المصدر/ الصباح/ نشر محمد سامي موقع الخشبة
هذا السؤال يقودنا الى استعراض بعض من تاريخ مبدعيه وصانعي الحياة على خشباته من الذين عملوا ليس فقط على تقديم عروض مسرحية ذات توجهات محددة بل والذين عملوا على تطويره وانضاج تجربة العرض المسرحي ومفهوم المسرح.. فاذا كان سوفوكليس في توجهه الفني مجربا وباحثا (حرك المسرح مسافة كبيرة نحو الشكل المسرحي الاول الذي ساد الغرب فيما بعد)، فان مفهوم التجريب والبحث قديم وظاهر قدم المسرح ووجوده، أي أن المسرح فضاء مفتوح منذ نشأته للبحث والاضافة والاكتشاف، ومنذ زمن الاغريق وحتى يومنا هذا لم يتوقف البحث والاجتهاد في التطواف والغوص داخل فضاءاته، ومن هنا جاء تعدد المدارس وتنوع المذاهب التي عملت هي الاخرى على صيرورة وبلورة هذا الفن، حتى بات ظاهرة مثيرة وفاعلة وشاغلة اجتماعيا وجماليا.. ورغم كل الظروف التي مرت على البشرية وعلى تأريخ هذه الظاهرة أي المسرح الا أنه لم يتوقف أو يندثر على العكس كانت تيارات العنف والحرب تولد اتجاهات مسرحية وتبدع مدارس مسرحية تعمل بدورها على تغيير وتجديد هذه الظاهرة، وقد تختلف حالة المسرح من بلد الى آخر حسب طبيعة ما يقدم ويحاور ويبث من أفكار ورؤى وحسب طبيعة الجمهور الذي يتلقى ويتفاعل.
أحيانا يكون العرض المسرحي مغيرا أو محرضا قادرا على اثارة حالة من التمرد والثورة وأحيانا يكون هادئا ينثر روح المتعة ويشيع حب الفرجة لا أكثر.. وهو بهذا رهين بتلك الشخصيات التي تقوده وما تحمله من أفكار وما تطرحه من رسائل بوصف المسرح يهدف الى بث خطاب معرفي وجمالي، عندما نتحدث عن المسرح بشكل عام لابد لنا من أن نتوقف عند المسرح العربي رغم معرفتنا انه فن وافد الا أن المسرح العربي ومن خلال رجالاته والعاملين فيه ومن خلال مريديه والعاملين على تأصيله حضورا وهوية سعى الى أن يكون متأصلا وذا هوية وبصمة تشير وتؤشر ليحمل ويعكس هموم وطموحات ذلك المجتمع العربي (لقد ولد المسرح العربي في عصر متوتر مشحون بالاماني الكبيرة القومية في مختلف المجالات)، هذا يعني أن المسرح قادر على خلق تعارف وتعريف وتجاذب وتلاقح بالثقافات المختلفة وتقديمها عبر عروض مسرحية متنوعة بعضها يغرف من نصوص عالمية كلاسيكية أو حديثة وبعضها يعتمد نصوصا محلية ذات الخصوصية البيئية لكنها قادرة على الانفتاح على ما يجاورها من نصوص انسانية اخرى، أو قد تكون الميثولوجيا والاساطير بكل ما فيها من مقاربة وتشابه قادرة هي الاخرى على التعامل مع ذلك التنوع الثقافي اذ أن الكثير من هذه الاساطير والملاحم والحكايا الشعبية هي قريبة من بعضها البعض في نواح كثيرة في أجزائها وأهدافها وطريقة بنائها الدرامي.
التنوع الثقافي بكل ما يمتلك من غنى انساني وجمالي يتجلى بينا في العرض المسرحي المعتنى به والمشغول على وفق نسق فكري ومهارة فنية، ولأكون قريبة من هدف الكتابة لابد لي من أن أتخذ من تجربتي المسرحية وسيلة وطريقة لمناقشة أهمية التنوع الثقافي في العرض المسرحي الذي أسعى لتقديمه للمتلقين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم وقراءاتهم اذ أن المخرج وهو يعمل على اختبار وانضاج تجربته الفنية لتصل الى مستوى المنجز المتكامل والمستوفي لشروط النجاح والتأثير عليه يدرك أن ما عليه أن ينشغل به لتقديم عمل يخاطب عبر ثيماته وكوداته وجدان المتلقين ويمس مشاعرهم ( الفن ليس محاكاة الفن احساس) ، قد يكون صادما، عنيفا، رومانسيا، متأملا، عقلانيا، أو قد يكون كل هذه الحالات معا، المهم أن ما نسعى اليه من طروحات فكرية واجتماعية ودينية أو جمالية لابد وأن تمر من خلال مصفاة تجعلها محصنة ومؤهلة على التحاور الواعي والواثق في التفاعل مع المتلقين على اختلافهم في الفهم والاستيعاب والتجاوب، فليس كل تنوع ثقافي جدير بأن يقدم لان الثقافة ما هي الا ذلك الخزين المعرفي والموروث الانساني المتراكم من العادات والتقاليد والاعراف وكل ما تداولته الاجيال البشرية في تلاحقها من حكايا وميثولوجيا ومفاهيم، لذا لابد من التأني والتمحيص والانتقاء المقصود والمدرك والعارف بما يراد.