استطلاع في يوم المسرح العالمي هوية.. المسرح بشكل عام بعدم هويته عندما تبحث له عن هوية جغرافية كأننا نبحث عن مرجعية حزبية أو عشائرية/احمد شرجي

 

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

هل هناك هوية للمسرح العراقيّ يمكن تلمّس ملامحها بعد هذه المسيرة الطويلة ـ هل المسرح العراقي الآن يحتل ـ عربياً على الأقل ـ المكانة التي يستحقها؟

هوية المسرح بشكل عام بعدم هويته، المسرح عابر للهوية بحكم خطابه الانساني والجمالي ، عندما تبحث له عن هوية جغرافية كأننا نبحث عن مرجعية حزبية أو عشائرية، في كل الارث المسرحي العالمي لاتوجد هوية لمسرح ما، لكن هناك هوية  مشاريع كما بريشت او مايرهولد اوارتو وغيرهم ،وهناك هوية ثقافية كما في مسرح النو والكابوكي الياباني..هوية المسرح العراقي الحقيقية في اصالته واشتغالاته النوعية المختلفة عبر تاريخه الطويل، حضوره الفاعل في الوطن العربي بحكم التقادم الزمني ورسوخه واستمراريته…لك تجربة مسرحية خصوصيتها في التعاطي مع العرض المسرحي ، العراق خصوصيته في الثمانيات والتسعينيات امتاز بالمشاكسة لكل ما ينتمي للسلطة ، وتونس تميزت باشتغلاتها الجمالية على مستوى السينغرافيا والاداء التمثيلي، وهكذا.. العرض المسرحي العراقي له حضور وازن في المنطقة العربية وهذا لا يمكن إنكاره ، لكن المشكل الكبير – حسب وجهة نظري- ليس المهم (المكانة) بقدر اهمية الاختلاف القصدي في التجربة المسرحية، تجربة تبحث عن الارتقاء بالذائقة الجمعية داخل المجتمع ، وتكون مؤثرة اولا في ثقافتها.

ـ هل نعاني من غياب التنظير المسرحي؟

هناك خلل كبير في الجانب التظيري للمسرح في العراق ، يكاد تخلو الساحة في القرن الماضي لي منظر مسرحي، هناك محاولات خجولة تفتقر للمنهجية والعلمية ، لا يوجد تنظير للتجربة بحد ذاتها ، وقد يكون مرجع ذلك إلى الضعف النقدي منهجيا والذي يقترب من الانطباعات الشخصية والانشائية ، لم يعد النقد مقالة عن عرض مسرحي ، بل كتابة ابداعية مجاورة بعيدا عن الكتابة المعيارية، في العقد الاخير بدأت تظهر ملامح منهجية وتنظيرية عند جيل جديد ، يعمل بعقلية تنظيرية كما جبار حسين صبري. ولا اعرف  حقيقة ما جدوى الكم الهائل من طلبة الدراسات العليا وحملة الدال في المسرح وهم لا يستطيعون كتابة مقالة نقدية منهجية؟ لم يتساوق النقد والتنظير مع فاعلية وديناميكية التجربة المسرحية العملية، اختفى بخجل خلف كواليسها، انصب الاهتمام بالتجربة العملية فقط ، ونسينا التنظير لها …

ـ ما هي برأيك ابرز السمات التي تميّز المسرح العراقي الآن وأهمّ تجاربه؟

امتازت التجربة المسرحية العراقية بمراحل انتقالية منذ تأسيسيها وفق المتغير السياسي والاجتماعي للبلد، في السبعينيات تخلص من المباشرة والخطابية ، وفي الثمانينيات تخلص من عشوائية الاخراج وهاوية التمثيل، وبدا بتشكيل تجربته المميزة من خلال عروض مشاكسة خلقت علاماتها المسرحية بعيدا عن فهم السلطة وخطابها التعبوي ، عبر عروض ادانة الحرب وغطرسة السلطة، عروض ابتعدت عن تعبويه السلطة ورجالاتها ، ومؤكد هذا لا ينطبق على كل العروض ، فاللسلطة رجالاتها الفنية ، لكننا نقصد العروض التي سادت في تلك المرحلة ، وفي التسعينيات استمرت العروض المشاكسة والمناهضة للسلطة وفق خطاب مسرحي جمالي ويحتفي بالإنسان العراقي وتداعيات الحروب والحصار وحماقات السلطة ، وما بعد 2003 اختلف العرض المسرحي العراقي شكلا ومضمونا ، ساد فيه استخدام اللهجة المحلية لايصال الوجع اليومي بدلا من لغة متعالية تهتم بالشكل والصرف والنحو، جيل جديد ذو ثقافة جديدة لا تنتمي الى أي جيل من الاجيال التي سبقتها ولا تنتمي إلا لزمن وجودها ، وبالتالي تشكل سمة مهمة في مسيرة المسرح العراقي ، بالإضافة إلى تجربة صلاح القصب في مسرح الصورة لأنها تجربة منفلته في زمنها عن ماهو سائد آنذاك، ( وهذه وجهة نظر شخصية ) ، ولعل السمة الابرز استمرار وديمومة المسرح العراقي ورجالاته رغم كل الظروف التي يمر بها البلد ، وتواصل الكثير منهم بالعمل رغم العمر مثل استاذنا سامي عبد الحميد ، لكن ما يؤسف توقف الكثير من المسرحيين الذين نشطوا مسرحيا قبل 2003 ، ولكن بعد التغير توقفوا نهائيا وتحت اسباب غير مقنعة ، وكأن نشاطهم مقترن بفترة زمنية محددة.

صنّاع الوهم

نعم ، نحن صناع الوهم بامتياز ، نتوهم نجاحات ، نعطي اهمية لجوائز سطحية ، ندافع عن الفاسدين بضراوة وفق علاقتنا الشخصية بهم ، نسقط بعضنا البعض ، نهمش منجز بعضنا البعض ، تسود بيننا اللامحبة ، عندنا فائض كبير من الكراهية…نتوهم باننا نتقدم ، ونتطور ، بينما العكس صحيح ، نتوهم بان ما نقدمه لم يسبقنا اليه احد ، وان عروضنا متقدمة ومبهرة، نتوهم  بأننا اصحاب مشاريع ريادية  في المنطقة، بينما نحن لم في المؤخرة ، نرجسية مقيتة ، نتوسل بطاقات الدعوة للمهرجانات ، ونتحدث عن مكانة وارث وتاريخ المسرح العراقي، لكننا نتوسل برؤساء المهرجانات والصغار من اجل دعوتنا، نتحدث عن احترام الفنان العراقي واهميته ، نحمي الفاسدين والسراق  والصداميين ، ونخرج نتظاهر ضد الفساد والمفسدين ، نساهم بخراب المسرح والثقافة ، بسكوتنا عن اللصوص والفوضى ، وهذه شراكة حقيقية بالخراب ، ومع ذلك نخرج في الفضائيات نتحدث عن المثالية … نقيم مهرجانات ضعيفة فنيا وجماليا ، ونصرح باننا اسياد المنطقة…نتبج بالتقشف ونطفئ اضواء المسرح الوطني ، وتذهب وفود لإقامة اسبوع ثقافي بائس وفاشل فنيا يصرف عليه الآلاف الدولارات .. نصرخ بان الدائرة اعلنت افلاسها ، ولا تستطيع دعم مشاريع فنية ، وخزينة الدائرة عامرة من مدخولات المسرح التجاري وايجار المسرح الوطني للفعاليات المختلفة، نصرخ بالتقشف ، ويتحدثون سرا عن السراق والفاسدين، يتحدثون عن اهمية البناء والاعمار ، ولكن في بيوتهم ومشاريعهم الشخصية فقط، وليس الفن والثقافة، عن اي مسرح نتحدث؟ مازال هناك بعض المجانيين بالصدق والنبل يحلمون بتغير هذا الواقع المؤلم ، لكنهم بلا داعم من اجل تغير ذلك وتحقيق مطالبهم ، علينا ان نفكر كيف نتطور ، ومن ثم نفكر بالجوائز ، الجائزة لا تعطي اهمية لمشروعك ، لأنها مزاج وذائقة مجموعة اشخاص ، بل الجائزة الحقيقية عندما نقدم تجارب مختلفة ، مشاكسة وعيا وجمالا وثقافة ، علينا ان نعترف باننا نتراجع ، وهذا ليس عيبا ، بل العيب ان نستمر بصناعة الوهم.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *