أوديب مغايراً لأوديب ‏أسامة سليمان

 

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

هذه السطور التي بالأسفل من مسرحية الفينيقيات على لسان اوديب بقلم يوريبيديس كانت أمراً لم أفهمه عنذ الوهلة الأولى وهكذا العظماء أن لم يجعلوك تفكر معهم فلا فائدة من قراءتهم أو متابعتهم ,على الرغم من فهمي وفهم القريبين من أسطورة أوديب يعتمد على سوفوكليس بصورة أساسية وعلى مادونه الكلاسيكيون في كتبهم عن الأساطير اليونانية,فعظمة أوديب بقلم سوفوكليس تسببت في توتر مبدئي بداخلي عند قراءتي للسطور بالأسفل التي تدور على لسان أوديب -يوريبيديس ,وهي قطعة فنية شديدة الروعة ,وذلك عند الإمعان فيها مرة تلو المرة حتى نملك ألإبتعاد عن تصور سوفوكليس لمسرحية أوديب التي هي على رأس أعمال المسرح العالمي ونقترب بخفة للمنطق اليوريبيدي, وهو منطق يثير العجب في أوله لكن مع الوقت يدعونا ليس فقط بالإقتناع به بل بالتسليم بصوابه, أولاً فلنتذكر أن أوديب سوفكليس عند اكتشافه انه هو من قتل أباه صب جام غضبه على نفسه والاكتشاف في حد ذاته يؤكد أن قتل الابن للأب تم بالمصادفة ,لأنه بحث عمن يدله على القاتل لكن بالنظر في الأبيات بالأسفل نلمح جيداً منطقية تطور الأمور الغير متروكة للمصادفة فالباعث واقعي بامتياز , فيذكر يوريبيديس التالي على لسان أوديب (ونتج عن ذلك أن والدي الذي أنجبني اعتبرني عدوه –فأي معاناة تلك فحاول قتلي وعلى هذا الأساس أصبحت عدوه, لكن خوفاً من أن يموتعلى يديّ.فأخذني بعيداً ,وأنا المتلهف الى صدر امي ليجعل مني طعاماً أحزن عليه وهو يقدم الى الحيوانات المفترسة.ولكن كضحية بائسة للقدر, قتلت والدي,)لقد أخذ يوريبيديس من الأسطورة ما يخدم نظرته الواقعية ,وترك ما عدا ذلك من خرافة فيها ,ان واقع يوريبيديس المتمرد على العادات والتقاليد باساطيرها القديمة يجعل اوديب-يوريبيديس بذلك منفصلاً عن الاسطورة فلقد بُعث من جديد مثلنا مثله وهذا ما لانجده عند سوفوكليس أن محاولة أن نقرأ مسرحية الفينيقيات على ضوء أسطورتها المستمدة منها هي قراءة فاشلة فيوريبيديس يقوم بعملية تنقيح لما هو موروث النقطة الثانية في هذا المنولوج البديع الذي على لسان أوديب,تكون التأكيد على الهم الإنساني ووحدة الإنسان في عالم يُسحق فيه, وقد عبر يوريبيديس عن ذلك ببساطة شديدة وعذوبة منقطعة النظير حيث يضرب يوريبيديس على الوتر الحساس للإنسانية عندما يذكر على لسان أوديب بعد رحيل زوجته جوكاست في الحوار المرفق هنا:(فمن المرشد لقدمي الضريرة الذي سيرافقني؟انها هي بكل تأكيد وذلك لو انها استمرت على قيد الحياة ,لكنها ماتت)النقطة الأخيرة أرى في ذلك الحوار مأساة شيخ يمكن نوعاً ما أن تنافس مأساة الملك لير وهو شيخ أيضاً وان كان ليوريبيديس سبق اللعب على هذا الوتر “مأساة شيخ “بالنسبة للير فنبرة الغضب تعلو بالصياح تارة والجنون والهذيان تارة أخرى ,أما أوديب نبرة الضعف والاستكانة والتسليم بالحقيقة يعد شيئاً جديداً بالنسبة لي في رسم صورة مأساة الشيخ فيتناسب الأمر بذلك مع سن وشيخوخة أوديب ,فتلك واقعية يوريبيديس ,النقطة الأخيرة أن يوريبيديس يناقض هوميروس بصورة واضحة إن مشهد أستعطاف بريام من أجل أسترداد جثة ولده هيكتور من أخيل يأبى يوريبديديس تكراره هنا لاحظوا تلك الجملة في الحوار المرفق( لو أنك نفيتني من هذه البلدة لكنني لن العب دور الجبان,فتحيط ذراعي بركبتيك,متوسلاً)النقطة الأخيرة التي تؤكد أن محاولة أن نقرأ مسرحية الفينيقيات على ضوء ألأسطورة اليونانية المستمدة منها هي قراءة فاشلة وذلك في سطر لم أدركه في مطالعتي له في الوهلة الأولى حيث يذكر يوريبيديس على لسان أوديب التالي:(فلست من الغباء أن أفكر بسلب نفسي من نعمة الإبصار فيحيا أبنائي دون مساعدة) لم أفهم المقصود في الوهلة الأولى ,لأن ما أدركه أن أوديب فقأ عينيه بارادته كما نفهم من الأسطورة وسوفوكليس لكن التدقيق في السطر يؤكد ان يوريبديس لم يدفع به عبثاً فهو يشيع جواً خاصاً يوريبديي وكأن أمر فقأ أوديب لعينيه مجرد أشاعة تدور في المدينة وكأنه فقدها من الحزن بكاء على مصيره.وتلك نظرة واقعية سبق بها عصره,فالباعث واقعي يُذكر ضمنياً .كما يرد ويحدث ذلك بعد عشرات القرون في مسرح تشيخوف في النهاية مسرحية الفينيقيات هي مفاجأة النسبة لي لم أكن أتوقع ان لدى يوريبيديس المزيد لكي يقدمه وأكرر كما كررت من قبل يالها من دهشة أن ينسج يوريبديس مسرحيته الجديدة بنفس الخيط الذي نسج به مسرحيته القديمة دون ان يفقد االتأثير الدرامي,في النهاية أوديب أحد أضلاع فهم مسرحية الفينيقيات فهناك أضلاع أخرى ربما أتسع الوقت لدي فيما بعد لمناقشتها.

أوديب :أواه أيها المصير ,لقد أثقلتني ببؤس منذالبداية.وذلك حتى من قبل أرى
هذه الحياةفي رحم أمي,فلقد تنبأ أبولو الى لايوس بان طفلاً لم يلد بعد
سيقتل اباه,أواهمن عذابات يجب علي تحملها!فلم يمر وقت حتى ولدت
ونتج عن ذلكأن والدي الذي أنجبني اعتبرني عدوه –فأي معاناة تلك
فحاول قتلي وعلىهذا الأساس أصبحت عدوه, لكن خوفاً من أن يموت
على يداي.فأخذنيبعيداً ,وأنا المتلهف الى صدر امي ليجعل مني طعاماً
أحزن عليهوهو يقدم الى الحيوانات المفترسة.ولكن كضحية بائسة للقدر,
قتلتوالدي,ثم أتخذت من أمي المسكينة زوجة لي وأباً لأطفالها,وأخوهم
أيضاً,الذيندمرتهم بسبب تسلط لعنة لايوس التي قدرت علي.فلست من
الغباء أنأفكر بسلب نفسي من نعمة الإبصار فيحيا أبنائي دون مساعدة الإله
.لكن على أيحال ما الذي يمكنني فعله الآن أنا البائس ضحية هذا 1610
المصير؟فمنالمرشد لقدمي الضريرة الذي سيرافقني؟انها هي بكل تأكيد وذلك
لو استمرتعلى قيد الحياة ,لكنها ماتت,وماذا عن ولداي اليافعيين ؟ فلقد
رحلا.اويمكنني ان أجد الطاقة التي تعينني على اعالة نفسي؟مستحيل!كريون
لم تقوم بعملتام يؤدي لقتلي؟فسوف تقتلني لو أنك نفيتني من هذه البلدة
لكنني لنالعب دور الجبان,فتحيط بذراعي ركبتيك,متوسلاً:وذلك1620
بالرغم منحظي البائس , أنا أرفض أن أذل نبل محتدي الذي كان ذات
مرة يكسوني.من مسرحية الفينيقيات بقلم يوريبيديس

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *