“الخادمتان” الصراع الأزلي بين الشعب والسلطة : لمى طيارة

جواد الأسدي يقدم “الخادمتان” رفقة فرقة “دوز تمسرح” ضمن عروض المسرح التجريبي والمعاصر في مصر

لمى طيارة – في إطار عروض المسرح التجريبي والمعاصر، قدم المخرج العراقي جواد الأسدي عرضا مسرحيا بعنوان “الخادمتان” من تمثيل رجاء خرماز وزينب الناجم، عن نص للكاتب الفرنسي جان جينية (1910-1986)، وهو من الكتّاب الفرنسيين الذين اهتموا بشكل كبير بالقضايا الإنسانية وصراع الطبقات. تدور قصة المسرحية حول خادمتين كارهتين لسيدتهما، تخططان لقتلها، فتقتحمان غرفتها وتعبثان بأشيائها؛ ملابسها وزينتها وأحذيتها، إنه في الحقيقة صراع أكبر من حدود السيدة وخدمها، إنه الصراع الأزلي بين الطبقة البرجوازية وطبقة العمال، السلطة والشعب، المستبد والمستبد به، ورغم أن هذا النص قد كتب في العام 1947 ليعبر عن المجتمع الأوروبي حينذاك، إلا أنه بدا نصا هاما للكثير من المسرحيين العرب ورأوا فيه الصلاحية للعرض في أي زمان وأي مكان.

ليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها جواد الأسدي إلى هذا النص، فقد سبق له وأن قدمه منذ سنوات في بيروت تحديدا في العام 2010 على مسرح بابل، مع الممثلتين اللبنانيتين كارول عبود وندى فرحات، ثم أعاد عرضه معهما في دمشق، ليس هذا فحسب بل إن الأسدي ومنذ التسعينات قدمه على مسرح خشبة الهناجر، وكانت تلعب بطولته حينها ممثلتان مصريتان.

وعرض ‘الخادمتان’ الذي قدمته فرقة “درز المسرحية” التي يديرها المغربي عبدالجبران خمران وأنتجتها دائرة المسرح الوطني محمد الخامس، سبق وأن عرض في عدة مدن مغربية وعدة مهرجانات عربية قبل أن يشارك في مصر، وهو أمر يجعلنا نقف كثيرا عنده، لأن المخرج في كل مرة يتناول فيها هذا النص وبعيدا عن أداء الممثلتين، يحاول خلق سينوغرافيا تتناسب والعرض، وتتناسب مع ما تطمح المسرحية لقوله، لذلك وبعيدا عن الأداء الملفت لبطلتي العمل في هذا العرض، وغياب دور السيدة التي كانت تحضر في نهاية المسرحية، يبقى على كاهله كمخرج وصاحب رؤية إبداعية، موضوع السينوغرافيا، التي عليها أن تحيلنا من مكان لمكان، مع تحولات الشخصيتين (سولانج وكلير)، ما بين المكان المتخيل بغرفة السيدة والمطبخ مكانهما المعتاد كخادمتين.

المسرحية قدمها المخرج أكثر من مرة وفي أكثر من بلد عربي، وهو لا ينفك يغير في سينوغرافيتها ولغتها وأفكارها

والمقارنة بين كل العروض السابقة والعرض الذي قدم في إطار المهرجان، واجبة، لأن جواد الأسدي الذي اعتاد في عروضه السابقة، تقسيم العرض إلي مستويين، الأول على صعيد المكان، الخشبة (الركح)، والثاني على صعيد اللغة بمعنى أصح اللهجة، كان مستفيدا بشكل كبير من ضيق المكان وقربه من الجمهور في كل مرة عرض فيها المسرحية، فكان يقسم الخشبة إلى قسمين، إما بشكل طولي وإما عن طريق العمق، فيجعل القسم الأعلى غرفة السيدة ومخزن حليها وملابسها وأحذيتها، بينما القسم الأسفل، هو المطبخ مكان التواجد الطبيعي للخادمتين، أو يقوم بتقسيم المكان إلى قسمين على مستوى العمق، فيجعل الداخل غرفة السيدة، بينما الخارج مقدمة الخشبة، المطبخ، المكان الطبيعي لتواجد الخادمتين لساعات، مستعينا بطاولة الطعام وكراسيها كإشارة مباشرة إلى المطبخ، ويستثمر الحوار بطريقة مبتكرة، فيجعل الخادمتين تتكلمان باللهجة الدارجة في ما بينهما، أثناء وجودهما في الدرك السفلي أو في المطبخ، وعندما تتبادلان الأدوار تستخدم إحداهما اللهجة الفصحى، فترتفعان إلى درجة السيدة.

لكن عرض “الخادمتان” على مسرح الجمهورية لم يكن موفقا كباقي عروض المسرحية، لأن مسرح الجمهورية كبير إلى حد ما، لديه طابع أرستقراطي، بما يحمله من زخارف كلاسيكية، أفقد كل ذلك من العرض روحه وجزءا كبيرا من مضمونه، خاصة في ظل غياب السينوغرافيا المعتادة، التي جعلت الممثلتين تتحركان وسط فراغ كبير وبعيد جدا عن المشاهدين، وخصوصا أن المخرج استغنى عن تقسيم الخشبة الفعلي، فجعل عمق الخشبة غرفة السيدة، من خلال قطعة خشبية كبيرة وضعها في عمق المسرح، بينما بقيت المقدمة فارغة إلا من كرسيين خشبيين، لا يؤكدان بشكل قاطع أو دلالي  مكانا بعينه، وربما فعل ذلك متعمدا أو معتمدا على معرفة الجمهور بالنص أو بالعرض القديم المتجدد.

 أما على صعيد اللغة فحافظ على مستوياتها في العرض، فجعل الحوار باللهجة العامية يدور بين الخادمتين بصفتهما الحقيقية، بينما استعان باللهجة الفصحى في كل مرة أرادت فيها إحدى الخادمتين تقمص دور السيدة.

ويحسب للمخرج أنه لم يغرق في العامية المغربية أو استخدام بعض المفردات الفرنسية كما حصل في بعض العروض المغاربية، بحيث بقي العرض مفهوما للجمهور العربي، وهو أمر يجب أخذه بعين الاعتبار وخاصة في النصوص المسرحية التي تحمل في متنها المعنى الحقيقي لما يريده العرض.

_________________

المصدر : العرب / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *