العراقي هيثم عبد الرزاق: المسرح ثيمة ديمقراطية قائمة على الحوار والإحتمالية

imagescs

هيثم عبد الرزاق من الأصوات المعروفة في المسرح العراقي، فمنذ كان طالباً في كلية الفنون الجميلة، كان متفوقاً ضمن أقرانه من الطلبة حتى تخرجه في الكلية وتقديمه العديد من الأعمال المهمة في المسرح العراقي وفي رصيده الشخصي، منها: ديزدمونة، حفلة الماس، ومئة عام من المحبة، إضافة إلى الأعمال المهمة التي قدمها في التلفزيون والتي كان من أهمها دوره في مسلسل «مناوي باشا» في جزئه الثاني.. كما أنه يعمل الآن على الانتهاء من التدريبات ضمن ورشة مسرحية في باريس لتقديم عمل من ثلاث لغات في أهم المسارح الأوروبية
عن المسرح العراقي وتاريخ هيثم عبد الرزاق الفني كان لنا معه هذا الحوار:

■ ما مشاركتك التي تعمل عليها منذ عام في باريس؟ وكيف جاءت فكرة هذا العمل؟
□ عرضت في عام 2011 مسرحية في مهرجان أربيل الدولي، حضرته إحدى عشرة دولة، منها ألمانيا وبلجيكا وبولندا وغيرها، فجاءتني دعوة لأكون المشارك العربي الوحيد فيه، فشاركت بعمل «مرض الشرقديمقراطي»، لم أفكر حينها بالتنافس مع الأعمال الأخرى لأنني شاركت كضيف شرف، لكن اللجنة أصرت على دخول العمل ضمن المنافسة، فاختير عملي كأفضل عمل متكامل.. كانت هناك مخرجة في المسرح الوطني الفرنسي عرضت عليّ لعمل مشروع مسرحي عن ثلاثية أورسترس، وهو أول نص في تاريخ البشرية يتحدث عن الديمقراطية.. في العام الذي تلا العرض جاءتني دعوة لعمل مسرحي متعدد اللغات، العمل ما زال قائماً، والآن سأقوم باختيار ممثلين، وهي المخرجة الفرنسية ستختار وأيضا مخرج بلجيكي سيقوم باختيار كادره، وسنشرع العام المقبل بالتدريبات على عمل سيتحدث عن الديمقراطية من وجهات نظر مختلفة، لكن النص الرئيس سيبقى عن ثلاثية أورسترس.. العمل سيعرض أولاً في مهرجان أفنيون، وبعدها في دول أوروبية أخرى، ومن ثم ربما سيأتي العمل في العراق أيضاً إذا تحسنت الظروف فيه.
■ ربما وضع العراق واسمه يدفع الدول الأخرى لإعطاء الفنان جوائز وتكريمات، في حين عندما نشاهد الأعمال الفائزة نجد أنها ضعيفة ولا تستحق هذه الجوائز… ما المقاييس؟
□ أنا أكثر مسرحي عراقي خرجت إلى العالم، إلى المسرح العربي والعالمي، كنت في باريس من أجل إنجاز عمل مسرحي مشترك. الذي يحدث أن المسرح في الوطن العربي بشكل عام وحتى في أوروبا بدأ بالهبوط، لهذا فإن المهرجانات التي تقام في كل هذه الدول هي بروباغندات سياسية، بمعنى أن هناك شيئاً اسمه ظاهرة مسرحية، يعطون بعض المال من أجل إنجازها، وهذا حتى في الدول التي يهتم مسؤولوها بهذا الموضوع، لكنك ترى أن وعي المسرح في هذه البلدان ضحل جداً.. هذا جانب، الثاني تلاحظ أن العلاقات الآن تحكم أكثر من التقييم العلمي، فإذا كانت لدي علاقة مع الجزائر؛ مثلاً، سوف أدعى هناك، والمسرح الجزائري ليس بالمستوى المطلوب، والعروض المسرحية هابطة، فإذا شاركت بعمل بسيط سوف آخذ جائزة بالتأكيد.. الجائزة تكون بالنسبة للأعمال الهابطة، لهذا غالباً ما أرمي الجائزة لأنه لا توجد منافسة حقيقية.
في تسعينيات القرن الماضي تحدث معي المسرحي ناجي عبد الأمير، قال لي إنه ليس من المعقول أن نبقى نعمل بهذا الشكل، فلا يوجد تنافس، وإذا لا يوجد تنافس لا يوجد مسرح، ففي كل شيء يجب أن يكون هناك تنافس بين الجيد والجيد وليس بين الجيد والرديء. لهذا الآن أي مؤسسة تطلب مني المشاركة لا أدخل، لأنني أعرف المستوى العام، وهذا ما وجدته حتى في أوروبا..
■ اختلفت ظروف المسرح العراقي ما قبل عام 2003 وما بعده، بسبب تغير نظام الحكم في العراق واختلاف المشرفين على الحركة الفنية، كيف تنظر للانطباع النفسي والعمل الفني الآن؟
□ الاختلاف الجوهري هو أن الرقابة رفعت عنك بشكل مباشر، ففي الإيفادات المسرحية السابقة، كان يجب أن يرافقك رجل من الأمن العامة، أو من يدوّن كل كلمة تقولها وأنت خارج بلدك.. أما الآن فنحن نتنفس ما نريده ومن دون أن يعبوا لنا أي هواء نكون مجبرين عليه.
النقطة الثانية، هي أن لديك أكبر مساحة للتعبير والاتصال والتواصل، غير أننا نجد في الوضع الراهن نقطة الاتصال شبه مبتورة مع المتلقي، إذ لا نجد مسارح من الممكن أن نحقق فيها تجمعات كبيرة للعروض المسرحية. لهذا فإن عروضها التي نكملها ونعرضها لوقت قصير جداً نضعها في البنك المسرحي العراقي للمستقبل، حين نستطيع أن نقدم ما نشاء وفي أي وقت نشاء.
■ الملاحظ أن جمهور المسرح العراقي (الجاد) جمهور واحد، أي أنه هو نفسه الذي يحضر كل عرض، ولا نرى أي شعبية واضحة لهذه العروض.. ألا تعتقد أن هناك فجوة بين المتلقي والمسرح العراقي؟
□ عندما لا يستطيع الفنان أو المبدع أن يتفاعل مع واقعه ومع الشارع ومع العائلة والمجتمع بشكل عام، لا يستطيع أن يتواصل مع هذا المتلقي، لأننا حينما نبدأ بالعمل المسرحي، نستمد مواده وثيمته من حياة الناس، وحينما تكون هناك فجوة بين الفنان والمجتمع في صياغة الحكاية أو الحدث أو الموضوع، فبالتأكيد أن هذا المتلقي لا يأتي ليشاهدها، لأنها لا تخصه قطعاً. توجد في المسرح، وعلى مدى زمن طويل، فجوة بين التفاعل والواقع والتعبير عنه، كنا نتفاعل مع الواقع بطريقة تأويلية قد لا يفهمها المشاهد ولا يستطيع أن يفسرها، ولهذا ابتعد عن المسرح، لأن المسرح ابتعد عن التداول الشعبي اليومي لحياة الناس، وبدأ يعتمد في صياغة ثيماته
على مفاهيم فلسفية كبيرة بعيدة عن الواقع، ولهذا انعزل المسرح في برج عاجي بعيد، هذا الوضع دعاه إلى الاقتراب من المسرح التجاري أكثر، لأنه بدأ يتناول موضوعات سطحية جداً تمس من قريب أو بعيد أحداثاً
طارئة وغير عميقة في حياة الناس، ومع ذلك، كان المتلقي يشم رائحة الواقع في هذه الأعمال البسيطة جداً، وفي الوقت نفسه فإن هذه الأعمال ساهمت بتسطيح عقل المشاهد، ما أدى إلى عدم التفاته إلى ما يسمى بـ«المسرح الجاد».
■ إذن ما المسؤولية الملقاة على المسرح الجاد في هذه الظروف؟
□ المسرح الجاد عليه الآن أن يمتع المتلقي من خلال بث رسائل تستفز ذهنه ومشاعره وعلاقته الإنتاجية بالواقع، وليس علاقة استهلاكية، كما كان يمارس المسرح التجاري، المسرح العراقي بحاجة إلى هيكلة جديدة إلى جانب الهيكلة الاجتماعية الجديدة، ولهذا فقد كنا في ورشة فضاء التمرين المستمر نحاول أن نعيد صياغة الأسئلة المهمة في حياة الناس والشارع، بحيث تكون هذه الأسئلة جزءاً مهما من التداول اليومي. نريد أن نحاور المتلقي ونفهمه كيف يكون منتجاً وكيف يكون مستثمراً لوجوده ومصيره، لأننا على مدى السنوات الطويلة (العجاف) تحولنا إلى مستهلكين بطريقة كارثية، وعُبِّئنا بثقافة العنف وابتعدنا عن الشرعية، هذه فجوات كبيرة في روح البطل الدرامي العراقي.. علينا أن نردم هذه الفجوات، ليس بالأفكار الكبيرة والجافة، إنما بطريقة ممتعة وعميقة ومثيرة في الوقت نفسه.
■ برزت في الآونة الأخيرة ظواهر كثيرة في المسرح بخلاف المسرح التجاري، الذي كان سائداً ألا ترى أنها أوجه متعددة لنشاط واحد، وحسب أهواء المشاهدين؟
□ الناس لا يريدون، إنما يتفاعلون مع ما هو أفضل دائماً يندمجون مع المفهومات التي تحقق لهم السعادة… أنا لا أعرف مسرحاً دينياً أو تجارياً أو جاداً، أنا أعرف المسرح، فمنذ نشأته إلى اليوم هو ثيمة ديمقراطية قائمة على الحوار والاحتمالية كمبدأ ثابت، فلو حاولت أن تحلل آليات هيكلة المسرح قديماً وحديثاً تلاحظ أنها آليات اشتغال الديمقراطية نفسها، في المجتمع، لأن في المسرح ليس هناك صوت واحد، إنما هناك أصوات متعددة تتحاور، فالحكم على البطل الدرامي صعب، لا يمكن تحقيقه إلا بواسطة التصويت البرلماني، فلا يمكن أن ينحاز إلى الفكر الواحد، هذا الفكر متمثل بالدين أو السياسة أو الاقتصاد أو غير، المسرح مؤسسة قائمة على التعددية وعلى احترام الصوت الآخر.
■ جولاتك المختلفة عربياً وعالمياً، جعلتك تشاهد مسارح مختلفة ولثقافات متعددة، من خلال هذه المشاهدات أين تضع المسرح العراقي وكيف تنظر لمستقبله؟
□ يبدو أن الفرد والمجتمع العراقي ينزع نحو الحرية، وينزع نحو الانفلات ولكن بشراسة، ولهذا فإن وسائله للانفلات غير شرعية، لأنها مليئة بالعنف، وهذا الموضوع ليس الفرد العراقي هو المسؤول عنه، لأن السلطات الأبوية والسياسة القمعية تكررت عليه بطريقة غير طبيعية، ولهذا ظل هدفه الأخير دائماً هو التحرر، فالفرد العراقي مشاكس، والمتلقي مشاكس أيضاً، يسكن في ذاته بطل مغامر ومنفلت وهذا هو المسرح، وهذه هي آليات
المسرح، المسرح مغامرة اليوم من أجل المستقبل، ولهذا يجتمع في داخل البطل العراقي النقيضان، القمع الذي يضغط عليه، والانفلات الذي ينزع إليه، فهو دائماً قلق وغير مستقر وهذا أيضاً هو المسرح، فعندما نقول إن المسرح العراقي مسرح متقدم فلأن البطل العراقي يجتمع في داخله قطبان نقيضان، والمسرح يعتمد على هذه النقائض في ما بينها فهو يحب المسرح وينتمي إلى المسرح ومسرحه متقدم.
أنا متفائل جداً بالمسرح العراقي، فلو صدرنا من الآن وحتى مئتي سنة مقبلة موضوعات من الشارع العراقي لا تنفد ترسانته، وعلى الكتاب الآن صياغة تاريخنا بشكل دقيق حتى نصدره إلى العالم، والبطل العراقي المسكوت عنه يجب أن ينطلق ويتحدث ويتواصل، أما ما يخص المهارات، فالفنان العراقي لديه خزين كبير ورائع من المهارات، ولكن ينقصنا التقنيات فقط، وميكانيك المسرح وتقاليده.

صفاء ذياب

http://www.alquds.co.uk/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *