“المايم والبانتومايم..مصطلح وتاريخ / د.صديقة لاشين

ورد تعريف مصطلح “مايم” في قاموس المورد علي أنه: الممثل ،والمهرج، وأيضاً مسرحية قديمة تمثل مشاهد من الحياة بإسلوب ساخر مضحك، وهو فن التمثيل بحركات جسدية، وكذلك تعني يقلد، يحاكي، يسخر.

لقد اختلف النقاد في تفسير مصطلحي “المايم” و”البانتومايم”، ففيما يتعلق بمصطلح “مايم” “Mime ” بأنه كلمة يونانية الأصل من كلمة “ميموس MIMOS ” تعني المحاكاة أو النقل أو التقليد، وتتم المحاكاة عن طريق الحركة. وقد ظهرمصطلح “المايم” في اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد. ومن الملاحظ أن كلمة مايم اكتسبت معاني عديدة مع مرور الزمن حيث أنها في بدايتها كانت عبارة عن مسرحيات قصيرة تعرض في الأسواق العامة، وكانت موضوعاتها قائمة علي السخرية من أخطاء شخصيات التاريخ اليوناني، ثم انتقلت الي السخرية من شخصيات المجتمع المعاصر مثل شخصية القاضي ، والتاجر، ورجل البوليس. وفي مرحلة لاحقة أصبحت تعني الممثل الذي يقوم بآداء مسرحيات المايم. وكان ممثلوها يعاملون بازدراء. وكانت تعتمد بصفة رئيسة علي الحركات الكوميدية والهزل والتهريج بالإضافة إلي اعتمادها علي الارتجال. ولكن أهم ما يميز فن المايم أنه لم يكن صامتاً كلية، فقد كان يحتوي علي كلمات وجمل حوارية قصيرة.

ومن الملاحظة لتعريف مصطلح “البانتومايم” Pantomimeنجد أن كل التعريفات تشترك في كون “البانتومايم” عبارة عن “تقليد للكل”، بمعني آخر المحاكاة للكل سواء كان الكل اشخاصا أو أشياء، تلك المحاكاة –شأنها فى ذلك شأن المايم- تعتمد علي الإيماءات وحركات الجسد فحسب. وتعتمد علي السخرية والهجاء. وقد استخدم مصطلح “البانتومايم” لأول مرة في العصر الروماني، حيث كان يشير إلي الشخص الذي يقلد عن طريق الحركات مستخدماً الأقنعة، والرقصات. وكانت كلمة بانتومايم تطلق علي كل من الممثل والمسرحية، ذلك لأن المسرحية كان يقوم بأدائها شخص واحد يقوم بتجسيد كل الأدوار.

نماذج لممثلي التمثيل الصامت في العصر الروماني

وكان أهم ما يميز “البانتومايم” عن “المايم” هو عدم مصاحبته للأصوات، حيث كان “البانتومايم” صامتاً تماماً. كذلك تميز باستخدام الممثل للأقنعة. ومن الملاحظ أن “البانتومايم” قد اكتسب معان عديدة فيما بعد حيث استخدم المصطلح فى القرن الثامن عشر في انجلترا علي أنه عرض لموضوعات تاريخية عن طريق الإيماءات، كما استخدم للدلالة على عروض المهرجين. أما في العصر الحديث فاستخدم للدلالة علي المشاهد الصامتة التي تتخلل عروض المسرحيات الناطقة.
ولكن في العصر الحديث يستخدم المصطلحان بالتبادل ليشيرا إلي فن التمثيل الصامت.

عمالقة فن التمثيل الصامت

يعتبر الاهتمام بلغة الجسد والتكوين الحركي من الناحية النظرية من أحدث الاتجاهات التي ظهرت في المسرح المعاصر، إلا أنه لم يأخذ حقه من الدراسات النظرية فى المكتبة العربية، وكذلك لم يأخذ حقه في المسرح العربي باعتباره فنا مستقلا عن فنون التمثيل المنطوق، لذا وجدت أنه من الضرورى إلقاء الضوء على هذا الاتجاه من خلال عرضنا لمدارس المايم الرئيسة.
تشكل فن التمثيل الصامت في العصر الحديث في صورة أساليب مختلفة، ومتباينة، متأثراً بالتمثيل الصامت الفرنسي تارة، وبمزيج من الثقافات المختلقة المتعايشة داخل المجتمع نفسه تارة أخري، وبالاتجاهات الحديثة في المسرح تارة ثالثة. هذا المزيج الجديد أنتج لنا أساليب مختلفة تحمل في طياتها من العناصر والملامح ما يثير التساؤلات حول ماهيتها. لذلك نجد أنفسنا أمام ضرورة التعرف علي مصادر تلك الأساليب وماهيتها، ولما كان المسرح الفرنسي المنبع الرئيس لأساليب فن التمثيل الصامت في العالم، لذا ينبغي علينا التعرف علي التمثيل الصامت في المسرح الفرنسي.وهي إتجاهات كل من “ايتيان داكرو” و”مارسيل مارسو” و”جاك ليكوك”.
لقد أوجد “إيتيان داكرو” نوعا جديدا من التمثيل الصامت أطلق عليه “التمثيل الصامت الدرامي الجسدي” والجدير بالذكر أن إيتيان داكرو يعد الأب الأول للتمثيل الصام في العصر الحديث.وقد اعتمد في منهجه علي الإمكانات الجسدية للممثل فقط. مدربا إياه علي تحقيق الحركات باستخدام خط القوة لفترة زمنية تمتد لثلاثين عاما متواصلة. حتي يتحقق هدفه بالعثور علي ممثل التمثيل الصامت الذي يحمل ” قلب شاعر، وذهن ممثل، وجسم بطل رياضي”، ولم يهتم بالعناصر المسرحية الاخري مثل الموسيقي والأكسسوار والديكور….الخ . وقد قام بوضع مجموعة من التدريبات اعتبرها مبادئ أساسية لممثلي ومنها التدرج والأوزان المضادة والعزل والتأليف والارتجال ….وغيرها.

أما المنهج الثاني فيتمثل في مدرسة “مارسيل مارسو” .وفقد ابتكر “مارسو” التمثيل الصامت (الغبي) Dumb. وتمثلت عناصره فيما يلي :
أولا: من حيث الموضوعات، جاءت كوميدية بسيطة اعتمدت علي إلقاء الضوء علي الأمور العادية في الحياة اليومية المحيطة بنا.
ثانيا:من حيث الحركة: اعتمد علي استخدام تقنيات محددة تتمثل في إيماءات وإيهامات ومشيات التمثيل الصامت.فضلا عن استخدام تقنيات الفنون الاخري مثل الرقص والأكروبات والمبارزة وفنون التمثيل المختلفة لصقل مرونة الجسد وتنمية مهاراته.
ثالثا:فيما يتعلق باستخدام الصوت: لم يستخدم أي صوت بشري علي خشبة المسرح باستثناء الموسيقي المصاحبة للعرض من بدايته وحتي نهايته.
رابعا: الشخصيات : ابتكر “مارسو” شخصية بيب بملابسها المميزة وماكياجها الأبيض .وقدم بها عروضا منفردة.
وتجدر الإشارة هنا إلي أن هذا النوع من التمثيل الصامت هو النوع الكثر انتشارا في العالم، وكذلك في مصر حيث اعتمدت عروض الفنان المصري أحمد نبيل علي تقنيات تلك المدرسة.

مارسيل مارسو وشخصية بيب

أما فيما يتعلق بأسلوب التمثيل الصامت الأبيض ,فقد اهتم “ليكوك” بتدريس ذلك الإسلوب فى مدرسته لمدة عامين متتاليين. وكان أهم ما ميزه أنه:

‪من حيث الموضوعات، فإن الاهتمام كان بالطبيعة والبيئة المحيطة منبعاً لتقديم الموضوعات.

‪ركز على الجسد بشكل رئيسى فى الحركة، وكان القناع المحايد Natural Masks من أهم التدريبات التى استخدمت لإظهار قدرات الجسد.

‪كما اهتم بدراسة الحركة من خلال العلاقة بين الفراغ والكتلة

الصوت: وفيما يتعلق بعنصر الصوت اهتم ليكوك بدراسة الأصوات البشرية، فضلا عن أصوات الكائنات الحية والجماد لاستخدامها فى العرض المسرحى.

‪دراسة بعض تقنيات المسرح المنطوق.

وبذلك نجد أن “ليكوك” قد طور تقنية فى التدريب ارتكزت فى المقام الأول على التعبيرية الجسدية. وثانيا أنه كان أول من نادي بأن يكون فن التمثيل الصامت”ناطقا”.، حيث قال ” لقد جعلت مؤديو التمثيل الصامت ينطقون”.

أحد عروض جاك ليكوك

يتحول الممثل إلي شي

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *