الغروتيسك في المسرح

قد يتشكل الغروتيسك Grotesque ، وهو يتمثل على مستوى الهيئة والفكر، كرؤية إنثربولوجية، وذلك بالنظر إلى كيفية حياة المجتمعات الإنسانية، وطرق عيشها التي تمثل الأبعاد الثقافية المتعددة، كالكتابة والطقوس الدينية، والرسوم، والمعرفة، والتواصل المعرفي مع المجتمعات الأخرى، ليندرج الغروتيسك في البعد الأنثروبولوجي العام Anthropologie والإثنوغرافي Ethnographie لمجتمع ما، والإثنولوجي Ethnologie لمجتمعات متعددة، فالأنثروبولوجيا تشمل جزئيتي الإثنوغرافيا والإثنولوجيا.
والغروتيسك بعد تلك النظرة، اهتم به المجتمع الحديث لدراسة الحالة الإنسانية المتشكلة عبر الزمن، في إطار البيئة المكانية والزمانية، ومدى تأثر العلاقات وتشكلها مع مجتمعات أخرى، وكيف تأثرت وأثرت فيها، فالغروتيسك يتجاوز حالة البعد الفردي للإنسان، وحالة البعد البدائي، فالعلاقات بين المجتمعات وإن كانت قديمة فهي تبدأ بعد تفاهم واحترام فيما بينها.
والغروتيسك عندئذ لا بد أنه سيتحول من مفهوم شكلي إلى مفهوم ثقافة وتعارف بين المجتمعات، فلم تعد تلك التصاوير التي تمثل التعويذة، ولا تلك الحروف والرسوم التخطيطية حالة طقسية، بل هي حالة معرفية، ولذلك فإن الحديث عن التشوه والقبح قد يكون نظرة اعتباطية، لأنها أكثر قصورا من ولوج لب الرؤية الثقافية للإنسان في مجتمع ما.
في المادة التاريخية، نجد أن مصطلح الغروتيسك ولج الحياة الأدبية والنقدية والفلسفية والفنية والانثربولوجيا في نهاية القرن الخامس عشر سلطت بعض الحفريات الأثرية الأضواء على رسوم تمثل كائنات إنسانية ونصف حيوانية ونباتية ويؤكد هذا التاريخ معجم دليل الناقد الأدبي فيرد بتفصيل الحديث عن “القبح” Grotesque وهو يشير إلى هذا التاريخ “والكلمة في أصولها الإيطالية تعود إلى اللوحات الجدارية التي كشف عنها التنقيب الأثري في روما حوالي العام 1500 م”، والقبح لغويا جاء من مفردة ايطالية التي تعني الكهوف»
وقـــد استطرد صلاح جباري في توضيح معنى الغروتيسك، ورسوخ المصطلح في المعاجم، ومنها معجم الأكاديمية الفرنسية، حيث أشار إلى المعنى المجازي للمصطلح “مضحك، شاذ، خارق”. وتشير الدراسات التي ذكرت إلى تتبع المصطلح منذ الرومانسية، وتشير إلى الكتاب والأدباء الذين أشاروا بالنقد إلى هذا المصطلح مثل هوغو في مقدمة مسرحية (كرومويل)، وتشير إلى الشعر السوريالي، وفي المسرح إشارة إلى بيكت ويونسكو وبرخت، وفي الرواية كافكا، وغومبروفتس الذي يعد أكبر مجسد للغروتيسك… والإشارة كذلك إلى باختين.
وبعضهم أشار إلى أكثر من هذا الوصف وهو يتحدث عن القبح حيث “يستثمر في كل ما هو هزلي، مقزز، مشوه، غير طبيعي، عبثي،… والسخرية السوداء”.
وعليه، فإن باختين يلجأ إلى تقسيم ثنائيات غروتيسكية، مثل مقدس ومدنس، هذا ما ينطبق على النمط ، فالمقدس يمثل “التابو”، والمدنس يمثل “التابو” أيضا، فهما نمطان، وهذا ما يتنافى مع الغروتيسك كتحول، فالغروتيسك يتحدث عن ثنائية ومهما انقسمت إلى جزئيتين فهو يشير إلى حالة تحويلية، وليست نمطية، بل يتشكل ليؤسس رؤيا أخرى، وهذه الرؤيا هي التي تفتح أسئلة، وصراعا جدليا مع الذات والآخر.
إن كايزر يبدو له موقف مغاير من حقيقة باختين وهو يرى الغروتيسك حقيقة، وكايزر يبين أن الغروتيسك “يظهر في الأحاسيس المفزعة حيث تتوارى كل حقيقة، وتصبح غريبة بالنسبة لنا” وهذه الحقيقة التي تتوارى كما يقول كايزر هي التي تدفعنا إلى حالة الخروج عليها، لأنها مرفوضة وباتت تمثل عائقا أمام رؤية تشاركية، وقد تبدو مسرحية بيت الدمية الدليل على ذلك.

 

منصور عمايره

http://www.newsabah.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *