المسرح العراقي بين الإستنساخية والسرقة .. نصوص وعروض مقتبسة

 

علي العبادي – الزمان 

عرف العراق المسرح في نهاية القرن التاسع عشر عبر عدة مدونات لتأكيد الفعل المسرحي في تلك العقود، وبالتحديد عرف في مدينة نينوى/ الموصل من خلال المدارس المسيحية وبالخصوص مدرسة (الكليركية) التي أسسها الاباء الدومنيكان 1750 م ، وقد عنيت هذه المدرسة بالنشاط التمثيلي الديني في الوهلة الاولى كما أكدت ذلك نصوص حنا حبش، ومن ثم حاولت الكنيسة ان تخرج عن الخطاب الديني فاتجهت الى الخطاب التاريخي عبر مسرحية (نبوخذ نصر) التي كتبها هرمز نرسو الكلداني) 1886 م ثم تطور المسرح شيئاً فشيئاً الى ان وصل الى ما عليه الان .

التأصيل

ان المسرح العربي عامة والعراقي خاصة كونه محور القراءة هو مسرح أستنساخي أي اسير وملاحق لنتاج الغرب في الاشتغال ، لم يحاول ان يؤسس الى خطاب يعبر عن هويته ويكشف عن مدى عبقريته في انتاج أو تأصيل لـ ( لون مسرحي) كما انتج الالمان (المسرح الملحمي) على سبيل المثال بل ظل يراوح في مكانه ولم يكتشف نظرية او خطاباً مختلفاً، و ان كان ذلك غير صحيح فلا نجد اثراً للنقيض باستثناء محاولات الفنان العراقي الراحل (قاسم محمد) والفنان المغربي (الطيب الصديقي) في (مسرح التراث) وهذا المسرح ليس فيه تجنيس مختلف عما انتجه الاخرون في مضمار المسرح ، هو يحاول ان يسقط رؤى لخطابات سابقة على منظومة العرض ، وان يستلهم طروحاتها من اجل تطبيقها . بقى اجتهاد المشتغلين في الحقل المسرحي عبر تفخيخ المناطق المعتمة تارة بالخطاب الجمالي ومرجعياته اغلبه ليس عربياً وتارة اخرى بالخطاب الفكري عبر الاشتباكات الاجتماعية مع / السياسي/ الديني/ القبلي / .

بعد التغيير عام 2003 م شهد المسرح العراقي تحولاً ملحوظاً على مستوى الخطاب الجمالي ، ويعزو سبب ذلك الى محاولة تذويب الحصار المفروض على العراقيين ، جمعياً غزو التكنولوجيا وفرة فسح كبيرة للفنان في توظيفها اضافة الى مواقع التواصل الاجتماعي وما تبثه بعض الذوات المبدعة والخلاقة عبرها من نتاجات ابداعية مسرحية، والتي اصبحت بدورها لقمة سائغة لسرقتها لمن يعاني من الجدب الابداعي او من مات ابداعه سريرياً .

فرضية نتاج بعض الخطابات المسرحية لما بعد التغيير

أ / ذات غير منتجة = ب / ذات منتجة .

ب / وسطها الاشهاري عالمياً الميديا و(مواقع التواصل الاجتماعي) = أ / تعاني من الجدب الابداعي او من موت ابداعها سريرياً ، وسطها الاشهاري المجاملاتية لبعض كتاب العروض المسرحية والنقاد والصحفيين .

ب / تتحدى ذاتها في تقديم الجديد و المائز = أ / تعزز فشلها عبر سرقة ما تنتجه ب. الاستنساخ عبر المهرجانات من جملة الامور المؤلمة هي حينما يشارك بعض الشباب في مهرجانات عربية وغيرها ما ان يعود الى ارض الوطن حتى يبدأ بإسقاط مشاهدته في هذا المهرجان او ذاك على عمله المسرحي ، حتى ان الكثير منها لم يقف عند المناطق الجمالية والفكرية في اشتغال تلك العروض، بل تجاوز ذلك عبر محاولاته في الهيمنة على النتاج كله وتقديم في بلده ( كوبي بيست) دون علم المنتج الحقيقي للعرض والذي يقبع في بلد ما .

السرقة بين التصريح والتلميح

تتمحور السرقة عبر اشتغالين منها اغتيال حق المبدع عبر الاستيلاء عليه وتقديمه كما هو وهذه سرقة فيها تصريح ، وهناك اغتيال و ازاحة غير مباشرة تتمثل بأستلاب الفكرة من جسد النتاج الابداعي وهذه سرقة فيها تلميح ، مما تفتح الباب على مصراعيه للباحثين والنقاد للبحث في جذر ذلك النتاج والكشف عن أحقيته او عائدتيه . تدني مستوى الخطاب الثقافي والفني لدى الكثير من المشتغلين الحقل المسرحي وانغلاق المسامات الابداعية جعلت منهم توابع ابداعية ، بل منهم من لا يميز بين الاقتباس والإعداد والتأليف والفكرة حسب ما حدث معي في (مهرجان المثنى المسرحي الاول ضد الارهاب) حيث قدم أحد المخرجين الشباب المشاركين في المهرجان مسرحية (الحقائب السود) لم يكتف بسرقة النص وحذف أسمي ونسب المسرحية اليه ، بل تابع عبر اليوتيوب منجز المسرحية واكتشف انها قدمت في كربلاء وقام بسرقة جزء من الرؤية الاخراجية للعرض ، وبعد مواجهته يقول لي ان شخص ما اعطاني الفكرة اتضح لي انه لا يفرق بين (السرقة والاقتباس و الاعداد) من خلال الاتصال الذي اجريته معه لمدة ساعة معقباً بما يلي ( اذا فنان شاهد اغنية و عمل مثلها ما الضير في ان يقتبس الفكرة ) أدركت ان هذا الشخص اما انه ساذج حد اللعنة او انه يتخذ وسائل دفاعية ، وحينما قدم العرض في البصرة اشار الى اسمي لا اعرف اذا كان على صواب لم يذكره .

حينما قدم نفس هذا النص من قبل احد زملائي في المانيا / تورنكن لم يذكر اسمي بل ذكر اسم الشاعر اديب كمال الدين حيث اعددت النص عن نص شعري له حمل نفس الاسم ، هذا الشخص هو الأخر لا يفرق بين الاعداد والتأليف ، لكن نوه في الفيسبوك ان النص مرجعيته لي ، وحينما قدم العرض مرة ثانية في هامبورغ / المانيا لم يذكر اسمي سألت الممثل لماذا لم تذكر اسمي اجاب بعتب شديد (لأنـــــــك لا تعطيني لايك اوتعـــــلق لي بالفيسبوك) .

سرقات النصوص المسرحية عبر النت

هذه كارثة اخرى حلت بأهل الابداع ، حينما ينشر المبدع نصاً مسرحياً في احد المواقع المتخصصة في الشأن المسرحي او غيرها ، عملية السطو على هذا المنجز تتم بسهولة بالغة ويصبح للسارق حرية ما لم يألفه في واقعه عبر اشتغالاته في مجالات السطو واغتيال المؤلف منها شطب أسم منتج الخطاب و ازاحته له ، أخذ جزءاً من النص ويخرج اللص بنص مكون من مجموعة نصوص دون ذكر اسم منتجي النصوص ، حذف واضافة دون الرجوع للمؤلف ، كل ذلك يحدث اذا علمنا ان في زمن القحط الاخلاقي ليس لمنتج الخطاب الجمالي/ النص من معرفة بتقديم نصه الا عبر الوكالات الصحافية او ما كتب عنه في الصحافة او ابلاغه من قبل احد الاصدقاء الذين تسنى لهم مشاهدة العرض، اما دون ذلك ليس له علم اطلاقاً .

سرقة الدراسات

لم تقف السرقات او الخطاب الاستنساخي عند العرض او النص فقد تجاوز ذلك بولوجه عالم المعرفة عبر الدراسات الاكاديمية العليا المختصة بالشأن المسرحي ، وكثيراً ما تعرضت جهود باحثين افذاذ للسطو ، وايضاً تعرضت الكثير من الدراسات والبحوث المسرحية وحتى المقالات في هذا الشأن هي الاخرى لم تسلم من السطو .

سرقة الذات

كل ما تقدم ربما لا يثير الدهشة بقدر اثارتها ازاء ذلك الذي يسرق من نتاجه بعد ان جف ابداعه وبدأ ينضب وانعدمت الادامة المعرفية والجمالية والذوقية لديه ، فاخذ يدور في حلقة مفرغة عبر اجترار بعض مما انتجه وإعادة تقديم تارة بإعادة تسمية النتاج او بحذف وتعديل الذي يجريه على النتاج الابداعي في شتى مجالات المسرح / بحث / نص/عرض .

لماذا نسرق او نستنسخ؟

ما الداعي للسرقة او الاستنساخ نتاجات مبدعين خارج حدود البلد ؟ اسباب كثير منها الرؤية الإجتماعية وبرمجة الذات على ان كل ما انتج الاخر خارج حدود البلد هو المقدس وهو وعرف لا يمكن المساس به ، لا شك ان ما انتجه الغرب جعلنا في دهشة غامرة لكن التطرف في رؤية وتقديس هذا النتاج مرفوض ، هذا التطرف الذي اودى بالكثير بالتمسك بالاستنساخية كي يحظوا برضى النقاد والباحثين في هذا الشأن .

ليست هناك حقوق محفوظة

الى الان في ظل الكثير من السرقات لم نر قانون رادع ، يحد من هذه الظاهرة و يساهم في الحث على الابتكار والتجديد ، ودحض كل ما هو شأن ان يسيء للخطاب الابداعي الجمالي للعملية المسرحية ، وتعزيز خطاب الذات المبدعة المنتجة عبر حفظ حقوقها ممن أصابهم البؤس المعرفي والجمالي والتصحر الابداعي ، ربما يتســـاءل البعض ، لماذا الى الان يرقد قانون الحماية الفكـــرية في غرفة الانعاش؟ وان عملية تفعيله بطريقة خـــجولة ألا تكون مدعاة للريبة ؟

المشرق يدحض ويزيح المعتم

ما تقدم هو ليس الوجه الكلي للمسرح العراقي بل هو جزء معتم من ذلك الوجه البراق الذي قدم أعمالاً مسرحية مهمة شكلت وساهمت في خطاباتها المتنوعة والمختلفة خارطة المسرح العربي عبر عدة تمرحلات زمنية ، جاهدت من اجل القاء الحجر في البرك الساكنة وبذلك قدمت لنا اسماء مهمة نفخر بها وتأتي هذه القراءة في محاولة لتأكـــــــيد خطاب هذه الثلة الخــــــــيرة ممن قدمت تضحــــــــــيات كبيرة من اجل المسرح مقابل دحض و ازاحة كل ما من شـــــــأنه الاساءة لتلك الرموز .

———————————————————

المصدر : مجلة الفنون المسرحية 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *