التهشيم والمغايرة في مركز ما بعد الحداثة

وهاب بيرم
دة.رقية وهاب بيرم

التهشيم والمغايرة في مركز ما بعد الحداثة

د.فاتن حسين ناجي

د.رقية وهاب بيرم

   انتهجت دراما ما بعد الحداثة اساليب المغايرة والتهشيم وعمدت الى كسر مألوفية الاحداث وصيرورتها المنطقية نحو تشظيها وتفكك اجزائها وتولد الاحداث بشكل غير منطقي وعدم تطابق بدايتها مع وسط ونهاية احداثها، فتبدأ أحداث المسرحيات من وسطها وتتولد الاحداث تباعاً الظاهرة والمختفية والمتمثلة بالمسكوت عنه أو ثنائية الحضور والغياب. حيث تغدو للنص فعالية قرائية ابداعية، تعتمد على الطاقة التخيلية للرمز والدلالات في تلاقي أو تباعد بواعثها مع افق تلقي المتلقي بحرية تامة دون التقيد بالبحث عن البؤر والمركز منتقلاً بين داخل النص وخارجه بحثاً عن التوترات والتناقضات وسط شبكة النص ودلالاته.

   فقد تهمش دور الحبكة في النصوص الدرامية الملحمية واللامعقول ودراما ما بعد الحداثة وهدمت انساقها الدرامية اذ تحول الانفتاح بالقراءات المتعددة عبر سلسلة توالد الاحداث وتناقضها وتواترها وعبر ملء النص بالفجوات ذات الدلالات الفكرية التأويلية وذلك عبر اختراق وهدم وتهشيم القبضة الحديدية التي تمسك بخناق كل مسرحية والانفلات من الاساليب النمطية التكرارية في بناء النص للوصول إلى جمالياته الفلسفية برؤى فكرية لا متناهية تعتمد المغايرة والاختلاف. وكذلك عدم الركن إلى الاسلوب المنطقي بل كسر المنطق واختراق المألوف وتهشيم الحداثة بشظايا افكار النصوص وتمويه معنى دلالاته وصولاً إلى التيه في المعنى والتأويل الدلالي المتواصل وهذا وجدناه في نصوص ما بعد الحداثة اذ يهشم الكاتب الما بعد حداثي بنيات نصوصه ليجد التواصل الثقافي عبر فتح بوابات جماليات التلقي وتطبيقاتها على اسلوبه في كتابة نصوصه التي تخترق الزمن بماضيه وحاضره ومستقبله.

حيث اعتمد المؤلف على تقنية عدم تكامل الدال مع المدلول. فيعمد كاتب النص الى خلق شفرات والغاز بفعل تقنية المغايرة والاختلاف لذلك صاغ كتاب مسرح اللامعقول بصورة خاصة شخصياتهم عبر فعل التفكيك لكسر النمطية وتفكيك الظروف المحيطة بها وفق تقنية (المغايرة والحذف والاستبدال والمفارقة والمناقضة والحضور والغياب والتهميش والاقصاء). فالمركز يصبح هامشاً والهامش يصبح مركزاً، إذ انفتح المؤلف على رؤية نصية جديدة من خلال تضمينه شفرات ورموز وفجوات تختبئ دلالاتها في أفق التأويل والاحتمال. لجعل المتلقي باحثاً وراء المعنى الغامض والفكرة الخفية مفسراً علامات النص وشفراته في نسيجه الدرامي مما يؤسس كاتب العبث بصورة خاصة لنصه آفاق جديدة مفتوحة الاثر تعتمد على الاختلاف والمغايرة واللعب الحر على الدوال في شعرية فكرية جمالية تخترق المغلق وتحرك الثابت وتخلخله. وتنخرط في سياقات مغايرة تؤدي حتماً إلى إنطلاقات فكرية جديدة تساعد العقل على إعادة النظر في منطلقاته نحو قراءة الاشياء .

وهذا ما نجده في نصوص ما بعد الحداثة التي اعتمدت على فلسفة الحضور والغياب وتهميش المركز وابراز الهامش واتخذ بعض الكتاب من اسلوب قلب الادوار ومغايرة الافعال والاقوال والاحداث ليجعل الشخصية مفتوحة الاثر شكلية الابعاد غير متوافقة مع جوهرها لتكون خيالية وآلية تعتمد فلسفة المغايرة. كما كان الاهم هو السعي الى انتقال الشخصيات من حالة الانغلاق إلى الانفتاح تارة ومن الانفتاح إلى الانغلاق تارة اخرى في احداث تناقضية تفارق وجودية الشخصيات ونهاية مصيرها.  وعولمة الاجناس وكسر النمطية في الاحداث اسلوب احتفى به بعض الكتاب ايضا في مسرح مابعد الحداثي ليخطوا خطاطة الخطاب المفتوح. اذ اتخذوا من التشظي وتهميش المركز وانزياح المعنى وقلب النص المركزي اساليباً لفتح طبقات النص وعدم توافقية بنيته السطحية مع العميقة وخلخلتها وكسر حقولها المغناطيسية لجعل المتلقي يبحث عن معنى المعنى.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش