المسرحيات القصيرة مثل القصيدة والقصة القصيرة : محمد الحمامصي

الدورة السابعة لمهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة تقدم عددا من الندوات التي تناقش أهم المستجدات المسرحية، خاصة في ما يتعلق بفئة المسرحيات القصيرة.

شهدت أولى جلسات اليوم الأول للملتقى الفكري الذي يقام في إطار الدورة السابعة لمهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، والمتمحور حول “المسرحيات القصيرة بين النص والعرض”، جدلا واسعا بين النقاد والمخرجين والممثلين المسرحيين حول مصطلح المسرحية القصيرة وتقنياتها وخصائصها وأدوات تنفيذها، حيث طرحت العديد من التساؤلات حول موقعها من الحداثة وما بعد الحداثة، وعلاقاتها بالقصيدة والقصة القصيرة.

مثل قصة أو قصيدة

تساءل الفنان والكاتب الإماراتي مرعي الحليان: هل هناك توصيف لما نسميه بالمسرحية القصيرة سوى أنها قصيرة في زمن عرضها؟ ما الذي يجعل مسرحية طويلة تعتمد محرك الفعل ذاته تختلف عن مسرحية لها ذات المحرك وذات التضاد المنتج لدراميتها؟ لا شيء يختلف سوى زمن العرض، أما ثنائية المكان والزمان في العرض المسرحي فإن المسرحة قادرة على أن تعبر الأزمنة والأمكنة في المتخيل الإبداعي، حيث تفتح العملية المسرحية تلك المساحة الشاسعة في الكون، لكي يعيد هندستها وفق متواليات لا تنتهي من أجل تحقيق الفرجة وتجاوز الزمان والمكان.

وأضاف الحليان أنه في تنويعات المسرحة ذهب المسرحيون في مسألة النص إلى ما ذهبوا إليه عبر التطوير ليصار إلى مسائل إبداعية عديدة مثلما حدث ذلك في القصة والرواية. وقال “لا أتفق مع من يدفع بالقول إن المسرحية القصيرة هي مسرحية قائمة على حبكة درامية واحدة، ولها خط درامي واحد، فقد استفاد المسرح من تطوّر جميع أشكال الفنون”.

وشبّه الحليان المسرحية القصيرة بشعر الهايكو الياباني، ولفت إلى أنه لا يمكن أن نتخيّل استحالة أن نشاهد مسرحية تمتد على مدى ربع الساعة من الزمن، إنها لا تتكئ في محركها الدرامي على حبكتين أو ثلاث حبكات، فما الضير؟ ما المانع؟ ما الصعوبة؟ إن ساحة الإبداع حرة وخيال المبدع حصان جامح ومن الخطر أن نؤصل لثوابت هي ليست بأيدينا.

ومن جانبه رأى المخرج المسرحي العراقي حليم هاتف أن المسرحية منذ بداياتها الأولى حتى الآن يمكن التأشير لها على أنها تابو مقدس لا يمكن المساس بآلية تشكيله وهيكليته ومضمونه، وقد تعرّض الكتّاب المحدثون الذين حاولوا العبور على البنية الأرسطية لتمرير محاولاتهم الساعية إلى ضرب تلك البنية إلى الكثير من المساءلة وإخضاعهم للعودة إلى الأصول الأرسطية الواجبة، وأفضل الأمثلة على ذلك ما فعله ألبير كورنيه في مسرحية “السيد” قبل الأكاديمية الفرنسية، ثم ما تعرض له فكتور هيغو في مسرحيته “هرناني” في موجة من النقد الفرنسي ثم ما تعرض له ابسن النرويجي في مسرحية بيت “الدمية” إلا أن كل تلك المحاولات كانت مفتاحا مهما لكل ما حدث لاحقا من ترتيب أفق النص المسرحي المعاصر.

وقال إن كتّاب المسرح المحدثين وهم يستغلون وحدة المسرحيات القصيرة وما فيها من اقتصاد ورسم دقيق للشخصيات مازالوا مستمرين على استنباط الأشكال المختلفة لهذا الفن المسرحي الجديد وكتابة المسرحيات القصيرة ابتداء من الفودفيل التقليدي الهزلي الذي تمثّله مسرحية “عرض زواج” لتشيخوف، و”الراكبون إلى البحر” التراجيدية المعروفة التي أبدعها سنج وإيحائية بكت “فصل بلا كلمات” أو مسرحية أونيسكو “الصلعاء”.

وأشار هاتف أن العرض المسرحي الما بعد حداثي استثمر تلك النصوص القصيرة التي تتواءم مع روح العصر وسرعته ومميزاته التكنولوجية والانفتاح الحضاري الراهن عبر منتجات تلك التكنولوجيا المتمثلة في تشكيل تلك العروض وزمنها العرضي. مؤكدا أن المسرحيات القصيرة مثل القصيدة والقصة القصيرة إما أن تكتب جيدا وإما ألا تكتب لأنها ترصد جانبا يشف عن الجوانب الأخرى.

المسرحيات القصيرة

مساحة زمنية ومكانية صغيرة ورؤية شاسعة
مساحة زمنية ومكانية صغيرة ورؤية شاسعة

رأت الناقدة هبة بركات أن اللجوء إلى المسرحيات القصيرة أصبح من الأمور التقليدية بين أبناء تيارات الحداثة، الذين تخلّوا عن خشبات المسارح الكبيرة وما تقدّمه من دعم وإمكانيات إنتاجية، وتوجهوا بعروضهم إلى فضاءات بديلة لفضاء المسرح “كدار عرض”. وهو ما يعكس وعي تلك التيارات بأهمية إعادة تشكيل العلاقة بفضاء صالة المتفرجين، لتحقيق مجموعة الأهداف التي تندرج في معظمها ضمن خطاب ثوري ومتمرد على تقاليد وأعراف وسلطات الطبقة البرجوازية، التي كانت تهيمن بأفكارها وذوقها الجمالي على المسارح السائدة.

وأوضحت بركات أن أهم سمات الدراماتورجية المميزة للمسرحيات القصيرة التي أنتجتها تيارات الحداثة ربما يكون الإعداد الدرامي من الوسائط الفنية الأخرى (الشعر، الرواية، القصة، الفن التشكيلي… الخ) أحد المصادر الأساسية التي يعمل عليها المسرح الحداثي، بالإضافة إلى العمل الدراماتورجي لتحويل النصوص المسرحية إلى مشاريع أدائية.

وأضافت أن هناك مجموعة من التقنيات الأساسية حاضرة أكثر من غيرها في المسرحية القصيرة، منها التحديد: حيث يتم الانطلاق نحو الموضوع الأساسي، فلا مكان للحبكات الفرعية أو سلاسل الأفكار المترابطة أو شبكات العلاقات المعقدة أو حتى الشخصيات الكثيرة.

أكد الناقد العراقي عبدالرضا جاسم أن نجاح كاتب المسرحيات القصيرة يتوقف في قدرته على الإمساك بزمام النص المقترن بموهبته، وخبراته عند توظيفه لكل العناصر التي تخدم عمله الذي بني على شخصية واحدة أو يندفع وراء فكرة تلحّ عليه ليحقق توازن ما بين الشكل والمضمون بوجود عنصري الإقناع والإثارة على خشبة المسرح.

وشدد الناقد العراقي على ضرورة أن تحتوي المسرحية على وحدة مكان أو أمكنة محددة ومناظر يسهل إعدادها من حيث الوقت والتكاليف، وصياغة نص مسرحي يتلاءم مع وجدان المجتمع وذائقته، والأخذ بعين الاعتبار اختلاف طبيعة استجابة الجمهور للنصوص القصيرة التي لا بد أن تضع حلا للمشكلة المثارة، إضافة إلى مباشرة الشخصيات مقالها بالقول والفعل المكثّف للتعبير عن نفسها دون وسيط سردي، حيث تبتعد المسرحية القصيرة عن لغة السرد أو الوسيط التعبيري السردي (الراوي) وتركّز على لغة الحوار وفعل الشخصيات، فللحوار دور أساسي في كشف الأحداث والعلاقات والدوافع والشخصيات والمشاعر وتنمية الصراع والشخصية، كما دعا الناقد إلى تعميق الشخصيات ودوافعها وخلق تشابك يوصل للإثارة في بعض الأحداث المسرحية القصيرة.

وأشار جاسم إلى أن الفضاء التجريبي للمسرحيات القصيرة لا يقتصر على اللغة وصوت الممثل بل يتعداه ليشمل كل المؤثرات الصورية والصوتية.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *