حضارة الرومان في الجزائر[4]. وفي هذا الصدد، يقول  شارل أندري جوليان:” كان عدد المسارح في أفريقية يفوق عدد الملاعب ، وكان مسرحا تيمكاد ودكة منحوتين في ربوة كما هو الشأن في اليونان، أما مسرح تيبازة فقد كان بالعكس مبنيا ومن الممكن أن يتبين المرء إلى اليوم في مسرح تيمكاد الثقب المستطيلة الشكل التي كانت تمكن من تحريك الستار. وكان مسرح دكة المشيد في عهد مرقس أوريليوس يحتوي على( 21 ) مدرجا تنقسم إلى ثلاثة أقسام بواسطة درابزين. وتوجد في مؤخر الركح خمس درجات كبرى توضع فوقها مقاعد متنقلة. ويتركب الجانب الأمامي من الركح من مشاك عديدة لا تزال ماثلة إلى اليوم. وكان طول الركح 75.36 م وعرضه 50.5 م مفروشا بفسيفساء، تحملها ترابة معتمدة على أقبية. وكانت توجد ثلاثة أبواب في الجدار الخلفي من الركح كما يوجد بابان على جانبي الركح يمكن منهما التوصل مباشرة إلى مجموعة من الأعمدة قائمة أمام المسرح”[5].

ويعني هذا أن المسارح التي كانت تبنى في شمال أفريقية إما مسارح طبيعية منحوتة في الجبال، وإما مسارح مبنية من قبل السلطات الحاكمة. وكانت هذه المسارح واسعة الركح طولا وعرضا، مبنية بطريقة المدرجات من أجل استيعاب الكثير من النظارة على غرار المسرحين: الروماني واليوناني. ويحتوي هذا المسرح كذلك على أبواب منفتحة على الكواليس والجمهور، وستار واسع يفصل الجمهور عن الممثلين، كماهو حال المسرح الغربي اليوم. وكانت أرضية الركح منقوشة بالفسيفساء الملونة والزخارف المرصعة.

أما من حيث الطاقات البشرية الأمازيغية على المستوى العطاء الفني في مجال المسرح، فنقول  إذا كان أغلب الملوك الأمازيغيين وزعمائهم،  كماسينيسا، وصيفاقس، وتكفاريناس، ويوغرطة…، قد اهتموا بمقاومة الرومان على سبيل الخصوص، فإن الملك يوبا الثاني على العكس كان مواليا للقيصر الروماني . وفي الوقت نفسه، انشغل ببناء المدن وإرساء الحضارة الرومانية في نوميديا وموريطانيا الطنجية. وقد اهتم بشكل خاص بالفنون والعلوم والآداب، فأنشأ المتاحف في مدينة الجزائر وعاصمتيه شرشال ووليلي. فضلا عن تشييد المعابد الدينية والقصور الفخمة  والمسارح . ويقول شارل أندري جوليان في حق يوبا الثاني:” ولم ينشط العاهل الجديد نشاط آبائه. ولما لم تترك له الحماية الرومانية إلا المظاهر فقد تسلى بالاعتناء بالمجموعات الفنية والأدب الرخيص”.[6]

 ومن مظاهر اهتمام يوبا الثاني بالفن الدرامي تأليفه لكتاب بعنوان(تاريخ المسرح)، لكنه ، ويا للأسف! ضاع مع مرور الزمان، ولم يصلنا شيء من أوراقه وآثاره. وليس لدينا من ذلك سوى الشهادة التقريضية التي أدلى بها المؤرخ الفرنسي لاكروا  الذي قال في حق يوبا الثاني:” اشتهر يوبا على الخصوص بعلمه الواسع، فقد ألف كثيرا من الكتب التي ردد ذكرها القدماء، وبقي منها قطع مبثوثة هنا وهناك…

أولا: تاريخ بلاد العرب الذي وضعه لتعليم يوليوس قيصر.

ثانيا: تاريخ آشور ، وقيل أنه كتبه بعد أن شاهد هذه البلاد.

ثالثا: آثار الرومان القديمة.

رابعا: تاريخ المسرح، تحدث فيه عن الرقص وآلاته والموسيقى ومخترعي هذه الفنون.

خامسا: تاريخ الرسم والرسامين.

سادسا: كتاب منابع النيل، زيادة على كتاب النحو والنبات.”.[7]     

وتأسيسا على ما سبق،  لم يقتصر المسرح الأمازيغي النوميدي على أبوليوس وأوغستان فحسب، بل تعدى ذلك إلى يوبا الثاني الذي اعتنى بهذا الفن عناية فائقة، فقد ألف كتابه الرائع( تاريخ المسرح) الذي جمع فيه دراسات شاملة حول الموسيقا والرقص، وقد كتب منه ثمانية عشر (18) مجلدا. ويثمن الكثير من الباحثين الإنجازات القيمة التي حققها الملك المثقف يوبا الثاني في مجال الدراما والتمثيل والتكوين المسرحي. فقد قال بوزياني الدراجي:”أما التمثيل فقد أسس يوبا أيضا معهدا لتدرسيه في شرشال كذلك…”[8].

هذا، وقد عني يوبا الثاني أيما عناية بالكوريغرافيا المسرحية الهادفة والممتعة، من خلال الجمع بين الرقص والموسيقا والتمثيل . والدليل على ذلك أن فقرات كتاب( تاريخ المسرح) تشير إلى ” آلات موسيقية وقع اختراعها في بلدان مختلفة، وبرقصات إغريقية وأجنبية، وبالطريقة التي يحسن أن توزع بها الأدوار على الممثلين.”[9]

فضلا عن ذلك، فقد بنى يوبا الثاني مجموعة من المسارح  في شرشال، ووليلي، وليكسوس. ومن بين هذه المسارح  المسرح العتيق الذي يوجد في شرشال ، وأمامه تمثال كبير من المرمر يمثل شخصا إمبراطوريا يخطب على جيوشه.[10]

وفي هذا السياق، يقول ستيفان أگصيل:” ومن المؤكد أن قيصرية كان بها مسرح على عهد يوبا الذي كان يحب الفرجات، والذي كتب بحثا مسهبا عن الفن الدرامي.ولاشك أن هذا المسرح هو الذي لم تندثر خرائبه حتى الآن. بالرغم من أنها كثيرا ما استعملت كمحجرة.وكانت الزخارف الفاخرة على جدران خشبة المسرح من الرخام الأبيض، وهو عبارة عن دثار وعن ثلاث مجموعات متراكبة من الأعمدة الكورنثية التي تحمل عمرة غنية، إلخ…ثم إن هذه البقايا من طراز يجعلها متينة القرابة بالقطع المعمارية التي عثر عليها بالساحة. فالعهد واحد إذن.”[11]

ويعني هذا أن يوبا الثاني كان يحب المسرح كثيرا، وقد بنى عدة مسارح لعرض المآسي والملاهي على حد سواء، وكان يحضر عروضها الفرجوية. وكانت المسارح المبنية دائرية أو نصف دائرية ، منفتحة على الهواء الطلق، وكانت تبنى في شكل أعمدة ومدرجات على غرار المسرحين اليوناني والروماني.

ويتبين لنا – مما سبق ذكره- أن الأمازيغ النوميديين كانوا يقدمون عروضهم المسرحية مستعينين بالرقص والموسيقا والتشكيل البصري على غرار العروض المسرحية التي نشاهدها اليوم.

وهناك أيضا شخصية أمازيغية أخرى مهووسة بفن المسرح، وهي شخصية الفنان و الروائي النوميدي أفولاي (أبوليوس عند الغرب)؛ صاحب أول نص روائي عالمي يعرف باسم( الحمار الذهبي). وقد مارس أفولاي الفن المسرحي تشخيصا وإبداعا وكتابة وإخراجا. فقد ورد أنه زار قرطاجنة للتعلم، فاندهش بها أيما اندهاش. كما اندهش منه القرطاجنيون لما له من معرفة موسوعية في جميع الفنون والمعارف والآداب ، فكان القرطاجنيون يهتفون به كلما صعد إلى المسرح ، وهو بدوره يهتف بهم قائلا:”إني لا أرى في مدينتكم  إلا رجالا كرعوا من مناهل الثقافة، وتبحروا في جميع العلوم: أخذوا العلم صغارا، وتحلوا به شبانا، ودرسوه شيوخا. إن قرطاج لهي المدرسة المقدسة في مقاطعتينا، وهي عروس الشعر في أفريقيا، وهي أخيرا ملهمة الطبقة التي تلبس الحلة”[12].

ويمكن القول: إن أفولاي كان شاعرا متنوع الأغراض ، يبدع الشعر الملحمي والشعر الغنائي الوجداني . كما كان كاتبا مسرحيا غزير الإنتاج. فقد ألف مجموعة من التراجيديات والكوميديات مستعملا في ذلك الشعر على غرار المسرحيين اليونانيين والرومانيين. ويقول أفولاي في إحدى اعترافاته الصريحة:”أعترف بأني أوثر من بين الآلات شق القصب البسيط أنظم به القصائد في جميع الأغراض الملائمة لروح الملحمة أو فيض الوجدان، لمرح الملهاة أو جلال المأساة. وكذلك لا أقصر لا في الهجاء ولا في الأحاجي ولا أعجز عن مختلف الروايات، والخطب يثني عليها البلغاء، والحوارات يتذوقها الفلاسفة، ثم ماذا بعد هذا كله؟ إني أنشئ في كل شيء سواء باليونانية أم باللاتينية بنفس الأمل ونفس الحماس ونفس الأسلوب”[13].

ونفهم من هذا أن  قرطاجة كانت عاصمة تامازغا في مجال المسرح والشعر والثقافة والسياسة  إبان المرحلة اللاتينية. وكان الأمازيغ النوميديون لهم باع كبير في مجال الثقافة والفنون المسرحية. وكان الرومان والمؤرخون الأجانب القدامى والمحدثون والمعاصرون، بالإضافة إلى المستمزغين، يعترفون لهم بذلك أيما اعتراف. وأقصد المثقفين الذين تعلموا اللغة اللاتينية باعتبارها لغة رسمية، وأداة للتعليم والتعلم، و وسيلة للترقية المادية والمعنوية، وآلية مهمة لتولي المناصب الإدارية والسياسية والمدنية والدينية.

ومن الطبيعي أن يكون جل المتعلمين ينحدرون من طبقة أرستقراطية مقربة من السلطات الرومانية. وفي هذا السياق، يقول شارل أندري جوليان:” وكان الطلبة ينحدرون بصفة عامة من الطبقة الأرستقراطية القاطنة في البلديات. وكان بعض الأغنياء يشمل أحيانا برعايته أحد الشبان البربر النجباء، فيمكنه من تنمية ملكاته في قرطاج. ولم يكن هؤلاء الشبان جميعهم، مثلا يحتذى في المواظبة والفضيلة. فكانوا يرتادون المسارح والملاهي وينغمسون فيما سماه القديس أغسطنيوس متندما” مرجل الأهواء التي يندى لها الجبين”. وكان عدد منهم مثل أغسطنيوس لا يقل ولوعهم بحبيباتهم عن ولوعهم بالدرس. وكان آخرون يؤلفون عصابات من المشاغبين، فيهجمون على قاعات الدرس، ويشاكسون الأستاذ، ويشيعون الطلبة الوديعين لكما وضربا.

وكان التعليم الذي يقوم به النحاة يزود أفريقية بالإداريين والمحامين البارعين وبعض الحكام الأعلام، وأشهرهم سالفيوس جوليانوس أصيل حضر موت (سوسة) وصاحب القانون الأبدي، ويزودها أيضا برجال كانت ثقافتهم إلى السطحية أقرب منها إلى العمق”[14]

وعلى العموم، فقد تأثر المسرح الأمازيغي النوميدي بالمسرح المصري الفرعوني ذي البعد الكهنوتي والطقوسي والجنائزي. كما تأثر  بالمسرح اليوناني والروماني على مستوى المعمار الهندسي والجمالي من جهة، وعلى صعيد السينوغرافيا وكتابة المسرحيات التراجيدية والكوميدية من جهة أخرى، سواء أكان ذلك  قد تم – فعلا- باللغة اليونانية أم باللغة اللاتينية أم باللغة الأمازيغية الأفريقية.

وقد يتشكك البعض في أمازيغية هذا المسرح جزئيا أو كليا ، إلا أننا نرد عليهم بأن ثمة معايير ثلاثة  لإثبات هوية المسرح الأمازيغي هي: 

u أن المسرح الأمازيغي هو الذي يكون من  إنتاج الإنسان أو الذات الأمازيغية أو البربرية؛

vأن المسرح الأمازيغي هو الذي يتخذ  القضايا الأمازيغية موضوعا له؛

w أن  المسرح الأمازيغي هو الذي يستعمل اللغة الأمازيغية أداة للتعبير والتبليغ والتوصيل.[15]

وهكذا، يتبين لنا أن الأمازيغ الجزائريين كانوا مسرحيين بالفطرة والموهبة والممارسة والدربة والتعليم والتكوين. وفي هذا، يرى عثمان الكعاك، في كتابه (البربر)، أن الأمازيغ كانوا يشاركون في تمثيل مسرحيات فوق خشبات المسرح اليوناني، والمسرح الروماني، والمسرح القرطاجني. وفي هذا الصدد، يقول الباحث:” التمثيل قديم عند البربر جاؤوا به من الهند ، وأسس له يوبا الثاني معهدا لتدريسه بشرشال، وألف فيه التصانيف، والتمثيل البربري إما ديني على الطريقة الهندية واليونانية القديمة، فهو أناشيد ورقص وحركات وتصاوير تمثيلية لاسترضاء الآلهة أو إبعاد غضبهم، أو خزعبلات مضحكة للسخرية من بعض الشخصيات البارزة، وإظهار عيوب الناس المنتقدة، وشارك البربر في التمثيل اليوناني ثم الروماني، لاسيما وقد نبغ منهم طيرستيوس القرطاجني أكبر مسرحي باللغة الرومانية، وقد بنى ابن جلدتهم غورديانوس مسرح الجم وهو من أكبر المسارح الرومانية، والمسارح منبثة في شمال أفريقيا يدل على ولوع البربر بالفن المسرحي.”[16]

وهكذا، يتبين لنا أن النوميديين كانوا سباقين إلى الاهتمام بالفعل المسرحي تنظيرا وتشخيصا وتأليفا وإخراجا.

المبحث الثاني: مرحلة الركود  والكساد إبان الفتوح الإسلامية

شهد المسرح الأمازيغي النوميدي، في أثناء الفتوحات الإسلامية لشمال أفريقيا مع عقبة بن نافع، وحسان بن النعمان، وموسى بن نصير، وطارق بن زياد، ركودا مسرحيا كبيرا بسبب انشغال الأمازيغيين بالحروب والجهاد، وخوض المعارك ضد المرتدين البرابرة و نصارى الأندلس. كما ساهمت الحروب في اندثار معالم المسارح والمتاحف والمعابد. بينما بقيت بعض المسارح خالدة إلى يومنا هذا ، كمسرح قرطاج بتونس، وتيمكاد وتيبازة بالجزائر.

هذا، وقد ذكر البكري في وصفه لقرطاجنة أن أعجب ما بها” دار الملعب وهم يسمونها الطياطر، قد بنيت أقواسا على سواري، وعليها مثلما ما أحاط بالدار، وقد صور في حيطانها جميع الحيوان وصور أصحاب جميع الصناعات، وجعلت فيه صور الرياح، فجعل صورة الصبا وجهه مستبشر وصورة الدبور وجهه عابس….

وفيها قصر يعرف بالمعلقة مفرط العظم والعلو، أقباء معقودة طبقات كثيرة مطل على البحر، في غربيه قصر يعرف بالطياتر وهو الذي فيه دار الملعب المذكورة، وهو كثير الأبواب والتراويح، وهو أيضا طبقات ، على كل باب صورة حيوان وصور الصناع”.[17]

ومن الدواعي الأخرى التي كانت وراء ركود المسرح الأمازيغي، وعدم الحفاظ على المسرح اليوناني والروماني، الفهم السيئ لموقف الإسلام من الشعر والتصوير والتمثيل والتشخيص ، إذ كان تأويل المسلمين لموقف الإسلام من الفن سببا كافيا لانطفاء  شعلة المسرح في شمال أفريقيا.

هذا، ويذهب  عباس الجراري إلى أن العامل الديني،  ووجود الصراع التراجيدي الأفقي، من بين الأسباب التي حالت دون استمرار المسرح الأمازيغي بشكله القديم:” إذا كان المغاربة لم يحتفظوا بهذه التقاليد المسرحية في ظل الإسلام، فذلك راجع إلى أن هذا الدين جاء بثقافة جديدة، وأنهم لم يجدوا في نطاق ثقافته حاجة إلى التعبير بالمسرح على الشكل الإغريقي الروماني الذي عرفوه. إذ لايخفى أن هذا المسرح كان يتوسل به في أداء الطقوس والشعائر الدينية، فضلا عن أنه كان مرتبطا بالصراع، ولاسيما في مواجهة القضاء والقدر، والدين الإسلامي يحد من هذا الصراع، ويحث على الطمأنينة النفسية بالدعوة إلى الإيمان بالقدر خيره وشره.

ومع ذلك ، فقد بقيت لتلك التقاليد آثار غير قليلة تتجلى في الرقص الشعبي، سواء منه الرقص البربري والبدوي أم رقص الطوائف الطرقية. كما تتجلى هذه الآثار في الاستعداد الذي ظل عند المغاربة للعمل المسرحي، وقد جعلهم يقتبسون( خيال الظل) لاسيما في تونس والجزائر، لما كان لهما من علاقة مع الدولة العثمانية. ويبدو أنه كان مزدهرا في القطر الجزائري حتى منتصف القرن الماضي، حيث قررت سلطات الاحتلال منعه لما كان له من دور في توعية المواطنين، ولعله كان معروفا بمغربنا الأقصى في فترة من التاريخ، لاسيما أيام السعديين الذين كانت لهم علاقة وطيدة مع الأتراك”[18].

ونفهم من هذا النص أن المسرح الأمازيغي النوميدي قد اندثر مع الفتوحات الإسلامية لشمال أفريقيا بسبب ارتباطه بالوثنية الإغريقية، وبنائه على الصراع التراجيدي الميتافيزيقي. وقد تم تعويض ذلك كله بفرجات احتفالية مشهدية شعبية ودينية وطقوسية وفنية، مثل: الرقص الشعبي الأمازيغي، ورقص الطوائف الطرقية، والاستفادة من خيال الظل. بل يمكن الحديث عن أشكال مسرحية أمازيغية أخرى، قد تبلورت بتامازغا، بشكل واضح، في  نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين .

المبحث الثالث:  المسرح الجزائري إبان التواجد الاستعماري

عرف الأمازيغيون الجزائريون منذ مطلع القرن العشرين، وقبل ذلك بكثير، مجموعة من الأشكال الفرجوية التي تنطوي على إرهاصات مسرحية وبوادر درامية. وتتنوع هذه الأشكال الفرجوية ماقبل المسرحية إلى أشكال طقوسية دينية شعائرية أخروية وروحانية، وأشكال لعبية، وأشكال احتفالية شعبية دنيوية.

وعلي أي، فقد عرف الأمازيغيون مجموعة من الفرجات الشعبية ماقبل المسرحية القائمة على الفطرة، والعفوية، والارتجال، واللعب، والتذكر اللاشعوري، والمشاركة الجماعية ، واستخدام فنون الموسيقا والغناء والإنشاد والرقص والحكي والإيماءة والحركة الكوريغرافية. علاوة على الميل نحو الاحتفالية، والشعبية، والعيدية، والاستعانة بالقناع التنكري.ومن أهم هذه الأشكال: خيال الظل، والكراكيز، والأعراس، والحفلات الدينية (المولد النبوي، والعقيقة، وعيد الفطر ، وعيد الأضحى)، ومختلف الألعاب التي كان ينساق وراءها الأطفال والشباب على حد سواء.

هذه هي مجمل الإرهاصات الدرامية التي ذكرناها هي التي شكلت ما يسمى بالظواهر المسرحية الفطرية، أو ما يسمى أيضا بفترة الأشكال اللعبية  التي اتخذت أبعادا طقوسية واحتفالية . وكان يشارك ، في هذه الأشكال اللعبية،  الأطفال الصغار والشباب والكبار في الوقت نفسه.

ولم يكن الإخراج المسرحي في هذه المرحلة إلا عملا جماعيا فطريا، يقدم بطريقة عفوية لعبية عشوائية . وكان الممثلون جميعهم مخرجين يقومون بعملهم بكل بساطة وسذاجة فنية. ولايمكن الحديث هنا عن الإخراج المسرحي بالمفهوم العلمي للإخراج إلا من باب التجاوز ليس إلا.

وأكثر من هذا، فقد اقتصر المسرح الجزائري، في هذه المرحلة، على العروض المسرحية الأجنبية، ولاسيما الفرنسية منها. وكانت هذه العروض تقدم في مجموعة من المسارح التي بنتها فرنسا في مختلف المدن الجزائرية. وبعد ذلك، زارت فرق مسرحية مصرية الجزائر كفرقة جورج أبيض. بيد أن الجزائريين لم يندمجوا في اللعبة المسرحية في تلك الفترة لجهلهم باللغة العربية من جهة، ونفورهم من المسرح الذي يخالف العادات والتقاليد من جهة ثانية.

وعلى الرغم من ذلك، فقد تكونت فرق وجمعيات مسرحية حسب ما ذهب إليه سلالي علي الملقب بعلالو، مثل: جمعية المهذبيه التي كان يشرف عليها الطاهر علي شريف. وقد قدمت الجمعية ثلاث عروض مسرحية هي: الشفاء بعد العناد، وقاضي الغرام، ومسرحية بديع.

وقد كان الجزائريون أنفسهم يعرضون مسرحياتهم في تلك المسارح المغلقة التي شيدها الفرنسيون.وكانت تلك المسرحيات ذات مواضيع واقعية، وأخلاقية، واجتماعية، ورومانسية، وتاريخية، وتراجيدية، وكوميدية …

وفي الفترة التي ظهرت فيها جمعية العلماء الجزائريين مع عبد الحميد بن باديس، والبشير الإبراهيمي، وآخرين، نشط المسرح الجزائري مع مجموعة من الفنانين المبدعين، أمثال: رشيد القسنطيني، ودحمون، وعلالو صاحب مسرحية (جحا)، ومحيي الدين بشطارزي، ومحمد الثوري، ومصطفى قزدرلي..

هذا، وتعتمد لغة  المسرح الجزائري، في هذه المرحلة بالذات، على العامية المحلية ؛ لأن السلطات الاستعمارية منعت استعمال اللغة العربية الفصحى. لذلك، عمد هذا المسرح المحلي إلى الدفاع عن الهوية الجزائرية، والخوض في النضال السياسي، والسعي نحو بناء هوية ثقافية وأخلاقية تسمو بالشعب الجزائري نحو آفاق المستقبل بغية التحرر من ربقة الاستعمار الفرنسي.

وبعد الحرب العالمية الثانية، تأسست فرق وجمعيات مسرحية عدة تقدم عروضها المسرحية بالعربية الفصحى من جهة أولى، أو بالعامية الجزائرية من جهة ثانية، أو المزج بين اللغات واللهجات من جهة ثالثة، كفرقة مسرح الغد مع رضا حاج حمو سنة 1946م. وفي هذه الفترة ذاتها، ظهر كتاب وفنانون ومبدعون مسرحيون بارزون ، أمثال: محمد الصالح رمضان،وأحمد توفيق المدني، وأحمد رضا حوحو،وعبد الرحمن الجيلالي، ومحمد الطاهر، وشياح المكي، وعبد الحليم رايس، ومصطفى كاتب…

المبحث الرابع:  مرحلـــة التأسيس

تأسس المسرح الجزائري بعد استقلال الجزائر مباشرة سنة 1962م. واتخذ هذا المسرح بعدا ثوريا واشتراكيا واجتماعيا في توافق تام مع سياسة الجزائر السياسية والاقتصادية والمجتمعية. ومن ثم، تأسست مدارس لتكوين الأطر المسرحية التي تكلفت بحمل مشعل أب الفنون ، مثل: مدرسة برج الكيفان التي افتتحت سنة 1965م.

وعرف المسرح الجزائري نشأته الحقيقية مع مجموعة من الرواد كمصطفى كاتب، و أحمد عياد الملقب برويشد، وولد عبد الرحمن كاكي، وأعضاء فرقة مسرح البحر…[19]

وقد استطاع المسرح الجزائري أن يفرض حضوره الفني والجمالي في كثير من التظاهرات المسرحية المحلية، والجهوية، والوطنية، والعربية، والدولية.

المبحث الخامس: مرحلة التجريب والتأصيل

انطلق المسرح الجزائري في التجريب والتأصيل  منذ فترة الثمانينيات من القرن العشرين ، فواصل ذلك التحديث مع سنوات التسعين و سنوات الألفية الثالثة، متأثرا في ذلك بالمسرح الغربي  المعاصر والمسرح العربي التجريبي. دون أن ننسى تأثره المباشر والواضح بدعوات وتنظيرات وبيانات مسرح الهواة  بالمغرب الذي انتعش فعليا في سنوات السبعين من القرن العشرين انتعاشا كبيرا.

ومن أهم هذه التجارب المسرحية الحداثية تجربة عبد القادر علولة الذي تبنى مسرح الحلقة من جهة، وتمثل الاتجاه الاحتفالي من جهة ثانية، واستفاد من تقنيات المنهج البريختي من جهة ثالثة، واستعان بطريقة ستانسلافسكي في التدريب وتمرين الممثل من جهة رابعة. وقد كان مسرحه مسرحا احتفاليا تأسيسيا بامتياز، مادام هدفه هو تأصيل المسرح الجزائري فنيا وجماليا، وربطه بالهوية الثقافية والدينية والتاريخية لمجتمعه من خلال (مسرح القوال) الذي كان يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين التجريب والتأصيل معا.

وأخيرا، يتبين لنا – من خلال هذا العرض السالف ذكره- أن المسرح الجزائري قد قطع مجموعة من المراحل التاريخية المتميزة في الزمان والمكان. فقد تأثر، في البداية، بالمسرح الفرعوني، والمسرح اليوناني، والمسرح الروماني. لكنه انكمش – مؤقتا-  إبان الفتوحات الإسلامية بسبب موقف الإسلام من الشعر والتصوير والتمثيل. وبعد ذلك، اتخذ شكل  فرجات فطرية، سميت بالأشكال  الفرجوية ماقبل المسرحية، لينتقل هذا المسرح ، بعد ذلك، إلى تغريب الفرجة الدرامية والمشهدية مع التواجد الاستعماري. ثم ينتهي بمراحل التأسيس والتجريب والتأصيل.

الفصل الثاني:

أوغستان ونظرية الإشباع المسرحي  من خلال كتاب(الاعترافات) [20]

– نص مترجم-

المبحث الأول: من هو القديس أوغستان؟

ولد القديس أغسطين، أو أوغستينوس، أو أوغستان( Augustinus )، في تاجسته أو تاگاست بنوميديا / الجزائر ( مدينة سوق أهراس حاليا)، من أم مسيحية، وأب وثني.  ونهل من الفلسفة اليونانية، وتشبع بفكر المدرسة الإسكندرية، خاصة بعد سفره إلى روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية القيصرية. وهناك أيضا تمثل الفلسفة الأفلاطونية الجديدة التي تجمع بين مثالية أفلاطون، وروحانيات المشرق، والفكر الغنوصي لدى أفلوطين. وبعد عودته سنة 388م إلى سوق أهراس، أنشأ ديرا للتعبد، والدعوة إلى الديانة المسيحية ، بعد أن تنصر في الثالثة والثلاثين من عمره. وبعد ذلك،  عين أسقفا في مدينة عنابة  التي روج فيها أغسطين أفكاره الدينية ومعتقداته الإنجيلية التي كان لها أثر عميق في الكنيسة المسيحية. دون أن ينسى هويته الأمازيغية التي كان يدافع عنها كثيرا بالفكر والممارسة. 

ويعرف عن أغسطين أنه كان أستاذا نابها،  درّس البلاغة في القرية التي ولد فيها، وفي قرطاجة، فروما، ثم ميلانو[21].

 وبعد اعتناقه للمسيحية،” رقي الدرجات الكنسية في ظرف تسع سنوات فقط، فأصبح أسقفا سنة 396م، وكرس حياته لتنظيم الكنيسة الإفريقية والتأليف الديني. وقد ترك للمسيحيين مؤلفات لا تزال حتى اليوم مرجعا لهم، يعتبرونها قاعدة صلدة لفلسفة أقانيمهم الثلاثة.”[22]

و للقديس أوغسطين  أكثر من مائتي كتاب باللاتينية أشهرها: كتاب (الاعترافات) الذي يعد – على حد علمي- أول كتاب في الاعترافات، وأول خطاب أوطبيوغرافي في تاريخ الإنسانية . وقد قيل في حق هذا الكتاب كثير من الأقوال التي تشيد بكتاب الاعترافات، وتجعله في مصاف الكتب القيمة والمؤلفات السباقة إلى وضع أسس أدب الاعتراف، وتأسيس جنس السيرة الذاتية. ويدرج إحسان عباس أوغسطين ضمن الأدب الغربي اللاتيني، متجاهلا هويته الأمازيغية .

وعلى الرغم من ذلك، فإنه يضعه على قمة هرم أدب الاعتراف والسيرة الأوطبيوغرافية:” وفي السير الغربية معالم كبيرة، كان لكل معلم منها أثره في كتاب السيرة الذاتية وطريقتها، وفي طليعة تلك السير ( اعترافات القديس أوغسطين)، فإنها فتحت أمام الكتاب مجالا جديدا من الصراحة الاعترافية، وشجعت الميل إلى تعرية النفس، في حالات كثيرة تلتبس بالآثام، أو يثقل فيها عناء الضمير.”[23]

 ومن أهم الكتب الأخرى التي ألفها أغسطين كتاب( مدينة الإله) الذي دافع فيه عن المسيحية، وانتقد فيه المذهب الدوناتي، وكذلك كتاب(اعترافات التوبة)، وكتاب (المراسلات).

 وكان القديس أغسطين متعاطفا ” مع الأفارقة. أي: مع الأمازيغيين، ويدافع عن هويتهم، ولكن في نطاق العمل التبشيري الرسمي. ومما يلفت النظر أنه هو المؤلف الأفريقي اللاتيني الوحيد الذي ضبط تاريخ ولادته، كما ضبط تاريخ وفاته. والسبب في نظرنا- يقول الباحث المغربي محمد شفيق- هو أن أحد أبويه كان رومانيا، كما هو معلوم. وليس من المستبعد أن تكون هجنته هي سبب موالاته للسلطة الرومانية الدينية…” [24]

وهنا، نفتح قوسا لنقول بأن أغسطين  كان يحارب من قبل الأمازيغيين بسبب ميله الكبير إلى الدولة الرومانية،  ولاسيما من قبل رجال الدين الدوناتيين الذين انشقوا عن الكنيسة الرومانية الرسمية. ومن الذين رفضوا خط أغسطين  في تمثل تعاليم كنيسة روما القيصرية أوغستنيوس الدوناتي الذي عرض على القضاء في أوائل القرن الخامس الميلادي .[25]

هذا، وقد مات أغسطين شهيدا في 29/08/430م، مدافعا عن مدينته عنابة ضد الغزاة الونداليين الهمج. ونقول في حقه ما قال شارل أندري جوليان الذي اعتبره” خطيبا وكاتبا من طراز عال، فلم يتح للمسيحية أن رزقت زعيما في مرتبته قط”.[26]

  أما إميل فاگيه( Emile faguet )، فقد قال في حقه كلاما رائعا يبين مكانته الكبيرة في الثقافة القديمة:” والقديس أوغسطينوس فيلسوف قبل كل شيء، رجل يحلل الآراء … وهو فوق ذلك خطيب عظيم مؤرخ أو بالأحرى فيلسوف للتاريخ في كتابه( مدينة الله) ، وهو أخيرا شاعر للقلب والوجدان الممتع في( اعترافاته) الخالدة. وربما كان هذا الرجل أغرب رجل في العالم القديم كله.”[27]

 ويتبين لنا ، من خلال مؤلفات النصارى الأفارقة، أن  الكنيسة ” كانت، أيام ترتوليان، تعارض السلطة الرومانية معارضة عنيفة إلى حد رفض الانخراط في الجندية، ثم انتهت أيام أوغسطين إلى التفاهم والتعايش معها. فأصبحت كل من السلطتين المدنية والدينية، تعترف بنفوذ الأخرى المطلق داخل النطاق المحدد لها.”[28].

وعليه، لم تقتصر حياة أوغستطين على ماهو ديني ولاهوتي وكنسي فحسب، بل اهتم أيضا بماهو أدبي وفني وجمالي وفلسفي.وقد عرف بولعه الشديد بفن المسرح فرجة وتنظيرا ونقدا. وعرف بنظرية الإشباع المسرحي ثاني نظرية مسرحية عالمية بعد نظرية التطهير الأرسطية[29].

المبحث الثاني: من نظرية التطهير إلى نظرية الإشباع

يعد القديس أوغسطين المنظر العالمي الثاني للمسرح، بعد الفيلسوف اليوناني أرسطو في كتابه(فن الشعر)، بل ينطلق أوغسطين في أثناء حديثه عن وظيفة المسرح في كتابه(الاعترافات) من نظرية أرسطو نفسها، ألا وهي نظرية التطهير. وفي هذا الصدد، يقول أرسطو:” والتراجيديا هي محاكاة لفعل جاد، تام في ذاته، له طول معين، في لغة ممتعة لأنها مشفوعة بكل نوع من أنواع التزيين الفني. كل نوع مهما يكون أن يرد على انفراد في أجزاء المسرحية؛ وتتم هذه المحاكاة في شكل درامي، لا في شكل سردي، وبأحداث تثير الشفقة والخوف، وبذلك يحدث التطهير من مثل هذين الانفعالين.وأعني هنا باللغة الممتعة اللغة التي بها وزن، وإيقاع، وغناء. وأقصد بقولي يمكن أن يرد على انفراد في أجزاء المسرحية: أن بعض الأجزاء يعالج باستخدام الشعر وحده: وبعضها الآخر باستخدام الغناء.”[30]

ويعني هذا أن وظيفة المسرح عند أرسطو، ولاسيما في التراجيديا، هي التطهير، بإثارة الخوف والشفقة في نفوس الجمهور.بمعنى أن تكون المسرحية ذات وظيفة سيكولوجية وأخلاقية ، تعنى بتحرير النفس الإنسانية من الغرائز العدوانية، وتحريرها من كل ظلم وشر وحقد.

هذا، ويقدم المنظر الأمازيغي أوغسطين للمسرح الوظيفة الأرسطية نفسها، حينما كان شابا مزهوا بنفسه وشبابه، مغرما بالعروض المسرحية التي كانت تعرض على خشبات مسرح قرطاج بتونس، إبان المرحلة الرومانية، قبل التوبة والغفران والاعتراف بذنوبه.

وعليه، يشير أوغسطين إلى أن العروض المسرحية التي تقدم فوق ركح قرطاج عبارة عن تراجيديات ممتعة ومثيرة، تختلط فيها المأساة مع الرومانسية، وتتقاطع فيها الآلام مع الحب؛ مما كان يثير فضول الجمهور بحال من الأحوال. ويعني هذا أن المسرح – حسب أوغسطين – كان يعتمد على المعايشة النفسية الصادقة – كما سيقول بذلك المنظر المسرحي الروسي ستانسلافسكي – فيما بعد-. وينضاف إلى ذلك أن الناس يقبلون على المسرح لمشاهدة المآسي والتراجيديات الحزينة ؛ لأنهم يجدون في ذلك متعة وسعادة وراحة نفسية. ويرى أوغسطين أن المسرحيات المعروضة على خشبة مسرح قرطاج  تستنبط أحداثها من الواقع، أو تكون ممزوجة بالخيال. ومن جهة أخرى، تصاغ هذه العروض بأسلوب فني جميل، وتتسم أيضا بروعة الإخراج والتشخيص والسينوغرافيا.

 علاوة على ذلك، فالمسرح – حسب أوغسطين – له وظيفة أخلاقية ونفسية وعضوية، تقوم على التطهير بإثارة الخوف والشفقة، كما سبق لأرسطو أن أثبت ذلك في كتابه(فن الشعر). ويضيف أوغسطين أن الناس لايحبون أن يعيشوا الألم في واقعهم الحياتي، لكن يحبون معايشته دراميا وفنيا وجماليا. ومن ثم، يرتاح المشاهدون كثيرا للتراجيديات. وكلما ضعفت صنعتها الإخراجية، ثار الجمهور غاضبا، وخرج من المسرح ثائرا. وبالتالي، لاينتبه الراصدون  إلى العروض المسرحية تأثرا واندماجا وتركيزا، إلا حينما تكون العروض تراجيديات مأساوية ، تثير الشفقة والخوف والرحمة. ويزداد التطهير مأساة وتعقيدا ودرامية ، حينما تقدم مشاهد الحب والغرام، وخاصة مشاهد الفراق والعذاب التي تثير المتفرجين بشكل لافت للانتباه، فيسعدهم ذلك كثيرا بسبب ما يبثه العرض من أحزان وآلام سيكولوجية وعضوية.

 بيد أن مايهم أوغسطين في المسرح هو الإشباع أو الارتواء، فبعد اندماج المتفرج في المسرحية، بمعايشة مآسيها، والانسياق وراء أجوائها الغرامية والرومانسية، والتلذذ بأحزانها وآلامها المقرفة، يتحقق لدى المتفرج نوع من الإشباع الغريزي، أو نوع من الراحة النفسية. سرعان ما تتحول إلى نزيف تراجيدي مؤلم. ومن ثم، فالمسرح الحقيقي هو الذي يحقق للمتفرج نوعا من الإشباع والارتواء النفسي والأخلاقي والبيولوجي، مثل: تلك النشوة الجنسية التي يستمتع بها المحبان العاشقان. وبتعبير آخر، لاينبغي أن يقدم المسرح للجمهور عرضا دراميا ناقصا  في مكوناته الفنية والجمالية والتأثيرية، فلابد أن يتحقق الإشباع لدى الراصد المتفرج. وفي هذا السياق، يقول أوغسطين :” ذلك هو الحب الذي كنت أكنه لهذه الآلام، والذي لم أكن أتوقع أن يمر (الحب) على قلبي وروحي؛ لأنني لم أرد قط رؤية الأحزان في الأشياء التي أفضل رؤيتها فوق خشبة المسرح ، ولكنني كنت مرتاحا جدا؛ لأن موضوع المسرحية التي كانت تعرض أمامي تشعرني بالإشباع، كما لو أنني أصبت بحكة جلدية، فحككت جلدي، وحققت ذلك الإشباع، لكن سرعان ما يتحول الحك المتكرر إلى جرح ينزف، فيختلط الدم بالوحل. هذه هي حياتي، ولكن هل نستطيع أن نسميها حياة؟ يا إلهي!”[31]

وأخيرا، إذا كان أرسطو صاحب (نظرية التطهير) القائمة على الخوف والشفقة، فإن المنظر المسرحي الأمازيغي أوغسطين رائد (نظرية الإشباع المسرحي) القائمة على الارتواء الفني والجمالي[32].

المبحث الثالث: النــص المترجـــم

في الوقت نفسه، كان عندي حب عنيف تجاه مشاهد المسرح التي كانت تطفح بصور مأساتي ، وصور الحب الحارق الذي يؤجج مشاعري.لكن ما هو الدافع الذي يجعل الناس يتسابقون إلى المسرح بهذا النشاط والحماس لمشاهدة أشياء حزينة وتراجيدية، على الرغم من كونهم لايحبون أن يشاهدوا ما يؤلمهم؟ فقط لأن  الجمهور يريد أن يحس بهذا الألم. ومن ثم، فهذا الإحساس هو سبب سعادتهم. إذاً، من أين يأتي كل هذا؟ أليس هذا مرضا غريبا يصيب الروح؟ كلما تأثرنا بهذه المغامرات الأدبية، كلما كنا أكثر تأثرا بالحب العميق بداخلنا. إن الحزن هو ذلك الأذى الذي نسببه لأنفسنا، والشفقة عبارة عن أحاسيس نتقاسمها مع الآخرين. لكن، مانوع هذه الشفقة التي سنتقاسمها في أشياء كاذبة وزائلة تقدم على خشبة المسرح؟

لانشجع المتفرج في المسرح، ولا نطلب منه إنقاذ الضعفاء والمقموعين، لكن ندعوه فقط إلى معايشة مآسيهم وآلامهم الكبيرة. وتقدم هذه المواضيع المسرحية الحقيقية أو المفترضة بطريقة فنية درامية، وبنوع من الصناعة المتقنة. وقد يخرج المشاهدون ثائرين غاضبين على الممثلين.لكن كلما كان المشهد مؤثرا وتراجيديا، تجد المتفرج أكثر تركيزا وانتباها ، يتأرجح إحساسه بين السعادة والدموع، لكن بما أن كل الناس يفضلون المتعة، كيف سيحبون دموعهم وآلامهم؟ إذا كان الناس لايحبون أن يعيشوا الألم في الواقع، فإنهم يفضلون أن يعيشوه دراميا من خلال مشاهد الشفقة والرحمة والخوف. وقد تصبح دموع المتأثرين منبعا للحب الحقيقي الذي نحس به تجاه بعضنا البعض.لكن أين تصب مياه هذا المنبع؟ إنها تصب في تيار عنيف وقوي وجارف، تخرج منه مشاعر الحب المثالي، والمتعة المادية التي تتجسد في ممارسة غريزية ، يبتعد فيها الحب عن النقاء والصفاء الإلهيين. هل يجب الابتعاد – فعلا -عن الإحساس بالشفقة والرأفة؟ أبدا، لأن هناك أوقاتا نحب فيها الآلام. فاحترسي يا نفسي من الرأفة على من اقترف الفواحش؛ لأن هناك إحساسا بالشفقة أنقى وأطهر.

وبالرغم من ذلك، سآخذ قسطي من السعادة التي يحس بها العشاق على خشبة المسرح، عندما ينجحون في تجسيد المشاهد الغرامية غير العفيفة، على الرغم من أنه ليس هناك من شيء حقيقي في هذه العروض. حين كان هؤلاء الممثلون العشاق يواجهون ألم الفراق، كنت أتعذب كثيرا، وأحس بالشفقة تجاههم. و اليوم، لم أعد أحس بالشفقة تجاه هؤلاء الذين يستمتعون بممارسة الحب الفاحش، ولا تجاه الذين لايمارسونه. فهذا هو الذي نسميه شفقة. ليس الألم الذي نحس به من خلال آلام الآخرين وعذابهم هو الذي يشعرنا بالسعادة.إن الشفقة أو الرحمة إحساس يشعر به الشخص، عندما يرى عذابات الآخرين .هذه هي الشفقة  الحقيقية،  بل أكثر من ذلك، إن الرحيم أو الرؤوف هو الذي لايحب أصلا رؤية مواقف تدعو إلى الشفقة . ويتمنى عدم وجود البؤساء لكي لايضطر إلى الشعور بهذا الإحساس، ويتمنى ألا يصاب أحد من أقربائه بالأذى.

لكن هناك بعض الآلام التي نتقبلها، بيد أننا لانحبها. إن الأشياء، التي تبينها لنا ياسيدي ويا إلهي، أنت الذي تحب الأرواح بدون قيد أو شرط، عكس بني البشر، تعطينا الإحساس بالشفقة، دون أن نشعر بأي ألم، لكن من هو هذا الذي يستطيع منا أن يكون بهذه الدرجة من المثالية؟

أنا عكس كل هذا، فقد كنت بائسا لدرجة أنني كنت أحب الشعور بالآلام، ليس هناك ما هو أفضل من مشاهد ومسرحيات درامية رائعة التي كانت  تؤثر في نفسيتي لدرجة البكاء. وماهو الغريب في حزن ماعزة مسكينة ابتعدت عن القطيع وضاعت؟ أشعر وكأني مصاب بمرض معد.

ذلك هو الحب الذي كنت أكنه لهذه الآلام، والذي لم أكن أتوقع أن يمر (الحب) على قلبي وروحي. لأنني لم أرد قط رؤية الأحزان في الأشياء التي أفضل رؤيتها فوق خشبة المسرح . لكنني كنت مرتاحا جدا؛ لأن موضوع المسرحية الذي كان يعرض أمامي يشعرني بالإشباع، كما لو أنني أصبت بحكة جلدية، فحككت جلدي، وحققت ذلك الإشباع، لكن سرعان ما يتحول الحك المتكرر إلى جرح ينزف، فيختلط الدم بالوحل. هذه هي حياتي، ولكن هل نستطيع أن نسميها حياة؟ يا إلهي!

المبحث الرابع: النص الأصلي

Saint Augustin, Confessions, III, 3, trad. d’Arnauld d’Andilly (1649), établie par O. Barenne, éd. Ph. Sellier, Gallimard, ” Folio “, 1993, p. 89-92.

J’avais aussi en même temps une passion violente pour les spectacles du théâtre, qui étaient pleins des images de mes misères, et des flammes amoureuses qui entretenaient le feu qui me dévorait. Mais quel est ce motif qui fait que les hommes y courent avec tant d’ardeur, et qu’ils veulent ressentir de la tristesse en regardant des choses funestes et tragiques qu’ils ne voudraient pas néanmoins souffrir ? Car les spectateurs veulent en ressentir de la douleur ; et cette douleur est leur joie. D’où vient cela, sinon d’une étrange maladie d’esprit ? puisqu’on est d’autant plus touché de ces aventures poétiques que l’on est moins guéri de ses passions, quoique d’ailleurs on appelle misère le mal que l’on souffre en sa personne, et miséricorde la compassion qu’on a des malheurs des autres. Mais quelle compassion peut-on avoir en des choses feintes et représentées sur un théâtre, puisque l’on n’y excite pas l’auditeur à secourir les faibles et les opprimés, mais que l’on le convie seulement à s’affliger de leur infortune ; de sorte qu’il est d’autant plus satisfait des acteurs, qu’ils l’ont plus touché de regret et d’affliction ; et que si ces sujets tragiques et ces malheurs véritables ou supposés, sont représentés avec si peu de grâce et d’industrie qu’il ne s’en afflige pas, il sort tout dégoûté et tout irrité contre les Comédiens. Que si au contraire il est touché de douleur il demeure attentif et pleure, étant en même temps dans la joie et dans les larmes. Mais puisque tous les hommes naturellement désirent de se réjouir, comment peuvent-ils aimer ces larmes et ces douleurs ? N’est-ce point qu’encore que l’homme ne prenne pas plaisir à être dans la misère, il prend plaisir néanmoins à être touché de miséricorde : et qu’à cause qu’il ne peut être touché de ce mouvement sans en ressentir de la douleur, il arrive, par une suite nécessaire, qu’il chérit et qu’il aime ces douleurs ? Ces larmes procèdent donc de la source de l’amour naturel que nous nous portons les uns aux autres. Mais où vont les eaux de cette source, et où coulent-elles ? Elles vont fondre dans un torrent de poix bouillante, d’où sortent les violentes ardeurs de ces noires et de ces sales voluptés : et c’est en ces actions vicieuses que cet amour se convertit et se change par son propre mouvement, lorsqu’il s’écarte et s’éloigne de la pureté céleste du vrai amour. Devons-nous donc rejeter les mouvements de miséricorde et de compassion ? Nullement : et il faut demeurer d’accord qu’il y a des rencontres où l’on peut aimer les douleurs. Mais, […] garde-toi, mon âme, de l’impureté d’une compassion folle. Car il y en a une sage et raisonnable, dont je ne laisse pas d’être touché maintenant. Mais alors je prenais part à la joie de ces amants de théâtre, lorsque par leurs artifices ils faisaient réussir leurs impudiques désirs, quoiqu’il n’y eût rien que de feint dans ces représentations et ces spectacles. Et lorsque ces amants étaient contraints de se séparer, je m’affligeais avec eux comme si j’eusse été touché de compassion ; et toutefois je ne trouvais pas moins de plaisir dans l’un que dans l’autre. Mais aujourd’hui j’ai plus de compassion de celui qui se réjouit dans ses excès et dans ses vices, que de celui qui s’afflige dans la perte qu’il a faite d’une volupté pernicieuse, et d’une félicité misérable. Voilà ce qu’on doit appeler une vraie miséricorde. Mais en celle-là ce n’est pas la douleur que nous ressentons des maux d’autrui qui nous donne du plaisir. Car, encore que celui qui ressent de la douleur en voyant la misère de son prochain lui rende un devoir de charité qui est louable, néanmoins celui qui est véritablement miséricordieux, aimerait mieux n’avoir point de sujet de ressentir cette douleur : et il est aussi peu possible qu’il puisse désirer qu’il y ait des misérables, afin d’avoir sujet d’exercer sa miséricorde, comme il est peu possible que la bonté même puisse être malicieuse, et que la bienveillance nous porte à vouloir du mal à notre prochain. [Aussi il y a bien quelque douleur que l’on peut permettre, mais il n’y en a point que l’on doive aimer. Ce que vous nous faites bien voir, ô mon Seigneur et mon Dieu, puisque vous qui aimez les âmes incomparablement davantage et plus purement que nous ne les aimons, exercez sur elles des miséricordes d’autant plus grandes et plus parfaites que vous ne pouvez être touché d’aucune douleur. Mais qui est celui qui est capable d’une si haute perfection ? Et moi au contraire] […] j’étais alors si misérable que j’aimais à être touché de quelque douleur et en cherchais les sujets, n’y ayant aucunes actions des Comédiens qui me plussent tant, et qui me charmassent davantage que lorsqu’ils me tiraient des larmes des yeux, par la représentation de quelques malheurs étrangers et fabuleux qu’ils représentaient sur le théâtre. Et faut-il s’en étonner, puisque étant alors une brebis malheureuse qui m’étais égarée en quittant votre troupeau, parce que je ne pouvais souffrir votre conduite, je me trouvais comme tout couvert de gale ? Voilà d’où procédait cet amour que j’avais pour les douleurs, lequel toutefois n’était pas tel que j’eusse désiré qu’elles eussent passé plus avant dans mon cœur et dans mon âme. Car je n’eusse pas aimé à souffrir les choses que j’aimais à regarder : mais j’étais bien aise que le récit et la représentation qui s’en faisait devant moi m’égratignât un peu la peau, pour le dire ainsi, quoique ensuite, comme il arrive à ceux qui se grattent avec les ongles, cette satisfaction passagère me causât une enflure pleine d’inflammation, d’où sortait du sang corrompu et de la boue. Telle était alors ma vie : mais peut-on l’appeler une vie ? mon Dieu.

         

الفصل الثالث:

تطور المسرح الجزائري الحديث والمعاصر

عرف المسرح الجزائري تطورا ملحوظا في الزمان والمكان. وقد شهد هذا المسرح مجموعة من المراحل المتعاقبة منذ الفترة اللاتينية إلى يومنا هذا. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على وجود ذاكرة تاريخية دسمة طويلة لهذا المسرح، تمتد آثارها الجلية من تاريخ نوميديا الأمازيغية إبان التواجد الروماني، مرورا بمسرح خيال الظل في عهد الأتراك، وصولا إلى مرحلة تغريب المسرح الجزائري في مرحلة الاستعمار، والانتقال – بعد ذلك- إلى مرحلة التثبيت والتأسيس مع استقلال الجزائر ، وانتهاء بمرحلة التجريب والتأصيل في سنوات الثمانين والتسعين من القرن الماضي، وامتداد ذلك إلى غاية سنوات الألفية الثالثة.

إذاً، كيف تطور المسرح الجزائري بين الأمس واليوم في الفترة الحديثة والمعاصرة؟ وما مضامين هذا المسرح؟ وما خصائصه الفنية والجمالية والدراماتورجية؟ هذا ما سوف نراه في هذه المباحث التالية:

المبحث الأول: المرحلــــة التراثية الفطرية

عرف المسرح الجزائري فن المسرح في فترة تواجد الأتراك بالجزائر.ومن ثم، فقد تأثر هذا المسرح بفن الكاراكوز العثماني وفن الموشحات، كما في مسرحية (نزهة المشتاق وغصة العشاق في الترياق في العراق) لإبراهيم دانينوس في القرن التاسع عشر[33]. وهي مسرحية غرامية وتراثية تتأرجح بين الفصحى والعامية. كما عرف هذا المسرح مجموعة من الأشكال التراثية المرتبطة بالأتراك، كفن الحلقة، وفن المداح، والمقلداتي، والراوي، والحكواتي، ومسرح السامر ، ومسرح الحكي في الحوانيت والمقاهي والأسواق.علاوة على مسرح المهرجين الذي يثير الضحك، ويسلي الناس ويمتعهم بأحلى القصص والحكايات والمرويات التراثية…

ويعني هذا أن المسرح الجزائري بدأ تراثيا بامتياز. وفي هذا، يقول الباحث المغربي حسن بحراوي:” وفي الجزائر، انتشرت نماذج  من المسرح الشعبي القائم على التهريج وفن القراقوز ذي الجذور التركية إلى جانب مسرح المداحين ورواة السيرة الشعبية كعنترة ورأس الغول إلخ…

وفي كلا البلدين [يقصد المغرب والجزائر ] وجدت هذه الأشكال نهايتها بقرار من السلطات الاستعمارية التي رأت فيها تعبيرا فطريا يصعب ترويضه وجعله في خدمة أغراضها الاستيطانية.. واستعاضت عنه بالشكل المسرحي العصري الذي وضعت بنياته التحتية، واستجلبت من ينهض به من الممثلين الأفاقين.[34]”

لكن السلطات الاستعمارية الفرنسية منعت هذه الأشكال المسرحية التراثية التركية أو العثمانية لتعوضها بمسرح غربي أرسطي بعيد عن تقاليد المجتمع الجزائري وعاداته وأعرافه.

المبحث الثاني: مرحلــــة تغريـــب المسرح الجزائري

تبتدئ هذه المرحلة مع تواجد المستعمر الفرنسي في الجزائر.أي: من سنة 1830إلى سنة 1962م. ويعني هذا فترة زمنية تقدر بمائة واثنتين وثلاثين سنة . وهي فترة طويلة جدا مقارنة مع الفترة التي قضاها الاستعمار الفرنسي في المغرب وتونس. وتدل هذه الفترة أيضا على مرحلة تغريب المسرح الجزائري، والقضاء على الكراكوز العثماني، والخضوع للعلبة الإيطالية، والانسياق وراء المسرح الفرنسي الكوميدي الشعبي الساخر، على الرغم من زيارة بعض الفرق المصرية للجزائر سنة 1921م  كفرقة جورج أبيض- مثلا-. بمعنى أن المسرح الغربي ترك تأثيرا كبيرا في المسرح الجزائري على مستوى اللغة ، والتقنيات، والمضامين ، والرؤى، والفنيات الجمالية. وبالتالي، لم يتأثر المسرح الجزائري بالمسرح المصري الذي كان يستعمل العربية الفصحى ؛ لأن تلك اللغة كانت بعيدة عن الاستعمال والتداول والتدريس.لذلك، استعمل المسرح الجزائري اللهجة العامية في التبليغ وتوصيل الفرجة الدرامية إلى الراصدين الجزائريين، كما فعل علالو في مسرحيته (جحا).

وتأسيسا على ما سبق، يقول حسن بحراوي:” ويبدو أن جماهير البلدين (المغرب والجزائر) قد أدارت ظهرها لهذا النمط الحديث من العرض الفني لابتعاده عن فطرتها، ولارتباطه بأعوان الدولة الغازية، وخاصة لاستغراقه في موضوعات تبعد عن انشغالاتها وهمومها اليومية، كما أن الفرنسيين من جهتهم لم يبذلوا جهودا تذكر من أجل حفز الناس على ارتياد المسارح التي شيدتها لوجه الترويح عن جالية المعمرين في المقام الأول، فقد كانت العروض فرنسية اللسان، وتمتح في الغالب من ريبرتوار الكوميديا الشعبية الرخيصة؛ مما زاد في تغريبها عن زمرة الأهالي، وبادلوها تجاهلا بتجاهل..

ولذلك، كان من اللازم انتظار سنوات العشرين من القرن الماضي لتشهد ساكنة المغرب العربي، وفي مقدمتها الجزائر والمغرب، أول لقاء مباشر لها مع الفرجة المسرحية الحديثة ممثلة في العروض التي ستأتي بها الفرق المشرقية الجوالة..

وقد كانت زيارة فرقة جورج أبيض للجزائر سنة 1921، تلتها زيارة فرقة محمد عز الدين للمغرب سنة 1923، وفرقة حسن بنان وزوجته (1924) للمغرب كذلك..وقد حملت هذه الفرق الجوالة في جعبتها ألوانا من الأعمال المسرحية  المختارة، بين تراثية ومقتبسة، بالفصحى أو العامية، من تلك التي أكدت نجاحها في مصر السباقة عربيا إلى استقبال واحتضان هذا الشكل التعبيري الجديد على الذهنية العربية عموما، وغير المألوف للأمزجة المغاربية على وجه الخصوص..ومن بينها مسرحيات صلاح الدين الأيوبي لنجيب حداد، وروميو وجولييت لشكسبير ، والطبيب المغصوب لموليير..

ولم تكن عروض الفرق المشرقية الجوالة هاته أول لبنة  في ذاكرة المشاهدة المغاربية فحسب، وإنما كانت مثابة الشرارة الأولى التي ستقدح زناد الإبداع لدى شبيبة البلدين، وتساعدهما على الدنو من هذا العالم المجهول الذي ظلوا ينظرون إليه، دون أن يجرؤوا على اقتحامه، لولا أن شاهدوا أقواما من بني جلدتهم يتفننون  في تقديمه.”[35]

ومن ثم، تتميز المسرحيات الأولى التي قدمت أو كتبت بالجزائر بكونها “تمثيليات بسيطة البناء، وذات طابع تربوي تهذيبي، وعلى درجة متواضعة جدا من الناحية الأدبية والفنية…”[36]

وإذا كان المسرح المغربي قد انطلق في سنة 1923م مع  قدماء تلاميذ ثانوية مولاي إدريس بفاس[37] الذين مثلوا مجموعة من النصوص المسرحية ، ومنها مسرحية ( صلاح الدين الأيوبي)، و هذا النص المسرحي من تأليف الأديب اللبناني نجيب الحداد سنة 1893م، فإن أول عرض مسرحي بالجزائر كان في 12أبريل 1926م، عندما عرضت مسرحية (جحا)[38] لسلالي علي(علالو)، وهي كوميديا في ثلاثة فصول،  وأربعة مشاهد.

هذا، وقد تأسست جمعيات وفرق مسرحية في الجزائر هنا وهناك، كجمعية المهدية التي تأسست سنة 1921م، وجمعية التمثيل العربي التي ظهرت سنة 1922م…

ويمكن الحديث عن فترة تأسيسية أولى للمسرح الجزائري في ظل فترة الاستعمار، وقد تشكل هذا المسرح مع مجموعة من الرواد أمثال: علالو ، ورشيد القسنطيني، ومحيي الدين باشطرزي…الذين تناولوا  مواضيع اجتماعية وواقعية بنبرة الغناء والفكاهة، مع توظيف العامية الجزائرية.

ومن جهة أخرى، يمكن الحديث عن المسرح التربوي التعليمي الذي كان يتكئ على اللغة العربية الفصحى، واستلهام الذاكرة التراثية والتاريخية في تناول المواضيع المسرحية. وقد تحقق هذا مع مجموعة من كتاب جمعية العلماء المسلمين بعد الحرب العالمية الثانية، أمثال: البشير الإبراهيمي، ومحمد العيد آل خليفة، وأحمد رضا حوحو، ومحمد الصالح رمضان، وأحمد بن ذياب… وقد اهتم هؤلاء الكتاب المسرحيون بالمواضيع الدينية، والواقعية، والاجتماعية، والأخلاقية، والتربوية، والتاريخية . كما يبدو ذلك جليا عبر  عناوين المسرحيات التالية: بلال بن رباح، و صنيعة البرامكة، و الناشئة المهاجرة، و المولد…

وبناء على ما سبق، لم ينطلق المسرح الجزائري فعليا إلا مع بعض الشخصيات المسرحية اللامعة، مثل: ” رشيد  القسنطيني الذي برز  بشخصية  ساخرة استحق عليها اسم شابلن الجزائر، وعكس في تمثيلياته نماذج من الحياة اليومية للجزائريين تحت الاحتلال، وأضحكهم على فساد واقعهم…ومثله فعل المسرحي علالو الذي كتب مسرحيات عامية مستمدة من التراث العربي (جحا 1926) في محاولة لتقريب وقائعها من الحياة المعيشة لمواطنيه. وفي الوقت نفسه، فضح ما يعانونه من أزمات..

كما اتجه الممثل والكاتب الرائد محيي الدين بشطارزي إلى وجهة أخرى قوامها المسرحية ذات الأطروحة الأخلاقية التي كان يهدف من ورائها إلى ترسيخ الهوية العربية الإسلامية لدى المواطن الجزائري،  ولفت انتباهه إلى المفاسد والنقائص التي تخدش كرامته، وتعكر حياته ( مثل إدمان الخمر ، والاتجار بالدين، وتعدد الزوجات…)”[39]

وهكذا، يتبين لنا أن المسرح الجزائري دخل مرحلة التغريب والاستلاب بتأثره المباشر بالمسرح الغربي، ولاسيما الفرنسي منه. وبعد ذلك، غدا يؤسس مسرحه اعتمادا على مقاييس المسرح الأرسطي، ووفق تعاليم المسرح الغربي وبناياته المشهدية المغلقة.

المبحث الثالث: مرحلة تأسيس المسرح الجزائري وتثبيته

بعد استقلال الجزائر سنة 1962م، تأسس المسرح وفق رؤية الدولة الحاكمة التي تبنت السياسة الثورية الاشتراكية. لذلك، ربطت المسرح بالتكوين، والتـأهيل، والـتأطير، وتشييد قاعات المسرح، وتحويل المسرح إلى أجهزة وأنشطة جهوية، والاهتمام بالمسابقات المسرحية المحلية والجهوية والوطنية والعربية والدولية. وقد تأسست وزارة الثقافة الجزائرية التي تعنى بشؤون المسرح مؤسساتيا، وإداريا، وماديا، وماليا ، وبشريا، وفنيا، وإعلاميا.ومن هنا، فقد تأسس المسرح الجزائري على أكتاف مجموعة من المبدعين والفنانين والكتاب والمخرجين الجزائريين، كمصطفى كاتب الذي انشغل كثيرا بالمسرح العمالي، وعبد الرحمن كاكي الذي اهتم اهتماما كبيرا بالتراث الشعبي.

وعليه، يعد كاتب ياسين من أهم المبدعين المسرحيين الجزائريين الذين فكروا في التحرر من البناية المسرحية الغربية الضيقة، بالتحرر من مكوناتها المكانية، سواء أكانت كلاسيكية أم كانت حداثية.

وقد انفتح على التراث العربي الشعبي الأصيل بغية إيجاد مسرح عربي قالبا وبناء وتشكيلا، بهوية حقيقية تأسيسا وتأصيلا وتجريبا. ومن هنا، فقد كتب كاتب ياسين عن الثورة الجزائرية باللغة الفرنسية ، ولاسيما في مسرحياته:( نجمة)، و(الجثة المطوقة)، و( سحابة دخان ) ، و( محمد خذ حقيبتك). وهذه المسرحية سبق أن مثلتها فرقة مسرح البحر بوهران.

ويتسم مسرح كاتب ياسين بالارتجال والميتامسرح، وتشغيل الفكاهة الشعبية، والاستفادة من المسرح البريختي. وبالتالي، يمتلك كاتب ياسين تصورات احتفالية شعبية ارتبطت بمسرحه الاحتفالي الشعبي في بلعباس بالجزائر. كما يتضح ذلك جليا في مسرحيته المشهورة ( 2000) ذات الطابع الاحتفالي الشعبي. فضلا عن توظيفه لشخصية جحا في مسرحية (سحابة دخان أو أبو دخان)، أو مسرحية( مسحوق الذكاء). وتتميز هذه المسرحية بالانفتاح على الفضاءات الشعبية المفتوحة ، ولاسيما الفضاءات العمالية ، كما كان يفعل المخرج المغربي الطيب الصديقي في مدينة الدار البيضاء بغية تقريب المسرح من الجماهير الشعبية، أو ما يسمى كذلك بظاهرة المسرح الجوال.

 وهكذا، ففي ” فرقة ” المسرح والثقافة” الجزائرية الشابة، يجعل كاتب ياسين من بطل الحكايات العربية جحا محور مسرحيته( مسحوق الذكاء). وقد انتقلت أحداث المسرحية إلى الواقع المعاصر، إلى مصنع لتكرير البترول بين تركيبة من الديكورات المعدنية المعقدة، حيث يبدأ العمال بإخراج مسرحية كاتب ياسين، وبينما هم يقومون بتوزيع الأدوار، ينضم إليهم جحا بشكل غير متوقع، ويتدخل في إيقاع الحياة العمالية وفي عملية الإنتاج، وبالطبع يتدخل في إخراج العرض كذلك. العمال الذين حلوا محل الجوقة في المسرحية بملابسهم البرتقالية العمالية الموحدة، انسجموا مع جحا في برنسه القاتم الذي يمثل الملابس العربية التقليدية خارج حدود الزمن.”[40]

وهكذا، نصل إلى أن كاتب ياسين قد جرب مجموعة من الأشكال المسرحية التي كانت تتأرجح بين القالب الغربي والقالب العربي الاحتفالي، من خلال الانزياح عن العلبة الإيطالية، واستثمار معطيات الفضاءات المفتوحة ذات البعد التراثي والشعبي الجماهيري.

أما عبد الرحمن كاكي، فقد وظف فضاء الحلقة والمداح ضمن رؤيته التراثية التأصيلية. وفي هذا السياق، يقول الباحث الجزائري الشريف الأدرع:” يعد عبد القادر ولد عبد الرحمن الملقب بكاكي من أهم المسرحيين الجزائريين الذين جربوا مجموعة من الأشكال المسرحية الغربية والعربية على حد سواء، إن تجريبا وإن تأصيلا. وقد استوعب عبد الرحمن كاكي مجموعة من التجارب المسرحية العالمية ، كانفتاحه على مسرح اللامعقول، ومسرح العنف، ومسرح بريخت، وكوميديا دي لارتي، ومسرح المداح والحكواتي، و مسرح الحلقة…

وقد ركز ولد عبد الرحمن كاكي كثيرا على فن الحلقة، كما في مسرحيته(أفريقيا قبل العام الأول) ، حيث تأثر فيها” بشكل الحلقة مع توظيف الأسلوب البريختي، ومشاكلته لتقاليد الحكواتية لدى العرب”[41].

ويعني هذا أن عبد الرحمن كاكي قد حاول جادا التخلص من ضيق العلبة الإيطالية، بالانفتاح على فضاءات ميزانسينية وسينوغرافية مفتوحة، كما فعل تلميذه عبد القادر علولة. وفي هذا الصدد، يقول الشريف الأدرع:” كل هذا ينجز في حلقة، ومن هنا إطلاق” مسرح الحلقة” على عرض المداح وفنه عموما، نظرا للشكل السينوغرافي للعرض الذي يكون بحسب تجمع المستمعين- المتفرجين، وهو إما أن يكون حلقيا، أو يشبه حدوة حصان.الشيء الذي يعني عدم الخضوع إلى المنظور مصدر التماهي في المسرح ذي الخشبة الإيطالية. وبذلك، يعلن الحاكي بمسرحه ومن خلال فنه عن نوع، المحاكاة فيه مضادة للمحاكاة.”[42]

ومن جهة أخرى، فقد قدم عبد الرحمن كاكي مسرحية تراثية أخرى بعنوان( ديوان القاراقوز)،على غرار مسرحية( ديوان عبد الرحمن المجذوب) للمخرج المغربي الطيب الصديقي، مستعملا فيها المنهج البريختي، والسينوغرافيا الميتامسرحية،مع استدعاء فن الحلقة ومداح الساحات العمومية[43]. وهذا، ما نراه كذلك جليا في مسرحيته( القراب والصالحين) التي تحدثت عن خرافة الأولياء الثلاثة والمرأة العمياء التي كان يقصها المداحون في الأسواق. ويلاحظ أن كاكي قد اشتغل، في هذه المسرحية التأصيلية، على المنهج البريختي، وتوظيف المداح، وتشغيل الفضاء الدائري الشعبي.

وعلاوة على ذلك، يمكن القول بأن الفنان المسرحي الجزائري  عبد الله ولد كاكي كان يستعمل بكثرة الفضاء التراثي، بتشغيل خيال الظل، واستعمال الستار الكاشف على مستوى السينوغرافيا والميزانسين، كما في مسرحيته الاحتفالية( قاراقوز) التي قال عنها أمين العيوطي:”ولم يكن خيال الظل بأقل حظا من كل تلك الأشكال، وهي الشكل الذي يقوم على تمثيل المخايلين بالصوت لشخوصهم الظلية التي يحركونها من وراء الستار، ويعتمد على عرض نماذج تربطها قصة بسيطة، وتعتمد على المهازل والأساطير الشعبية وألف ليلة وليلة. كان هذا هو الشكل الذي بعثه من جديد عبد الله ولد كاكي في الجزائر في مسرحية(كراكوز).”[44]

وعليه، يعد عبد الرحمن كاكي من المسرحين الجزائريين الأوائل الذين فكروا في التحرر من البناية المسرحية الغربية الضيقة، باستبدالها بفضاءات شعبية عامة مفتوحة ودائرية، مع الاشتغال على التراث العربي المحلي، باستخدام تقنيات درامية عربية أصيلة، وتمثل المنهج البريختي على مستوى تقديم الفرجة وتأثيث العرض، والتواصل مع الجمهور[45].”

ولم يقتصر تأسيس المسرح الجزائري على مصطفى كاتب وعبد الرحمن كاكي فقط، بل تعدى ذلك إلى أحمد عياد المعروف برويشد وأعضاء فرقة مسرح البحر التي كان يمثلها قدور النعيمي.

 المبحث الرابع: مرحلة التجريب والتأصيل

 تعد هذه المرحلة أهم مراحل المسرح الجزائري التي تزامنت مع سنوات الثمانين والتسعين من القرن الماضي وسنوات الألفية الثالثة. وقد تميزت هذه المرحلة بالتجريب والتأسيس والتأصيل، والبحث عن مسرح عربي أصيل وفق الرؤية الاحتفالية أو العيدية أو التراثية. لذلك، عمد عبد القادر علولة إلى مسرح القوال القائم على فن الحلقة، وتوظيف الاحتفالية الشعبية، وتمثل المنهج البريختي، والاتجاه نحو المسرح الواقعي الاشتراكي، والاستعانة بالفضاء المسرحي المفتوح على غرار فضاء فرقة مسرح البحر.

ومن المخرجين المسرحيين الذين استفادوا من آليات التجريب زياني الشريف عياد كما في مسرحيته (قالوا العرب قالوا). وقد قاربها عبد الرحمن بنزيدان، في كتابه (أسئلة المسرح العربي)، في ضوء الرؤية الواقعية الاجتماعية.وفي هذا الصدد، يقول الباحث:” انطلقت كتابة هذه المسرحية في نص (المهرج) للماغوط، حيث مارس المخرج الجزائري زياني الشريف عياد التقطيع والتوليف وإعادة إنتاج إرساليات نص الماغوط وفق مستجدات الحياة العربية ، وتمشيا  مع النهج السياسي، ومع قناعات فرقة المسرح الوطني الجزائري، والتي  بلورها المخرج نفسه عندما طرح عليه السؤال التالي: لماذا (قالوا العرب قالوا)؟” ، فأجاب” اختيار مسرحية تدخل في انشغالات مجتمعنا في الوقت الراهن، في محاولة لطرح السؤال، والتجاوب مع هذه الانشغالات  التي يجب أن تكون في مفهومها العام جماعية…وليست هذه الانشغالات محددة في إطار معين، عليها أن تكون ذات بعد إنساني عام. جاءت بعد الحوادث التي طرأت على لبنان إثر الغزو الإسرائيلي في هذا البلد خاصة لما تم الحصار على بيروت.كنا ننتظر رد فعل جماعي من طرف البلدان العربية، كنا ننتظر ذلك كمواطنيين عرب بما يتطلب ذلك من الانتماء إلى الوطن العربي كعربي بشكل خاص، وكإنسان بشكل عام، السكوت الرهيب- في تلك الفترة- أحدث زعزعة بين جميع المثقفين الذين يهمهم مصير الشعوب العربية بصفة عامة…في هذا الباب وكفنان أؤمن بالحرية من خلالها حاولت أن اقتبس موضوع(المهرج) لمحمد الماغوط، لكني أدخلت عليه العديد من التعديلات”.

هذا المنظور الذي قدمه المخرج الجزائري كان في حقيقته تمهيدا لتهيئة المتلقي العربي لتقبل صدمة الواقع الذي ستقدمه فرقة جوالة تقدم عروضا أمام المقهى، وفي الأسواق والأحياء الشعبية، الفرقة التي لاتتقيد بنص ولابشكل، وهكذا تستطيع – مثلا- أن تقدم عطيل ” حسب رؤيتها ونزولا  عند رغبة المتفرجين..””[46]

ومن هنا، تعكس مسرحية (قالوا العرب قالوا) الواقع العربي بكل أزماته السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والحضارية. وتعبر عن انبطاح الإنسان العربي، وتمزق الوحدة العربية، وذلك كله في ضوء الرؤية الواقعية الاشتراكية. وفي هذا، يقول الباحث عبد الرحمن بنزيدان:” وإذا كان هذا المدخل يعتبر أساسيا في قراءة مسرحية (قالوا العرب قالوا) ، فإن زياني الشريف عياد وعزالدين مجوبي قاما بإبداع النص برؤية جديدة تتساوق والواقعية الاشتراكية كاختيار سياسي وفني وفكري للفرقة، لقد أعادا إنتاج النص بأدوات فنية قائمة على الأغنية الشعبية والموال، والحركات التعبيرية ، والنكتة اللاذعة لنقد السياسة العربية الحالية القائمة على التفكك في مجال التخطيط، والهشاشة في المواقف، والتراجع أثناء مواجهة العدو.

يعتمد العرض المسرحي على وضعنا داخل الجو العربي بأهازيج شعبية وأغان تلتقي في البكاء والرومانسية المريضة والتواكلية في زمن حدده المخرج بطلوع الفجر، وبداية الحركة في المقهى التي ستكون مكانا تجري فوقه أحداث المسرحية في فصولها الأولى، هذا المكان الذي سيصبح الماضي والقوة فيما فات، والضعف والوهن في الآن.”[47]

وينتهي تحليل الباحث بتأويل سوسيولوجي للمسرحية على أساس أنها تعكس واقع الأمة العربية المحبط، بمرارته الفظة، وهشاشته المأساوية المأزومة.وفي هذا، يقول الباحث:”  إن مسرحية (قالوا العرب قالوا) تضطلع بمهمة نقد حالة الاستسلام المسيطرة على بعض الحكام العرب الذين غابت  عنهم الحمية الدينية والنخوة العربية والشعور بالمسؤولية .إنه انعدام الغيرة ” الغيرة اللي محاوها العرب من القاموس” كما تقول المسرحية.

إن ضياع الأندلس، فلسطين، وعقد اتفاقية كامب ديفيد، والمسألة اللبنانية، ومحاكمة الواقع العربي الراهن، وتعرض المواطن العربي للقهر والإذلال، وملاحقة الشرطة والمخابرات والمباحث له إشكالية حقيقية للمجتمع العربي طرحته الفرقة الجزائرية عندما تعاملت مع التراث العربي والإنساني.فمن هارون الرشيد، وتصارع الأمين والمأمون حول السلطة، إلى صقر قريش-عبد الرحمن الأموي- ومن الحياة الواقعية إلى الحلم والفنطازي في نقد الواقع   وتعريته.

لقد وضعتنا المسرحية داخل المأساة العربية، وجعلتنا ندرك بالشكل الفني العربي أننا أمام فرجة وظفت اللغة العربية الفصيحة واللهجة الدارجة وبعض الكلمات الفرنسية لخدمة النص كبنية متكاملة لم تبق متقيدة بنص الماغوط في مسرحيته (المهرج)، لأنها أعادت إبداعه من خلال القوالة المطربة، المسؤول الإسباني البائع والجوقة والقهواجي، وفي هذه الأشكال والشخصيات تأكيد على وجود هم حضاري عربي  طرحته الفرقة الجزائرية من خلال الخطاب السياسي المباشر.”[48]

وهكذا، يتبين لنا أن عبد الرحمن بنزيدان قارب مسرحية (قالوا العرب قالوا) من وجهة النقد الاجتماعي، بربط المسرحية بعالمها الواقعي التراجيدي الذي تغيب فيه الوحدة العربية الحقيقية، ويغيب فيها كذلك الفن الملتزم بقضايا الأمة.

و مازال المسرح الجزائري إلى يومنا هذا مهتما بالتجريب والتأصيل من ناحية، والانفتاح على النظريات المسرحية الغربية من ناحية أخرى. ومن هنا، فقد عرض مسرح سيدي بلعباس بالجزائر، ضمن المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر العاصمة ، في دورته الخامسة، في شهر ماي  سنة 2010م، مسرحية ( شظايا نجمة ) ، وهي من تأليف كاتب ياسين، وإخراج حسان غسوس. فلقد اشتغل المخرج على السينوغرافيا الكوريغرافية، بالتركيز على فرجة الأجساد والوجوه والمرايا التي كانت تنقر جميعها على إيقاع الموت والحياة، بتوظيف أسطورة نجمة الدالة سيميائيا على الهوية والتضحية والجذور الوطنية. وتطرح المسرحية قضية شعب يتحدى سلطة الموت والاجتثاث ليدافع عن حقه في الوجود. لذا، ينبعث من العدم من جديد بفعل القوة والرغبة والإرادة. وتحيلنا هذه السينوغرافيا الكوريغرافية على مدى انشغال المخرج بمنهج كروتوفسكي في تكوين الممثل السامي، وتمثل منهج جاك ليكوك في تطويع الجسد الفيزيائي، والتأثر بماييرخولد في الاستفادة من الحركات البلاستيكية الآلية.”[49]

ومن جهة أخرى، قدمت فرقة مسرح التاج لمدينة بوعريريج بالجزائر مسرحيتي ( الزهاد) و(جحا) في فضاءات شعبية مفتوحة، في إطار ما يسمى بمسرح الشارع، أو المسرح الجوال.

وإذا أخذنا على سبيل المثال مسرحية( جحا) للمخرج ربيع قشي، فإنها تقدم طباع شخصية جحا. وبالتالي، تستعرض فرجة تراثية تتمحور حول هذه الشخصية التراثية المثيرة للخيال والتخييل. وقد تنوولت كثيرا في السرود والمسرحيات العربية؛ لما لهذه الشخصية من إيحاءات رمزية في الثقافة الشعبية لدى الإنسان العربي بصفة عامة، والإنسان الجزائري بصفة خاصة. ومن ثم، فقد عرضها المخرج ربيع قشي في فضاءات مفتوحة ، وخاصة في شوارع المدن وطرقات القرى ، فكان الناس يتحلقون حول هذه الفرجة، فينبهرون بمشاهدها الفكاهية والساخرة. كما كان الممثلون يلبسون ثيابا مزركشة؛ مما جعل هذه المسرحية تقترب، بشكل من الأشكال، من الكوميديا المرتجلة أو الكوميديا دي لارتي من جهة، ومن مسرح الشارع من جهة أخرى.

أما المسرحية الثانية( الزهاد) ، فتتمحور حول ثنائية الخير والشر، باستيحاء قصة فاوست والشيطان. وقد قدمت هذه المسرحية في فضاء شعبي مفتوح يتمثل في قلعة المدينة. وتتخذ المسرحية طابعا فرجويا طقسيا. وبهذا، تكون فرقة مسرح التاج من أهم الفرق الجزائرية التي كسرت نمط الفضاء التقليدي الذي كان يرتكن إلى فضاء العلبة الإيطالية بجدرانها الأربعة.

المبحث الخامس: من المسرح المدرسي إلى مسرح الأطفال:

نشط مسرح الأطفال كثيرا في الجزائر منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وبالضبط إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر. فقد ألف محمد العيد آل خليفة مسرحية( بلال) سنة 1938م التي تعد أقدم نص مسرحي وصل إلينا من تلك الفترة. وهناك مسرحيات أخرى كتبها كل من: الأستاذ محمد الصالح رمضان كمسرحيته(  الناشئة  المهاجرة)، ومسرحية(الخنساء) ، ومسرحية ( مغامرات كليب) . وثمة مسرحيات أخرى كتبت، ما بين الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي ، من قبل  أحمد رضا حوحو وأحمد بن ذياب…

لكن مسرح الأطفال بالجزائر قد نشط بعد الاستقلال مباشرة، وبالضبط في سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين،  ليعرف – بعد ذلك- نوعا من التراجع  والركود والكساد مع سنوات الألفية الثالثة لأسباب ذاتية وموضوعية.

ولكن لابد أن نشير إلى أن مسرح الأطفال بالجزائر – في الحقيقة- كان ينحصر ميدانيا في المسرح المدرسي، والمسرح التعليمي، والمسرح القرائي، ومسرح الدمى والعرائس، والمسرح الاستعراضي… وهذا معروف بشكل جلي وواضح في الجزائر،منذ أن ظهرت مؤسسة المدرسة التعليمية إبان الفترة الاستعمارية الفرنسية. إذ كانت المسرحيات الطفلية تقدم في البداية باللغة الفرنسية، فانتقلت إلى اللغة العربية ، ثم إلى اللغة الأمازيغية[50].

وخلاصة القول، لقد عرف المسرح الجزائري، من حيث نشأته وتطوره، مجموعة من المراحل في الفترة الحديثة والمعاصرة. وبالتالي، فقد فكر  المسرح الجزائري بدوره، كما فعل المسرح المغربي والتونسي من قبل، في التحرر من جدران العلبة الإيطالية المغلقة، بالانفتاح على فضاءات مسرحية جديدة، سواء أكانت مرتبطة بشاطئ البحر أم بفن المداح والحلقة،   أم مرتبطة بالمعامل والمصانع، أم بالشوارع والقلع . بيد أن ما ينقص هذه التجارب الفضائية الطليعية بالجزائر أنها تفتقد إلى صياغة النظريات والتصورات النسقية الجمالية في شكل بيانات وأوراق تنظيرية، كما يتبين ذلك بوضوح وجلاء في المسرحين: المغربي والتونسي.

الفصل الرابع:

مسرح البحــــــر والفضاء المفتـــوح

عرفت الجزائر بعض النظريات والبيانات والرؤى المسرحية، سواء أكان ذلك على  مستوى التصور الفكري والذهني  أم على مستوى التطبيق والتشغيل الركحي والممارسة السينوغرافية. ومن بين هذه النظريات والتصورات المسرحية المعروفة في الجزائر نظرية ( مسرح البحر)، ونظرية ( مسرح القوال) لعبد القادر علولة.

المبحث الأول: مسرح البحر والمسرح الشعبي

ظهرت فرقة مسرح البحر الجزائرية بوهران في الستينيات من القرن الماضي مع مؤسسها قدور النعيمي . و قد اهتمت هذه الفرقة بالفرجة القديمة، وتوظيف الحلقة ، والخروج إلى الفضاءات المفتوحة كالبحر. كما كانت تبحث عن هوية المسرح العربي تأسيسا وتأصيلا، من خلال محاربة التغريب والاستلاب والمسخ الأجنبي لمسارحنا العربية، بتقييد العروض المسرحية بالعلبة الإيطالية والقالب الأرسطي.

لكن المستشرقة الروسية تمارا ألكسندروفنا بوتينتسيفا ، في كتابها القيم(ألف عام وعام على المسرح العربي)، ترى أن الفرقة ظهرت في سنة 1968م، حيث تقول:” إن مجموعة من شباب مدينة وهران تركوا في صيف عام 1968م، العمل والأسرة والبيت، وكل ما ليس له علاقة مباشرة بالقضية التي يحبونها ، ووهبوا أنفسهم لإنشاء مسرح ثوري شعبي معاصر سواء من حيث الشكل أو المضمون. وتم إعلان هذا في بيان خاص. ويقضي أعضاء الفرقة ساعات متواصلة كل يوم في تثقيف الذات والبروفات والعروض وما يتعلق بها من أمور تنظيمية.”[51]

ويعني هذا أن أعضاء مسرح البحر أصدروا بيانا تأسيسيا يعرف بمرتكزات هذا المسرح الجديد. وبهذا، يكون بيان مسرح البحر الذي ظهر في أواخر الستينيات أول بيان مسرحي مغاربي في اعتقادنا الشخصي. لأن معظم البيانات المسرحية المغاربية قد ظهرت في السبعينيات من القرن الماضي. وكان أول بيان مسرحي لعبد الكريم برشيد الذي يسمى بالبيان الاحتفالي في سنة 1979م. أما  البيانات العربية التي تتعلق بمسرح المقلداتي مع توفيق الحكيم ، ومسرح السامر مع يوسف إدريس ،  فقد ظهرت بالضبط  في فترة الستينيات من القرن العشرين.

ومن المسرحيات التي قدمها مسرح البحر( جسمي وصوتك وفكره)، وتتناول المسرحية استرجاع عملية تكون الشخصية الإنسانية من فترة ما قبل التاريخ إلى يومنا هذا. وثمة مسرحية أخرى( قيمة الاتفاق). وهي مسرحية سياسية بامتياز، تتحدث عن الثمن الغالي الذي تدفعه الشعوب المستضعفة من أجل تحقيق السلم والسلام والتعاون والاتفاق.

 إذاً، ما الأصول النظرية لمسرح البحر؟ وما  موقفها من التراث؟ وما آليات الاشتغال على الذاكرة الموروثة؟

المبحث الثاني: الأصول النظرية الفكرية والجمالية

من المعلوم أن ( مسرح البحر)  نظرية مسرحية،  مادامت الفرقة قد أصدرت بيانا تنظيريا ينصب على مكونات المسرح الفكرية والفنية والجمالية . ويعد هذا المسرح ممارسة ركحية مشهدية. ولو فرضنا أن فرقة مسرح البحر لم تصدر بيانها التأسيسي ، لاعتبرنا ممارستها المسرحية بمثابة نظرية، مادامت قد جربت أشكالا درامية جديدة، وبحثت كذلك في مكنون الفرجة الشعبية الموروثة لتأسيس مسرح عربي جديد وأصيل.

ويعتمد مسرح البحر على مجموعة من المبادئ والمرتكزات الذهنية والجمالية. ويمكن تحديدها في العناصر التالية:

u الخلـق الجماعي: يعتمد مسرح البحر على الخلق الجماعي. ويعني هذا أن العرض المسرحي يشارك فيه الكل خلقا وإبداعا وارتجالا، فيتم بناء العرض تأليفا وتمثيلا وإخراجا وتأثيثا على غرار التجربة الاحتفالية المغربية.

v الارتجال: مادام مسرح البحر يعتمد على الخلق الجماعي، ومشاركة الكل في بناء العرض المسرحي. فيعني هذا أن العرض المسرحي يتم بطريقة ارتجالية عفوية وتلقائية وفطرية. فيبقى العرض المسرحي قابلا للحذف والامتلاء من قبل الجمهور.

w البحث عن قالب مسرحي عربي : يهدف مسرح البحر الجزائري إلى البحث عن قالب درامي جديد، يتلاءم مع هوية الإنسان العربي وكينونته وأصالته تجريبا وتحديثا وخلقا ، على غرار المسرح الصيني والهندي والياباني والفيتنامي والإفريقي. ومن ثم، يقطع هذا المسرح العربي الأصيل صلته التامة بالمسرح الغربي، وقالبه الأرسطي، وعلبته الإيطالية.

x الخروج إلى فضاءات مفتوحة: يعلن مسرح البحر الجزائري انعتاقه من الفضاءات المغلقة التي تخنق المسرح العربي كالعلبة الإيطالية، مع إلحاحه على السفر بالفرجة الدرامية  نحو البحر ، والأسواق الشعبية، والساحات العمومية،  والمواسم الدينية، والفضاءات المفتوحة  اقترابا من الشعب والجماهير الشعبية من فلاحين، وعمال، وتلاميذ، وطلبة … ” ولم يأت اختيار الاسم صدفة. إذ لم يكن لفرقة الشباب هذه بناء خاص بها، وكانت تقدم عروضها بالفعل على شاطئ البحر. لقد كان بإمكان هؤلاء الشباب التمثيل في أي مكان يجتمع فيه المتفرجون”.[52]

y الروح الجماعية: يستند مسرح البحر إلى تعاون الجميع، وتمثل الروح الجماعية، والالتزام بتطبيق المقاربة الديمقراطية في الحوار والتشكيل وبناء العرض المسرحي، والاستفادة من النقد البناء والفعال.

z مبدأ الحلقة: اعتمد مسرح البحر على مبدإ الحلقة،” حيث كان المتفرجون يجتمعون حول مكان الفعل، ويشاركون فيه بأنفسهم، وقبل كل عرض، كان يجري شرح قواعد اللعبة للحضور. وكان إعداد عروض مسرح البحر يجري بشكل يدخل فيه الممثلون مرات عدة في حوار مع المتفرجين، يسألونهم النصيحة، ويطلبون منهم الدعم والمؤازرة، ويطرقون سوية أبواب الجدل والنقاش حول ما يعرضون. وهذا لا يحتاج إلى خشبة مسرح وصالة للمتفرجين. المتفرج- المشارك، يجب أن يكون قريبا من مكان الفعل. كما أن الديكورات البسيطة، وأجهزة الإضاءة، والعدة، وجهاز التسجيل، والفانوس السحري، كلها متنقلة وجاهزة على الدوام.”[53]

{ الرؤية الاحتفالية: يعتمد مسرح البحر على توظيف الإخراج الدائري بتوظيف الحلقة، واستعمال الفضاء الدائري الذي يجمع المتفرج بالممثل، واستغلال الموروث الشعبي والفرجة الماقبل مسرحية كالدمى وخيال الظل… وبهذا، يقترب مسرح البحر من المسرح الاحتفالي تشكيلا ورؤية وأداء وقالبا.

| المزاوجة بين المسرح الفقير والإخراج البريختي: يرتكن مسرح البحر إلى توظيف تقنيات إخراجية بسيطة على مستوى الديكور والسينوغرافيا، واستعمال لغة شعبية بسيطة متلونة الذاكرة والأداء والتعبير. كما يلتجئ مسرح البحر إلى تكسير الجدار الرابع ، والانطلاق من تقنيات التغريب والإبعاد.

المبحث الثالث:  موقف مسرح البحر من التراث

من المؤكد جدا أن ( مسرح البحر) الجزائري يتعامل مع التراث والذاكرة الشعبية الموروثة بطريقة إيجابية ووظيفية. فقدور النعيمي ؛ زعيم هذه التجربة المسرحية الجديدة، يدعو إلى مسرح عربي ذي هوية حضارية وخصوصية ثقافية وفرجوية تميزه عن باقي المسارح الشرقية والغربية، فيقول :” إن المسرح ذاته ليس صيغة واحدة هي الصيغة التي استوردها العرب من الغرب في أواسط القرن الماضي.هناك مثلا مسرح الكابوكي والـ” نو” اليابانيان، وهناك الأوبرا الصينية، والمأساة الإغريقية، والكوميديا ديلارتي الإيطالية، والمسرح الغيني والفيتنامي. فلماذا لا يكون للعرب، بدورهم، شكلهم الروحي الخاص؟”[54]

وما يلاحظ على هذه الفرقة المسرحية أنها كانت تتعامل مع التراث بطريقة هادفة بناءة ، مع استعمال أسلوب الخلق الجماعي، وإشراك الكل في إخراج المسرحية وتأليفها وتشخيصها من أجل تجاوز الأشكال المسرحية السائدة والمألوفة، ولاسيما الأشكال الدرامية  الغربية ذات القالب الأرسطي . وكانت تعتمد على  كتابة مسرحية تمتح من التراث، لكن بصياغة معاصرة تواكب لحظات الواقع . وفي هذا الصدد، يقول قدور النعيمي:” لقد أعربنا منذ أن تكون ” مسرح البحر” ، عن رغبتنا في أن نعمل في اتجاه كتابة مسرحية تخرج عن الدروب المألوفة والأشكال المجترة التي يجهزها آخرون… وأن ننطلق من الكتابة القديمة، لننحت منها كتابة جديدة”.[55]

ثم يمضي قدور النعيمي موضحا تجربته المسرحية الجديدة:” إن المحاولات الثلاث الأولى لفرقته تمت بأسلوب الخلق الجماعي ، وأن الفرقة لم تتبن هذه الطريقة ، لأنها موضة أو لرغبة في الإنتاج المجاني. لقد وجدت أن هذا الأسلوب هو الوحيد المؤدي إلى إثراء العمل الفني لأنه يعتمد الروح الجماعية والتعاون الكامل بين الفنانين. وعلاوة على هذا ، فإن فرقة مسرح البحر تشجع الأفراد من خارج الفرقة على حضور التدريبات، وتدعوهم إلى إبداء آرائهم، فإن وجدت وجيهة، أدمجتها في إنتاجها، بل إن مشهدا معينا في مسرحية( قيمة الاتفاق) ، هو مشهد الامتحان، قد ألفه بحذافيره أحد المتفرجين”[56].

ومن أهم تجليات النزعة التراثية في مسرح البحر توظيف الحلقة ذات التركيب الدائري باعتبارها فرجة جزائرية شعبية معروفة في الساحات العمومية والأسواق الشعبية. والمقصود من هذا هو رغبة التخلص من العلبة الإيطالية ، واستبدال الإخراج العمودي بالإخراج الدائري لخلق تلاحم احتفالي وجداني بين الممثل والمشاهد. دون أن ننسى أن فرقة مسرح البحر كانت تلتجئ إلى الديكور البسيط واللغة المسرحية البسيطة والمألوفة والمباشرة لتحقيق التواصل والإبلاغ، فتترك بذلك بياضات ليملأها المتفرج المشاهد.

علاوة على ذلك، كان مسرح البحر يتعامل مع التراث  وفق رؤية احتفالية شعبية. إذ ” يحاول الممثلون بكل حماسهم العارم إشراك المتفرجين بشكل مقصود، إنه حماس يأخذ أحيانا طابع النشوة الروحية، وإن الجمع بين الإيقاعات الموسيقية والمؤثرات الضوئية، والتمثيل الصامت ، والألعاب البهلوانية، والرقص، والغناء، والعرض السينمائي، وعناصر مسرح الدمى وخيال الظل، كل هذا يخلق فرجة لا مثيل لها. وتعد هذه الفرجة بالاعتماد على أبسط الوسائل، إذ إن طبيعة هذا المسرح لا تسمح له بالاعتماد على آلية معقدة، فهو يفتقد حتى إلى القاعدة المادية البدائية.”[57]

وبهذا النوع من الاشتغال على التراث ، يمكن أن ندرج مسرح البحر ضمن النظريات المسرحية العربية التي حاولت تأصيل المسرح العربي، وتأسيسه مضمونا وقالبا ومقصدية.

المبحث الرابع:  آليات الاشتغال على التراث

استعمل مسرح البحر مجموعة من التقنيات والآليات في التعامل مع التراث. ومن بين هذه الآليات: آلية الاحتفال، وآلية اللقطات السينمائية تصغيرا وتكبيرا،  وآلية الوقفة أو التوقف(   Pause ) لمعرفة ردود الجمهور ، وآلية التقسيم أو التقطيع المشهدي في التعامل مع التراث كما في مسرحيته( جسمي وصوتك وفكره) ، “فجعل من قصة المسرحية شيئا أشبه بالسيناريو بمشاهده المتعددة، وتبنى الفكرة ذاتها في مسرحية:” قيمة الاتفاق” التي حوت مشاهد سينمائية مضافا إليها اللوحات التي تقدم العناوين والأرقام.

كذلك تخلصت للكاتب فكرة ثالثة هي قطع التمثيل في بعض الأحيان لطلب رأي الجمهور فيما يقدم.

ومن تكنيك التليفزيون، استعارت فرقة مسرح البحر فكرة الصورة الكبيرة والوسطى والجماعية، فكانت تطلب من الممثل أن يقترب بعض الشيء من المتفرج في سبيل إيجاد صورة كبيرة ووسطى في المسرح.

ومرة ثانية يقول الكاتب إن هذا كله يتم ؛ لأن الفرقة تعتقد اعتقادا راسخا بأن السينما والتلفزيون ليسا عدوين للمسرح، بل يجب أن تقوم بين الفنون الثلاثة أقوى الروابط.”[58]

ويعني هذا أن مسرح البحر قد تعامل مع التراث من رؤية احتفالية مشهدية وسينمائية متميزة، في فضاء مسرحي مفتوح ودائري يشبه فضاء الحلقة.

المبحث الخامس: تجربة مسرح البحـــر والفضاء المفتوح

تعد تجربة مسرح البحر ، بقيادة قدور النعيمي، من أهم التجارب المسرحية الجزائرية السباقة إلى الانعتاق من فضاء البناية الغربية في سنوات الستين (1968م) من القرن العشرين[59]. وقد أصدرت جماعة مسرح البحر بيانا مسرحيا. كما تؤكد ذلك المستشرقة الروسية تمارا ألكسندروفنا بوتينتسيفا في كتابها القيم( ألف عام وعام على المسرح العربي) الذي تقول فيه:” إن مجموعة من شباب مدينة وهران تركوا في صيف عام 1968م، العمل والأسرة والبيت، وكل ما ليس له علاقة مباشرة بالقضية التي يحبونها ، ووهبوا أنفسهم لإنشاء مسرح ثوري شعبي معاصر سواء من حيث الشكل أو المضمون. وتم إعلان هذا في بيان خاص. ويقضي أعضاء الفرقة ساعات متواصلة كل يوم في تثقيف الذات والبروفات والعروض وما يتعلق بها من أمور تنظيمية.”[60]

أي: لقد اعتمد مسرح البحر بالجزائر على فضاء الحلقة أو التحلق الدائري بشكل من الأشكال،” حيث كان المتفرجون يجتمعون حول مكان الفعل، ويشاركون فيه بأنفسهم، وقبل كل عرض، كان يجري شرح قواعد اللعبة للحضور. وكان إعداد عروض مسرح البحر يجري بشكل يدخل فيه الممثلون مرات عدة في حوار مع المتفرجين، يسألونهم النصيحة، ويطلبون منهم الدعم والمؤازرة، ويطرقون سوية أبواب الجدل والنقاش حول ما يعرضون. وهذا لا يحتاج إلى خشبة مسرح وصالة للمتفرجين. المتفرج- المشارك، يجب أن يكون قريبا من مكان الفعل. كما أن الديكورات البسيطة، وأجهزة الإضاءة، والعدة، وجهاز التسجيل، والفانوس السحري، كلها متنقلة وجاهزة على الدوام.”[61]

وهكذا، نصل إلى أن مسرح البحر هو مسرح جدلي ثوري بريختي بامتياز، يعتمد على تقنيات المسرح الفقير، وكان يقدم مجموعة من العروض المسرحية المرتجلة والفرجات الدرامية فوق شاطئ البحر، ضمن فضاء شعبي جماهيري مفتوح. وقد لا تكون الحلقة – هنا- بالمفهوم الذي نجده عند الطيب ، أو أحمد الطيب العلج، أو المسكيني الصغير ،أو عبد الكريم برشيد، أو عبد القادر علولة، بل تكون مجرد تحلق دائري من قبل الجمهور الحاضر حول مجموعة من الممثلين المسرحيين المرتجلين.

وخلاصة القول: إن مسرح البحر بالجزائر ممارسة تنظيرية جديدة، كانت تدعو إلى تمثل قالب مسرحي عربي لبناء الهوية والكينونة تأسيسا وتجريبا وتحديثا وتأصيلا. كما أنه مسرح ثوري شعبي معاصر بالخصوص.

وعلى العموم، تستند  فرقة مسرح البحر ، في تقديم عروضها المسرحية، إلى الارتجال، والروح التعاونية، والديمقراطية في التعامل، والمشاركة الجماعية، وتقسيم العروض المسرحية إلى مجموعة من المشاهد السينمائية والتلفزيونية ، و إشراك الجمهور  في بناء العرض المسرحي بطريقة احتفالية، كما يشير إلى ذلك عبد الكريم برشيد:” وفي فرقة ” مسرح البحر” الجزائرية كان التأليف الجماعي لا يقتصر على تعاون الفنانين ، بل يمتد إلى أفراد خارج الفرقة… في هذه المحاولات، تميز المسرح الجزائري بالعودة إلى مسرح الحلقة الذي تعرفه الساحات الشعبية، لتحقيق علاقة وثيقة بين الممثل والمتفرج.”[62]

ومن هنا، يقترب مسرح البحر ، على مستوى الممارسة التنظيرية، من الاتجاه الاحتفالي على مستوى تشغيل التراث ، وتحويل العرض المسرحي إلى فرجة ارتجالية جماعية أشبه بحفل أو عيد للاستمتاع والاستفادة على حد سواء.

الفصل الخامس:

عبد القادر علولة ومسرح القوال

                         

يعد عبد القادر علولة من أهم المبدعين والمخرجين الجزائريين الذين حاولوا تجديد المسرح العربي وتأصيله وتأسيسه على أسس تراثية . ومن هذه الأسس الفنية والجمالية والدرامية فن السيرة والحلقة والگوال وفن السرد كتابة وتمثيلا وإخراجا وتنظيرا. ومن المعروف أن المبدع الدرامي عبد القادر علولة من مواليد الغزوات بتلمسان سنة 1939م. وقد تلقى تدريبا مسرحيا بفرنسا، وساهم منذ وقت مبكر في إنشاء المسرح الوطني الجزائري ، فتولى إدارة فرقة مسرحية بمدينة وهران. بيد أنه اغتيل بشكل مفاجئ سنة 1994م .

وما يميز عبد القادر علولة، في ساحة المسرح المغاربي بصفة خاصة، والعالم العربي والإسلامي بصفة عامة، أنه كان يدعو إلى قالب مسرحي يتضاد مع القالب المسرحي الغربي الأرسطي. ويتمثل ذلك القالب في توظيف التراث الشعبي، ولاسيما فن السيرة والگوال وفن الحلقة من أجل تأسيس المسرح العربي على أساس الموروث الشعبي، وتأصيله وفق مقومات محلية قريبة من الشعب. ومن هنا، يمكن القول بأن المسرح الذي كان يتبناه عبد القادر علولة هو المسرح الشعبي، أو الفرجة التراثية الشعبية . ويمكن جرد تنظيراته وتصوراته المسرحية من تصريحاته ومن أعماله المسرحية تأليفا وإخراجا. إذاً، ما التصورات النظرية عند عبد القادر علولة فيما يخص المسرح العربي؟ وما موقفه من التراث؟ وما الآليات التي كان يشتغل بها أثناء التعامل مع الذاكرة والتاريخ والموروث؟

المبحث الأول: التصــور النظــري عنــد عبد القــادر علولــة

ينبني تصور عبد القادر علولة على رفض المسرح الغربي رفضا جذريا، بعد أن تعامل معه مدة ليست بالطويلة، ليقرر – بعد ذلك- الثورة على القالب الأرسطي الكلاسيكي ، والتمرد عن العلبة الإيطالية التي تذكر  الجمهور بفضاء درامي غريب عنه، وهو الذي تعود أن يرى الفرجة الشعبية في الأسواق والفضاءات الشعبية في الريف والمدينة على حد سواء. ومن هنا، اقترح عبد القادر علولة أن يوظف فن الحلقة ومسرح الگوال وفن السيرة للاقتراب أكثر من الفلاحين والعمال والتلاميذ والطلبة. أي: التواصل مع الشعب الجزائري أيما تواصل ، بعيدا عن المسرح الغربي القائم على  التغريب والاستلاب والتدجين. وفي هذا السياق، يقول عبد القادر علولة موضحا طبيعة مسرحه الجديد:” وفي خضم هذا الحماس، وهذا التوجه العارم نحو الجماهير الكادحة، والفئات الشعبية، أظهر نشاطنا المسرحي ذو النسق الأرسطي محدوديته، فقد كانت للجماهير الجديدة الريفية، أو ذات الجذور الريفية، تصرفات ثقافية خاصة بها تجاه العرض المسرحي، فكان المتفرجون يجلسون على الأرض، ويكونون حلقة حول الترتيب المسرحي (La disposition scénique)، وفي هذه الحالة كان فضاء الأداء يتغير، وحتى الإخراج المسرحي الخاص بالقاعات المغلقة ومتفرجيها الجالسين إزاء الخشبة، كان من الواجب تحويره. كان يجب إعادة النظر في كل العرض المسرحي جملة وتفصيلا»[63].

ويتبين لنا ، من خلال هذه القولة، أن عبد القادر علولة كان يفضل استخدام فن الحلقة لخلق تواصل حميم مع الجمهور، باستعمال فضاء دائري ، واستخدام سينوغرافيا بسيطة تذكرنا بتقنيات المسرح الفقير. ومن هنا، كان الإخراج المسرحي العلولي المرتبط بفن الحلقة إخراجا شعبيا تراثيا بامتياز، يتفرد تماما عن الإخراج المسرحي الذي تتطلبه قاعات المسرح ذي العلبة الإيطالية.

وعليه، فقد شغل علولة، في إشراك الجمهور المحتفل، كل الوسائل السمعية والبصرية  بقصد إمتاعه وإفادته ذهنيا ، و جذبه وجدانيا، والتأثير فيه حركيا.

ومن جهة أخرى، طبق علولة أيضا المنهجية البريختية بكل آلياتها الفنية والجمالية والتقنية، بما فيها نظرية التباعد ، والتغريب، والاندماج ، وتكسير الجدار الرابع من أجل مساعدة الجمهور على التفكير والنقد، والإدلاء بآرائه بكل صراحة في القضية المسرحية المطروحة أمامهم. وفي هذا الصدد، يقول عبد القادر علولة:«عن طريق هذه التجربة التي استدرجتنا إلى مراجعة تصورنا للفن المسرحي، اكتشفنا من جديد ـ حتى وإن بدا هذا ضربا من المفارقة ـ الرموز العريقة للعرض الشعبي، المتمثل في الحلقة، إذ لم يبق أي معنى لدخول الممثلين وخروجهم، كل شيء كان يجري بالضرورة داخل الدائرة المغلقة، ولم تبق هناك كواليس، وكان يجري تغيير الملابس على مرأى من المتفرجين، وغالبا ما كان الممثل يجلس وسط المتفرجين بين فترتي أداء لتدخين سيكارة، دون أن يعجب من ذلك أحد»[64].

هذا، ولقد تعلم علولة الكثير الكثير من جمهوره المتفرج والمتحلق حول حلقته الدائرية الشعبية الممتعة، حينما اختار ، على مستوى التعبير والكتابة والأداء، فن الحلقة، والقالب المسرحي الاحتفالي، وفن القوال، والمحكي السردي. وقد أثبت علولة، مثل : التونسي عز الدين المدني، والمغربي الطيب الصديقي، والعراقي عمر الطالب، وجود المسرح في تراثنا العربي ، وأنه ليس بفن مستحدث ومستورد بدأ مع مسرحية(البخيل) لخليل القباني سنة 1847م. كما يقول بذلك الكثير من المستشرقين والدارسين العرب، بل له جذور فنية ودرامية قديمة ، تتمثل في الكتابات السردية والقصصية التي تحمل، في طياتها، ملامح درامية ومسرحية واضحة وجلية. ومن هنا، لايريد الجمهور من المسرح – حسب علولة – إلا الجانب المسموع منه بدلا من الجانب البصري. ويعني هذا أن الجمهور يفضل سماع القصص والحكايات والسرود بدل التفرج على العروض المسرحية . والدليل على ذلك أن علولة وجد بعض المتفرجين يجلسون بطريقة خلفية لاينظرون مباشرة إلى المشاهد المسرحية، بل يكتفون بالسماع والحفظ، والتقاط الحوارات والسرود، وتشغيل الذاكرة إلى درجة أن البعض منهم كان يعيد بعض الحورات المشهدية كلها مرات عديدة. وفي هذا النطاق، يقول علولة موضحا تصوره النظري الذي يقوم على مسرحة التراث، والدعوة إلى المسرح الشعبي المبني على فن الحلقة والگوال وفن الحكي: «إن النقطة التي ننطلق منها لتحقيق المسرح المحكي ليست ماثلة في أن لنا تراثاً قصصياً يمكن إعادة تشكيله مسرحياً، وإنما القضية هي أن لدينا تراثاً قصصياً ذا طبيعة مسرحية، يصدر عن خيال مسرحي، وفهم متميز لمطالب المشهد، والموقف، والشخصية، وسائر عناصر البناء المسرحي، غير أنه كتب بأسلوب الحكاية (وليس الحوار)، لأن أسلوب الحكي كان الأسلوب المستقر والممكن، ولأن الأذن العربية هي الطريق المدرب لالتقاط الجمال (وليس العين)، ولأن التمثيل لم يكن نشاطاً فنياً اجتماعياً يتعامل مع المستويات الأدبية الكتابية… وأخيراً، ليكن منطلقنا في رعاية هذه الظاهرة الفنية في تراثنا الحكائي ما ندعو إليه من تأصيل لفنون الإبداع العربية (المعاصرة والقادمة) بتحريرها من شروط أنتجتها حضارات أخرى»[65].

وهكذا، فمسرح عبد القادر علولة مسرح تجريبي حداثي متنوع وثري، يقوم على التثوير والتغيير والتجديد ، والانفتاح على التراث الشعبي، بالاعتماد على مجموعة من الفنيات المسرحية كالحلقة، والسيرة، والحكي، والقوال. وهذه السمة التجريبية فكرا وجمالا هي التي جعلته يكرم في الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للمسرح التجريبي سنة 1992م؛ ذلك المهرجان الذي يقام بالقاهرة في شهر شتنبر من كل عام. وفي هذا المهرجان تعرض أروع المسرحيات التجريبية في العالم قاطبة.

ومن المعلوم أن عبد القادر علولة يعتمد في مسرحه على التراث العربي الإسلامي، والتراث الشعبي، والتراث الكوني والإنساني، والتراث المسرحي البريختي. أما عن مصادره المسرحية، فيمكن الإشارة إلى  البريختية، ومسرح جان فيلار، والحركة الاحتفالية، والمسرح الثالث المغربي الذي اهتم بفن الحلقة اهتماما أنتروبولوجيا ودراميا. دون أن ننسى تأثر عبد القادر علولة بعبد الرحمن كاكي (فن الحلقة)، والطيب الصديقي( المسرح المحكي)، وعز الدين المدني( المسرح التراثي)…

ومن الأشكال التي ركز عليها علولة لبناء مسرحياته، ولو كانت عالمية، هو قالب القوال الذي ساعد المتفرج على الإبداع، وتكملة العرض المسرحي الشعبي. و يذكرنا هذا المسرح بقالب السامر عند توفيق الحكيم وغيره. وفي هذا الصدد، يقول علولة:” ليست قضيتنا نقل التراث من فضائه الطبيعي إلى علبة، ولكن هي بنية العروض بالطريقة التي يعمل بها الگوال مع أخذ ما يناسبنا من التراث العالمي، والذي لا يمثل خدعة ولا يجعل المتفرج شوافا أو مستهلكا سجينا. فنحن نحاول أن نقيم علاقات ذكية مع المتفرج حتى يصبح مبدعا.فعرضنا هو شيء مقترح وليس نهائيا أو كاملا ولو أنه دقيق. فهو حافز أو منشط للطاقات الإبداعية والثقافية للمتفرج، وهذا موجود في المسرح الذي نقدمه، وموجود في قلب الأداء المسرحي الشعبي العربي”[66].

وعليه، يبني عبد القادر علولة تنظيره المسرحي على  الممارسة الميزانسينية والتصريحات الحوارية، بالتركيز على الفرجة الشعبية القائمة على السرد، والحلقة، وفن القوال.

المبحث الثاني:  إنتاجــات عبد القــادر علولــة المسرحيــة

يتميز عبد القادر علولة بمجموعة من الإنتاجات المسرحية المتنوعة والثرية من حيث الأداء والقالب منها: مسرحية( المائدة) (1972م)، و(حمق سليم)(1972م)، و(الگوال) ( 1980م) و(اللثام) (1989م) و(الأجواد) (1985م)، و(التفاح) (1992م) و(أرلوكان خادم السيدين) (1993م)، إلى جانب مسرحيات أخرى مثل: (العلق)، و(حمام ربي)، و(الخبزة). أما مسرحيته (العملاق)، فلم ينته منها كتابة وإعدادا وتأليفا بسبب اغتياله المفاجئ سنة 1994م.

ومن المواضيع التي تناولتها مسرحيات عبد القادر علولة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كمعاناة البسطاء والفلاحين والعمال والمثقفين في حياتهم اليومية، والإشارة إلى تدهور القدرة الشرائية عند المواطنين الجزائريين، والتعريض بالمحسوبية وفساد الإدارة والبيروقراطية ، والتنديد بالصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي، وتناول مشاكل الطلبة، ورصد علاقة الشعب بالسلطة الحاكمة. دون أن ينسى علولة الهموم القومية والقضايا المصيرية الكبرى، كقضية فلسطين، وقضية لبنان، والتبعية الاقتصادية للغرب، وغيرها من القضايا العربية والإنسانية الحساسة….

المبحث الثالث:  موقــف عبـد القــادر علـولـة من التــراث

اهتم عبد القادر علولة بالتراث الشعبي اهتماما كبيرا ، بعد قراره التخلي عن الاشتغال  الدرامي ضمن القالب المسرحي الأرسطي[67] . فارتكن إلى فن الحلقة، ومسرح القوال، والحكي السردي، والسيرة الشعبية، بغية  التجريب الحداثي  لتأسيس مسرح عربي أصيل. وفي هذا النطاق، يقول الباحث المغربي مصطفى رمضاني:” لقد اتجه عبد القادر علولة إلى التراث مدفوعا بدافع التجريب ، وبحثا عن الخطاب الـتأصيلي الحق ومشدودا إلى الحداثة في أنقى مظاهرها. فإذا كان خطاب الحداثة في المسرح العربي يتوسل بالتجريب…، فإن عبد القادر علولة كان من أوائل المبدعين المسرحيين العرب الذين استطاعوا أن ينتبهوا إلى هذه المسألة ، إذ راح يؤسس عروضه المسرحية بعيدا عن الأفضية المغلقة ، فاتصل بالفلاحين والفئات الشعبية السفلى، وحاول أن يشركهم في الفعل المسرحي عن طريق الاقتراب من مشاغلهم اليومية فيما يخص الجانب التيماتي،ومن أساليب الفرجة الشعبية فيما يخص الجانب الفني.”[68]

ويرتكز التراث عند عبد القادر علولة على مسرح القوال ، وفن الحلقة، وفن السرد. ومن ثم، يعد هذا المبدع من المسرحيين القلائل الذين وظفوا فن السيرة والحلقة في المغرب العربي. وفي هذا الإطار، يقول الباحث المغربي المسكيني الصغير:”وأعتقد شخصيا أن الذين تعاملوا مع مسرح الحلقة والسيرة ، بشكل من الأشكال في المغرب العربي، باستثناء الكاتب الشهيد عبد القادر علولة، الذي حاول اختراق فضاء الحلقة بذكاء مبدع في أعماله المشهورة (الأجواد، اللثام) كانوا بعيدين من روح الحلقة، لأن نصا دراميا يلبس مثل هذا الشكل/ الحلقة، حيث يفترض توظيف عناصر التمثيل والغناء والرقص، إلى جانب الرواية والحكي والقص العجائبي- لا يمكن أن يخضع كليا للقالب المسرحي الغربي، و لا يمكن أن يكون إلا نصا فريدا له خاصيته الوطنية الشعبية المؤثرة، يفجر مكامن ومظان المتلقي الغربي والعربي في الشكل والمضمون… الذي هو ليس متفرجا تراجيديا؟ وليس متفرجا كوميديا أو تراجيكوميديا؟ الخ… فهو جامع لكل هذه الحالات والمواقف الدرامية في آن واحد… في المشهد الواحد.”[69]

وعلاوة على ذلك، فقد وظف علولة  فن الحكي والسرد إلى جانب الحلقة وفن القوال بدل استخدام الحوار المشهدي والتمثيلي. لأن الجمهور – حسب علولة- يحبذ حاسة السمع ، ويفضلها على حاسة البصر. والمقصود من هذا أن المتفرج ، في مسرح علولة، يقبل  كثيرا على القصة المحكية  بدلا من رؤية الفرجة التمثيلية المعروضة. يقول مصطفى رمضاني:” أما فيما يخص الجانب الفني، فنجده يستعين بلغة التراث الشعبي، ويوظف أسلوب الگوال المعروف في المجتمع الجزائري، ويتجاوز التقسيمات المألوفة في الحوار الدرامي. فلا وجود للحوار المسرحي في مسرحياته؛ لأن الحكي هو الذي يقوم مقامه. فالحكي عنده هو التقنية القادرة على خلق تواصل شعبي مع المتلقي، لأنه ينحدر أصلا من فضاء شعبي مألوف لديه ومخزون في الذاكرة الشعبية هو فضاء الحلقة. وهذا الفضاء يمثل مصدرا أساسيا في تكوين الذوق الجمالي عند المتفرج. وهو فضاء يتميز بانفتاحه ومرونته في ضبط مكان المتفرجين والممثلين أو تحديد وضعيتهم. ويتيح للممثل قدرة أكبر على التخييل ، ومحاورة الجمهور من كل الزوايا ، على غرار ماكان يفعل المداح التقليدي أو الحكواتي أو الكوال.

ومن المؤكد أن عبد القادر علولة حين استغنى عن الحوار ، وعوضه بالحكي، كان يستحضر ما تحفظه ذاكرة المواطن الجزائري من ألوان التعبير الشعبي. وهو يرى أن الغاية من استغلال عناصر التراث الشعبي الجمالية تكمن في مخاطبة المواطن بالأسلوب القريب من ذاكرته، باعتبار أن هذا الأسلوب هو الذي يحدد ذوقه كما رأينا. لذلك، غالبا مانجده يتحدث عن المواطن في المسرح بدلا من الجمهور أو المتلقي. فإذا كان هناك مواطن، فهناك متفرج.”[70]

ومن أهم النماذج الممثلة لمنحاه التراثي الشعبي ثلاثيته المسرحية(القوال، والأجواد، واللثام)، وقد ” صارت تجربته مثالا يحتذى في كافة القطر الجزائري كما هو الشأن مع تجربة الشريف عياد التي لا تختلف كثيرا في أسلوبها عن تجربة علولة.”[71]

لكن يلاحظ أن علولة قد تأثر كثيرا بتجربة عبد الرحمن كاكي، فيما يخص توظيف الحلقة، والقوال، والمحكي السردي. وفي هذا الشأن، يقول خالد أمين:” تعتبر تجربة الجزائري عبد الرحمن كاكي(1934-1995م) رائدة في توظيف شكل الحلقة الدائري وتقنيات القوال الشعبي في الستينيات من القرن الماضي. والملاحظ في تجربة عبد الرحمن كاكي( الذي اشتغل جنبا إلى جنب مع عبد القادر علولة في البدايات الأولى) هو تشبعه بالمسرح البريختي التعليمي والملحمي قبل عودته للحلقة الشعبية، ومحاولة استنباتها كشكل مسرحي قائم بذاته. ولعل أبرز مسرحيات كاكي التي استلهمت تقنيات الگوال الشعبي هي:” القراب والصالحين”، والتي توجت في مهرجان صفاقس سنة 1966م.كما أن جل مسرحيات كاكي المقتبسة تتشكل في فضاء بيني مثل: مسرحية” القراقوز” (1964م) المقتبسة عن الكاتب الإيطالي كارلو غوردوني، ولكنها ممزوجة بعوالم ألف ليلة وليلة وملحونيات الغرب الجزائري.”[72]

ومن الناحية الفنية، فقد استعمل علولة الأفضية المفتوحة،  والخطوط الدائرية، والفرجة الشعبية القائمة على الحكي، والحلقة، والقوال، والسيرة. واستعان ببساطة الديكور، وتقنيات المسرح الفقير، وملامح المسرح البريختي، وبعض خصائص المسرح الاحتفالي، فيما يخص الجمع بين الملقي والمتلقي في احتفال جماعي مباشر.

وعلى الرغم من كون مسرح عبد القادر علولة سرديا بامتياز، ” إلا أنه مكثف من حيث الكتابة البصرية، وذلك بالاعتماد على جسد الممثل المحتفل أكثر من أي شيء آخر كالأكسيسوار أو الإضاءة.هكذا، يتشكل مسرح علولة من خلال تكثيف الجستوس الاجتماعي الذي يعكس وجهات النظر التي تتبناها الشخصيات المسرحية من خلال التعبير الفيزيقي، ونبرة الصوت، وملامح الوجه. وأحيانا تكون تجليات الجستوس في غاية التعقيد والتعارض حيث لا تسعف الكلمة المنطوقة وحدها إبراز هذه التعقيدات برمتها. لذلك، فالممثل العلولي مطالب بمنح دوره التركيز اللازم حتى لا يخفق في تبليغ الصورة بكل أبعادها.فمن خلال تغريب السيميوزيس المسرحي وانزياحه عن البناء الدرامي التقليدي، يهدف عبد القادر علولة ليس فقط تجديد إدراك الذات المتلقية للموضوعات المقدمة فوق الخشبة، وإنما يتجاوز القيمة الإدراكية بهدف إدراج إرادة باطنية وعميقة لبناء ماتم تفكيكه سلفا انطلاقا من وجهة نظر اجتماعية نافذة.اعتبارا لهذا، فإن تقنيات علولة المسرحية مسيسة جدا ، وهي بهذا الصنيع بريختية بامتياز.”[73]

ويحضر القوال في مسرحيات عبد القادر علولة باعتباره راويا شعبيا وساردا ينسق بين الشخصيات ، ويمهد للأحداث. إنه بمثابة المداح والحكواتي، أو بمثابة ممثل شامل، ويحضر في المسرحية العلولية:” بعصاه ولباسه المزركش، ليروي الأحداث، ويتغنى بخصال الشخصيات المتجذرة في الوجدان الشعبي، بالإضافة إلى تجسيد بعض المشاهد من خلال تقمص الأدوار.”[74]

ويعني هذا أن القوال يجمع بين التمثيل المشهدي والحكي المسرد، أو يتأرجح بين الراوي المنسق وتمثيل الشخصيات المحورية، مع التعريف بالشخصيات المسرحية المقدمة، والتعليق عليها تحبيكا وتمطيطا. ومن هنا، فالقوال” يحتل في مسرح عبد القادر علولة مكانا مركزيا. فهو الذي يضع، وبشكل جوهري، شخصه تحت الأضواء، يتكلم ليقول كل شيء ببساطة. يأخذ دور الشخصية التي يتحدث عنها، ثم يعود ليأخذ دور الراوي. وهذا اللعب بين الحكاية والتمثيل المسرحي يعطي ولادة جديدة لشكلين من الجمهور: الجمهور الداخلي والجمهور الخارجي. يشترك الجمهور الداخلي في التمثيل المسرحي.ففي اللحظة التي يتحدث فيها الگوال يصبح الممثلون الآخرون متفرجين، ثم يستعيدون أدوارهم حين تعاد إليهم الكلمة، وإذ يمرر الگوال إليهم فعل الكلام فذاك يوحي بخلود الحركة في القول…”[75]

ونورد إليكم  طريقة تقديم القوال لشخصياته المسرحية بطريقة حكائية سردية، كتقديمه لشخصية علال الزبال كما في مسرحية(الأجواد):

“علال: علال الزبال ناشط ماهر في المكناس

حين يصلح قسمته ويرفد وسخ الناس

يمر على الشارع الكبير زاهي حواس

باش يمزح بعد الشقاء يهرب شوى للوسواس

يرشف قارو مبروم تحت الشاشية

ينسف صدره كاللي معلق الحاشية

وراء الظهر يتنى الذراع ويثقل المشية

كأنه وزير جايل في جرته حاشية

يخطوى فخور للرصيف ماعليه تخشة

ويطل من بعيد في الحوانيت للسلعة المفرشة

كأنه يراقب في المليحة والمغشوشة

معجب بالخيرات خدمة قراينه في الورشة.”[76]

ويقدم القوال شخصية الحبيب الربوحي الحداد عبر فنيات الوصف والتشخيص، وسرد الحدث، وتحبيكه دراميا. ويلاحظ أن الحكي سمة أساسية وخاصية مفضلة عند علولة في تناول شخصيته المحورية:

“الربوحي: …في ختام الدراسة خاد الربوحي الحبيب الحداد موقف ودبر على حل للنجدة. نظم حلقة تضامنية ودخل معاه شبان الحي في العملية. عادو كل يوم وقت المغرب يلموا كل مايحصلو عليه من مأكولات : لحم، دجاج، عظام، قمح، نخالة، خبز، حشيش، خضرة، وفاكية، وحين مايطيح الليل يدخل الربوحي سريا للحديقة يتشبط ويتلبد المغبون باش يفرج على  مسجونين الحديقة وراه تابعينوا قطط وكلاب الحومة. أكثر من شهر وهو يجيبلهم في الماكلة.في  المهمة  داخل الجنان يلتزم عليه يجري ويتخبا من وراء الشجر خوفا.إذا العساس اللي يبات يحضي عادوا كل مايوصلهم يفرحو به ويرحبو به أحسن رحاب. الطاووس تفتح كعالتها وترسم بريشها الملون  لوحات عجيبة. الببغاء ينطق بأهلا…أهلا مدوي الجو، القرد يشطح زاهي ينقز ويدير” كامبعرايس” في السماء والبط…البط يوقوق كأنه قايم بتصفيقة حارة.”[77]

ويلاحظ أن القوال يستخدم ، في أقواله الشعبية، العامية الجزائرية ، ومسرح الشخصية، وذلك كله من أجل التقرب من الجمهور الحاضر  بغرض خلق مشاركة وجدانية احتفالية. ويقول الباحث المغربي حسن يوسفي عن مسرحية( الأجواد) التي شغلت تقنية القوال:” تريد أن تكون (هذه المسرحية) نموذجا للمسرح الشعبي ذي النزعة الواقعية الذي يميل إليه علولة، فقد  جعل من وضعية الگوال إلى جانب اللهجة العامية وسيلتين فنيتين لترجمة هذا الاختيار.وقد نجحت هذه التجربة ، وتركت أصداء قوية سواء داخل المشهد المسرحي الجزائري أو خارجه، كما في المغرب، مثلا، عندما عرضت مسرحية” الأجواد”، وتعرف عليها الجمهور المسرحي المغربي.”[78]

ومن هنا، يرتبط عبد القادر علولة جزائريا وعربيا بمسرح القوال تجريبا وتحديثا وتأسيسا وتأصيلا، بربطه بفن الحلقة، والسيرة، والمسرح المسرد أو المحكي.

المبحث الرابع: آليــات التعامــل مـع التــراث

شغل عبد القادر علولة ، في تعامله مع التراث، مجموعة من الآليات الميزانسينية، كآلية الاحتفال المسرحي على غرار الحركة الاحتفالية  عند عبد الكريم برشيد، أو عند أصحاب المسرح الثالث بالمغرب كالمسكيني الصغير، بإشراك الجمهور في بناء العرض المسرحي خارج العلبة الإيطالية. ونذكر كذلك آلية الارتجال في أثناء تقديم المسرحية بشكل ميتامسرحي مرتجل، وآلية التباعد والتغريب وآلية اللااندماج، وآلية تكسير الجدار الرابع، وآلية السرد والحكي . وهذه الآليات المسرحية معروفة عند برتولد بريخت.

وتحضر  هذه التقنيات المسرحية البريختية أيضا عند ولد عبد الرحمن كاكي، وحاج عمر،وهاشمي نور الدين… ويعني هذا أن عبد القادر علولة معجب ببريخت كمعظم المخرجين العرب، كسعد الله ونوس، ومحمد مسكين، وعبد القادر عبابو، والطيب الصديقي، والمسكيني الصغير، ومصطفى رمضاني، ولحسن قناني، ومحمد الكغاط، وغيرهم كثير…

لكن من أهم الآليات العامة التي شغلها عبد القادر علولة، في التعامل مع التراث، آلية الحلقة، وآلية القوال، وآلية السيرة …

وهكذا، يتبين لنا أن مسرح عبد القادر علولة يقوم على تصور نظري، يتجلى ، بكل وضوح، في  مجموعة من تصريحاته وحواراته وممارساته المسرحية المتنوعة والمتعددة والثرية. ويرتبط تنظيره المسرحي بالفرجة الشعبية التي تستند إلى فن الحلقة، والسيرة، والقوال ، والجمع بين التمثيل المشهدي و السرد المحكي، وتوظيف الاحتفالية، واستخدام الواقعية الملحمية والجدلية، والميل في مسرحه إلى النزعة الشعبية.

 ومن هنا، فعبد القادر علولة من المسرحيين العرب الذين دافعوا عن وجود الخطاب الدرامي في التراث العربي الإسلامي، وفي موروثنا الشعبي، بشرط أن نحسن التعامل مع التراث تعاملا واعيا وإيجابيا، فنقربه من الجماهير عبر فنيات وآليات  وجماليات شعبية، كالارتجال، والسرد، والتباعد، والتغريب، وتكسير الجدار الرابع ، والاحتفال ، والتمسرح، وغيرها من التقنيات المسرحية الأخرى الممتعة والهادفة.

الخاتـــمة

هكذا، نصل إلى أن المسرح الجزائري مسرح متميز بامتداده الطويل في الزمان والمكان. فقد تشكلت بوادره الأولى في تربة المسرح الأمازيغي النوميدي الذي انتعش بفضل عدة مسارح ذات العمران الروماني، كمسرح تيبازة ، ومسرح تيمكاد، ومسرح شرشال…وازدهر هذا المسرح أيضا بفضل مجموعة من المسرحيين الجزائريين المتنورين، أمثال: أفولاي، وأغسطين، ويوبا الثاني…

وبعد ذلك، عرف المسرح الجزائري مجموعة من الأشكال التراثية الفطرية والأشكال ما قبل المسرحية، كالكراكوز العثماني، وخيال الظل، والراوي، والمقلداتي، والمهرج… علاوة على مجموعة من الأشكال اللعبية والدينية والطقوسية والفنية الأمازيغية…ثم، تأثر كذلك بالمسرح الغربي في مختلف تقاليده الأرسطية، واتجاهاته الفنية، ومدارسه المختلفة والمتنوعة. وظل هذا المسرح متشبثا بالعلبة الإيطالية، ومتمسكا بالريبرتوار الكوميدي الفرنسي،  والاعتماد بكثرة على الترجمة، والإعداد، والاقتباس، والاستنبات.

وبعد ذلك، تأسس المسرح الجزائري مع مجموعة من الرواد كعلالو ، ورشيد القسنطيني، ودحمون، ومحيي الدين بشطارزي… وظهرت مجموعة من الجمعيات والفرق المسرحية التي كانت تقدم عروضها المسرحية في المؤسسات التربوية والمسارح التي شيدتها فرنسا لجاليتها هنا وهناك. وفي هذه الفترة الاستعمارية بالذات، كان المسرح الجزائري يخوض في المواضيع الواقعية، والاجتماعية، والدينية، والتاريخية، والتربوية، والكوميدية…مستعملا في ذلك مختلف الرموز التاريخية لانتقاد السياسة الاستعمارية على جميع الأصعدة والمستويات، وتحريض الشعب الجزائري على النضال والكفاح والثورة من أجل نيل الاستقلال.

وبعد الاستقلال مباشرة سنة 1962م، تأسس المسرح الجزائري – فعليا- مع فرقة مسرح البحر، والفنان رويشد، و مصطفى كاتب، وولد عبد الرحمن كاكي…

ومع سنوات الثمانين من العقد الماضي إلى غاية سنوات الألفية الثالثة، خاض المسرح الجزائري غمار التجريب والتأصيل من أجل تأسيس مسرح عربي أصيل، مع مجموعة من المخرجين المسرحيين المتميزين، كعبد القادر علولة الذي عرف بمسرح القوال. وتميز كذلك بتقديم عروضه المسرحية في ضوء التجربة الاحتفالية التراثية ، وضمن قالب بريختي على مستوى التشخيص والتأليف والرؤية الإخراجية

ثبت المصادر والمراجع

المصادر الإبداعية:

1-إبراهيم دانيونس: نزهة المشتاق وغصة العشاق في الترياق في العراق، تحقيق مخلوف بوكروح، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ، الجزائر، الطبعة الأولى سنة 2006م.

2- عبد القادر علولة: الأجواد من مسرحيات علولة( الأقوال، الأجواد، اللثام)، موفم للنشر، الجزائر، 1997م.

3- المسكيني الصغير: حكاية بوجمعة الفروج، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2000م.

المصادر العامة:                

4- أرسطو: فن الشعر، ترجمة وتعليق: إبراهيم حمادة، مكتبة المسرح رقم3، مركز الشارقة للإبداع الفكري، الشارقة،  الإمارات العربية المتحدة.

5- البكري: المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب( جزء من المسالك والممالك)، نشر دسلان، الجزائر، 1857م.

المراجع باللغة العربية:

6- إبراهيم حركات: المغرب عبر التاريخ، الجزء الأول، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى 2009م.

7- إحسان عباس: فن السيرة، دار الثقافة، بيروت، لبنان،د.ت.

8- اصطيفان اكصيل: تاريخ شمال أفريقيا، ترجمة: محمد التازي سعود، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2007م.

9- بوزيان الدراجي: القبائل الأمازيغية، الجزء الأول،دار الكتاب العربي، الجزائر، الطبعة الأولى، سنة 2003م.

10- تمارا الكسندروفنا بوتنتسيفا: ألف عام وعام على المسرح العربي، ترجمة: توفيق المؤذن، مطبعة دار الفارابي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1990م.

11- جميل حمداوي: أدب الأطفال في الوطن العربي، مطبعة جسور، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م.

12- جميل حمداوي: المسرح الأمازيغي، منشورات الزمن، الطبعة الأولى سنة2009م، سلسلة شرفات رقم25.

13- جميل حمداوي: المسرح المغاربي والتراث، منشورات المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2014م.

14- جميل حمداوي: الفضاء في المسرح المغاربي، منشورات المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2014م.

15- جميل حمداوي: المسرح الأمازيغي المغربي بين النشأة والتطور، منشورات المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة2014م.

16- شارل أندري جوليان: تاريخ إفريقيا الشمالية، تعريب: محمد مزالي البشير بن سلامة، الدار التونسية للنشر 1969م.

17- الشريف الأدرع: بريخت والمسرح الجزائري، مقامات للنشر والتوزيع والإشهار، الجزائر، الطبعة الأولى 2010م.

18- عبد الرحمن بن زيدان: أسئلة المسرح العربي، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1987م.

19-عباس الجراري: الأدب المغربي: قضاياه وظواهره، مطبعة المعارف الجديدة،الرباط، الطبعة الأولى سنة 1979م.

20- عبد الكريم برشيد: حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1985م.

21- عبد الله العروي: مجمل تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، طبعة 1984م.

22- عثمان الكعاك: البربر، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية سنة 2003م.

23- علي الراعي: المسرح في الوطن العربي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد:248،  الطبعة الثانية، 1999م.

24- فاگيـه إميـل: مدخل إلى الأدب: ترجمة: مصطفى ماهر ، لجنة البيان العربي، القاهرة، مصر، طبعة 1958م.

25- محمد شفيق: لمحة عن ثلاثة و ثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام، الرباط، طبعة 1989م.

26- محمد يحيى قاسمي : ببليوغرافيا الأدب المغاربي الحديث والمعاصر، منشورات مجلة ضفاف، سلسلة الدراسات 2، مؤسسة النخلة للكتاب، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2005م.

27- مصطفى بغداد: المسرح المغربي قبل الاستقلال، منشورات الرهان الآخر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2000م.

المراجع الأجنبية:

28-Saint Augustin, Confessions, III, 3, trad. d’Arnauld d’Andilly (1649), établie par O. Barenne, éd. Ph. Sellier, Gallimard, ” Folio “, 1993.

المقـــالات الورقية:

29- أمين العيوطي: (الاحتفالية كما أراها)، حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي لعبد الكريم برشيد، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة 1985م.

30- جمال صدقي: ( حوار مع عبد القادر علولة)، مجلة المسرح، القاهرة، مصر، العدد:46، شتنبر 1992م.

31- جميل حمداوي: (المسرح الجزائري)، مجلة الحياة المسرحية،دمشق، سورية، 82-83 شتاء وربيع2012-2013م.

32- جميل حمداوي: (المسرح الجزائري والفضاء الركحي السينوغرافي)، مجلة الحياة المسرحية، دمشق، سورية،العدد82-83، 2013م.

33- جميل حمداوي: (نظرية الإشباع المسرحي عند الأمازيغي أوغستان من خلال كتابي (اعترافاتي))، مجلة أمل، المغرب، العدد42، 2014م.

34- حسن بحراوي: (ثمان طلقات في الاحتفال المغاربي- دراسة مقارنة لنشأة المسرح في الجزائر والمغرب)، الأدب المغاربي اليوم،  كتاب جماعي ، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، المغرب، طبعة 2006م.

35- حسن يوسفي: (الكتابة الدرامية المغاربية- قراءة في بعض النماذج)، الأدب المغاربي اليوم،  كتاب جماعي ، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، المغرب، طبعة 2006م.

36- خالد أمين: (المسرح المحكي في المغرب والجزائر وجدان فرجوي مشترك)، الأدب المغاربي اليوم،  كتاب جماعي ، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، المغرب، طبعة 2006م.

37- مصطفى رمضاني: (مسرح الگوال عند عبد القادر علولة )، الأدب المغاربي اليوم،  كتاب جماعي ، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، المغرب، طبعة 2006م.

المقالات الرقمية:

38- لميا بيركسي:)حضور الثقافة الشعبية في مسرح عبد القادر علولة(، ترجمة يسار أيوب، مجلة أوغاريت، عدد :3، خريف 2004م. انظر:

www.o ugarit.org    

السيـــرة العلـــمية:

– جميل حمداوي من مواليد مدينة الناظور (المغرب).

– حاصل على دبلوم الدراسات العليا سنة 1996م.

– حاصل على دكتوراه الدولة سنة 2001م.

– حاصل على إجازتين:الأولى في الأدب العربي، والثانية في الشريعة والقانون. ويعد إجازتين في الفلسفة وعلم الاجتماع.

– أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالناظور.

– أستاذ الأدب العربي، ومناهج البحث التربوي، والإحصاء التربوي، وعلوم التربية، والتربية الفنية، والحضارة الأمازيغية، وديدكتيك التعليم الأولي، والحياة المدرسية والتشريع التربوي…

-أديب ومبدع وناقد وباحث، يشتغل ضمن رؤية أكاديمية موسوعية.

– حصل على جائزة مؤسسة المثقف العربي (سيدني/أستراليا) لعام 2011م في النقد والدراسات الأدبية.

– حصل على جائزة ناجي النعمان الأدبية سنة2014م.

– عضو الاتحاد العالمي للجامعات والكليات بهولندا.

– رئيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا.

– رئيس المهرجان العربي للقصة القصيرة جدا.

– رئيس الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا.

– رئيس الهيئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها.

– رئيس جمعية الجسور للبحث في الثقافة والفنون.

– رئيس مختبر المسرح الأمازيغي.

– عضو الجمعية العربية  لنقاد المسرح.

-عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

– عضو اتحاد كتاب العرب.

-عضو اتحاد كتاب الإنترنت العرب.

-عضو اتحاد كتاب المغرب.

– من منظري فن القصة القصيرة جدا وفن الكتابة الشذرية.

– مهتم بالبيداغوجيا والثقافة الأمازيغية.

– ترجمت مقالاته إلى اللغة الفرنسية و اللغة الكردية.

– شارك في مهرجانات عربية عدة في كل من: الجزائر، وتونس، وليبيا، ومصر، والأردن، والسعودية، والبحرين، والعراق،  والإمارات العربية المتحدة،وسلطنة عمان…

– مستشار في مجموعة من الصحف والمجلات والجرائد والدوريات الوطنية والعربية.

– نشر أكثر من ألف وثلاثين مقال علمي محكم وغير محكم، وعددا كثيرا  من المقالات الإلكترونية. وله أكثر من (124) كتاب ورقي، وأكثر من مائة وعشرين كتاب إلكتروني منشور في موقعي (المثقف) وموقع (الألوكة)، وموقع (أدب فن).

– ومن أهم كتبه: فقه النوازل، ومفهوم الحقيقة في الفكر الإسلامي، ومحطات العمل الديدكتيكي، وتدبير الحياة المدرسية، وبيداغوجيا الأخطاء، ونحو تقويم تربوي جديد، والشذرات بين النظرية والتطبيق، والقصة القصيرة جدا بين التنظير والتطبيق، والرواية التاريخية، تصورات تربوية جديدة، والإسلام بين الحداثة وما بعد الحداثة، ومجزءات التكوين، ومن سيميوطيقا الذات إلى سيميوطيقا التوتر، والتربية الفنية، ومدخل إلى الأدب السعودي، والإحصاء التربوي، ونظريات النقد الأدبي في مرحلة مابعد الحداثة، ومقومات القصة القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري، وأنواع الممثل في التيارات المسرحية الغربية والعربية، وفي نظرية الرواية: مقاربات جديدة، وأنطولوجيا القصة القصيرة جدا بالمغرب، والقصيدة الكونكريتية، ومن أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصيرة جدا ، والسيميولوجيا بين النظرية والتطبيق، والإخراج المسرحي، ومدخل إلى السينوغرافيا المسرحية، والمسرح الأمازيغي، ومسرح الشباب بالمغرب، والمدخل إلى الإخراج المسرحي، ومسرح الطفل بين التأليف والإخراج، ومسرح الأطفال بالمغرب، ونصوص مسرحية، ومدخل إلى السينما المغربية، ومناهج النقد العربي، والجديد في التربية والتعليم، وببليوغرافيا أدب الأطفال بالمغرب، ومدخل إلى الشعر الإسلامي، والمدارس العتيقة بالمغرب، وأدب الأطفال بالمغرب، والقصة القصيرة جدا بالمغرب،والقصة القصيرة جدا عند السعودي علي حسن البطران، وأعلام الثقافة الأمازيغية…

– عنوان الباحث: جميل حمداوي، صندوق البريد1799، الناظور62000، المغرب.

– الهاتف النقال:0672354338

– الهاتف المنزلي:0536333488

– الإيميل:Hamdaouidocteur@gmail.com

Jamilhamdaoui@yahoo.

كلمـــات الغلاف الخارجي:

تأسس المسرح الجزائري مع مجموعة من الرواد كعلالو ، ورشيد القسنطيني، ودحمون، ومحيي الدين بشطارزي… وظهرت مجموعة من الجمعيات والفرق المسرحية التي كانت تقدم عروضها المسرحية في المؤسسات التربوية والمسارح التي شيدتها فرنسا لجاليتها هنا وهناك. وفي هذه الفترة الاستعمارية بالذات، كان المسرح الجزائري يخوض في المواضيع الواقعية، والاجتماعية، والدينية، والتاريخية، والتربوية، والكوميدية…مستعملا في ذلك مختلف الرموز التاريخية لانتقاد السياسة الاستعمارية على جميع الأصعدة والمستويات، وتحريض الشعب الجزائري على النضال والكفاح والثورة من أجل نيل الاستقلال.

[1] – الشريف الأدرع: بريخت والمسرح الجزائري، مقامات للنشر والتوزيع والإشهار، الجزائر، الطبعة الأولى 2010م، ص:15.

[2] – محمد يحيى قاسمي: ببليوغرافيا الأدب المغاربي الحديث والمعاصر، منشورات مجلة ضفاف، سلسلة دراسات 2، مؤسسة النخلة للكتاب، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2005م، صص:213-233.

[3] – محمد يحيى قاسمي: ببليوغرافيا الأدب المغاربي الحديث والمعاصر،ص:291.

[4] – شارل أندري جوليان: تاريخ إفريقيا الشمالية، تعريب: محمد مزالي البشير بن سلامة، الدار التونسية للنشر 1969م، ص: 234-236.

[5] –  شارل أندري جوليان: نفسه، ص: 242.

[6] – شارل أندري جوليان: نفسه،ص:172.

[7] – انظر: إبراهيم حركات:المغرب عبر التاريخ، الجزء الأول، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى 2009م.

[8] – بوزيان الدراجي: القبائل الأمازيغية، الجزء الأول،دار الكتاب العربي، الجزائر، الطبعة الأولى، سنة 2003م، ص:55.

[9] – اصطيفان اكصيل: تاريخ شمال أفريقيا، ترجمة: محمد التازي سعود، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2007م، ص:235.

[10] – اصطيفان أكصيل: نفسه، ص:195.

[11] – اصطيفان أكصيل: نفسه، ص:212-213.

[12] – شارل أندري جوليان: نفسه،ص:249.

[13]-  شارل أندري جوليان: نفسه، ص: 252.

[14]- شارل أندري جوليان: نفسه،ص: 549-250.

[15] –  انظر : جميل حمداوي: المسرح الأمازيغي، منشورات  الزمن، العدد 25، سلسلة شرفات، الطبعة الأولى، سنة 2009م.

[16] – عثمان الكعاك: البربر، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية ، 2003م، ص:117.

[17] – البكري: المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب( جزء من المسالك والممالك)، نشر دسلان، الجزائر، 1857م، ص:43-44.

[18] – عباس الجراري: الأدب المغربي من خلال ظواهره و قضاياه، الجزء الأول ،مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الثانية،1982م، ص:264-265.

[19] – جميل حمداوي: (المسرح الجزائري)، مجلة الحياة المسرحية،دمشق، سورية، 82-83 شتاء وربيع2012-2013م.

[20]- Saint Augustin, Confessions, III, 3, trad. d’Arnauld d’Andilly (1649), établie par O. Barenne, éd. Ph. Sellier, Gallimard, ” Folio “, 1993, p. 89-92.

[21] – محمد شفيق: لمحة عن ثلاثة و ثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام، الرباط، طبعة 1989م، ص: 80.

[22] – محمد شفيق: نفسه، ص: 80.

[23] – إحسان عباس: فن السيرة، دار الثقافة، بيروت، لبنان، د.ت، ص:114.

[24] – محمد شفيق: نفسه ، ص: 80.

[25] – محمد شفيق: نفسه ، ص: 80.

[26] – شارل أندري جوليان: نفسه، ص:305.

[27] – فاگيـه إميـل: مدخل إلى الأدب: ترجمة: مصطفى ماهر ، لجنة البيان العربي، القاهرة، مصر، طبعة 1958م ،ص:51.

[28] – عبد الله العروي: مجمل تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، طبعة 1984م،ص:59.

[29] – جميل حمداوي: (نظرية الإشباع المسرحي عند الأمازيغي أوغستان من خلال كتابي (اعترافاتي))، مجلة أمل، المغرب، العدد42، 2014م، صص:103-111.

[30] – أرسطو: فن الشعر، ترجمة وتعليق: إبراهيم حمادة، مكتبة المسرح رقم3، مركز الشارقة للإبداع الفكري، الشارقة،  الإمارات العربية المتحدة، ص:111.

[31]- Saint Augustin, Confessions, III, 3, trad. d’Arnauld d’Andilly (1649), établie par O. Barenne, éd. Ph. Sellier, Gallimard, ” Folio “, 1993, p. 89-92.

[32] -انظر: جميل حمداوي: المسرح الأمازيغي المغربي بين النشأة والتطور، منشورات المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة2014م.

[33] – إبراهيم دانيونس: نزهة المشتاق وغصة العشاق في الترياق في العراق، تحقيق مخلوف بوكروح، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ، الجزائر، الطبعة الأولى سنة 2006م.

[34] – حسن بحراوي: (ثمان طلقات في الاحتفال المغاربي- دراسة مقارنة لنشأة المسرح في الجزائر والمغرب)، الأدب المغاربي اليوم،  كتاب جماعي ، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، المغرب، طبعة 2006م، ص:302.

[35] – حسن بحراوي: (ثمان طلقات في الاحتفال المغاربي- دراسة مقارنة لنشأة المسرح في الجزائر والمغرب)، ص:302.

[36] – حسن بحراوي: نفسه، ص:302.

[37] – مصطفى بغداد: المسرح المغربي قبل الاستقلال، منشورات الرهان الآخر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2000م، صص:40-50.

[38] – الشريف الأدرع: بريخت والمسرح الجزائري، ص:16.

[39] – حسن بحراوي: نفسه، ص:304.

[40] – تمارا الكسندروفنا بوتنتسيفا: ألف عام وعام على المسرح العربي، ترجمة: توفيق المؤذن، مطبعة دار الفارابي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1990م،ص:241-242.

[41]- الشريف الأدرع: نفسه، ص:53.

[42] – الشريف الأدرع: نفسه، ص:72.

[43] – الشريف الأدرع: نفسه، ص:79.

[44] – أمين العيوطي: (الاحتفالية كما أراها)، حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي لعبد الكريم برشيد، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة 1985م، ص:35.

[45] – جميل حمداوي: الفضاء في المسرح المغاربي، منشورات المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة2014م، صص:71-73.

[46] – عبد الرحمن بن زيدان: أسئلة المسرح العربي، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1987م،ص:383-384.

[47] – عبد الرحمن بنزيدان: نفسه، ص:384.

[48] – عبد الرحمن بنزيدان: نفسه، ص:386-387.

[49] – جميل حمداوي: نفسه، ص:160.

[50] – جميل حمداوي: أدب الأطفال في الوطن العربي، مطبعة الجسور ، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م،  ص:81.

[51] – تمارا ألكسندروفنا بوتينتسيفا: ألف عام وعام على المسرح العربي،ص:257.

[52] – تمارا ألكسندروفنا بوتينتسيفا: نفسه، ص:257.

[53] – تمارا ألكسندروفنا بوتينتسيفا: نفسه، ص:257.

[54] – نقلا عن عبد الكريم برشيد: حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1985م، ص:21.

[55] – في كلمة ألقاها في الملتقى الذي أقيم في تونس عام 1970م.

[56] – في كلمة ألقاها في الملتقى الذي أقيم في تونس عام 1970م.

[57] – تمارا ألكسندروفنا بوتينتسيفا: نفسه، ص:257.

[58] – علي الراعي: المسرح في الوطن العربي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد:248،  الطبعة الثانية، 1999م، ص:478.

[59] – جميل حمداوي: (المسرح الجزائري والفضاء الركحي السينوغرافي)، مجلة الحياة المسرحية، دمشق، سورية،العدد82-83، 2013م،صص:113-116.

[60] – تمارا ألكسندروفنا بوتينتسيفا: نفسه، ص:257.

[61] – تمارا ألكسندروفنا بوتينتسيفا: نفسه، ص:257.

[62] – نقلا عن عبد الكريم برشيد: حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي، ص:28-29.

[63] – انظر: المحاضرة التي ألقاها عبد القادر علولة في برلين سنة 1987 م في المؤتمر العاشر للجمعية الدولية لنقاد المسرح.

[64] – انظر: المحاضرة التي ألقاها عبد القادر علولة في برلين سنة 1987 م في المؤتمر العاشر للجمعية الدولية لنقاد المسرح.

[65] – انظر: المحاضرة التي ألقاها عبد القادر علولة في برلين سنة 1987 م في المؤتمر العاشر للجمعية الدولية لنقاد المسرح.

[66] – جمال صدقي: ( حوار مع عبد القادر علولة)، مجلة المسرح، القاهرة، مصر، العدد:46، شتنبر 1992م، ص:70.

[67] – انظر: جميل حمداوي: المسرح المغاربي والتراث، منشورات المعارف، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2014م.

[68] – مصطفى رمضاني:( مسرح الگوال عند عبد القادر علولة)، الأدب المغاربي اليوم، منشورات اتحاد كتاب المغرب،مطبعة المعارف الجديدة، الرباط،  الطبعة الأولى سنة 2006م، ص:323.

[69] – المسكيني الصغير: حكاية بوجمعة الفروج، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2000م، ص:4.

[70] – مصطفى رمضاني:( مسرح الگوال عند عبد القادر علولة)، ص:323.

[71] – مصطفى رمضاني:نفسه، ص:323.

[72] –  خالد أمين: ( المسرح المحكي في المغرب والجزائر : وجدان فرجوي مشترك)، الأدب المغاربي اليوم، منشورات اتحاد كتاب المغرب،مطبعة المعارف الجديدة، الرباط،  الطبعة الأولى سنة 2006م، ص:314.

[73] – خالد أمين: ( المسرح المحكي في المغرب والجزائر : وجدان فرجوي مشترك)، ص:316.

[74] – خالد أمين: ( المسرح المحكي في المغرب والجزائر : وجدان فرجوي مشترك)، ص:316.

[75] – لميا بيركسي:)حضور الثقافة الشعبية في مسرح عبد القادر علولة(، ترجمة يسار أيوب، مجلة أوغاريت، عدد :3، خريف 2004م. انظر:

www.o ugarit.org

[76] – عبد القادر علولة: الأجواد من مسرحيات علولة( الأقوال، الأجواد، اللثام)، موفم للنشر، الجزائر، 1997م، ص:79.

[77] – عبد القادر علولة: نفسه، ص:5.

[78] –  حسن يوسفي: ( الكتابة الدرامية المغاربية:قراءة في بعض النماذج)، الأدب المغاربي اليوم، منشورات اتحاد كتاب المغرب،مطبعة المعارف الجديدة، الرباط،  الطبعة الأولى سنة 2006م، ص:295-296.

————————————————

المصدر : مجلة الفنون المسرحية

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *