التحليل السيميائي لنص من المسرح الشعري – خزعل الماجدي أنموذجاً

التحليل السيميائي لنص من المسرح الشعري – خزعل الماجدي أنموذجاً

الخلاصة

تأتي اهمية بحث (( التحليل السيميائي لنص من المسرح الشعري، خزعل الماجدي أنموذجاً)) من كونه يمثل محاولة متواضعة للمساهمة في جهود رسم ملامح منهج يتيح قراءة سيميائية للنصوص المسرحية بشكل عام ونصوص المسرح الشعري بشكل خاص. 

وهذا المنهج ينبني على فصل اول يضم تحديد مشكلة تتمثل بالكشف عن الصعوبات التي تواجه القارئ عند اطلاعه على الدلالات التي يطلقها نص ( نصب الحرية) لخزعل الماجدي ومن ثم العمل على ايجاد حلول لها عبر اطر منهجية اكاديمية بحته وبالاستعانة بعدد من المصادر الموثوقة، وقد قمنا من اجل تحقيق هذه الاشتراطات بأعداد فصل ثاني يشمل اطار نظري اشتمل على ثلاث مباحث. اهتم المبحث الاول بالسيمياء، المفهوم، المعنى، التاريخ، في حين اختص المبحث الثاني بالمسرح الشعري اما المبحث الثالث فقد اعتنى بتجربة الماجدي الشعرية رؤية وتحليل. 

بعد ذلك قمنا بأعداد فصل ثالث من خلال اجراء محاولة تحليلية لعدد من حوارات ومشاهد نصب الحرية وفق مجموعة من المؤشرات التي رشحت عن الاطار النظري لتأشير الدلالات التي تطلقها العلامات والاشارات والرموز والصور والايقاعات الصوتية والبنى اللغوية المبثوثة في النص. 

وبعد اكتمال هذا التحليل يضم الفصل الرابع مجموعة من النتائج التي توصلنا اليها عبر الاطار النظري وتحليل نص نصب الحرية لخزعل الماجدي كما ضم استنتاج وتوصيات وختم بقائمة المصادر. 

مشكلة البحث 

عرف النقد الحديث والمعاصر مجموعة من المناهج النقدية من بينها المنهج البنيوي والمنهج التفكيكي والمنهج السيمولوجي الذي ظهر في أواخر الستينات. وتجاوباً مع التسارع الكبير في وتيرة التقدم النقدي للفنون المسرحية.. فقد أرتأينا البدء بخطوة متواضعة على طريق دراسات اكبر في مجال التحليل السيميائي للنصوص المسرحية. 

وان مشكلة هذا البحث تتلخص بما يلي : 

الكشف عن الصعوبات التي تواجه القارئ عند اطلاعه على الدلالات التي يطلقها نص ( نص الحرية) الخزعل الماجدي. 

أهمية البحث 

يكتسب هذا البحث اهميته من كونه يمثل محاولة متواضعة للتتبع مدى استجابة نص مسرحي شعري عراقي معاصر لقراءة ذات طابع دلالي بطريقة توفر للقارئ فرصة فهم مغاير راشح من استنطاق دلالي لحيز مكاني راسخ مثل نصب الحرية فهذا النصب موجود منذ فترة طويلة ومستمرة في ارسال شفراته الدلالية لكن تغير مجريات الاحداث تجعل من أي قراءة دلالية جديدة ذات اهمية قصوى. 

فـ(( نظرية العلامة اريد لها ان تلقي الضوء على ماكان يلتبس من مفاهيم عامة، وغالباً ماكان هذا الالتباس مقصوداً في ذاته او الغيره))( ). 

كما يمتلك البحث اهمية تتمثل في محاولته التعريف بتجربة خزعل الماجدي في مجال المسرح الشعري التي كانت تسعى غالباً الى التميز التفرد.

اهداف البحث 

بهدف هذا البحث الى 

1. توفير فرصة امام القارئ لفهم الدلالات الراسخة عن نصب الحرية لخزعل الماجدي. 

حدود البحث 

البعد الزماني: كل مايتطلب زمانياً للتمكن من تشكيل فكرة واضحة عن السيمياء بشكل موجز وعن سيمياء المسرح بشكل عميق. 

الحد المكاني: كل مايتطلبه مفهوم السيمياء مكانياً. 

الحد الموضوعي : مسرحية نصب الحرية. 

الفصل الثاني : الاطار النظري 

المبحث الاول : السيمياء، المفهوم المعنى، والتاريخ 

يمكنا القول ان الوقوع على مفهوم علم السيمياء يتطلب منا التوفر على تعريفات لهذا العلم وملاحقة جدية لتاريخ ظهوره ونشأته. خاصة اذا ما اتفقنا على السطوح المهيمن للعلامة ((ان وجود العلامات مرتبط بوجود الحضارة، بالمعنى العادي للكلمة”( ) وهذا الامر يبدو اكثر ظهوراً ونحن نحاول تتبع وتحديد الرسائل الدلالية التي يطلقها نص من المسرح الشعري العراقي المعاصر فنحن اذن بمواجهة امر محدد يجعلنا نبحث عن ((المتصورات السيميائية للجماليات التي بدأت تتبلور في كثير من الابحاث، ولا سيما المتعلقة بجماليات الخطاب البصري سواء أتعلق بالصورة الفوتوغرافية ام بفنون العروض المسرحية وما اتصل بها من اضاءة وسيتوغرافية واخراج وديكور وما الى ذلك مما يخرج عن فضاء العلامات اللسانية مثل السينما والفنون التشكيلية والعمارة ليتخذ تعبيراً ايقويناً تارة ورمزياً تارة اخرى)) ( ). 

وبناءاً على هذه الحقيقة نجد من الضروري التطرق الى المعنى اللغوي لكلمة سيمياء اصطلاحاً او اشتقاقاً… حيث يذكر بلقاسم نفه ((ان كلمة سيمياء عربية اصلية، مشتقة من الفعل سام الذي هو مقلوب وسم واصلها وسمى، وزنها عقلي، وهي في الصورة فعلى، يدل على ذلك قولهم: سمة، فأن اصلها : وسمة، ويقولون، سيمى بالقصر، وسيماء بالمد، وسيمياء بزيادة الباء وبالمد، ويقولون: سوم اذا جعل سمة، وكأنهم انما قلبوا حروف الكلمة لقصد التوصل الى التخفيف لهذه الاوزان، لان قلب عين الكلمة مئات بخلاف فائها، ولم يسمع من كلامهم فعل مجرد من سوم المقلوب وانما سمع منهم فعل مضاعف في قولهم : سوم فرسة، اي جعل عليها البسمة، وقيل الخيل المسومة هي التي عليها السيمة والسومة، وهي العلامة))( ).

ونجد من المستحسن ان نورد معنى السيمة ووردها في القرآن الكريم بقول تعالى (( تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا))البقرة 273،(( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ)) الاعراف 46، ((وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ)) الاعراف 48، ((وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ)) محمد 30، ((سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) الفتح 29، ((يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ)) الرحمن 41.

ويتضح مما سبق، ان لفظ السيمياء ورد في القرآن الكريم بمعنى العلامة، سواء اكانت متصلة بملامح الوجه أو الهيئة ام الافعال والاخلاق.

وفي لسان العرب ((السومة، والسمة، والسيماء، والسيمياء: العلامة))( ) ونرانا هنا لا غنى لنا من ان نذكر مثلاً على ورود السيمياء في الشعر، ومنها قول اسيد بن عنقاء الفزاري (( يمدح عميلة حين قاسمه ماله : 

غلام رماه الله بالحسن يافعاً        له سيمياء لا يشق على البصر ))( )

ونرانا هنا قد تجمعنا على امثلة تؤهلنا للقول بأن مصطلح السيمياء وكان معروفاً ومتداولاً عند العرب بمعنى العلامة.. مشددين بن علي (( اننا لا ندعي ان هذا العلم ( اي السيمياء) بصيغته الحالية كان معروفاً، انما ذلك لايتعدى الاشارة الى معرفة العرب للعلامة ووظيفتها))( )

وللمصطلح صدى اخرى… فيوسف اسكندر (( يحسب ان جذر كلمة (سيمياء) من المشتركات اللغوية في عدد واسع من اللغات السامية ( في الاقل العربية) ولهندواربية (مثل اليونانية واللاتينية) فأصوات هذا الجذر (مع الاحتفاظ بالتقلبات اللازمة في صرف كل لغة) ومكوناته الدلالية في المعجمات، هي متماثلة،الى كبير))( ).

ولتوسع في ايراد الاصل العربي للسيمياء ينقل يوسف اسكندر وبشهادة منذورة لاعتقاده بـ (( العربية قد استساغت هذا الوزن الصرفي فاكثرت من التعريب على وفقه أو من الاشتقاق له، خصوصاً في اسماء العلوم، وليست في العربية كما لاحظنا، اصلاً، صلة  بين 

 هذه الوزن الصرفي وبين اسماء العلوم كما هي الحال مع الكيمياء، وفي تعريب الفيزياء، واصطلاحات اخرى مثل الريمياء والهيمياء والليمياء))( ).

ولم يغفل الدرس الدلالي العربي في اصوله المبكرة التركيز على ثيمة السياسية تتمثل في ان الشاعر العربي وهو صانع النص كان يلتفت وهو يبحث عن الكلمة المناسبة الى حدود اللفظ بشكل يتيح له الوصول الى تأثير اكبر على المتلقي (( إن الناقد القديم يحدثنا عن ألفاظ الشعر، وعن عبارة الشاعر في نص محدد، ويصف معانيه، وتختلط ههنا مسائل فرعية عدة، إذ تمتزج الاغراض والفنون بالفكرة التي يحملها بيت واحد او جزء من هذا البيت الشعري، وكذلك يتداخل الايقاع الصوتي للكلمات والحروف بخفتها او ثقلها وزناً صرفياً، وقد يكون لتحليل المفردات ثم الافادة من ثمرة هذا التحليل اثار كبيرة في توجيه الاحكام، ذلك ان معرفة حدود اللفظة ودلالتها تجعلنا نقدر اختيار الشاعر لها))( ).

تجد الاشارة الى ان ((مصطلح سيمياء يقابل سيميولوجيا، وكلمة سيميولوجيا منقولة من اللغة الانكليزية، يعبر عنها بمصطلحين، هما (Semiologie ) و (Semiotique ) ))( ) “وأصل كلمة سيميولوجيا يوناني وهي مركبة من Semeien  بمعنى علامة و Logos  بمعنى خطاب))( ).

وحرى بنا في هذا المقام ان نشير الى مقالة عواد علي خضير التي ثبت فيه ((ان سوسير هو الذي اقترح تسمية السيميولوجيا.. في كتاب ( دورس في عالم اللغة العام)، فيقول سوسير في الفصل من كتابه وهو بعنوان (هدف علم اللغة): ( اللغة نظام من العلامات التي تعبر عن الافكار، ويمكن تشبيه هذا النظام بنظام الكتابة، او الالفباء المستخدمة عند فاقدي السمع والنطق، او الطقوس الرمزية، واو الصيغ المهذبة، او العلامات العسكرية أو غيرها من الانظمة ولكنه اهمها جميعاً ويمكننا ان نتصور علماً موضوعه دراسة حياة العلامات في المجتمع مثل هذا العلم يكون جزءاً من علم النفس الاجتماعي، وهو بدوره جزء من علم النفس العام، وسأطلق عليه علم العلامات Semiology  وهي لفظة مشتقة من كلمة الاغريقية Semeion  =  العلامة) لذلك سوسير يحدد علاقة اللغة بهذا العلم بأنها جزء منه، والقواعد( ) التي يكتشفها يمكن تطبيقها على علم اللغة في حين ((اقترح ابيرس الكلمة ((Semiontique -علم العلامات)) والتي الفيلسوف الالماني لا مبيرت يستعملها من قبل في القرن الثامن عشر بوصفها مرادفاً لكلمة ” Logique  ”  منطق وقد كان يجب على المنطق، تبعاً لبيرس. “كيف” يعقل الانسان، ومادام هذا هكذا، فقد كانت البراهين، في الفرضية الاساسية لنظرية بيرس، عند طريق العلامات. فالعلامات تسمح لنا ان تفكر، وان تتواصل مع الاخر، وان نعطي معنى لما يقترحه الكون علينا. وإننا لنمتلك تنوعاً كبيراً من العلامات الممكنة، وتكون العلامات اللسانية من بينها فئة مهمة، ولكنها فئة وحيدة. وان بيرس، اذ أنشا نظريته العلاماتية، فقد كرس نفسه لعمل العلامات عموماً. وقد اعطى مكاناً مهماً، ولكن ليس المكان الاول، للعلامات اللسانية. وما كان يعني بالنسبة الى العلامات عموماً كان يعني بالنسبة الى العلامات اللسانية، وليس العكس))( ).

ونود ان نشير هنا الى ان مجموعة الاشارات والملاحظات التي توفر امامنا عن الطبيعة العامة للسيمياء يمكن ان تقودنا الى مجموعة من التعريفات التي يمكن ان تساعدنا فيما بعد في تتبع البنى الدلالية في نص الحرية لخزعل الماجدي فالسيمياء هي حسب تعريف بير جيرد ((علم يدرس انساقٍ الاشارات، لغات انماط اشارات المرور الى آخره وهذا التعريف يجعل اللغة جزءاً من العلامة))( ).

في حين يعرف (( بنكراد السيميائية بأنها دراسة حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية، ويقول بأنها تدريب اللعين على النقاط الضمني والمتواري والمتمنع، لا مجرد الاكتفاء بتسمية المناطق او التعبير عن مكنونات المتن))( ).

وعلى هذا الاساس فأن الدرس الدلالي الذي يصلح ككشاف يجعلنا قادرين على دراسة النصوص المختلفة ومهما كان نوعها تحت ضوءه وفي نفس الوقت تتبع قدرتها على اطلاق الدلالات،يوفر لنا مجموعة من الاطر النظرية التي تمثل فيما بعد أدوات ذات طابع وظيفي لتفحص اي نص، فالسيمياء هي دراسة الاشارات والشفرات التي هي في النهاية انظمة دقيقة تمكن الانسان من فهم الذي يعرفه بارت على انه حيوان رمزي في فهم الاحداث بوصفها علامات تستهدفه لانتاج علامات محملة بمجموعة مختلفة من المعاني التي تتباين في درجة قدرتها على الوصول الى الفعل المستهدف بالخطاب بحسب مجموعة من الضوابط الاجتماعية المعرفية. 

المبحث الثاني: المسرح الشعري 

ليس من شك في ان للمسرح الشعري مجموعة من الصفات التي تجعل حقلاً دلالياً ذو طبيعة متميزة فإذا ماكنا متفقين على ان المسرح وحدة هو المجال خصب لانتاج وتسويق الدلالة فأن الخاصية الشعرية ستضفي عليه لا محاله قدرات مضافة على انتاج وتصنيع الدلالات (( فالشعر مادة الخاصية الشعرية)) يبدأ غنائياً مطلقاً، ثم غنائياً مقيداً يحدث، ثم يميل الى الحكاية والحبكة والسرد والروح القصصي والملحمي، ثم يقترب من الدراما عفوياً فتتولد فيه جذور تعد النواة الدرامية الاولى))( )¬¬¬.

ونحن نعتقد ان مؤلف النص المسرحي عندما يلجأ الى الشعر لتسويق خطابه أو حينما يكتشف الشاعر انه بحاجة الى البنية المسرحية لاكمال نصه الشعري فأنهما بهذه الطريقة يسعيان الى تلبية مجموعة من المتطلبات الشكلية والموضوعية على مستويين اثنين هما على سبيل المثال آليات السرد والتكوينات الجمالية فالشعر يمكن ان يوفر لصانع النص امكانيات مضافة ((فللشعر نفسه عدداً واسعاً ومختلفاً من الوظائف. واذا كان الشعر بصيغته اغاني، او قصصاً، شعرية فانه بذلك من اقدم وابسط المتع المنظمة ان عملية سرد الحوادث المتحركة، والممتعة في اللغة  لها قافية ونغم وتوقف، تكون مصدراً للمتعة))( ).

على الرغم من ان الدكتور عبدالستار جواد يؤكد على ان ((ان الذي يبحث في حضارة وادي الرافدين ووادي النيل لابد ان يجد ان المعابد القديمة قد شهدت اشكالاً عديدة من الاداء التمثيلي الذي تدخل فيه الموسيقى والغناء والرقص والتمثيل وهي العناصر تكونت منها مسرحيات اسخيلوس ويوريبدس وغيرهما من رواد المسرح الاوائل وهناك من الدراسين من يرى ان العصر الجاهلي قد شهد شكلاً من اشكال العروض التمثيلية))( ).

ويورد د. نوري حمودي القيسي في كتاب لمحات من الشعر القصصي في الادب العربي مايؤكد ماذهب اليه عبدالستار جواد (( الامتداد القصصي للشعر العربي واضح من حيث لا التناسق والاداء والحوار في كثير من النماذج الشعرية التي وصلت الينا، وقد ظلت هذه الاشكال تاخذ مجالها في كل غرض بما يوافق إلافكار التي رسمها الشاعر او الاجواء التي اراد ان يحيط بها غرضه، أو الدلالات التي كانت تترامى في ظل المعاني والالفاظ والصور))( ).   

ولكي نقع على الية معقولة المراقبة منبع  الرسائل الدلالية التي تصل الى المتلقي دفعه واحدة مع المتعة التي اشرنا اليها في المسرح الشعري فأن علينا امتلاك تصورات عن طبيعة العامة للشعرية والعمل المسرحي (( فشعريتنا ليس الخطاب الشعري المجرد وانما الخطاب المتصير تاريخياً، اذ الادب ظاهرة تاريخية وليس ظاهرة مجردة او متعالية على  التاريخ))( )، في حين يتوجب علينا فهم المسرح الشعري بطريقة تنزع الى محاولة تتبع الفروق التي يمكن ان توجد بين انماط العرض المسرحي وصولاً الى الخصائص الدلالية للمسرح الشعري المعاصر والتي نريد فيها بعد ملاحقتها داخل النص نصب الحرية لخزعل الماجدي. 

فقد قام خليل الموسى بمحاولة جادة للكشف عن تلك الفروق…(( ينبغي ان نفرّق بين المسرحية والمسرح والنص الدرامي والشعر المسرحي والمسرح الشعري، فالمسرحية تعني بها النص المسرحي القابل لان يتمثل، ونعني المسرح النص المسرحي ممثلاً على خشبة ومعروضاً على جمهور بتقنية المسرح وشروطه، ونعني بالنص الدرامي النص الذي ليس من الضرورة انه قابل لان يمثل، اما الشعر المسرحي فهو النص المكتوب شعراً، ولكن الغنائية فيه تهمين على الحوار والصراع والبناء الدرامي، والمسرح الشعري تعني به النص المكتوب شعراً، وهو قابل للتمثيل لان البناء الدرامي فيه يهيمن على العناصر الغنائية ويسيرها لمصلحة التمثيل))( ). 

والفروقات الانفة الذكر واضحة للغاية وتقودنا بطريقة ما الى تتبع تقنيات وخصائص المسرح الشعري المعاصر بعد ذكر الفرق بينه وبين المسرح الشعري التقليدي واثر تلك التقنيات والخصائص في اقرار قدرة هذا النمط المسرحي على اطلاق شحنات دلالية تقدم النص على انه مخرج واقعي لرغبة الانسان الحديث في الاستمتاع بأكبر قدر من المخرجات الدلالية في اقصر وقت ممكن وبيذل ايسر الجهود، على اننا – اتماماً للفائدة. سنورد ماكتبه فرحان بلبل عن نشأة المسرح الشعري العربي. (( تمت ولادة المسرح العربي – وهو فن جديد طارئ لا جذور له في الحياة الثقافية والاجتماعية العربية القديمة – بين منتصف القرن التاسع عشر ونهايته))( ) وليس من شك ابداً في ان المسرح العربي وعبر جهود نخبة كبيرة من الرواد بدأ يقترب شيء فشيء من التجارب العالمية على الرغم من اشكال القطيعة المعرفية بينه وبين جمهور متلقي يرزح تحت اشكال من العوز المادي والفكري ويمكن القول هنا ان المسرح الشعري او عملية استخدام الشعر بقوانينه المعروفة لايصال الخطاب يمكن ان يمثل مرحلة من مراحل تطور المسرح ولبحثه الدائم عن اساليب التأثير والاتصال مع المتلقي وهذا هو الامر الذي يمكن ان نلاحظه في مجمل تجربة خزعل الماجدي المسرحية وفي نص نصب الحرية على وجه الخصوص. وزيادة للفائدة نورد مقالة تقول (( كانت النشأة الاولى للمسرح العربي مزجاً بين الشعر والنثر، ولم ينفصل الشعر عن النثر الا على يد الشاعر ( احمد شوقي) ( 1869- 1932) الذي ادرك حاجة الادب الى التنمية والتطور، فحاول وضع بذرة جديدة في عالم الشعر العربي، وفي عالم المسرح العربي، وهي المسرحية الشعرية))( ). 

وعوداً على بدء.. نبغي علينا التمييز بين المسرح الشعري التقليدي وبين المسرح الشعري المعاصر ولاشك ان مصطلح المعاصرة  هو المصطلح الاشد اثارة ويرى خليل الموسى ان (( مصطلح ( المعاصرة) يعني به الزمنية والفنية، فالمعاصرة الزمنية ما انتج من 

مسرحيات في النصف الثاني من هذا القرن، ونقصد بالمعاصرة الفنية المسرحيات ذات التقنيات الجديدة، ولذلك تخرج المسرحيات التقليدية التي ألفت في هذه الفترة، ومنها – مثلاً – مسرحيات عزيز اباظه في مصر، وعدنان مردم في سورية وامثالها))( ). 

ولعل باستطاعتنا بعد مراجعة  لاكثر من نص من نصوص المسرح العربي الحديث والمسرح الشعري العراقي خصوصاً نستيطع ان نحدد بعداً اخراً من ابعاد المعاصرة التي اشار اليها خليل الموسى فيما سبق والبعد الذي نقصده هنا هو البعد الاجتماعي حيث يمكن للمسرح بشكل عام وللمسرح الشعري بشكل خاص ان يكون منتجاً لخطاب ودلالات تنسجم مع الحراك المجتمعي وماينتج هنا عن الحراك من افعال وارادات تسعى الى التغير ومحاولة اعادة اكتشاف الواقع وتغيره ولعل محاولة خزعل الماجدي في نصب الحرية تمثل نموذجاً يمكن اعتماده في دعم قولنا بأهمية العبد الاجتماعي كواحد من الابعاد التي ترسخ مفهوم المعاصرة، وان التركيز على المعاصرة يعود لعدم قدرة النص التقليدي على العمل كمنتج لدلالات تلك الدلالات التي تمثل روح المسرح وتؤكد شرعيته. 

فخليل الموسى يرى ان المسرحية الشعرية التقليدية اخفقت في ان تكون مسرحية اصلاً.. ويزيد في اسباب اخفاقها فيذكر: (اذا تلمسنا اسباب اخفاق المسرحية الشعرية التقليدية في ان تكون مسرحية، وجدنا ان اهمهما ان الشعراء كانوا غنائيين قبل ان يكونوا مسرحيين، وان الشكل الشعري القديم غنائي، وهو متأصل في الغنائية الشعرية العربية، ولذلك لم يساعد على رسم الشخصيات والحوار وبناء الحبكة فهو ذو ايقاع افقي احادي يتلائم والاحساسات المباشرة اكثر مما يتلائم النمو الموجي وهو ليس ايقاعاً سمفونياً متعدد الاصوات او ذروياً يتلائم والبناء المسرحي الذي يقوم على الصراع والتأزم والعقدة والذروة والتلون الوزن في القصيدة الغنائية احادي الاتجاه))( ). 

ان احادية الاتجاه الذي ترسخه عاطفية القصيدة الغنائية سوف يحد من قدرة السمرحية الشعرية على انتاج الدلالات وذلك لحرص الشعر الغنائي على ايصال رسالة بشكل مباشرة رغبة في عدم اشغال المتلقي بامر اخر سوى الاستمتاع بالطبقة الغنائية. 

وقد حاول الشعراء – ومنهم – احمد شوقي – ان يستعينوا على ذلك تبعد الاوزان والقوافي في العمل المسرحي الواحد، ولكنهم لم يفلحوا في الوصول الى المسرحية الشعرية القادرة على ان تكون منتجة لدلالات تشغل عقل المتلقي بالتأويل والتفسير والشرح وتحليل 

الرموز والاشارات التي يمكن ان يلجأ اليها صانع النص في المسرحية الشعرية الناجحة في رأيي لابد ان تستعيض عن (( الدفق العاطفي)). 

الذي كان سائداً في المسرحية الشعرية التقليدية بمايمكن ان نسميه هنا (( بالدفق الدلالي )) الذي اعتبره بديلاً حيوياً للرومانسية. (( فالشعر بشكله القديم لا يطاوع العمل المسرحي ولا يناسبه))( ). 

وعلى هذا الاساس عمل بعض الشعراء على محاولة العبور فوق هذه المشكلة والتخلص منها، تلك المشاكل التي يصنعها الايغال في استمثار الشعر في المسرح وان ظل بعض هؤلاء الشعراء بنائياً داخل المسرحية، ويعود ذلك الى ان معظمهم وفد الى المسرحية من الشعر الغنائي، ونريد هنا ان نؤسس لحقيقة نراها جوهرية تتمثل في ان التركيز على ضرورة عدم احادية الاستخدام في الشعر المسرحي هي محاولة جادة للتركيز على المهمة الجوهرية فالمسرح (( هو المكان الذي نلقي فيه امام انظار الجميع، ذلك الوجه الشاحب لكائن منتزع من فوضى الحياة الغثة بمافيها من ضياء وظلام، انه الاداة التي تبدع الانسان عندما تمثله))( ) اذا كان صناع المسرح الشعري في هذه الحالة يواجهون مجموعة مشاكل تتعلق بالخصائص التقليدية. (( وقد حل المشكلة الاخرى بالثورة على الوزن الشعري الغنائي ذي الشطرين، ولكن المسرحية الشعرية لم تتخلص من الهيمنة الغنائية والمنبرية والخطابية التي رافقتها في المرحلة التقليدية، فظلت مدسوسه هنا وهنا في جوانب المسرحية، تظل برأسها بين والفينة والفيه، وهذا يعود الى مقدرة الشاعر وخبراته المسرحية))( ).

ولا يهمنا هنا ان نخوض في الرأي الذي اورده خليل الموسى من عدم اعتباره المسرحية الشعرية التقليدية في انها اخفقت في ان تكون مسرحية اصلاً… ولكننا اوردنا هذا الرأي ( المنقول من مصادر متعددة). فقط لفتح الباب امام ذكر التقنيات التي ميزت المسرح الشعري المعاصر ودورها في انتاج الدلالات. حيث يرى الموسى ان (( ان المسرحية جنس وافد الى ثقافتنا ولا يزيد عمره على قرن ونصف، فقد بدأ وليداً مع محاولات مارون النقاش في منتصف القرن الماضي، ولكن المسرحية تعثرت فيما بعد ثم عادت الى النهوض بقوة في النصف الثاني من هذا القرن، وكان لابد للمسرحية الشعرية من ان تستفيد من الثقافة المسرحية العالمية))( ) وكانت هذه التأثيرات متعددة ومتنوعة تبعاً لنمط الوعي والحداثة الذي تعرفه المجتمعات العربية اولاً وطريقة فهم متبقي النصوص لتجارب الاخرين فكان لمولير وشكسبير وبريخت وابسن اثراً واضحاً في المسرحيات النثرية بعامة والمسرحيات الشعرية بخاصة، واهم اشكال التقنيات الحديثة في المسرحية الشعرية. 

1. تقنية البعدين الزماني والمكاني 

اذ تعتمد هذه التقنية على صنع واقع ابداعي فني بديل عن الواقع، يبتعد عنه زمانياً ومكانياً ولكنه غير بعيد عنه من ناحية الدلالية، وتتم هذه التقنية عادة باستخدام واقع تراثي، وتقوم هذه الابعاد على عملية المشابهة بين الواقعين الفني والمعيشي، وبين الماضي والحاضر، هو هنا ابعاد زماني ومكاني محدد. 

2. التغريب كسر الايهام المسرحي 

هي تقنية وفدت الينا من المسرح البريختي، والهدف فيها ابعاد عاطفه المتفرج والابقاء على ذهنه صاحياً ليفكر في الحل على نقيض المسرح الارسطي الذي يقوم على ايهام المتفرجين بأن مايجري امامهم حقيقة، ولذلك يتدخل الممثلون في بعض المسرحيات الشعرية ليعلنوا للمتفرجين بأن مايشاهدونه امامهم عرض مسرحي. 

3. المسرح داخل المسرحيته

هي تقنية اخرى معاصرة تنفرد بها المسرحية المعاصرة، ” وينهض فيها المسرح داخل المسرحية، لتقوم شخوصها بأدوار اخرى تدعم فكرة المسرحية الام، وتكون رافداً يصب فيها التعميق الفكرة والمضمون والهدف))( ).

خصائص المسرحية الشعرية المعاصرة.

يعترف خليل الموسي انه ليس من الضرورة ان تكون خصائص المسرحية الشعرية المعاصرة جديدة كل الجدة فهو يرى ان (( الرمز واللغة والحوار والشخصيات والصراع هنا وهناك، لكن خصائص هذه العناصر الفنية هنا غيرها في المسرحية الشعرية التقليدية، فهي متطورة او مختلفة عنها))( ) وهذا رأي لايخلو من صواب.. ويتجلى بوضوح اكثر عند مطالعتنا لمواطن الفرق في الخصائص التالية.

1. الرمز في المسرحية الشعرية المعاصرة. 

يرى خليل الموسي ان (( اللجوء الى التعبير بالرموز ظاهرة، جديرة بالانتباه في المسرحية الشعرية المعاصرة، فمن طبيعة الشعر الغموض والشفافية والايحاء، واذا تلاقى ذلك بالرمز تفتح فيه ذهن المتفرج على دلالات متعددة، واصبح النص ثرياً لمحموله وتأويلاته، فاللا مباشرة في التعبير من اهم خصائص الشعر، وهي تمنح الشخوص المسرحية ثراء دلالياً ولذلك اتكا بعض شعراء المسرحية الشعرية المعاصرة على الرموز للتعبير عما يريدون التعبير عنه))( ). 

2. اللغة المسرحية الشعرية المعاصرة 

الشاعر الغنائي شاعر لغة قبل كل شيء، الشاعر المسرحي شاعر مسرح، وهذا يعني وجود اختلافات بين لغة الشعر الغنائي وبين اللغة الشعرية في  المسرحية، فالشاعر الغنائي يعيد صناعة اللغة لتقول مالم تكن تقوله، ولكن الشاعر في المسرحية على العكس من ذلك، فاللعب باللغة خطر على المسرحية (( ومقتل المسرحية الشعرية التقليدية في لغتها المزخرفة، كما في مسرحيات عزيز اباظة ولذلك ادرك بعض شعراء المسرحية المعاصرة ان عليهم ان يبحثوا عن لغة مختلفة عن لغة القصيدة الغنائية فالمتفرج في المسرح غير القارئ في كتاب، واذا كانت اللغة في القصيدة الغنائية غاية في ذاتها فأنها في المسرحية الشعرية وسيلة لغاية اخرى، وهي لغة تتناسب والشخصيات التي تتلكم، وانها لغة مسرح للفرجة قبل ان شيء اخر ))( ). 

لذلك فاللغة في المسرحية الشعرية وسيلة تتصف بصفات كثيرة، أهمها ان تتناسب وعناصر العمل المسرحي، كالحوار والصراع والشخصيات، وان تراعي المتفرج، كأن تكون بعيدة عن التنميق والزخرفة اللفظية، وان تكون مرنة مألوفه وعادية بعيدة عن التعقيد، وان يبتعد الشاعر عن الصفة والتشبيه والاستعارة لتساعد خبرته على رسم الشخوص والكشف عن داخلها، لتدل فقط على قدرته اللغوية. 

3. الحوار  في المسرحية الشعرية المعاصرة.

يتصل الحوار باللغة والشخصيات في المسرحية، وهو (( الصيغ الكلامية المتبادلة بين شخصيتين أو اكثر والتي تستخدم غالباً للكشف عن ابعاد الشخصيات وعرض الشكل 

المسرحي وتفعيله للوصول الى الفكرة الكامنة في النص ومن ثم محاولة ايصالها الى الاخرين بطريقة فعالة ولايكون الحوار موظفاً الا اذا كان صادراً عن الشخصية التي تستخدمه))( ).ويختلف بأختلاف المواقف. 

4.الشخصية والصراع في السرحية الشعرية المعاصرة  

للشخصية دور هام في المسرحية، وبخاصة اذا كانت مهيأة للصراع، واستطاع الشاعر ان يرسمها من داخلها ويظهر تناقضاتها. 

العلامة في المسرح الشعري 

يفرض علينا اختيار نصب الحرية للخزعل الماجدي كمحتوى يجب ان يعرض للدراسة والتحليل، التركيز على ضرورة الاعتماد على التأويل كطريقة لفهم الدلالات وكل هذا بدون التحليق بعيداً عن الواقع ((ومفهوم التأويل (استناداً الى مقولة المؤول التي جاء بها ((بورس)) هو الحلقة المركزية التي ستتكثف حولها كل الاجراءات التحليلية الخاصة بكل الوقائع الدالة بدءاً من النصوص المكتبة مروراً بالانساق البعدية))( ). 

وهذا التوصيف الذي قدمه سعيد بنكراد في تقديمه لكتاب امبرتو ايكو ” سيميائيات الانساق البصرية” يؤكد واقعية قدرة التأويل على متابعة العلامات المطروقة في نص نصب الحرية حيث لا يرغب خزعل الماجدي في مغادرة الواقع وتحقيق قطيعة معه، وفي هذا المجال يرى مصطفى صمودي ((ان على العرض ان يعبر عن الواقع بغير الواقع بل لنقل ان عليه ان يوحي به لا ان يعبر عنه لان الايحاء في عرف ( برغسون ) ادرء للخيال سواء اكان الموُقى به رمزاً ام علامة ام اشارة))( ).

فالرمز : 

ميزة العقل البشري ((ولانسان كما يقول الشاعر الفرنسي ( شارل بودلير) غابة من الرموز بل ان البشر كما يقول (امرسون) رمز تسكن رموزاً، فالرمز له مدلوله الوجداني

وهدفه السوسيولوجي والاستيطيقي ومداه الوجودي وما الى ذلك لان لصيق بالنفس الانسانية))( ). 

فالرمز يشير الى مفاهيم وتصورات وافكار مجردة تشمل على سائر انواع المجار فعندما يتعانق الهلال الصيلب مثلاً.. نستيطع ان نستشف من خلال هذا التعانق مارواء هذا المرئي من إلفة وحميمية بين الاخوة المسلمين والمسيحيين وهذه نقلة من التشخيص الى التجريد.

العلامة: 

العلامة تشير ((الى موضوعات واشياء ملموسة ادنى من التجريد لان المدلول عليه بعلامة، ادنى من المدلول عليه بالرمز، وكل علامة بشكل دالاً ومدلولاً لنقل دلالة وايصال معلومة))( ).

وكمثال مبسط لتحليل العلامات في مسرحية ( نصب الحرية) نرى ان المهم هنا طرح المثال الذي اورده صمودي كما هو: 

(( النمر : علامة في جدول دالها سلسلة صوتية مكونة من ( ن/م/ر) ومدلولها –(انه حيوان مفترس) ثم تحولت هذه العلامة من وحدة في جدول استدلالي ) الى (علامة في نص ) فصارت ( الوحدة دالاً) فقط اي كفت عن كونها (علامة) لانها اصبحت دالاً سيكسب مدلولاً جديداً ليتحول الى علامة نشأت على ( التضمين ) الذي قام عليه ذلك ( اليقين ) فصارت ( الوحدة = دالاً) اتحد مع مدلول جديد. وبتعبير اخر نقول: 

[ النمر… صار مدلوله الانسان او المواطن ] 

وكذلك الامر في المروض 

فالمروض لغة: هو من يقوم بتطبيع الحيوانات واخضاعها وتهيئتها لعمل خاص مناف لطبيعتها التي فطرت عليها ما في النص : فـ المروض = السلطان او الزبانية ) بمعنى انك ايها النمر مُرْغم على طاعتي لاني انا الذي املك لقمة عيشك. وهكذا تتحول جميع العلاقات في بنية النص الى دلالات تكسبها مدلولات حديدة تشكل سيميائياً من خلال تقابلات ثنائية تغدو دلالاتها على الشكل التالي: 

( لنمر والغابة = المواطن الحر والمواطن السجين) 

(النمر المروض = لانسان والسلطان ) 

(النمر المواطن = الانسان الحر والانسان المدجّن) 

(النمر والمدنية = المواطن اللاواعي والسجن غير المرئي ) الخ 

هذه التقابلات الثنائية تشكل بؤرة يتضح من خلالها 

( المستغل والمستغل = المواطن والسلطة ) وبالتالي تتحول كل علامة من هذه العلامات لتكتسب مدلولات جيدة ))( ).

الاشارة… فلها دلالة واحدة لا تقبل التنوع ولاتختلف من شخص لاخر لان المجتمع برمته قد تواضع على دلالتها. 

اشارة المرور مثلاً… ( أحمر = توقف) ( برتقالي = تهيؤ) – ( اخضر = مسير) (( وسواء كانت الدال النصي اشارة ام علامة ام رمز، فأن من واجبات العرض ان يعبر عن سيميولوجيا ليس باللغة المنظومة الحسية فقط، بل باللغات ذات التقنيات العالية التي يختص بها العرض ويتميز بها))( ). 

انطلاقاً مما سبق فإن قدرة المتلقين المتنامية على التعامل مع الرموز العلامات والاشارات ذلك التنامي الذي بدأت تشكله مجموعة من العوامل المعرفية والاقتصادية تفرض على منتجي الاشكال اللغوية سواء كانت شعرية او درامية اللجوء الى وسائل مبتكرة لاستثمار الذكاء المتنامي في تلقي الرموز لأنتاج مسرح جديد يراعي التبدل في الانماط السلوكية وتنوع الذائقة. 

المبحث الثالث: قراءة في تجربة الماجدي  رؤية وتحليل 

يمثل الشاعر خزعل الماجدي واحدة من العلامات الفارقة في تاريخ الثقافة العراقية المعاصرة. فالرجل بنتاجه المتميز متعدد الاوجه يشير بشكل واضح الى ظاهر ايجابية في المشهد الثقافي فهو يتنقل بذكاء بين العلم والشعر والتنظير الفكري والنقدي والدراسات التأريخية. 

وفيما يخص مجال اشتغالنا حول المحتوى الدلالي للنص المسرحي الشعري فأن تجربة الماجدي في نصوصه المختلفة تؤكد ان الشاعر القادر على الامساك بالبني الدرامية لابد وان يكون قد اتعب نفسه في استلهام المعطيات التراثية والسياسية وربما الدينية، يقول محمد صابر عبيد (( يمكن القول ان من انضج مراحل التطور في البناء الشعري هو البناء الدرامي، اذ يحتاج تحقيق حالة من التوازن بين الوعي الفني والفكري في شخصية الشاعر الابداعية، ويعتمد هذا النوع من البناء على عمق مخيلة الشاعر واتساعها))( ). 

ولد الشاعر خزعل الماجدي في مدينة كركوك عام 1951، وكان العراق وقتها يشهد مرحلة من مراحل تحوله ذلك التحول الي سبتكرس عام 1958، حصل الماجدي على شهادة الدكتوراه في التاريخ القديم عام 1996 ليعمل في دائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة والاعلام العراقية عام 1998. 

بعد ذلك ولاسباب مختلفة اطر الشاعر خزعل الماجدي الى مغادرة العراق بحثاً عن مناخات اكثر اتساعاً تتيح له التعبير عن قدراته الابداعية بعيداً عن اي شكل من اشكال الرقابة ويمكن ان نقول هنا ان تجربة الماجدي تعتبراً نموذجاً للغربة الايجابية ان صح التعبير حيث قدم الماجدي في تلك الفترة انتاجاً ثراً وابداعاً وخصباً.  

عاد خزعل الماجدي الى العراق في اب عام 2003، قد تغيرت لديه الكثير من الرؤى والافكار بفعل شعوره بان ملاك الحرية يمكن ان يكون قد هبط مرة اخرى في العراق وهو الامر الذ يتيح بيئة صالحة للابداع. 

والماجدي اضافة الى كونه مؤلف مسرحي فهو صاحب اكثر من عشرين كتاب في المثيولوجيا التاريخ القديم والاساطير والاديان وهو ما يدخل ضمن فضاء ( الانتربولوجيا) وله في ذلك مؤلفات عدة.

(( ففي مجال الشعر له الكثير من لمجاميع صدرت في عدة مجلدات عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ففي عام 2001 صدر المجلد الاول والذي ضم اطلس شرقي، فيزياء مضادة، قصائد الصورة، انا هيت، اسمعي رمادي.. سمعي موسيقا الذهب، مخطوطات غجرية. 

وفي عام 2005 صدر عن المؤسسة نفسها المجلد الثاني من اعماله الشعرية الذي ضم يقظة دلمون، اناشيد اسرافيل، الياقوتات موسيقا لهدم البحر، خواتم الافعى، حزيناً عند عمود السماء السومرية احلام في اتضاح حجمها وفراد يسها العالية. 

وفي عام 2008 صدر في المؤسسة العربية للدراسات والنشر المجلد الثالث، من اعماله الشعرية والذي ضم عكازة رامبو 1992، حية ودرج 1993، خيط العبور 1994، حمام النساء في كركوك عام 1996 ركوكو عام 1998، فلم طويل جداً عام 2003. 

اما في مجال التنظير ونقد الشعر فقد قام خزعل الماجدي للمكتبة العربية دراسات مهمة ابرزها  العقل الشعري ( جزءان ) اما في حقل التاريخ والميثولوجيا والاديان القديمة فقد انتج الماجدي دراسات مهمة ابرزها سفر سومر، حكايات سومرية، ميثولوجيا الاردن القديم، الدين السومري، المعتقدات الارامية، موسوعة الفلك عبر التاريخ، تاريخ القدس القديم، اما في مجال المسرح فقد قدم الماجدي نصوصاً مهمة منها عزلة في الكرسيتال عام 1990، حفلة الماس عام 1992، الغراب 1992، مسرحيات قصيرة جداً عام 1993، تموز في الاعالي عام 1993. قيامة شهرزاد عام 1994، نزول عشتا الى ملجأ العامرية عام 1994 اكينو ( الليالي البابلية) عام 1995، مفتاح بغداد عام 1996، انيما عام 1997، سيدرا عام 1999، مسرحيتا هاملت بلاهاملت وسيدرا) صدرتا في كتاب واحد عن دار لشروق للنشر والتوزيع عام 2005 ومسرحية نصب الحرية))( ).

في مقدمة كتاب العقل الشعري يقول خزعل الماجدي ((في جميع الاحوال كان التنظير الشعري للشعراء اكثر صدقاً واكثر قدرة على التعبير عن ماهية الشعر في الفلاسفة والنقاد وعلماء العلوم الانسانية القريبة، فالشاعر ادري بتلك الاغوار العميقة التي تخرج منها اشعاره، وربما كان ادرى بموجّهاتها العقلية والفكرية))( ). 

هذه الاشكالية التي طرحها الماجدي يمكن ان تمثل مفتاحاً للطريق التي يتحتم على الباحثة استخدامها لفهم نصوصه المختلفة وجهوده النظرية ومسرحياته فالشاعر هنا وهو يستخدم المسرح للوصول الى جودة الشعر او حينما يستخدم الشعر لتعزيز الفعل الدرامي المشبع بالدلالات فأنه سيكون ادرى بأدواته المختلفة.

ولعل ايغال الماجدي في الكتابة في صلب النظرية الشعرية نعثر على اثاره المتعددة من خلال التواصل المنطوق الشعري بالفعل المسرحي ذلك التواصل الذي اراد له الماجدي ان يأخذ ابعاداً فكرية متعددة بذل من اجلها بالاشتراك  مع اخرين جهوداً كبيرة اذ (( تجدر الاشارة ان الماجدي قد اصدر بيانين مسرحيين فيما يخص التنظير للشأن المسرحي بعنوان ( المسرح المفتوح وهو البيان الاول اما الثاني بعنوان المسرح الشعري الحديث) الذي يصب منه كل افكاره النظرية حول ارتباط اعماله المسرحية بهذا العالم او عالم مابعد الحداثة)( ).

ولعل من المفيد القول هنا ان الماجدي كان حريصاً على امرين مهمين اولهما هو عدم الانصيّاع الى البنى التقليدية عند التصدي لانتاج فعل المسرحي أني وثانيهما هو الحفاظ على روح الشعر ومعنى المسرح عن انتاج اي عمل في المسرح الشعري وضرورة ان الا يفسد كل منهما معنى الاخر ماهيته با يضمن في النهاية العلاقة الوثيقة بين كل من الشعر والمسرح تلك العلاقة التي يرى الماجدي انها يمكن ان تستقيم عبر نبذ الشكلية المقيتة التي تلحق اضراراً بمعنى الفعل في سعيها للتأكد على شكله ( يقول الماجدي، ان المسرح والشعر كانا في تزاوج كاثوليكي طويل الامد بدأ منذ منتصف القرن السادس (ق.م) عند الاغريق حتى ظهور (ابسن) حيث اطاح بالشعرية التي اقيم عليها المسرح. ويؤكد وفق رأيه الشخصي. ان الشعر عمل على افساد المسرح طيلة تلك القرون عندما كان المسرح ينوء تحت قيود شعرية شكلية، وهي ان الشعر كان يخرج النص المسرحي ولكنه لا يخرج طبيعياً بل يخرجه مثقلاً بالبلاغة والوزن والنظم والقوافي والشكليات))( ). 

لعلنا نجد ظهوراً مهماً لهذه التصورات في البيان الثاني الذي اصدره الماجدي وسبقت الاشارة اليه والذي يتعلق بأفكار بعد الحداثة تلك الافكار التي ((خلقت حيوية حركية شاملة، عندما وقفت ضد الكليات الشمولية، وعندما اعترفت بشرعية التهجين، وعندما منحت الاختلاف حقّ الاولية، عندما اعطت التجريب حدة الاقصى المرتبط بفكرة الحرية))( ).

حيث يمكن ان نلمس تلك التصورات مابعد الحداثة عند محاولتنا تقصي الرسائل الدلالية في نص نصب الحرية لخزعل الماجدي وهو النص الذي يعبر بصورة واضحة عن الانشغالات الجديدة للشاعر في بحثه المتواصل عن طريقة لتوضيح مالبس فهمّه وخاصة في الموضوعات التي تتعلق بكينونة الانسان وجوده. 

وفي رأينا الشخصي ان الشاعر خزعل الماجدي في نصب الحرية كان بحاجة ماسة ليعبر عن فهمه الجديد لاشياء اكدت رسوخها في الذاكرة العراقية والمسرح هذه المرة هو طوق النجاة (( اذا كان انتاج التعبير بين في القصة والرواية شحيحاً فهو من خشبة المسرح خصب شديد الخصوبة. انه يتبع كذلك من خيبة امل في المدينة الكبيرة، والشوق للعثور على الانسان وسط ضجيج الحروب والالات))( ).

ولعلنا لا نعدو الصواب اذا ما قلنا ان الماجدي يقوم بهذه المهمة بأدراك كامل لأهمية الفعل الشعري الجديد في انتاج قراءات متنوعة لمنجزات سبق وان قام الكثيرون بمحاولة قراءتها وهذا الامر ينطبق بشكل وبأخر على جهد الماجدي، ففي مسرحية نصب الحرية فالنصب وعلى مدى عدة عقود تعرض لقراءات واستنطاقات مسرحية وشعرية وتشكيلية وربما اجتماعية وسياسية ولكن الحل كما يراه الماجدي يكمن في توصيف مغاير او (( ينبئ تاريخ الشعر عن وجود نمطين من الشعراء ضمن الطبقة الفاعلة للشعر في اي عصر من العصور والتي تعلو على الطبقة الضعيفة التي تقوم بأعادة انتاج المنجز الشعري لشعراء الطبقة الفاعلة اذ تعمل الطبقة الفاعلة على انتاج متصل ومبدع وتخلق طرائقها الخاصة في الكتابة الشعرية فهي القادرة على تشكيل انساق شعرية مؤثرة في ذلك العصر وهي المؤهلة لفتح الرؤية الشعرية واعادة المغامرة الشعرية الى دائرة فعلها المتصل مع الدوائر السابقة عليها))( ).

وهذا التوصيف الذي ينحي جانباً ولو لبرهة القراءات المجاورة لنصب الحرية تعتمد على اللغة بأعتبارها اكثر قدرة على مخاطبة متلقي يحتفظ بميزات خاصة اذن (( فاللغة تعد استناداً الى هذه المعطيات من اهم وسائل التعبير واخطرها على صعيد تركيز الدلالة في الفن الشعري، فهي الوسيلة العضوية التي تحتضن الوسائل التعبيرية الاخرى وتحتويها وتعّرف عضويتها في المجال الشعري الميداني، وبواسطتها تنتقل الرسالة الشعرية من الشاعر الى المتلقي))( ).

ان نص نصب الحرية بلاشك يكشف مرة اخرى عن مهارة الماجدي في تحميل دواليب اللغة بالفعل الدلالي الذي يمكن ان يغني القارئ والمتلقي في نفس الوقت يمنحهم قدرة على فهم رسالة نصب البحرية الذي نفذه الفنان الراحل جواد سليم.  

المؤشرات التي اسفر عنها الاطار النظري 

1. الايقاع الصوتي 

2. الطقوس الرمزية. 

3. الصورة واعادة صناعة اللغة. 

4. الضمني والمتوازي. 

5. البعد الاجتماعي والسعي الى التغير. 

6. التأويل والتفسير والشرح والايحاء. 

7. التعبير بالرموز. 

8. المدلول الوجداني. 

الفصل الثالث

1. مجتمع البحث 

اشتمل مجتمع البحث الاصلي على (3) نصوص مسرحية (المسرح الشعري)، كتبت بعد السقوط (سقوط بغداد ) عام 2003 وهي 

ت       اسم المسرحية             المؤلف         سنة التأليف 

1.       نصب الحرية  (مونور راما)   خزعل الماجدي       2005

2. ليليث   ( مونودراما)     خزعل الماجدي       2004  

3. حية ودرج                           خزعل الماجدي       2003 

2. عينة البحث 

تم اختيار ( عينة البحث) وفق طريقة قصدية، للاسباب التالية : 

1. يمكن تطبيق ماتوصل اليه الباحثة بمستوى اكثر من غيرها من النصوص.

2. تحقيق اهداف الدراسة بما يخدم نتائج البحث. 

نص ( نصب الحرية) مونودراما خزعل الماجدي ( عينة البحث) 

3. اداة البحث 

بعد ان اطلعت الباحثة على ادبيات مؤشرات الاطار النظري خرجت الباحثة بحصيلة هيكلية البناء الاداة… وهذه مجموعة من المؤشرات تستند عليها الباحثة في تحليل العينة. 

المؤشرات التي اسفر عنها الاطار النظري 

1. الايقاع الصوتي. 

2. الطقوس الرمزية. 

3. الصورة واعادة صناعة اللغة. 

4. الضمني والمتواري. 

5. البعد الاجتماعي والسعي الى التغير. 

6. التأويل والتغيير والشرح والايحاء. 

7. التعبر بالرموز. 

8. المدلول الوجداني. 

ملخص المسرحية : نصب الحرية ( مونودراما خزعل الماجدي).

المسرحية هي عبارة عن مونودراما تراجيدية في خمسة مشاهد تقع احداثها في مدينة بغداد بعد عام 2003 ويتخذ النص المسرحي من نصب الحرية كخلفية للاستفادة من مخزونة الدلالي للتعبير عن رؤية المسرحية التي تحاول التنبؤ بمستقبل العراق في ظل وضع سياسي متأزم حيث يشير النص اكثر مرة الى ثقوب البلاد للاشارة إلى الخروقات التي لحقت بجدار الدولة العراقية تلك الخروقات التي تأتي من الشرق والغرب والشمال والجنوب حيث يستعمر الرجال المدججون بالبنادق شوارع بغداد ويعتدون على كل شيء فيها وعلى وجه الخصوص رموز الحضارة والجمال وهنا تأتي القيمة الاعتبارية والفكرية لاستخدام نصب الحرية كجوهر للمسرحية حيث يتخيل صناع النص روح مصمم النصب ( جواد سليم) وهي تحاول ان تحل في واحد من مكونات النصب فتحل مرة في النسوة النائحات واخرى في جسد الطفل وثالثة في الجواد الذي يتعرض هو بدوره لمحاولة التعويق والاسكات، فتعود روح الفنان الى مكانها في النصب بعد ذلك. 

تلعب شخصية الرجل ( الممثل الوحيد في النص) والذي ينزل من النصب الى خشبة المسرح، دور المخلص فبعد محاولات استنطاق حوارية لرموز النص وروح الفنان التي تبحث عن مكان يختار الرجل النازل من النصب مصيراً حتمياً الا وهو مصير المضحي الذي يجود بنفسه طمعاً في خلاص شامل وهي النهاية التي اختارها الشاعر لنص نصب الحرية. 

التحليل : 

يمنح العنوان الذي اختاره خزعل الماجدي لنصه المسرحي، المحلل فرصة جيدة للتدليل على قدرة عنوان النص على اطلاق الدلالات. 

فنصب (الحرية) كما نرى منطوق متخم بالدلالات فهو يشير بالضرورة الى (( فكرة ابدية قداسة الحرية) كونها اساس مهم من اسس الوجود الانساني فالحرية كمعطى فلسفي ذو ابعاد روحية فعل ديناميكي متحرك ولكن النصب الهجري او البرونزي بطبيعته الاشارية يؤكد حضورها الدائم في ذاكرة الشعوب، وهذا حقق خزعل الماجدي ثنائية مهمة تتمثل في الاختزال اللغوي والعمق الدلالي (( فالعناوين هي مفايتح للولوج في عالم النصوص. لذا ينبغي على المتلقي ان يزود بالمنهج السيميائي للدخول في عالم العلاماتية قصد فهم دلائلية النصوص.))( ).

لذلك فأن نصب الحرية كعنوان هو في متن النص من ناحية حرص المؤلف على ايصال رسالة ما الى المتلقي، تلك الرسالة التي تريد ان تدافع عن معنى الحرية المفقودة والمشتهاة ف عين الوقت. 

(( كفى حروباً…. 

قالها اطفالنا لابائهم 

نريد فجراً بلا طائرات 

نريدُ صباحاً بلا هتافات 

كفى حروباً 

لماذا تفعلون هذا بنا؟ 

نريد وطناً آمناً. 

نريد اباءً شعراء وعلماء واطباء ورسامين، لا نريد اباءً محاربين ))( )

في هذا المقطع الحواري الذي يعبر بأعتقادنا عن الرؤية العامة للمسرحية يؤسس خزعل الماجدي عبر استخدام البعد الاجتماعي والرغبة في التعبير، لقائمة من المتطلبات التي تؤثر لما يمكن ان نطلق عليه بعلامات او اشارات الحرية والملاحظ هنا ان صانع النص في هذا المحور لم يعتمد على التعبير بالرموز ولم يراهن على قدرة المتلقي على التأويل بل استخدم الافصاح والمباشرة المعتمدة بطريقة على الايقاع الصوتي والتركيز على المدلول الوجداني الذي تم التعبير عنه هنا سلسلة من المتطلبات التي تمثل حلم كل عراقي يتوق الى الحرية. 

في بداية المسرحية ينطلق صوت بنبضات قلب تنخفض تدريجياً ليظهر صوت عميق ذو قرار مسجل على شريط: 

(( الصوت : سبع مرات اشعلت شمعة 

سبع مرات انطفأت 

سبع مرات طردت الشر من بيتي 

سبع مرات عادة الشرور 

ليل العراق مازال طويلاً. 

ونهاره مازال تحد الرماد))( )

في هذا المقطع نرى اشاعر خزعل الماجدي في محاولة لاستثمار المأثور الاجتماعي الذي يعتمد رقم (7) في الكثير من المناسبات فالله خلق الكون في (7) ايام وخلق السماء من (7) طبقات والعراقيون يعمدون الى استخدام رُقْيه هي عبارة عن سبع عيون لطرد الشر عن بيوتهم وهذا بالنسبة لاشعال (7) شموع في طقس رمزي في كثير من المناسبات الاجتماعية الحزينة وتلك التي لها طابع الفرح على حد سواء، كما يلبس العراقيون اطفالهم قلادة مكونة من سبع خرزات تحميهم من الحسد والارواح الشريرة. 

هنا يريد الشاعر ان يؤكد عبر هذه الاشارة الرمزية الى عراقية المناسبة والنص لكي يبرر حديثه عن حرية عراقية مستباحة وليس عن اي حرية اخرى. 

وهذا الامر يؤكد استخدام مؤشرين اثنين هما البعد الاجتماعي والطقوس الرمزية. 

بعد ذلك وفي نفس المقطع يستمر الصوت بتأوه: 

(( الاتباً لدولات الموت وهو يحصينا واحداً واحداً كل ليلة 

الا تباً لعادات الدم والخراب تستير فينا دون ان تدري الى التيه الا تبا لانفسنا ماذا فعلت بنا))( ) 

ان هذا الايقاع الصوتي الذي يلجأ اليه الشاعر ليشارك بفعالية في بلورة تأثير نغمي يكون لدى المتلقي صورة بأبعاد دلالية محددة عن الجو العام الذي تجري فيه الاحداث وهو العراق الذي تدفن نهاراته تحت الرماد جيلاً بعد جيل، بعد ذلك يقوم الشاعر بأستخدام صورة الدولاب لايصال رسالة ما فالدولاب كشيء ذو طابع دوراني لا يتوقف عن الحركة وهو في الذاكرة العراقية يستخدم لرفع المياه من الانهار الى الاراضي عن الحركة وهو في الذاكرة العراقية يستخدم لرفع المياه من الانهار الى الاراضي المزروعة في حركة تكاد لا تنتهي

 وعندما يتم هنا في مختبر الشاعر / صانع النص اعادة إنتاج اللغة وتصنيعها يصبح الدولاب دولاباً للموت يأتي به مثلما يأتي الدولاب العادي بالماء دون توقف. 

والموت كعادة من عادات الدم والخراب يسير بنا الى تيه مؤكد وهذا التيه متوارية خلف النوايا التي تقوم بمد دولات الموت بالحركة فالتيه هنا متروك بحسب اعتقادنا لقدرة المتلقي على التأويل والتفسير والشرح والايحاء.

فصانع النص هنا يتوقع بأنه يقوم بالاشارة الى اشكال من التيه فبالاضافة الى التيه العام الذي تصنعه عادات الموت ودولابه، ونهارات العراق المدفونة تحت الرماد فثمة تيه خاص لكل منا يحمله في داخله يتنقل معه يسير به في كل اتجاه ولعل الشاعر خزعل الماجدي نفسه كصانع للنص تحول هنا الى منتج لخطاب متأثر بتيه شخصي، وهذا الامر يؤكده المقطع التالي:

 ((  عندما أصبحتُ جندياً 

كنت أداري البغال الجريحة العائدة من الحرب 

وكنت ارتب صيدلة محشورة في الجبال 

اصنع تماثيل شمع صغيرة للنساء اللاتي اجبتهن 

واضعها في جيوبي 

أدوّن مذكراتي ومخاوفي 

كان الجنرلات يقودننا الى الموت 

وكنت ألوذ بصيدلتي وببغالي بخرافاتي. 

خرجَت من ذاكرة المقابر 

وصنعت لي فردوساً من الورق لم يقبل أحدٌ الدخول إليه 

في طاسلوجة…

تركت البروق تضربُ انهاري وتفيضُ نجدافاتي 

كتبتُ تحت نار الحروب فصول (خزائيل)))( ). 

وصانع النص في اكثر من موضوع في المسرحية يؤكد على اهتماماته الفكرية والمعرفية ويستعملها في تأسيس منظومة منتجة للدلالات، فالشخصية الوحيدة في المسرحية 

التي تهبط من النصب الى خشية المسرح تمارس فعلاً يدعو الى التغير وكأنها شخصية تهبط عن نصب الحرية الى ساحة التحرير نفسها وهي في حركتها تلك تؤكد على مضامين محددة. 

(( دخان ابدي مسموم يستنشقه ذاهبون الى الجحيم 

( يتحرك وكأنه يفتش عن شيء) 

بدلاً من الزهور والاغصان 

ظهرت غيوم الدخان وسخمتنا 

كأن بغداد خارجه من أقمطة السحر 

كأن صياديها يسعون لصيد الشمس 

كأنهم ينصبون الشراك للمطر ))( )

ففي هذه المقطع مخزون دلالي شاسع فهناك يبدع الشاعر في تكوين صورة لجحيم خاص عبر استخدام اللغة فالدخان له صفة الابدية مثل الظلم والتعصب، وكذلك غيوم الدخان الدلالة على صورة بغداد التي تخلو سمائها من الطائرات والانفجارات وهو الامر الذي ادى الى تسخدم كل شيء الوجوه والشوارع وثياب الاطفال ومعزوفات الموسيقى واغلفة الكتب والانهار والامزجة، وهنا استخدام للبعد الاجتماعي الذي يرتكز على الموروث الشعبي عند وقوع النكبات ويستمر الشاعر في تأثيث تلك الصورة عبر استخدام الضمني المتواري.

فثمة صيادين يصطادون الشمس كتعبير رمزي عن المستحيل الذي لا يمكن ان يتحقق والذي يمكن ان يؤدي الى المزيد من الاحباط. 

وهكذا ثمة صيادون اخرون ينصبون الشراك للمطر كبديل عن الطيور، ونرى ان صانع النص هنا يعتمد في هذا المقطع ايضاً على قدرة المتلقي او القارئ على تأويل المعنى ليغني نفسه عن التصريح عن معاني الاحباط واليأس. 

وذلك اليأس الناجم عن إدارك العراقيين/المتلقيين لحقيقة ان وطنهم مستهدف من عدو يمكن ان يأتي في اية لحظة ومن اي مكان ذلك نرى الشاعر يلجأ الى مجال تعبيري بدفعه اليه مكنون نفسي وموروث شعبي سبق وان عمل عليه في مجال اهتماماته بالسحر والتراث القديم، يقول الشاعر على لسان شخصيته الوحيدة: 

 (( كم غراب سيأتي لهذه البلاد 

بلحية وثوب قصير وكتاب فقهي أسود ؟ 

كم كأسٍ من السم سيحمل معه؟ 

وكم طفلٍ سيأكل ؟ 

كم من الخدم سيفرشون لنعليه السجاد 

ويعطرون له المياه ؟ 

القطعان الضالة جاءت من الشرق وطعنت دجلة

وجاءت من الغرب وحفرت خاصرة الفرات 

جاءت من الشمال ونهشت الجبال 

وجاءت من الجنوب وضربت المدن 

بستانك ياعراق تحول الى زيبة 

تلمع فيها عيون الذئاب))( )

فالغراب هنا، وفي مجمل الموروث الشعبي العراقي نذير شؤم فوجده في مكان ما أو تحليقه في سماء معنية لابد وان يجمع معه النكبات، لذلك تتسأئل الشخصية الهابطة من نصب الحرية عن عدد الغربان التي يمكن ان تحلق في سماوات البلاد، هنا يبدع الشاعر في تصميم كولاج رمزي يتمثل في غراب بلحية وهو بذلك يمزج بين التعبير بالرموز مع الايحاء الطقسي الذي سوف يجعل المتلقين يعيشون في جو معين له طعم الأمكنة التي يتوالد فيها السحرة والمشعوذين الذين يتولون تخيل حاضر اسود لهذه البلاد، سحرة بلحى واثواب قصيرة يحملون كؤوس السم في قداس غير ظاهر يبحثون عن الاطفال الذين يرمزون الى البراءة من اجل التهامهم وهنا يستخدم الشاعر الطقوس الرمزية العراقية التي تشير حكاياتها الى كائنات تأكل الاطفال. 

بعد ذلك يلجأ الشاعر الى استثمار قدرة المتلقي على التأويل والتفسير والشرح والايحاء في تحديد متابع الشر الذي يغزو البلاد، فثمة قطعان تأتي من الشرق واخرى من الغرب وثالثة من 

الشمال ورابعة من الجنوب تلك القطعان التي صنعت بلادها الخاصة داخل البلاد بقوانين تفرض متساوتها على بريق الفرح. يقول الشاعر متعقباً ماتبقى من وجدان

 (( اه ياحبيبتي… اين انت الان ؟ اليوم هو عيد ميلادك.. عيد شروقك 

كيف احتفلُ بعيد ميلادك 

والأحزان تقطرُ على اوراق الشجر؟ 

كيف اشعل شموعكِ

والظلام هو نارنا الأبدّية؟ 

وماذا سأهديك ؟ 

الذهب تحول الى تنك 

الفضة تحولت الى تراب 

يكفي ان انظر اليك بعيون حزينة

يكفي ان تحفظني لي اولادي الاربعة 

من الشرر المتطاير في البلاد 

وإلاّ أعيدهم الى رحمكِ))( ).

في هذا المقطع يتحول الظلام الذي حملته القطعان في حقائب الوهم الى نار ابدية وهو تعبير رمزي عن قدرة الفكر الظلامي على وئد الق الحضارة. 

ليفجر الشاعر بعد ذلك حواراً يتسم بشيء من المباشرة والكثير من الرمزية فهو يتسأل عن مقدار التغير القيمي والمادي الذي لحق بالحياة العراقية في عيد ميلاد حبيبته في تحديد معنى واضح لاثمان الاشياء فالذهب تحول الى تنك والفضة تحولت الى تراب وهذا الامر يشير الى بداية قائمة الخسّارات الطويلة التي يمكن ان تلحق بنا وبأولادنا هنا يستثمر الشاعر الصورة فيخبرنا بأنه قد يلجأ الى اعادة اولاده الى رحم امهم وهو تعبير عن النكوص وطرح الاسئلة الكبيرة. 

هنا يمكن ان نشير الى عتبة خطيرة تساعدنا في النفاذ الى جوهر نص نصب الحرية وهذه العتبة تتمثل في اضطراب روح جواد سليم وهو الصانع والاب الروحي لنصب الحرية حيث يراهن الشاعر على جدلية قيام روح جواد سليم بالدفاع عن قيم الحرية التي يسعى نصبه الى تكريسها وعنها تحوم روحه حول النصب يتسال بطل النص. 

(( علام تضطرب روحُ جواد سليم ؟ وما الذي يجعلها تحوم حول نصب الحرّية؟ 

أيّ قلق أصابك ياجواد ؟ ولماذا تركت روحكَ هائمة هنا ؟ 

لماذا ترفرف فوق النصب ؟ وماذا تريد؟ 

روح جواد تريدُ ان تحل في النصب 

ولكن أين ؟ 

في هيكل الجندي الذي يكسر القضبان ؟ 

لا.. لا.. لم يعد ذلك الجندي يعرفها 

إذن في جسد الثور ذي القرنين 

لا.. الثيران تُذبح في الشوارع))( ).

وبعد ان تسقط فرضية حلول روح جواد سليم في الجنود والثيران كتعبير رمزي يخضع لتأويل والتفسير عن ضرورة اعادة تقييم مشهد الحرية بالكامل. 

يشرع صانع النص في تجربة حلول جديدة تؤشر لثلاث قراءات جديدة مختلفة فتحل روح الشاعر مرة في النساء الناحئات واخرى في الطفل النازف وثلاث في الحصان الملتوي. 

ويلاحظ المحلل لنص نصب الحرية ان هذه الخيارات تطرح اشكالية الحاح الشاعر على ضرورة تبني التغيير والشكل المدني في رسم ملامح الحياة العراقية الجديدة. 

في البدء تهبط روح جواد في النساء الناحئات 

(( اذن في النساء الناحئات ؟ 

نعم – هناك الملايين فهن اليوم. 

حين هبطت بين ايدي النساء الناحبات بكى جواد كثيراً معهن حتى غاب عن الوعي لم يفق إلا حين سمع دوي الانفجارات فعادت روحه من حيث أتت ولم يرغب في ان تبكي عليه النساء.))( ).

هنا يريد الشاعر عبر شخصيته الوحيدة ان يؤشر  لحقيقة دامغة تتمثل في مئات الالاف في النساء الناحبات اللواتي يبكين حاضر البلاد ومستقبلها ذلك البكاء الذي اوجع روح جواد سليم فأختار الرحيل عن هذا المأتم الشاسع الذي يكاد يتسع لاحزان البلاد المثقوبة، ابتعاد روح جواد عن النساء الناحبات تعبير عن رغبة صانع النص في امتلاك فرصة جديدة للاخلاص فتلجأ روحه الى الطفل النازف (( في اليوم الثاني حامت روحه حول النصب وهبطت عند الطفل فوجدته ممدداً والدم ينزفُ منه ثم سقط الطفل ُ في ساحة التحرير ملطخاً بدمه.. ذعرت روح جواد وطارت ))( ) 

هنا يمكن وعبر استخدام مبدئي التعبير بالرموز والتأويل والتفسير ولايحاء جر الذاكرة الى مأساة الطفل الذبيح في كل زمان ومكان يتكرر الطفل دائماً وبنفس الطريقة عندما تهبط روح جواد سليم الى طفل النصب فأنها تفاجئ بأن تجده ممدداً والدم ينزف منه وليسقط بعد ذلك في ساحة التحرير وفي مكان متخم بالدلالات يطلق العديد من العلامات الاشارات التي يمكن ان تفهم وفق معايير مختلفة والتي يمكن ان تشير الى مشهد يرسمه صانع النص عبر استخدام الايقاع الصوتي ورسم الصور واعادة صناعة اللغة بطريقة تنسجم مع حاجة النص. في المشهد دموع جارحة وذخيرة فاسدة ونجوم متكسرة وقناديل لا تشتعل 

(( في ثقوب البلاد جرّحتني الدموع 

علتني ذخيرة فاسدة ودفعت بي غيومٌ لا عهد 

لي بها نحو التراب. 

أعشاشي مزدحمة بكسر النجوم وفتائل قناديلي لا تشغل. 

ها أنذا.. عند الفجر 

هنا يكون ترتيلي 

هنا يكون إسرائي

تعال ايها الحصان الطائر جنوبي لتخلص الناس من هذ الظلام والموت))( )

وبعد ان يبطش الالم بروح جواد سليم التي حزنت على الطفل النازف الذي احتضنت ساحة التحرير جسده تجرب روح جواد سليم (( الحلول الثالث)) فتختار (( عنق الحصان الملتوي فجمح الحصان به خارج النصب وطار فوق بغداد ثم هبط بين المارة والسيارات فأنطلق الرصاص عليه وعلى الحصان ورماهما الناس بالحجارة، فشاهد جواد المسلحين والبنايات المحترقة والناس الذين يركضون في الشوارع من الخوف لكن جواد لكن جواده وطارا))( ).

هذا الاسراء الذي يقوم به صانع نصب الحرية فوق بغداد يؤشر مشهداً مأساوياً حيث يتعرض (( اب الحرية )) الى الرمي بالرصاص ومن مصادر  متعددة في عين لوقت الذي يشاهد فيه بغداد المحترقة المخربة التي تحقق قطيعة مع ماضيها العريق. 

هنا يلجأ الشاعر عبر الشخصية المحورية الوحيدة وعبر خطاب متوار الى صنع رسالة موجهة الى مبتكر الحرية العراقية بأن الوقت لم يحن بعد للنزول الى شوارع بغداد فهذه 

الشوارع التي تحتلها القطعان ويؤز الرصاص في جوانبها غير مستعدة بعد لقبول فكرة الحرية، والنصب هنا يتحول الى ملجأ آمن الروح الشاعر أو ربما مدى عصي على المسلحين. 

(( لا… لا… اهرب ياجواد بجوادك.. عد الى النصب.. عد الى النصب سالماً))( )

ولكن النصب في حقيقة الامر قد اصيب بشروخ وعيوب وشقوق وثقوب مختلفة سيحاول البطل الوحيد في المسرحية اصلاحها وهو اصلاح رمزي يمكن ان يعيد للنصب صلابته ورونقه وبهاؤه ليضل محتفظاً بقيمته كرمز من رموز الحرية. وهو يستخدم في هذه المهمة الطين وأبر محاولاً ردم الشقوق وخياطة الثقوب. 

ان نجاحه في هذه المهمة يعني التركيز على البعد الاجتماعي الذي يراهن على التغير وابتكار ايحاء يمكن أن يوفر شيء من الامل في نفوس المتلقين ولكن الحقيقة هي غير ذلك ابداً. 

(( الإبرة التي سأخيط بها البلاد عمياء 

لا استطيع غرسها في الارض أو القماش أو الورق 

ابرة عمياء 

وضمائر عمياء 

وقلوب عمياء 

كيف سأجعل البلد واحداً. 

هب الجميع بخاصرهم ليمزقوه 

وأنا لا املك سوى هذه الابرة العمياء 

التي سأغرسها في قلبي 

فربما يكون دمي اضحية لهذه البلاد))( )

فالابرة التي يستخدمها البطل الخياطه ثقوب النصب عمياء مثل الضمائر العمياء والقلوب العمياء وهو استخدام لرمز العمى والتيه الذي يسود المشهد الكلي للبلاد وهو ماينذر بأوخم العواقب في نظرة تشأومية خطيرة وكجزء من روح تطهيره  تعتمد على مفهوم المخلص الذي يغذي الاخرين بدمه وتتحول الابرة العمياء التي كانت فيما مضى املاً من آمال الاصلاح الى سكين يغرس بقسوة في قلب البطل الوحيد وسارد المشاهد لكي  يكون دمه اخر الامر اضحية لهذه البلاد. في هذه الامر يستثمر الشاعر الطقس العراقي المقدس المعروف الذي يكرس عملية استخدام تقديم الاضحية كرغبة من الخلاص الجمعي. 

الفصل الرابع : النتائج ومناقشتها  

النتائج : 

ان قراءة متأنية لتحليل نص نصب الحرية لخزعل الماجدي يمكن ان تقودنا الى تأشير النتائج التالية.

1. استخدام الشاعر العبارات والجمل المنغمة بالدلالات بشكل كبير خلال النص حتى ان النص يمكن ان يمثل انموذجاً صالحاً للتحليل الدلالي وهو الامر الذي يكرس اهمية المسرح الشعري كخطاب يصلح لمتلقي وقراءة محكومة بابعاد زمانية ومكانية يفرضها العصر الراهن. 

2. اعتمد الشاعر على استخدام الرموز باشكالها المختلفة ومرجعياتها المتنوعة كأفعال قادرة على اطلاق الدلالات المتنوعة. 

3. استخدم الشاعر الطقوس الرمزية وخاصة تلك الطقوس التي تمد جذورها في اعماق التاريخ والتراث الشعبي العراقي مستفيداً بذلك من تجربته الخاصة وتخصصه الاكاديمي. 

4. لجأ الشاعر بشكل متكرر وأيجابي الى مخاطبة عقل القارئ والمتلقي عبر استخدام الجمل والاشارات الذي يعتمد فهمها على التأويل والتفسير والشرح والايحاء. 

5. خلص البحث الى ان كاتب النص استخدم براعته الشعرية في استثمار الايقاع الصوتي لتحقيق اعلى درجات التأثر في المتلقي والقارئ. 

6. كشفت القراءة التحليلية لنص نصب الحرية الخزعلي الماجدي ان الشاعر كان واعياً بطريقة ملفته للنظر لأهمية البعد الاجتماعي الذي يمكن ان بشكل اساساً لاي تغير ممكن وخاصة فيما يتعلق بالعادات الاجتماعية اساساً لاي تغير ممكن وخاصة فيما يتعلق بالعادات الاجتماعية التي يمكن استخدامها في بناء نصوص مسرحية عراقية تؤسس المدرسة مسرحية عراقية خالصة. 

7. اثبت التحليل بما لايقبل الشك ان الشاعر وهو يصنع نصاً مسرحياً شعرياً سوف لن يستطيع المغامرة بترك المدلول الوجداني. 

8. حيث لاحظنا ان خزعل الماجدي في نص نصب الحرية، وفي اكثر من موقع في المسرحية قد رجع الى المدلول الوجداني كطريقة للتعبير او كوسيلة لتحقيق اكبر عصف عاطفي في نفوس المتلقين. 

9. ان الطبيعة الخاصة لنص نصب الحرية، واستثنائية الوضع العراقي والخصائص التي تميز المتلقي اجبرت الشاعر على استخدام الضمني والمتواري كألية يمكن ان تساهم في تعزيز القدرة الدلالية لنص نصب الحرية. 

10. ان قراءة متأنية لنص نصب الحرية تشير الى ان الصورة قد لعبت دوراً في تكوين المعطيات ذات الدفق الدلالي خاصة وان نصب الحرية كعمل فين استخدمه صانع النص كخلقية تنتمي الى منطوق الصورة فعن طريق استخدام اللغة استطاع الماجدي ان يرسم مجموعة من الصور ساهمت في تحقيق هدف هذه المسرحية ورسالتها. 

الاستنتاجات 

1. من خلال النتائج وجدنا ان التركيز على الدلالات واحترام القدرة المتنامية للمتلقين على التأويل سيؤدي لا محالة الى ازدهار فن كتابة النصوص المسرحية الشعرية القصيرة التي تحتاج الى حيز زمني قصير وحيز مكان محدد. 

التوصيات 

1. توفير نصوص المسرح الشعري العراقي وخاصة تلك التي كتبت بعد عام 2003. 

2. ضرورة التركيز على تطوير تدريس المنهج الدلالي في الكليات العراقية لما يمثلة من اهمية في الدرس الاكاديمي على الصعيد العالمي. 

قائمة المصادر والمراجع

اولاً / الكتب والمراجع باللغة العربية

1. القرآن الكريم.

2. ايكو، امبرتو، العلامة تحليل المفهوم وتاريخه: ترجمة : سعيد بنكراد، راجع النص، سعيد الغانمي، ( المركزي الثقافي العربي، بيرون، ط1)، 2007

3. اسكندر، يوسف، هيرمنيوطيقيا الشعر العربي ( نحو نظرية هرمنيوطيقية في الشعر )، (سلسلة الفكر العربي الجديد، وزارة الثقافة والاعلام، دار الشؤون الثقافية العامة)، بغداد، 2009.

4. الاستاذ، د. محمود حسن، استراتيجية مقترحة في تنمية تجليات ابداعية وفضاءات دلالية ) ( جامعة الاقصى : مؤتمر فيلادلفيا الدولي الثاني عشر)، فلسطين، 2007.

5. الخياط، د. جلال، الاصول الدرامية في الشعر العربي، ( دار الحرية للطباعة)، بغداد، 1982.

6. القيسي، د. نوري حمودي، لمحات من الشعر القصصي في الادب العربي، ( الموسوعة الصغيرة)، ( دار الحرية للطباعة )، بغداد، 1980.

7. الموسى، د. خليل، المسرحية في الادب العربي الحديث  ( تاريخ – تنظر، تحليل ) ( منشورات اتحاد الكتاب العربي )، 1997.

8. ايكو، امبرتو، سيميائيات الأنساق البصيرة، ترجمة محمد التهامي، مراجعة، سعيد بنكراد،(دار الحوار للنشر والتوزيع، ط1)، سوريا، 2008.

9. الماجدي، خزعل، العقل الشعري الكتاب الاول، ( دار الشؤون الثقافية العامة، ط1)، بغداد، 2004.

10. الماجدي، خزعل، العقل الشعري، الكتاب الثاني، (دار الشؤون الثقافية العامة)، بغداد، 2004.

11. المناصرة، عز الدين، علم الشعريات (قراءة مونتاجية في ادبية الادب)، (دار مجدي للنشر والتوزيع)، 1، الاردن، 2007.

12. الداية، د. فايز، علم الدلاله العربي النظرية والتطبيق دراسة تأريخية، تأصيلية،نقدية، (دار الفكر)، دمشق، 1996.

13. ـــــــ، ترجمة الجمالي حافظ، سوسيولوجية المسرح ((دراسة على الظلال  الجمعية))، (منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي)، دمشق، 1976.

14. بلبل، فرحان، مراجعات في المسرح العربي منذ النشأة حتى اليوم (( دراسة )) (منشورات : اتحا الكتاب العربي)، 2001.

15. جواد، عبدالستار، في المسرح الشعري، الموسوعة الصغيرة، ( دار الحرية للطباعة )، بغداد، 1979.

16. حمو، د. حورية، محمد، تأصيل المسرح العربي بين النظرية والتطبيق في مصر وسوريا، (منشورات اتحاد الكتاب العرب )، سوريا، 1999.

17. ـــــــــ، محاضرات المتلقي الوطني الاولى السيمياء والنص الادبي، (جامعة محمد خضير بسكره، كلية الاداب والعلوم الاجتماعية )، 2000.

18. صمودي، مصطفى، قراءات مسرحية، ( منشورات اتحاد الكتاب العرب)، 2000.

19. عياشي، منذر، العلاماتية وعلم النص، ( المركز الثقافي العربي)، ط1، المغرب، 2004.

20. عبيد، محمد صابر، عضوية الاداة الشعرية ((فنية الوسائل ودلالية الوظائف في القصيدة الجديدة))، (مطابع جريدة الصباح)، العراق، 2008.

21. كرج، جاكوب، مقدمة في الشعر، ترجمة : رياض عبدالواحد، ( دار الشؤون الثقافية العامة )، بغداد، 2004.

22. مكاوي، د.عبدالغفور، التعبير في الشعر والقصة والمسرح، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ) مصر، 1971.

23. منظور، ابن،  لسان العرب، المجلد الثالث، دار المعارف.

24. يوسف، أحمد، السيميايئات الواصفة لمنطق المسيميائي وجبر العلامات ((الدراسات العربية للعلوم، المركز الثقافي العربي ))، 2005.

25. يوسف احمد، الدلالات المفتوحة مقارنة سيميائية في فلسفة العلامة، ( دار العربية للعلوم، المركز الثقافي العربي )،ج1، المغرب، 2005.

ثانياً: المجلات والدوريات  والنصوص المسرحية

26. اسكندر يوسف، السيمياء مدخل فيلولوجي، الاقلام، العدد السادس دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2008.

27. الماجدي , خزعل, نصب الحرية ,(مونودراما خزعل الماجدي ),2005

28. (Wikipedia. Org). موسوعة ويكيبيديا، الانترنيت.

ثالثاً: رسائل ماجستير

29. جعفر، شاكر عبد العظيم، تمثلات مابعد الحداثة في نصوص خزعل الماجدي المسرحية، رسالة ماجستير (غير منشورة)، جامعة بابل، كلية الفنون الجميلة، 1989.

30. خضير، عواد علي، التحليل السيميائي للعرض المسرحي الحديث، رسالة ماجستير،(غير منشورة)، جامعة بغداد، كلية الفنون الجملية، 1989.

31. عباس، وصال، خصائص الحوار في النصوص المقدمة لجمهور الاطفال حسب فئاتهم العمرية، رسالة ماجستير (غير منشورة)، جامعة بابل، كلية الفنون الجميلة، 2002.

——————————————————————————————————-

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – وصال عباس عبدالحسين – كلية الفنون الجميلة- جامعة بابل

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *