أبطال جودي يحبسون أنفاس جمهور الوطني

أبطال جودي يحبسون أنفاس جمهور الوطني

فائز جواد

قراءات نقدية لمسرحية خيانة 1-2

ليست المرة الاولى يشهد فيها المسرح العراقي عموما وخشبة المسرح الوطني خصوصا  مفاجأة من العيار الثقيل بطلها الفنان المجتهد المسرحي الدكتور جبار جودي الذي عرفناه عرابا للسينوغرافيا ومخرجا ينفرد ويتالق ويدهش جمهوره في عروض مسرحية متكاملة تذهل المتفرج الاكاديمي قبل الجمهور الذي صار يتابع اعماله ولايفوت فرصة المشاهدة لما تمتلك من حرفة مسرحية انفرد بها جودي الذي عرفته مجازفا بل ويعشق الغور ويتحدى ان يخوض في اعمال مسرحية ربما تعد من المجازفات التي يتردد ان يخوضها الكثبير من الاسماء المسرحية نعم عرفته منذ كان طالبا في معهد الفنون الجميلة يدرس ويشارك ويستمع ويناقش ويواجه ويتحدى ويختلف ولايساوم على مايحمله من افكار قادته في النهاية الى نيل شهادة الدكتوراه باقتدار وامتياز لنفتخر به نحن طلبة قسم المسرح بمعهد الفنون بل وفخرا للذين سبقوه بالدراسة ولغاية اساتذته الذي يكن له جودي كل الاحترام والتقدير مصرا على انهم اساسا في مشواره وهذا هو ديدن الناجحين في كل المشاهد الفنية والثقافية.

 نعم هكذا هو المخرج جبار جودي يحمل بدواخله افكارا جميلة ليس على صعيد المسرح بل في كافة المشاهد اليومية الامر الذي اهله ان يكون افضل من قاد ادارة المسرح الوطني الذي انتعشت مرافقه وقتها بل ويسهم ويناقش ويقترح بما يخدم ويطور المسرح والمشاهد الجمالبة في عموم العاصمة بغداد هكذا هو جبار جودي فنانا عاشقا للسينوفرافيل للاخراج للتاليف المسرحي للتمثيل في الدراما العراقية واجزم انه لو خاض تجربة اي مشروع فني وثقافي سيتفوق بجدارة . واليوم وبعد ان شهدت مسرحيات جادة قدمت على خشبة المسرح الوطني في وقت ليس ببعيد شهدت  حالات جعلت من المؤلفين والمخرجين يترددوا في تقديم عرض مسرحي جاد ويمكن لمدة يوم او يومين خاصة وان الجمهور كان نخبوياً او من العامة يبدا ومنذ الربع الساعة الاولى او الثانية من العرض المسرحي يبدأ بالانسحاب واحدا تلو الآخر لاسباب لااريد الخوض فيها بالتالي صار المخرج ومعه المؤلف الى الممثلين والفنيين وجهة الانتاج يقفون ويفكرون طويلا قبل الدخول الى مضمار تقديم عمل مسرحي جاد . الفنان جبار جودي الذي كمان يعلم هذه الحقيقة وربما تابعها وعاشها قرر ان يخوض التجربة ليؤكد انه موجود  عاشقا للمسرح  عاشقا للمجازفة ومواجها اي راي ضد او مع  نعم يؤكد احترامه للجمهور بطبقتيه النخبوية والعامة  ولجودي تجارب في تقديم اعمال لاتخلو من المجازفة وبالتالي نالت اعجاب وادهشت كل من تابعها  اليوم يقدم لنا جودي ومن ستة اعمال وروائع شكسبيرية مسرحيته خيانة وعلى مدى ايام حبس فيها انفاس الجمهور المسرحي الذي حرص على متابعة العرض للدقائق الاخيرة وهذا هو النجاح بعينه . بالتالي حرص جودي على ارسال رابط العرض الى مسرحيين عرب  تعذر عليهم الحظور ومع من حظر العرض المسرحي من المسرحيين الاكاديميين لينال العرض المسرحي خيانة اضافة الى اراء ومحبة الجمهور نال واستحق  آراء كتبت وقيلت بحق خيانة جودي.

روابط الانترنت

 ( الزمان ) استقتطفة جزءاً من هذه آراء الاكاديميين المسرحيين والمختصين والذين حضروا العرض المسرحي او شاهدوه على روابط الانترنت وبكل تاكيد  اضافت للمسرح العراقي الكثير من التفاؤل ولجودي الثقة والتفكير بمشاريع اقوى جرأة ومجازفة نحو مسرح عراقي جميل يرتقي الى الذوق والخطاب والحس الجمالي

هذا ماشاهدت عملا جديدا للسينوغراف و المخرج العراقي جبار جودي العبودي، عن طريق رابط يوتوب بعنوان (خيانة ) عن ستة مسرحيات من روائع شكسبير قدمه منذ ايام قليلة بالمسرح القومي ببغداد..

فكتب المخرج التونسي حافظ خليفة مايلي ( مازال الجمهور التونسي يتذكر عرض روميو وجولييت في بغداد للمخرج مناضل داود ،الذي تم تقديمه بتونس منذ سنة بالدورة الفارطة لمهرجان أيام قرطاج المسرحية ،وقد نال استحسان الجمهور ، لتعامله الذكي مع أهم روائع شكسبير و مزجه بالواقع العراقي الطائفي المتردي و قد كان به جودي سينوغرافا )..

وتسائل خليفة (خيانة ماذا ولمن؟ ): العمل يراوح بين الجو الكلاسيكي و الكوميديا السوداء. .بين الأصل والفرع..بين التاريخ و الواقع المعيش..بين الألم و الضحك عليه..بين المسرح و اللامسرح ..بين الصورة و الكلمة..بين اللغة المسرحية والسينمائية..بين أجساد تتحرك و أخرى محنطة بلوحات فوتوغرافية..باستعمال محبك للفضاء في جميع أبعاده .. طارحا مفهوم الخيانة قديما وحديثا ..لقادة و زعماء و أبطال (هاملت،ماكبث،ريتشار 3?يوليوس قيصر،عطيل ) بفضح مباشر إلى حد التقزز والاشمئزاز لما خلفته الخيانات من ويلات و دمار للشعوب وخاصة للشعب العراقي،الذي شاهدناه من خلال صور الداتاشو ،اسيرا تائها تحت لهيب الانفجارات و الاغتيالات وخصاصة المعيشة..واقعا تحكمه همجية الرجل مع المراة و القائد مع شعبه و حتى الحبيب مع حبيبته..بتدخلات جد موفقة لصوت الكبير حيدر منعثر الذي تقشعر له الابدان ).

قتل الزعيم

ويضيف ( و لكن لا أشارك رأي المخرج فقط في أن قتل الزعيم أو الدكتاتور خيانة بل هو عمل بطولي بالنسبة للشعب، و ربما يكون أصح أن الخيانة الحقيقية هي خيانة الشعب من خلال الاستحواذ على المنصب:مكبث و ريتشارد و يوليوس، هم ضحية خيانتهم للشعب، إذ لا بد من تحديد مفهوم الخيانة من اي زاوية نراها..و لا أجد هنا افضل من ان اضع اصبعي على مثال أليم كي يتضح مفهوم ما أعنيه: مثل موت صدام حسين الذي يرى في موته الكثير من التونسيين خيانة من طرف أبناء شعبه لتحالفهم مع الأمريكان ويراه شهيدا و زعيما عربيا لا يشق له غبار..  في حين يرى الكثيرين من الشعب العراقي الذي عان الأمرين من سطوته وجبروته نصرا عظيما للإطاحة به و قتله و تصبح خيانته فخرا صريحا و معلنا. ..و لكن في النهاية الخيانة واحدة..الحاكم أم المحكوم..الراعي أم الرعية). حقيقة اثارني كثيرا هذا العمل. بمراجعه الكلاسيكية العميقة و ببساطة طرحه الواقع اليومي العراقي ،مما يجعل منه مميطا للثام..و معريا لمصير مجهول لوطن ينزف دما و لشعب قدره أن يعيش و يعايش عبر تاريخه الخيانات تلو الأخرى، و لعل أعظمها لشهيد الحق الحسين بكربلاء الخالدة).. ويختتم (مسرحية خيانة تستحق المشاهدة و الجدل واتمنى ان تكون بيننا في تونس بالدورة القادمة لمهرجان أيام قرطاج المسرحية) . وكتب الدكتور حسين القاصد عن احداث الخيانة (  لعل من شاهد مسرحية “الخيانة”  وجد نفسه وجها لوجه مع الميتامسرح في أول المشاهد، وذلك حين مازج المخرج ـ وهو المعد نفسه ـ بين السينوغرافيا والميتامسرح في عمل ناضج هو الأول من نوعه في تاريخ المسرح العراقي؛ فإن سألتني عن الممازجة بين المتلقي والجمهور سأذكرك بالدخول الذي يكسر افق العرض المسرحي، واعني به دخول مراسلة احدى القنوات الفضائية لتبدأ بمحاورة الممثلين ثم تعلن مصاحبة الميديا واشتراكه مع الكادر الى نهاية العرض، وهذه العملية التي زجت بطريقة ذكية لم تمنع من استمرار التشويق، لكن ان تجتمع السينوغرافيا التي هي السينماتوغرافيا بكل تمثلاتها من فوتوغراف او تمثيل، أن تجتمع  والميتامسرح مع نسق ثقافي خطير هو نسق الاتكاء على المشهور لشرعنة الطرح وجعله بعيدا عن فضول سلطة القانون، فهذا أمر عظيم ويستحق الكثير من التأمل.  لا بد من الاشارة الى ان المسرحيات الجادة لاسيما ما يطرح بالفصحى منها كانت تعرض بشكل احتفائي وتعتمد على الدعوات الاخوانية ويكون الدخول الى المسرح مجاناً ؛ فإذا حصل ان امتلأ المسرح فقل إن هناك احتفالا كبيرا أو مناسبة حكومية، قد تستدعي قطع الشوارع المؤدية للمسرح ؛ لكن المسرح الوطني امتلأ برغبة تامة، فقد كانت للجمهور تجربة سابقة مع جبار جودي في “السجادة الحمراء”  كما ان العمل عاد بالفائدة للمسرح فقد كان الدخول مقابل ثمن، مع ذلك امتلأ المسرح تماما ).

نسق الاتكاء

ويتابع ( واذا عدنا الى نسق الاتكاء على الموروث الذي يشرعن الطرح، فإن كل الاعمال الادبية كانت تستدعي الموروث اتكاءً، كي تختفي خلفه، لكن جبار جودي اصطحب الموروث (اعمال شكسبير ) الى الحاضر دون الحاجة لجعله سنداً قانونيا يحميه من ثورية الطرح، بل استدعاه في توأمة غريبة ليخلط بين النسق الثقافي والتداولية بصفتها الذرائعية، فكان الماضي والحاضر يثوران في المسرح الوطني ضد كل الخيانات، فتداولية الخطاب الثقافي أدت هي الأخرى دوراً تمثيليا في الخيانة، فبغض النظر عن ذرائعية المعنى الجامد في الكلمة، يجعل جبار جودي نغمة هاتف احدى الشخصيات النسوية “يا ست الحبايب”وبصوت كاظم الساهر، والمضمر ثقافيا ان البنت خرجت بلا علم امها لكنها تحاول التعويض بـ (ست الحبايب) كعزاء عما لاتعلم به أمها، فضلا عن غاية سماعها بصوت الساهر !!، ولو اتسع لنا المقال لوقفنا عند دلالة (ابو المولدة ) لأن النطق باسمه كان على لسان من تمثل الوطنية! وهي ذرائعية باللهجة الدارجة تصلح ان تدخل الدرس التداولي، شكرا لجبار جودي وكل كادر العمل لأنهم اعادونا الى كراسي المسرح بمنتهى الرغبة).الدكتور لبيب مالك المطلبي كتب  ( اشكالية الاستخدام والتبادل في العرض المسرحي : خيانة افترض العرض المسرحي المعنون : خيانة ، تموضعة له قد تجلت في صورتين تضمنتهما عملة العرض الواحدة : اولا : صورة الاستخدام  وهي تلك الصورة التي كانت مدار لعبتها سلسلة انتقاءات واضحة من الارث الشكسبيري المسرحي وهي مجموع كتابات ادبية افترضها شكسبير في نصوصه من خلال : 1 –  خيانة مكبث  – خيانة لير  – خيانة هاملت -4  خيانة يوليوس قيصر– خيانة عطيل – خيانة رتشارد الثالث . اذن ، هي مجموع انتقاءات استدعاها المخرج لإعادة هيكلة الحياة فيها ، لا على اساس كليَاتها النصوصية المنفردة  بل على اساس استخدام جزئيات تلك النصوص وحسب الطبيعة الاختيارية للمخرج ثقافة ومزاجا .انه استدعاء حر تضمن دلالة الخيانة ، وبغض النظر عن قراءتها سلبا او ايجابا . انه تلازم معها في نسقها التأريخي . وبذات الوقت ايضا لزم اختياره مجموع مشاهد عرضية تدلَ على العنف الدموي الذي يشهده الحاضر العراقي ، وكذلك بعض ( خيانات ) السلوك المجتمعي الذي يؤدي الى تأصيل انهياره المدني او الاعتباري او الاجتماعي ويمكن تبيان تلك الخيانات الحادثة في المشهد العراقي الآني على نحو :  خيانة سفك الدم العراقي الذي نتعرض اليه كل يوم . – خيانة السلوك الاسري الذي يفضح ازدواجية الفرد . – خيانة بعض مبادئ الاجتماع العراقي في تحييد المرأة  ).  ويتابع ( كل هذه الاستخدامات التي طرحها المخرج بغية تسويقها كمفردات بنائية او دلالية في سوق العرض المسرحي خيانة مع تأكيده ان تلك الانتقاءات لمجموع الخيانات وبغض النظر عن التوصيف الموضوعي لمسمَى خيانة جاءت كلها كرمية نرد ضرب السلسلة النسقية وعرَض نظام تلك السلسلة المخبوء مرجعيا الى حركة صراعية لا يقصد منها اعادة ترتيب نظام الخيانات او الاحداث بقدر الاكتفاء في عرضها ) .

ثانيا : صورة التبادل وهي تلك الصورة التي قدَم المخرج عن طريقها رؤيته : ان ما يحدث في النص الشكسبيري من خيانات يتماثل او يتقابل بالتوازي عبر استدعاzه من بطون تاريخية النصوص الادبية مع وقائع يومية ومبادئية تحدث في الشارع المحلي العراقي الآن ، سواء على مستوى الامن الوطني او الامن المجتمعي . ثم عمد المخرج عبر رؤيته الى قطع النص الشكسبيري بإبداله بواقعة محلية ، وصار الحدث عند شكسبير يتقبل انتقاله نحو حدث محلي ولأن دلالة العنوان خيانة مطابقة للتسمية ابتداء ، جاءت لعبة تبادل الاحداث كلعبة لـ (عرض) الاحداث والتي وان كانت زمانيا متباينة ولكنها من حيث الموضوعية كانت دلالية متقاربة . ولهذا جرَنا المخرج الى مقاربة بين رحلتين من الخيانات : رحلة الخيانة في سردها المسرحي ورحلة الخيانة في كونها وقائع عراقية آنية نعيشها كل يوم .

——————————————————–

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – الزمان

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *