الكاتب والمخرج والممثل د.موسى مرعب :”الدراماالمسرحية لاتقوم إلا بتناغم كل اللغات المشتركة”

تشتد خشبة المسرح وتنقبض أركانه عندما يقبض الكاتب والمخرج والممثل  الدكتور “موسى مرعب” على العناصر الدرامية،  لتتحول اعماله الى صرخة فنية تزلزل أركان المسرح او العمل الدرامي كتابة وتمثيلاً وحتى إخراجاً . في لقائه صرخات استنكار تؤكد على وجوب احترام مادة الدراما المسرحية او التلفزيونية وحتى السينمائية بكافة اشكالها وانواعها ان بالتمثيل او بالاخراج او الكتابة ، فهو لا يحب التفريط بقواعد العمل الدرامية اكاديميا. لتكون بمثابة مادة عالمية يحاكي بها تلاميذه قبل مشاهديه.
اذ اثبت خلال مسيرته الفنية بكافة مضامينها كتابة واخراجا ان العمل الدرامي هو الانضباط مع قوة التعبير الروحي قبل الجسدي ودون تكلف . ربما من يشاهد اعمال “موسى مرعب”  يشعر برعب المشهد الذي يسبغه بقدرات يفجرها من داخل الممثل،  ومن داخله هو لتكون لغة مخاطبة تحفيزية يتأثر بها الكل وليس الجزء،  ليكون ايضا التواصل متينا من خلال العمل،  فتصل الاهداف الى ما يصبو اليه،  ولكن في صرامة اقواله تحديات تجبرك على سماعه رغم انتقاداته التي لا يمكن الانكار انها بناءة وهادفة تقنيا وفعليا ، ولكنها شديدة الانتقاد لأنه يؤمن ان العمل الدرامي هو حبكة قوية في وجه الزمن ولا ادري ان كنت قد اخرجت من هذا الرجل العتيد  كل ما هو مهم في العمل الدرامي ضمن هذا الحوار  الذي اجريته اثناء تكريمه بمناسبة صدور كتابيه “قلم احمر ناشف” و”علّ  صوتك” في الرابطة الثقافية – طرابلس لبنان..
* لغة المسرح الغامضة تحتاج غالبا لقدرة عالية تؤثر على مخيلة المشاهد. هل نتملك هذه القدرات في المسرح اللبناني؟
– هي القدرات موجودة ونحن نصرخ بالصوت العالي اننا نتملك . لكن اين هو المسرح اللبناني بعد المسرح الاختباري الذي كان شرف تأسيسه مع وجود لطيفة وانطوان ملتقى. اين هو المسرح اللبناني بعد رحيل  يعقوب الشدراوي وريمون جبارة واعتكاف جلال خوري وشكيب خوري وروجيه عساف ..لقد انتحر المسرح بعدما هجروه.   وهل يكون هناك ربيع بلا سنونو !!..
*موسى مرعب من انت؟
-بعيداً عن التأليف والتدريس الجامعي انا لبناني منذ اكثر من عشر سنوات، هكذا يقول اخراج القيد..وبناء عليه يوم ولدت زلزلت الدنيا زلزالها…فعشت حياتي ما بين العواصف والرعد والمطر…تعرفت الى كل انواع القهر والتعذيب والجوع والحرمان، فعرفت بعدها ان الحياة  لا تؤخذ الا غلابا…فرحت اصارعها متسلحاً بالقلم والكتاب والدفتر حتى اكون بمستوى “الكلمة” وبناء عليه ايضا قررت ان اكتب وجودي “بالكلمة” وبالقلم الرصاص..وبالقلم الاحمر الناشف..ليسمع من به صمم.ومن يومها اتخذت قراري أن اموت تحت انقاض بيتي علّ الدنيا تزلزل زلزالها الاخير.
*يظهر انك كتبت نهاية مسرحية حياتك مع بداية وجودك؟
-وبالقلم الرصاص كتبتها،  فأنا لا اريد ان اموت ميتة طبيعية، ولا صريع مرض..بل قتلا بالرصاص وعلى فكرة رصاصة واحدة لا تقتلني..ومن تسول له نفسه لقتلي فعليه ان يطلق (30 طلقة).
*النرجسية تطفح من عقلك وقلبك، فهل انت نرجسي ، والى اي حد؟
-الى ابعد من حدود الافق والسماء..هي مفاهيم خاصة اخترتها بنفسي.وتعذبت في تكوينها.واستعذبت عذابي بها وما زلت وسأبقى حتى الرمق الاخير.
*هل تعذبت في بداية تكوينك الفني؟
-كثيراً ..كثيراً استعذبت عذابي به..في البداية ألفت فرقة فنية ورحت اجوب بها المناطق حتى كانت البداية مع تلفزيون لبنان في عام 1959 يومها كلفت بكتاب قصص الاديب ميخائيل نعيمة وتبعتها “برانية” و”هذا الاخير” و “غمرة ورد” وكرت السبحة  ممثلا وكاتبا في معظم المسلسلات ولمعظمها .حتى كان عام( 1968) فالتحقت بالجامعة اللبنانية (معهد الفنون)وتخرجت منه بشهادة دبلوم دراسات عليا..وخلال دراستي احتل اسمي معظم الاعمال المسرحية منها “وصية كلب” الى “البيت الحدود” الى” رقصة الموت” ” فالمهرج” و “والمارسيلياز العربي”و “ضاعت الطاسة” وكثيراً ما كانت نرجسيتي تكبر امامي على الصفحات الاولى من الصحف والمجلات..
اثناء دراستي لفن السينما اخرجت فيلما اسميته “الحبل”  نلت على اثره الجائزة الاولى في مهرجان ليبزغ المانيا (1971) وتخرجت في العام )1972( فالتحقت “بمعهد بيكولو تياترا”في ايطاليا ثم الى فرنسا فتخرجت بشهادة الدكتوراه في المسرح.
*ماذا اضافت شهادة  الدكتوراه لمفاهيمك؟
-اشبعتني بثقافتها فالتهمت الكتب التهاما.مكتبتي الان تضم نحو( 4000 )كتاب ومرجع،  وهذا ما جرّدته بعدما احرق المغول والتتر مكتبتي الاولى..
*ملاحظة لا بد منها؟.
-يوم  كنت في المعهد. كتبت ( جريمتكم انكم ابرياء) فقدمت للجمهور التلفزيوني فيها (انطوان كرباج) و(منير معاصيري) و(نبيه ابو الحسن)هذه ومعي كانت بدايتهم ونقطة على السطر .ولا نقاش في ذلك.
*ما هي الاعمال التي قمت بها بعد عودتك من باريس؟
-التحقت في وزارة الاعلام مسؤولا عن وحدة الاخراج والبرامج الثقافية ..الى جانب اعمالي المسرحية  والتلفزيوينة ، فكتبت “السجن الكبير” (للجديد) و”سجن الايام” لتلفزيون لبنان و”العين الثالثة” لاستديو الارز حيث نال الجائزة الاولى في مهرجان مراكز ثم “رحيل الطيور” و”دخان المطر” لتلفزيون المستقبل وغيرها وغيرها .
*كيف تنظر الى الدراما اللبنانية الان؟
-انا لا اعترف ..ولا اعتبر ان ما يقدم على شاشاتنا هو دراما لبنانية لانها لا تقنعني بالفكر والمعالجة والتمثيل.وحتى بالاخراج موضوعها من المسلسلات البرازيلية..كتابها لا حنكة عندهم ولا دراية بفن السناريو والحوار ومعظم النساء اللاتي يكتبنها مثلن معي في مسلسلاتي، وكن يسألنني عن كيفية كتابة السناريو والحوار حتى صرت كاتباً ومعظم الابطال من سوريا ومصر..كم واحد كومبارس من لبنان..وتصور في كل مكان..فهل تكون هكذا الهوية. ويدعين بعد هذا ان كتابتهن فيها الحوار “الواقعي” فاية واقعية هذه في ان تتلفظ الكاتبة بما يقوله اولاد الشوارع وعليه اقول لهن ” الكاتب الذي يساير واقعه كاتب تخلف عن واقعه.”
*افهم من كلامك انك غاضب لأن “الكاتبات” قد ابعدنك عن الكتابة؟
-الكاتبات لا..انما هناك قرف مما يكتبن ولكن المنتجين الذين يسهرن مع الكاتبات وعفواً  جاء الجمع مؤنثا، فانه يؤنث مع المذكر ويذكر مع المؤنث..هؤلاء يسهرن لمناقشة تعديل الجملة حتى الصباح.مع علمي ان غير ذلك يحصل..والكاتبة لا تكتب واسألي المخرج سمير حبشي واساليني عن الموظفين في ادارة الانتاج في الشركات المصونة. ان كانوا يفهمون ماذا يقرأون.او يعيدون اليك ما تكرمت به عليهم من دون استثناء هم …
*هدف المسرح  ايصال فكرة بتماثل وليد تناغم بين كافة العناصر، ما صعوبة ذلك بالنسبة لك وما هي الاخطار التي عالجتها انت في مسيرتك المسرحية؟
-لا صعوبة عندي بتماثل التناغم بين النص وليد الفكرة وبقية العناصر. هي الدراما المسرحية لا تقوم  الا بتناغم كل اللغات المشتركة  من همسة وحركة وحرف وكلمة وايماءة..مع الموسيقى والوان الديكور والملابس والضوء وما بين تاثير الجمهور والتفاعل مع العمل..الصالة واحدة من الشارع التي هي فيه حتى غياهب كواليسها، وأنا لا اهمل اي حركة في تشكيل العمارة المسرحية الا وأعمرها بأحساسي ولغتي..
*ما الصعوبة الوحيدة التي صارعتك حتى صرعتها؟.
-كانت على مسرح الرابطة الثقافية في طرابلس  يوم اخرجت مسرحية “بطلة من بلادي” عن سيرة “عائشة البشناتية  فالصعوبة كانت في كيفية تجسيد بطولة عائشة ومن معها في صراعها مع المماليك. والبطولة تحتاج اسلحة بيضاء…ومكانا للحرب..فنهجت نهج الاخراج السينمائي على المسرح واحضرت كل العوامل المؤثرة في تحقيق البطولة التي كانت تدور في الصالة وعلى الخشبة بالسيوف الحادة وجعلت من الديكور حلبة من الاحجار تتساقط على ايقاع قرع الاجراس وصلاة الماذن لدرجة ان حملت الرئيس المغفور له رشيد كرامي للوصول فجأة للمسرح لحضورها..
*هل من صعوبة اخرى كانت بمثابة تحدٍ اكبر ؟
-والصعوبة الثانية كانت في مسرحية” التحدي” الاستعراضية التي كتبتها واخرجتها ايضا على مسرح الرابطة كانت يومها صراع الشعب العربي مع اليهود مغتصبي فلسطين..وما بين بين كان معتقل انصار ..الذي عملت على تفجيره..مع دخول الخيول العربية من سقف الصالة . واقتحام الثوار القاعة من الشارع برشاشاتهم وهم يطلقون النار ..لدرجة ان اختبأ الجمهور ما بين المقاعد. وفي اليوم التالي كانت طرابلس تزحف لحضور حرب حقيقية على مسرح الرابطة ومن بعدها اخرجت عمل طرابلس عاصمة ثقافية. حركت فيها الجموع من مستديرة نهر ابي علي الى الرابطة.. ومن ثم الى الملعب البلدي. في عروض مسرحية متنوعة.وما تبقى كنت اعمل على الناحية الاخراجية بما يفرضه علي مفهوم النص الذي كتبه غيري.
*المسرح الغنائي وجدلية لغة الحياة اليومية هل يتقبل الجمهور ذلك؟ واين نحن اليوم من المسرح الغنائي؟
-بلا طول سيرة ..المسرح الغنائي عندنا راح يوم راح الاخوان رحباني..بكل ما في الكلمة من معنى ولكن هناك بعض المحاولات التي يقوم بها.. ورثة الاخوين رحباني..وروميو لحود تدل على ان المسيرة ستكتمل وستصبح بدراً في سماء لبنان والله يعطيهم الف عافية .لتتأكد اهمية لغة الحياة في المسرح الغنائي هو مع البعض الاخر ..حفلة غنائية ليس اكثر.
———————————————————————————-

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *