المسرح..المكان المثالي للشعور بالحرية

وجد المسرح منذ آلاف السنين، وتغيرت طرق دراستنا له بصورة قاطعة، ولم يعد كافياً أن نحصر اهتمامنا في أمهات كتب الأدب الدرامي الغربي، كما أن المسرح احتل موقعه المتميز بين ألوان متنوعة من فنون الأداء، ما أدى إلى ربطها بالقوى الأكثر شمولاً للطقوس والثورة، والتي تتداخل مع العديد من مجالات الثقافة الإنسانية، وقد ساعد ذلك بدوره على إيجاد صلات عبر التخصصات المختلفة، فعلى مدار الخمسين عاماً الماضية انتشر استخدام المسرح والعروض الأدائية كاستعارات وممارسات رئيسية يمكن من خلالها إعادة التفكير في قضايا النوع والاقتصاد والحرب واللغة والفنون الجميلة والثقافة وإدراك المرء لذاته.

يؤكد هذا الكتاب الصادرة ترجمته العربية عن المركز القومي للترجمة بعنوان «المسرح والسياسة»، أن المسرح حولنا في كل مكان، من المناطق الترفيهية في وسط المدن إلى تلك التي على الهامش، ومن المراسم الحكومية إلى طقوس قاعة المحكمة، ومن مشاهد حلبة الرياضة إلى مسارح العمليات الحربية، وعبر تلك الأشكال المتعددة يمتد تاريخ التواصل المسرحي، وتؤكد الثقافات وجودها وتناقش هويتها من خلاله.

أسئلة عديدة ينطلق منها مؤلف هذا الكتاب «جوكيهلر»: ماذا يحدث للسياسة عندما تتجسد في شكل مسرحي؟ كيف قام المسرح بتوظيف السياسة والتشكيك في آلياتها والدور المنوط بها، سواء في المجتمع أو على خشبة المسرح؟.

هذا الكتاب يتناول العلاقة المركبة بين المسرح والسياسة، ويضع بعض الفرضيات التي تنشأ من الحديث المشترك عنهما محل جدال.

وفي سياق التصدي لبعض الأفكار المتأصلة عن الترفيه والتواصل ينهل الكتاب من مجموعة من النصوص المهمة بدءاً من أفلاطون ووصولاً إلى رانسيير ومن أمثلة مسرحية لأعمال شكسبير والإعدادات الفنية لهذه الأعمال، مروراً ببيتر هاندكه، وصولا إلى ديبي تاكر جرين.

المسرح والسياسة، سواء كانت تربط بينهما علاقة ما أم لا، فكلاهما عمل شاق، وقد ارتبط خلال القرن العشرين العديد من أشكال المسرح السياسي بشكل مباشر بالعمل، وقد تضمن هذا الارتباط سلسلة من الأنشطة المسرحية التي قامت عليها الحركة المسرحية للعمال في بدايات القرن، وقد تضمن هذا الارتباط أيضاً تطور جماليات المسرح المقابلة للإيهام المسرحي عن طريق الكشف عن الجهد المبذول وراء العملية المسرحية، الأضواء، مناطق ما وراء المسرح، النص المكتوب، وتضمن ذلك الارتباط أيضاً عرضاً أخلاقياً مسرحياً يحتفي بالجهد المبذول في البروفات والتكشف المصاحب لظهور المخرج النهائي للعرض.

وعلى الرغم من ذلك سوف يظل السؤال: هل من الممكن أن نقارن المسرح، هذا الوسيط اللاهي والآمن، بهذا النوع من العمل الحقيقي المرتبط ببعض مجالات السياسة؟ إحدى الإجابات بتجاهل الخطر الحقيقي الذي طالما واجهه ويواجهه بشكل مستمر صناع المسرح والمؤدون، وآخرون من الفنانين والكتاب في المواقف التي يشعر فيها هؤلاء ممن يملكون السلطة لمواجهة القدرة المهيجة لسياسات العرض المسرحي بخطورة تلك القدرة.

وهناك أدلة كثيرة على هذا الخطر الكامن في المسرح، وهي أدلة تنتشر وبشكل مستمر في مواقع الشبكة الإلكترونية لمنظمات عدة مثل نادي القلم الدولي، فهرس الرقابة، منظمة العفو الدولية، ومن الممكن أيضاً مع ما سبق أن نتبع العلاقة بين المسرح والسياسة فيما يتعلق بموضوع العمل من خلال طرائق أخرى تتناول بجدية كل ما هو مسرحي، وما هو سياسي بوصفهما مجالين منفصلين، رغم مساحات التلاقي بينهما، إن المسرح، ضمن حزمة أشياء أخرى، هو المكان الذي نذهب إليه لننشد شعوراً بالحرية من العمل وهي حرية معزولة عن الزمن، مهما هيأنا المسرح لمثل هذا الشعور الكاذب بالحرية.

ويتساءل المؤلف: كيف إذن تتحول تلك اللحظة التي يبدو فيها المسرح في ذروة قدرته على توصيل رسالته، سياسية كانت أم غير سياسية، إلى اللحظة نفسها التي يتداعى فيها كيان المسرح كاشفاً عما يفترض أن يقوم بإخفائه فاتحاً المجال لإمكانات سياسية أخرى للعرض، ليس المسرح معنياً بها في المقام الأول، وعلى الرغم من ذلك فهي موجودة طوال الوقت، وهي الآن في محل تفعيل أو ممارسة.

———————————————————-

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – القاهرة – الخليج

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *