أيام الشارقة المسرحية في دورتها السادسة والعشرين

أتاحت أيام الشارقة المسرحية في دورتها السادسة والعشرين، المنعقدة ما بين 17 و27 مارس من طرف دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة، المجال للفنانين والنقاد والباحثين المسرحيين العرب من أجل مقاربة عدد من الإشكاليات المتعلقة براهن أب الفنون، تتعلق بعزوف الجمهور، وبإدارة الفرق المسرحية، وتوثيق الأعمال المسرحية، والسير والمذكرات في المسرح، والمسرح الإذاعي. كما سلطت الدورة الضوء على حجم ونوعية حضور المرأة في التجارب المسرحية العربية.

وقام عدد من المشاركين في الندوات بممارسة نوع من النقد الذاتي بالقول إن المسرحيين العرب هم من نفر الجمهور من المسرح، سواء من خلال التركيز على مسرح النخبة وإقامة الحدود والفواصل مع عموم الناس، أو من خلال مجاملة المتلقي على حساب العمل الفني. وخلصوا إلى اقتراح تنظيم لقاء تحاوري تشارك فيه مؤسسات القطاع الخاص ووسائل الاعلام بوصفها عناصر داعمة للعب دور أكبر في الحراك المسرحي، وفتح الباب للجمهور العام لحضور هذا اللقاء والذي سيتمحور حول دور الجمهور والقطاع الخاص ووسائل الاعلام في الحراك المسرحي. كما شددوا على أهمية تنظيم ورشات تكوينية يشارك فيها العاملون في الصحافة الثقافية المتخصصة في المسرح لاسيما كتاب الاعمدة منهم، باعتبارهم همزة وصل إعلامية لتحقيق التواصل ما بين المسرح والجمهور. وأكدوا أيضا على ضرورة انفتاح المؤسسة التعليمية على العروض المسرحية ليتم تقديم عروض مسرحية في داخل هذه المؤسسة، وذلك من خلال إيجاد آلية يتم التوافق عليها بين القائمين على الحالة المسرحية والمؤسسة، وتوجيه دعوات لحضور العروض المسرحية وعلى نطاق واسع بحيث تشمل المؤسسات التعليمية لاسيما المدارس والاكاديميات.

ومن جهة أخرى، اقترح المشاركون تخصيص جائزة للجمهور، داعين المسرحيين العرب إلى ضرورة استلهام موضوعاتهم المسرحية من صميم الواقع العربي وما يمس الانسان العربي بشكل مباشر. كما دعوا الباحثين والاكاديميين والنقاد إلى إنجاز بحوث ميدانية ونقدية دقيقة وعميقة حول السبل الكفيلة بجلب الجمهور للمسرح. وحثوا الحكومات العربية على ضرورة نشر ثقافة المسرح في الأطراف ونقل العروض المسرحية إليها وعدم الاكتفاء بفعالياتها في المدن الرئيسة، داعين وزارات التربية والتعليم في جميع الدول العربية إلى إدراج المسرح في المنظومة التربوية.

التوثيق المسرحي

وأجمع فنانون ونقاد مسرحيون على أهمية توثيق العروض المسرحية، لتشكل ذاكرة للمسرح العربي، داعين إلى ضرورة تكثيف الجهود بهذا الصدد ما بين الفاعلين المسرحيين من جهة والمؤسسات المعنية من جهة ثانية.

جاء ذلك في ندوة “أرشفة العرض المسرحي: الوعي والتجربة” التي أقيمت ليلة الأحد/ الاثنين في إطار فعاليات الدورة السادسة والعشرين لأيام الشارقة المسرحية، وذلك بمشاركة الفنان المسرحي العراقي الدكتور عبد الإله عبد القادر (المقيم في الإمارات) والناقد والباحث المسرحي المغربي الدكتور فهد الكغاط.

تساءل مسير الندوة عبد الناصر خلاف (من الجزائر) عما إذا كان التوثيق عمل المتخصصين، لافتا الانتباه إلى ملاحظتين، تتمثل أولاهما في اقتصار أرشفة العروض المسرحية على جهود فردية، فيما تتمثل الثانية في عدم إيمان عدة فرق مسرحية عربية بقيمة الوثيقة في الحفاظ على العمل بصريا، انطلاقا من التداريب الأولى على العروض.

وتحدث عبد الإله عبد القادر في مستهل مداخلته عن رائد التوثيق الفني في العراق الراحل أحمد فياض المفرجي، موضحا أن عمله لم يقتصر على المسرح، وإنما شمل توثيق السينما والفنون الشعبية بالإضافة إلى أنشطة فنية أخرى.

ثم تطرق إلى جهود شخصية لأرشفة الحركة المسرحية في دولة الإمارات العربية المتحدة التي استقر بها الدكتور عبد الإله عبد القادر منذ بداية الثمانينيات، ومن بينها على الخصوص ما قام بع الدكتور فارق أوهان والفنانون المسرحيون عبد الله المناعي وعلي خميس وعبد الله صالح ومحمد سعيد ومحمد عبد الله.

كما أشار المتحدث إلى مساهمته في توثيق المسرح الإماراتي، عبر إصدار كتاب بعنوان “المسرح في الإمارات: ستون عاما من العطاء”، وهو الكتاب الذي فاز بجائزة العويس خلال عام 2013. واستعرض أيضا مبادرات أخرى رسمية في هذا المجال بالإمارات، ولاسيما قيام إدارة المسرح الوطني بتخصيص غرفة كاملة للأرشيف بشكل منظم، وإصدار وزارة الثقافة وتنمية المعرفة للموسوعة الوطنية الثقافية، بهدف إظهار وجه الإمارات الحضاري والثقافي. ولفت الدكتور عبد الإله الانتباه إلى كون تلك الموسوعة التي أحدثت لها صيغة رقمية على الإنترنت تشمل أيضا توثيق الفن المسرحي بالنص والصوت والصورة.

وأوضح فهد الكغاط في مداخلته أن أرشيف أي عرض مسرحي، مهما تم توثيقه والحفاظ عليه، يتكون بصفة عامة من مجموعة من المواد والوثائق التي أطلقت عليها باحثة غربية مصطلح “المسودات المشهدية”. وتابع قوله: إن هذا المصطلح النقدي الذي وظفه النقاد التكوينيون في دراساتهم الأدبية والمسرحية، يحيل بالخصوص على الطبيعة الكتابية لما تنتجه سيرورة الإبداع الأدبي أو المسرحي من مواد تكوينية. ولفت الانتباه إلى أن النقاد التكوينيين الذين يشتغلون على العرض انطلاقا من أرشيفه يوظفون نفس المصطلح للإحالة أيضا على مواد الأرشيف الأخرى ذات الطبيعة غير الكتابية، مثل المواد الفوتوغرافية والفيلمية والرقمية وغيرها.

وصنّف هذه المسودات بحسب طبيعتها إلى:

ـ المسودات المشهدية الكتابية التي تضم النص المسرحي وكراسة الإخراج ودفتر التلقين الخاص بالعرض ودفاتر التلقين الخاصة المتعلقة بالإضاءة والموسيقى والمؤثرات الصوتية، ويوميات جلسات التدريب ومختزلاتها ويوميات عمل الممثل وتصاميم السينوغرافيا والملابس والإضاءة والديكور والتخطيطات والرسوم المختلفة وبرامج التدريبات وتوزيع الأدوار والملصقات وبرامج العروض…

ـ المسودات المشهدية الفوتوغرافية، وتتعلق بصور فوتوغرافية للتداريب.

ـ المسودات المشهدية الفيلمية، وتخص جلسات التدريب مصورة على فيلم.

ـ المسودات المشهدية الرقمية، وهي كراسة الإخراج الرقمية.

ـ مسودات مشهدية من طبيعة أخرى، من قبيل تصميم مصغر للديكور وتسجيل صوتي لأداء الممثلين خلال التداريب، وإعداد موسيقى العرض والمؤثرات الصوتية.

ثم حلل صاحب المداخلة إشكالية العلاقة بين التكون الدرامي والتكون المشهدي كما يظهر في أرشيف العرض؛ لينتقل إلى ملاحظة مفادها أن نص المسرحية الذي نجده مصاحبا لإشارات الإخراج المسرحي في عدد من كراسات الإخراج هو في الغالب حالة نصية من بين حالات النص في مرحلة ما قبل التداريب مع الممثلين، أي إحدى الحالات الثلاث الآتية: النص المكتوب، أو النص بعد القراءات الأولى، أو النص بعد القراءة الدراماتورجية. ولما كان هذا النص يتحول منذ التداريب مع الممثلين إلى أن تنتهي عروض المسرحية، فإنه يوجد في العديد من كراسات الإخراج المسرحي حاملا لآثار دالة على تحولاته.

واستنتج فهد الكغاط أنه إذا كان عدد من دور النشر العالمية قد أصدر سلسلة من نسخ الإخراج أو دفاتر التلقين ـ بعضها يخص المسرح الحديث وبعضها الآخر يعود إلى القرن السابع عشر ـ فإن حركة النشر بالعالم العربي لم تهتم مطلقا بهذا النوع من النصوص. كما أن المؤسسات الثقافية العربية ـ عكس نظيراتها الغربية ـ لم تهتم بجمع الذخائر التي تكون عادة في ملكية الفرق المسرحية أو المخرجين، مما لم يسمح بحفظ ما يواكب العروض من دفاتر تلقين وتصميم ومخططات وغيرها من الوثائق.

وختم صاحب المداخلة بالتأكيد على أن اهتمام الحركة المسرحية العربية بكراسات الإخراج محدود جدا، سواء على مستوى الجمع والتوثيق، أو على مستوى البحث والنقد. ولعل من أهم ما ينبغي القيام به من أجل الحفاظ على ذاكرة الإخراج العربي هو جمع ما توفر من مثل هذه الوثائق في مكتبات وطنية وجعلها في متناول الباحث المسرحي.

المسرح والحرية

ومن جهة أخرى، احتفت أيام الشارقة المسرحية بالفنانة المسرحية الجزائرية سكينة ميكيو المشهورة باسم “صونيا” من خلال تنظيم لقاء مفتوح معها، فكانت الفرصة سانحة للتعرف على مسار هذه الفنانة الذي امتزجت فيه المعاناة بالحلم والسعادة والتحدي. وحين سئلت عماذا أعطاها المسرح وماذا أخذ منها، أدمعت عيناها، وقالت: “المسرح أخذ مني كل شيء واعطاني الحرية.” وتحدثت عن المجهودات الشاقة التي بذلتها ـ على غرار زميلاتها من بنات جيلها ـ من أجل إثبات ذاتها على الخشبة، وكشفت أنها بعد عشرين سنة من ولوجها ميدان التمثيل التقت أهلها وتصالحت مع أسرتها ووالديها بالخصوص، مشيرة إلى أن أخاها أخبرها أن أحد أبناء عمومتها المتعلمين هو من قدم لوالدها فكرة خاطئة عن المسرح. وأفادت صونيا بأنها تحلم بالعودة الى التمثيل بعد إحالتها على المعاش بعد سنوات من ممارستها العمل الإداري مسؤولة في مراكز ثقافية بالجزائر، عقب تجربة غنية بالعطاءات في ميداني التمثيل والإخراج.

على صعيد آخر، كرمت أيام الشارقة المسرحية وجهين بارزين من وجوه المسرح الخليجي الفنان القطري غانم السليطي والفنان الإماراتي عمر غباش، تقديرا لدورهما في تطوير الحركة المسرحية العربية، حيث حكى كل منهما سيرته الثرية للجمهور، كما شارك زملاؤهما في تقديم شهادات عنهما مفعمة بالذكريات واللحظات المؤثرة.

ومن خلال فقرة “ملتقى الشارقة الخامس لأوائل المسرح العربي”، احتفى المهرجان بالمتميزين من طلال وطالبات معاهد وكليات المسرح في الوطن العربي، حيث أتيح لهم المجال للتعرف على أجواء وفعاليات الأيام المسرحية: مشاهدة العروض المسرحية والمشاركة في الندوات والمسامرات، إلى جانب مشاركتهم في البرنامج الخاص بفترة إقامتهم، وهو عبارة عن جملة من الورشات والمحاضرات التدريبية.

وخصص المهرجان “لمسة وفاء”، وهي جلسة تذكارية تكريما للفنان المسرحي المغربي الطيب الصديقي الذي رحل في 5 فبراير من السنة الحالية. وشارك في هذه الفقرة الفنانون المغاربة عبد الحق الزروالي ومسعود بوحسين وأمين ناسور وفاطمة الزهراء بناصر.

وإلى جانب هذه الفقرة، تمثل الحضور المغربي في المهرجان في مشاركة عدد من النقاد والباحثين في الندوات الفكرية وهم: محمد العزيز ورشيد بناني وفهد الكغاط ولطيفة بلخير والطاهر الطويل.

عروض متنوعة

وتتنافس على جوائز التظاهرة العروض المسرحية التالية: “ليلة” من تأليف وإخراج علي جمال لفرقة مسرح خورفكان، و”عاشوا عيشة سعيدة” من تأليف علي الزيدي، وإخراج كاظم نصار لجمعية كلباء للفنون الشعبية والمسرح، و”شيطان البحر” لمسرح الشارقة الحديث من تأليف مرعي الحليان وإخراج أحمد الانصاري، و”أيام اللولو” من تأليف وإخراج ناجي الحاي لمسرح دبي الأهلي، و”كن صديقي” من تأليف أحمد ماجد وإخراج مرتضى جمعة لمسرح عيال زايد، و”تحولات حالات الأحياء والاشياء” من تأليف قاسم محمد وإخراج محمد العامري لمسرح الشارقة الوطني، و”مرثية الوتر الخامس” لجمعية دبا الفجيرة للثقافة والتراث والمسرح، من تأليف مفلح العدوان وإخراج فراس المصري، و”سجل كلثوم اليومي” تأليف محمود أبو العباس، وإخراج حسن رجب لمسرح الفجيرة. كما يتضمن البرنامج المتعلق بالعروض المقدمة خارج المسابقة ثلاثة أعمال هي: “حاسة الاقتراب” لمسرح أم القيوين من تأليف وإخراج محمود أبو العباس، و”صوت السهارى” من تأليف عبد الله صالح وإخراج حسن يوسف لمسرح دبي الشعبي، و”بازار” لجمعية دبا الحصن للثقافة والتراث والمسرح من تأليف وإخراج محمد صالح.

كما وقع الاختيار على عرضين متميزين من عروض الدورة الأخيرة لمهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة لعرضهما خارج المسابقة: “شكسبير منتقماً” وهو معد عن ثلاثة نصوص لوليم شكسبير، ومن إخراج مهند كريم، و”قضية ظل الحمار” من تأليف فريديش دروينمات وإخراج أنس عبد الله. وكانت الدورة السادسة والعشرون من أيام الشارقة المسرحية قد افتتحت بعرض “صدى الصمت” لفرقة المسرح الكويتي، ومن تأليف الكاتب العراقي الراحل قاسم مطرود وإخراج فيصل العميري، وهو العرض الفائز بجائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي في الدورة الأخيرة من مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح.

 

كتبه  الطاهر الطويل، الشارقة.

http://dramamedia.net/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *