المسرح.. ضرورة اجتماعية/مالك القلاف

مازالت قيمة المسرح ملتبسة في المجتمع السعودي، وهنا تكمن المشكلة الأم، حين نحطم هذا الحاجز وننزع إلى إزالة هذا اللبس فسيغدو بإمكاننا الصراخ والمطالبة بالدعم ورفع سقف الحرية في المسرح.

سأتكلم هنا قليلاً عن المسرح، وتحديداً المسرح السعودي، ولكني لست أنوي أن أكون مسايراً للعادة التي تجري في مثل هذا المقام، والتي تقتضي أن أبدأ خطابي بديباجة نمطية تستعرض دور المـسرح في تقدم الحضارات وازدهار المجتـمعات.

سأحاول أن أجعل خطابي أكثر فاعلية من مجرد عويل أخرس، لن أتغنى بالفضائل العظيمة التي يمكن للمسرح أن يقوم بها، فكم تغنينا حتى ذابت الشفاه وتعبت الألسن، بل سأحاول هنا أن أضع يدي على الجرح وسيكون سؤالي صريحاً: إلى أي مدى يمكننا الذهاب كمسرحيين في سبيل انتصار المسرح؟ لا شك بأننا نستطيع رصد العديد من المحطات الهامة التي ساهمت في تطوير الحركة المسرحية في السعودية، وهي محطات مفصلية أجدها كافية في نظري لنشر الثقافة المسرحية بين العامة، إنما لا يزال مفهوم المسرح غائباً في الشارع السعودي عدا المهتمين. أجل هناك تطور ملحوظ على مستوى اللعبة المسرحية، ورغم قلة الدعم إلا أننا مازلنا نشهد حراكاً مسرحيّا يقاوم ببسالة وينبغي له أن ينمو.

لن أغدو سوداويّا كغيري وأجهض هذا المشروع الخجول، فقد كنتُ أحد المشاركين الذين شهدوا أول دورة لمهرجان الدمام المسرحي، والتي دشنتها إدارة جمعية الثقافة والفنون عام 2001، وتابعته دورة تلو الأخرى، ربما كانت العقبات جمة، والجبهات عديدة، لكني كنت أراقب خطواته رغم بطئها، وأرى ساعده في كل دورة تأتي وهو يشتد، وفي هذا العام تحديداً رأيت بعض العروض التي استوقفتني.

لم يعد التعاطي المسرحي يرضى بالبنية التقليدية، لا شكلاً ولا مضموناً، وبلا شك فإن ثورة الميديا كان لها دور كبير في توسيع آفاق العقول الشابة وتعزيز مستوى إدراك الشبان، فصاروا يفتشون عن إجابات للمسائل الأكثر عمومية، وبدأوا يطرحون تساؤلات مغايرة.

حين نحاول حصر المشاكل التي عانى منها المسرح السعودي فسنلاحظ قطعاً أنها ذاتها التي تتكرر عبر مسيرته القصيرة إلى يومنا هذا، من قلة دعم وتهميش وضعف في الإمكانيات ورقابة بلا معايير ثابته….إلخ! لكنني ربما هنا أيضاً سأنحو بخطابي تجاه حقل آخر وسأترك النحيب المستهلك والمطالبات البالية، لا بد أن نعترف علناً بوجود حاجز رفيع ومتين بين العامة والمسرح، ومن تجربتي الخاصة فإن السؤال الذي دائماً يتم طرحه علي، خصوصاً من أهلي والأصدقاء: ما الوظيفة التي يمكن أن تشغلها بعد تخرجك من المعهد العالي للفنون المسرحية؟

مازالت قيمة المسرح ملتبسة في المجتمع السعودي، وهنا تكمن المشكلة الأم، حين نحطم هذا الحاجز وننزع إلى إزالة هذا اللبس فسيغدو بإمكاننا الصراخ والمطالبة بالدعم ورفع سقف الحرية في المسرح.

سأستحضر تجربة اليابانيين ومشروعهم الذي شيدوه لدعم تطور الحركة المسرحية في بلادهم بعد الحرب العالمية الثانية حيث بدأوا بفرض المسرح في مناهجهم الدراسية، فحولوا المسرح إلى ضرورة اجتماعية، هنا غدا المسرح ثقافة اجتماعية لا بد منها، وعليه صار بإمكانهم بصوت جماعي المطالبة بدعم مادي وتجهيزات تقنية وتشييدات مسرحية احترافية، هذا ما ينقصنا تحديداً، متى تحول المسرح في السعودية، إلى ضرورة اجتماعية فسينتفض المسرح وهنا يمكننا المطالبة بصوت “اجتماعي” واحد، صوت لن يتم رفضه.

المصدر/ العرب

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *