التقنية الرقمية وعملية الرقمنة د.عماد هادي الخفاجي

 asw

 

 

التقنية الرقمية وعملية الرقمنة

د.عماد هادي الخفاجي

إنَّ التقنية الرقمية هي نتاج التقاء ثلاثية التكنولوجيا المعلوماتية ، وهي : مكونات الكمبيوتر, والبرمجيات, وشبكة الإتصالات، والتي تمتاز بالاستجابة الذاتية بتحويل البيانات بمختلف أشكالها إلى معلومات، وعن طريق عملية الرقمنة, إذ تمكنه من بناء منفصل لموضوع ما في العالم الواقعي، عن طريق تحوُّل موضوع واقعي إلى سلسلة من الأعداد التي تساعد على تمثيل هذا الموضوع, فهي تتضمن معنى التحول في الأساليب التقليدية المعهود بها إلى النظم الإلكترونية، إذ تتضمن تمثيل الأجسام, أو الصور, أو الملفات, أو الإشارات التماثلية باستعمال مجموعة متقطعة مكونة من نقاط منفصلة. وتُعدّ الرقمنة مفهوماً غير حديثٍ, إذ أنَّ أجهزة الكمبيوتر هي الشيء الحديث، أما فكرة الرقمنة نفسها, والتي تقوم على أختزال التعبير عن منظومة الوجود إلى لغة رقمية يمكن توظيفها لفهم الوجود فهي فكرة تعود بجذورها إلى الفلسفة الرواقية*، إذ تتضح طبيعة الرقمنة من رأي فيثاغورس Pythagoras في أن كل شيء هو عدد، وعد الواحد ليس رقماً، ولكن هو أصل العدد وليس منه.([1])

 

إنَّ عملية الرقمنة من أهم إنجازات التقنية الرقمية, إذ ساعدت في تحقيق الإندماج بين الكمبيوتر وشبكات الإتصالات والبرمجيات جاعلة من هذه التقنية الوسيلة الفعالة في تحقيق التكامل بين العلوم والفنون وأمتزاج المعارف والخبرات, إذ تعمل على تحويل جميع  المعلومات إلى  شكل رقمي عبر إسقاط الحواجز الفاصلة بين الأنساق الرمزية المختلفة من نصوص, وأصوات, وأشكال, وصور ثابتة ومتحركة, فأصبح التعبير عن الحروف الأبجدية يتم بشفرات رقمية تناظرها رقماً بحرف في حين تتحوّل الأشكال والصور بعد مسحها الكترونياً إلى مجموعة نقاط متراصة ومتلاحقة يتم تمثيل كل منها رقمياً، نسبةً إلى موضعها, أو لونها, أو درجة هذا اللون، عبر تحويلها إلى فيض من السلاسل الرقمية التي قوامها (الصفر– الواحد), والتي تُعد أقصى درجات التجريد الرياضي والمنطقي، بما يتوافق مع نظام الأعداد الثنائي أساس عمل الكمبيوتر الذي يستعمل الأرقام كقيم مستقلة.([2])

إنَّ الكومبيوتر هو آلة التحويل الرقمي التي تناولت اغلب جوانب الحياة بشكل عام والفن المسرحي بشكل خاص, وتستند على توظيف أحدث مستجدات التقدم التقني الرقمي وما يفرضه من نظم تلقي وبرمجة  للمدرك الحسي جديدة على مستوى النظرية والتصميم التقني إذ أصبحت الحياة نتاجاً منطقياً وحتمياً متمثلاً لروح العصر. وتعتمد عملية التحويل إلى العالم الرقمي على جانبين، أو مقومين ، هما : الجانب المعلوماتي الذي يتعامل مع المعلومات ليس بوصفها مفهوماً مقتصراً على الرقم, بل أنَّها تتضمن كل أشكال المعلومات التي يمكن أنْ تصبح رقمية, وهي   ليست شيئا مادياً ولا عقلياً تماماً، بل (شيء مجرد) موجود بين العالم المادي المحيط بنا والعالم العقلي للفكر الإنساني، إذ هي وسيط, أو وسيلة لاكتساب المعرفة, أما الجانب الثاني فهو الجانب المعرفي وهو أكثر تعقيداً ويشمل المعلومات التي يمتلكها الإنسان, ويفيد منها إلى جانب التجربة الشخصية والقدرة على الحكم واتخاذ القرار, ومعيار (الإنتفاع) بالمعلومة هو ما يجعل منها معرفة. واستعملت كلمة معلومات إستعمالاً متبايناً, ففي المجال الأول يرتبط بموضوعات علمية, أو اجتماعية, أو غيرها, أيّ أنَّ الصفة المفتاحية للمعلومات كمعرفة هي أنَّها غير ملموسة، يتم توصيلها بالتعبير عنها ووصفها, أو تمثيلها بطريقة مادية: كإشارات, أو نصوص, أو إتصال مما سيشكل المعلومات كشيء.([3]) في حين المجال الثاني يرتبط بالعملية الرقمية الحوسبة  Computing بمعنى عملية تنظيم المعلومات، فأنَّ كانت الكتلة هي التعبير عن المادة، فإن التنظيم هو التعبير عن المعلومات, ويشير هذا التنظيم إلى علم التقنيات الذي يعنى بتجميع المعلومات ومعالجتها وإرسالها بوساطة الكمبيوتر والأدوات الملحقة به، إذ يمثل بشموله على عمليات التجميع والمعالجة جزءاً مهماً من عملية الحوسبة الالكترونية للمعلومات، أو الإبتكار الآلي لها، والذي يُفضي إلى إنتاج لقيمة مضافة عن طريق حوسبة البيانات أو المعلومات, فلا تزال الأخيرة بشكل حقائق مبعثرة حتى يتم معالجتها وتنظيمها (حاسوبياً) للإفادة منها، وذلك بان يتم رقمنتها.([4])

ويرى الباحث من هذين الجانبين بأنَّ المعلوماتية هي مرحلة تتوسط البيانات والمعرفة, ومن ثم تشير إلى تكامل المعلومات المنظمة وإستعمالها في شيء مفيد ، إذ يجعل من المعلومات بمثابة المعطيات الناتجة والمعلوماتية أوسع من كونها مجرد حوسبة للمعلومات، إذ يمكن وصفها تعبيراً عن حالةٍ ذهنيةٍ جديدة، ونمط تفكيرٍ مختلف للإنسان تدعمه بمنظومتها الثلاثية (الكمبيوتر، البرمجيات، الموارد المعرفية, وبضمنها المعلومات)، فضلاً عن الإنسان صانع المعرفة من حيث صيرورتها وتشكلها وأساليب استعمالها, وكما يتضح مما سبق أنَّ التقنية الرقمية  أرتبطت مع المطالب الثقافية, والاجتماعية, والاقتصادية, والسياسية المهمة, والتي تمثل القوى المحركة لها مما يجعل من غير الممكن لهذا التحول الفكري أنْ يحدث من دون إسهام العلم والفلسفة والمجتمع الذي حتما يتمثل تلك التقنية في حركيته التطورية، وهذا يعني إنَّ الرقمنة هي علامة للحالة الثقافية تتمثل بأساليب التفكير, والعمل التي تتجسد ضمن التقنية الرقمية, وتؤكد أهمية الخطاب العلم – تقني حول النظم والمعلوماتية في بلورة هذه الثقافة.

وبهذا يرى الباحث إن الإضافة التي دخلت على عملية إنتاج العرض المسرحي بوصفه جنساً إبداعياً هي إضافة الرقمية المتمثلة بكل معطيات الحوسبة الإلكترونية وقدراتها الجديدة التي زادت من قابليات التنوع والإكتشاف والتجديد بلغة العرض المسرحي, وهي بالنتيجة  أعطت دفقاً جمالياً مغايراً عما سبق من طروحات جمالية.

 

 

المصادر:

* الرواقيون:  دعاة مدرسة فلسفية انتشرت في إطار الثقافة اليونانية في القرن الرابع قبل الميلاد، تحت تأثير الأفكار التي تدعو إلى المواطنة العالمية، وتحت تأثير الأفكار ذات النزعة الفردية، وتحت تأثير التطورات التقنية التي فرضها التوسع في المعرفة الرياضية، وكان زينون وكريسيبوس أكبر الدعاة البارزين للمدرسة في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد وقد تحدد دور العلوم لديهم على النحو التالي:المنطق هو السور، الفيزياء هي التربة الخصبة، الأخلاق هي ثمرتها.

See: https://ar.wikipedia.org/wiki, Access date,2/12/2015

(1) ينظر: الداهي، محمد: رقمنة الكتابة عن الذات ، بحث مقدم إلى الملتقى الدولي حول “النظرية النقدية المعاصرة والعولمة” جامعة فرحات عباس ,2008,,ص30.

(2) ينظر: علي ، نبيل :  الثقافة العربية وعصر المعلومات: : رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي,سلسة عالم المعرفة,المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب,الكويت,2001, ص77-78

 

(3) ينظر: طانيوس، جوزيف: المعلوماتية واللغة والأدب والحضارة ( بيروت : المؤسسة الحديثة للكتاب، 2012)  ص119.

(4) ينظر: طانيوس, جوزيف, مصدر سابق ، ص11-12

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *